عرض مشاركة واحدة
قديم 03/11/2007   #106
صبيّة و ست الصبايا وشم الجمال
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ وشم الجمال
وشم الجمال is offline
 
نورنا ب:
Aug 2007
المطرح:
جبين الشمس
مشاركات:
4,561

افتراضي


المعتدى للجلاء عن القرية فبعد أن قتل تسعون شخصاً " هرب دار عودة ( من ارطاس ) إلى وادي فوكيين، وهربت عشيرة ربيع إلى قرية خنزيرة ( الكرك ) وهربت جماعات أخرى إلى الخليل وبيت أمر وعجور، واستغرق الارتحال هذا اكثر من مائة عام، وفى عام 1830 عاد الناس إلى ارطاس، وفى عام 1828 زارها إدوارد روبنسون ليذكرها تحت اسم " قرية ارطاس الخربة " وليقول " ما زال المكان مأهولا وعلى الرغم من ان البيوت كانت مجرد خرائب وإطلالا فان السكان يقيمون في الكهوف وبين الصخور.
أسهمت غارات البدو على القرى في استمرار خراب البيوت، ويروى ان أهل ارطاس الذين عادوا لقريتهم بعد الأحداث الآنفة الذكر، لم يستطيعوا إعادة إعمار القرية بسبب غزوات عرب التعامرة، واستمر أهل ارطاس يعيشون في القلعة الخربة والواقعة مقابل برك سليمان - على الطريق من القدس إلى الخليل - وفى النهار كان أهل ارطاس يأتون إلى القرية لزراعة الأرض، وفى الليل يتراجعون إلى القلعة.
وحصل نفس الشيء في ارطاس عام 1848.
ونجد أمثلة أخرى صارخة في ما كتبته السيدة فن زوجة القنصل البريطاني في فلسطين والتي عاشت سبعة عشرا عاما ونصف العام في البلاد، تمكنت فيها من إتقان اللغة واتصلت اتصالاً مباشراً بالعامة من الشعب الفلسطيني.
وهى تحدثنا عن " قرى كاملة أرسل كافة الرجال فيها إلى التجنيد في جيش السلطان العثماني، ولم يبق أحد ليقوم بمهمة اعمار القرى، كما تحدثنا عن " الحرابات " التي كانت تجرى بين أهال القرى المنتظمة في صفوف " القيس" وتلك القرى التي في صفوف " اليمن " وتقول " كانت النار تشتعل في كل قرية.
لقد تضافرت أحداث تاريخية وتقاليد عشائرية قديمة على بعثرة السكان و إعادة توزيعهم، نأخذ ذلك مثالاً قويا ما ذكره الراوية " موسى ابو علقم " لقد تشرد هذا الرجل سنوات طويلة في البلقاء هرباً من التجنيد الإجباري التركي، وجعل من نفسه بدوياً اسمه " سالم، تاركاً قريته " دير نظام " - رام الله - عدة سنوات، وبعد ان عاد إلى قريته بعد طوال غياب تورط في حرب عشائرية ثأرية بين أهل قريته و أهالي مسكة ( طولكرم ) وبدأ رحلة الشتات شمالاً ماراً بقرى: الطيبة، جت، باقة الغربية، الخضيرة، عرب الحوارث، ام الدفوف، السنديانة، الشفية، وأخيراً استقر في قرية السنديانة.
ان مثل تلك الأحداث أدت إلى ما يلي:
1- نلاحظ من خلال المرويات وقراءة كتب الرحالة ان عدد القرى كان ( في أوائل هذا القرن ) ضئيلاً بالنسبة لمساحة الأرض.
2- حجم القرية الواحدة صغير والبيوت ضئيلة البنيان وصغيرة لدرجة حجم الأكواخ، لكن هذه القرى كانت مغمورة بالطبيعة الخضراء من بساتين وحدائق يانعة كما يصفها القنصل الذي زار ارطاس بصحبة باشا القدس عام 1854 ودهش لجمالها وخضرتها.
3- كثرة وجود الأماكن الخربة والمدمرة سواء ما دمر منها منذ أيام الكنعانيين او ما دمر منها في القرون الوسطى.
وليس الحال بأفضل في الأحداث المعاصرة، ففي أحداث ثورة 1936 في فلسطين، كانت قوات عسكرية بريطانية تخلى البيوت من أصحابها لتنسفها بدعوى قيام أهلها بإيواء الثوار ودعمت حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين أطماع اليهود في شراء وسلب الأرض العربية، واستعملت الجندرمة لإخلاء المزارعين من بيتهم بقوة السلاح، مثل ذلك حصل لعرب الحوارث بعد أن باع آل سرسق ارض مرج بن عامر، وفى مستهل حرب عام 1948 مارست العصابات الصهيونية حرب إبادة وترويع بهدف إجبار الناس على ترك بيوتهم والفرار من وجه الفظاعة والوحشية وعندما كانت العصابات الصهيونية تجد عدداً قليلاً من الناس في قرية كانت تدفعهم للانضمام إلى أهل قرية أخرى ثم تجبر الجميع على الاتجاه شرقاً وبعد عام 1948 كانت القوات الإسرائيلية تعبر الحدود إلى الضفة الغربية لتدمر البيوت وتنسفها فوق رؤوس الآمنين بحجة الانتقام من رجال المقاومة، وحصل ذلك في العديد من الأماكن مثل: قلقيلية، وقبية، ونحالين، وحوسان، وفوكين، والسموع وخلال سنوات الاحتلال الطويلة تركت قوات الاحتلال جماعات من أهالي فلسطين المحتلة يعيشون " لاجئين فلسطينيين " داخل فلسطين المحتلة مثل ذلك حصل لأهالي قريتي أقرت وكفر برعم، ان هناك " حرباً سكنية " قائمة تديرها حكومة إسرائيل ضد شعب فلسطين العربي، فهي تمنع العرب أو تعرقل رغبتهم في بناء بيوت جديدة وفى نفس الوقت تبنى آلاف المساكن لليهود الغرباء، إن الحكومة الإسرائيلية تلجأ لأساليب شتى لمنع الناس من بناء بيوت جديدة بهدف تقليص وجود البيت العربي وبالتالي تقليص وجود الإنسان العربي، وعندما استولى المعتدون الإسرائيليون على الضفة الغربية بعد حرب 1967 هدموا بيوت قرى كاملة مثل يالوا وبيوتا أخرى كثيرة في قرى مثل زيتا وقلقيلية واستعملت قوات الاحتلال قوانين تبيح للحكام العسكريين نسف أي بيت يقتنعون أن صاحبه هو من رجال المقاومة أو من المتعاونين معهم، وقد هدموا بيتا بحجة ان أماً بها ابنها الفدائي ذات ليلة وهو جائع وعطش فأطعمته وأسقته واعتبر ذلك " تعاونا مع العدو " وهكذا عندما نسمع السامرين في قرية فلسطينية يغنون:
يا دار من عدنا كما كنا
لاطليك يا دار بعد الشيد بالحنا.
فأننا نفهم من وراء تلك الكلمات صدى كل تلك الزحوف من قوات الاحتلال، وليس ذلك عبر القرون الأخيرة بل وعبر تاريخ هذه المنطقة التي توالت عليها زحوف قوات شعوب ما بين النهرين مصر، بلاد اليونان والرومان والأتراك والمماليك.
ان المسألة هي مسألة " توارث الحزن " فالمآسي التي خلفتها أعمال العنف والقسوة ترن في ضمير الشعب وتوارثها الأجيال، والا كيف نفسر أن وجدان شاب لم يكمل السنة العشرين من عمره يغنى للدار فيملأ جنبات المكان حزناً على الدار التي كانت عالية فأصبحت أطلالاً إذ يقول:
يا دارنا يا دمعة المسكين
يا دارنا يا بسمة الحلوين
يا دارنا يا رمز للإنسان
يا دارنا زهرة بفلسطين
ان مثل هذا الشاب - الشاعر الشعبي موسى حافظ موسى - لم يرد داره التي هجرها أبوه، ولم تكتحل عيناه بمرآها، ولم يكن هناك تماس مادي بينه وبين الدار، انه لم يبين دارا ولم يخسرها، لكنه رضع الحزن على فراق الدار من والديه وعاش في مجتمع يبكى حزناً ولوعة على خسارته للدار والأرض وهو كشاعر شعبي وابن شاعر شعبي ذائع الصيت عكس الحزن الذي يعتمل في صدر شعبه.
ان هناك العديد من النصوص التي تتحدث فيها الأغاني والأشعار الشعبية بلهجة الحزن الذي يفتت الأكباد على الدار المهجورة ومن الصعب جدا على الباحث المعاصر ان يربط بين كل أغنية حزينة وبين الحادثة التاريخية السريعة التي قذفت بالسكان بعيداً عن بيوتهم، ولم تظل لهم سوى الذكريات والحزن من وسيلة للارتباط بالدار المهجورة، ان مقطوعة مثل:
يا دارنا يا أم الحجل والطوق
يا عالية مشرعة لفوق
يا دارنا يا أم الحجر لحمر
إحنا رحلنا وغيرنا توطن
يمكن أن تنسحب على كل الأحداث المريعة التي تعرض فيها الفلاحون الفلسطينيون للهجرة من بيوتهم، لكن هذه الفقرة والتي تقول:
يا دارنا ان نزلوك عربان غيرنا
توصى بهم ياد دار حتى نعاود

تباً إننا جيل كامل من الانتظار .. متى نفرغ من الصبر .. و من مضغ الهواء ..


اتعرى من الجميع كي أجدني,,,,
فأضيع !!!!

حاولتُ أن أغرق أحزاني في الكحول، لكنها، تلك اللعينة، تعلَّمَت كيف تسبح!
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04768 seconds with 10 queries