الدار مصدر فخر: ان وجود الدار لدى الإنسان في الوسط الشعبي وعلى الأخص إذا كانت كبيرة وجميلة وحديثة، فهو مصدر فخر وتباه، ونجد هذا التفاخر ينساب في الأغاني النسوية الشعبية وفضلاً عن كون الدار مسكنا للأسرة فهي أيضا تحقق أهدافا أخرى تتفاخر بها بداعة الأغنية الشعبية ومن هذه الأهداف ان الدار الواقعة على الطريق العام او على مفترق الطرق هي المكان الذي يقصدها الضيف والعطشان.
لمين هالدار الكبيرة
هللى ع جال الطريق
هذى الاك يا ابو فلان
والعطشان يبل الريق
ونسمع في أغاني نساء بدو النقب التفاخر بوجود الدار الواقعة على " الدربين " مفترق الطرق " وقد ارتفع صوت " دق القهوة " كدعوة مفتوحة لكل الناس للمرور بهذه الدار وتناول القهوة.
دامت عينك يا عابد
بانى بيتك ع الدربين
يللى قهوتك بتدق
وفناجيلك ع الصفين.
ان بناء الدار هو دليل على القدرة المالية، وبالتالي فان إثبات هذه القدرة يتم عن طريق بناء بيت و أبرزها كدعم للادعاء بتلك القوة.
لولانا مقدرين ما عقدنا عقود
لا جبنا من بنك ولا بعنا زيتون
وتظهر الدار الكبيرة والجميلة مصدر فخر في كونها تصلح لاستضافة " العسكر " ان كلمة العسكر هنا ترمز لكل الحكام الذين تعاقبوا على ارض فلسطين، وكما هو معروف فان اولئك الحكام الأجانب والمستعمرين كانوا يمثلون أشكالا من القمع والعسف تتجه دوماً لابتزاز الشعب وتجاوز حقوقه، وكان الشعب يثور عليهم ويحاربهم ثم يضطر في بعض المراحل لاسترضائهم ومسايرتهم، وهل هناك ما هو أفضل من الدار الكبيرة لاستضافتهم ؟
الله يجيرك يا ابو فلان
باني دار معلى دار
بعد روحى يا عمى
مثلك في الكرم ما صار
لمين هالدار الكبيرة
اللى فيها صحن أخضر
هذى الك يا عمى
تعزم ع كل العسكر
ومن ناحية سلبية تحس بان التفاخر بوجود بيت قد ينقلب للإساءة للناس من خلال التعالي عليهم، وهكذا نجد في الأقوال المأثورة نقداً للمرأة التي تتعالى على الناس بسبب وجود بيت لها مثل:
- صار لام اشخيت بيت، مغرفة وابريق زيت، أي أم اشخيت تعالت على الناس بعد ان اصبح لها بيت.
ولقد أحس شعبنا ومارس مرارة الإحساس بأنه يقيم على أرض غير صلبة وانه مهدد بالجلاء دائماً عن بيته، أو مهدد بان يموت تحت انقاض بيته، ومن المؤسف والمؤلم ان يواكب هذا الإحساس ضمير شعبنا منذ العهد العثماني وحتى الآن ، ان الذي يلقى نظرة على المراجع التاريخية التي تتحدث عن حياة شعبنا في القرن التاسع عشر أو يستعرض الصحافة اليومية التي تسجل تشريد شعبنا ودمار قراه ومساكنه ابتداءً من أوائل هذا القرن وللآن يلاحظ بوضوح القمع المنظم والسحق المتواصل الذي يعانيه هذا الشعب، ويتمثل في ضربه بدون رحمة وبلا هوادة، ان سبايردون مؤلف " اليوميات الفلسطينية " كذلك محرر الأخبار في أي صحيفة يومية معاصرة يوصلاننا إلى نفس النتيجة، ففي فترة مقاومة الفلاحين لحملة إبراهيم باشا كان يشرد أهال قرى بأكملها ويذبح الرجال بالعشرات والمئات وتدمر أشجار الزيتون للانتقام وفى فترة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تسحق القرى عن آخرها، وتدوس البلدوزرات أكواخ الخشب والصفيح في المخيمات، وتقطع أشجار البرتقال في غزة وقلقيلية، وتسمم الطائرات مئات الدونومات من المحاصيل، وتتعدى الآلة العسكرية الإسرائيلية الحدود العربية لتلاحق الرشيدة والبداوى والبارد، وتزول مخيمات عن الخارطة مثل طبية وكرنتينا وتل الزعتر في الحرب الأهلية اللبنانية بتأييد مباشر من الإسرائيليين.
ويبدو أن الظروف المعاكسة مستمرة في مواكبة هذا الشعب والذي يواصل عبر الزمن نضاله المستميت من اجل تحقيق حريته في ارض آبائه وأجداده ( أرض فلسطين ) وتحت سقف بيت أحس فيه بالأمان هو وعائلته التي لا ذنب لها سوى أن هناك طامعين وغرباء، جاءوا من أطراف الأرض، ويصرون على الاستحواذ على أرضه وطرده من بيته.
ونحن هنا نستعرض أمثلة من الأيام القاسية التي جابهت عامة الناس بسبب الغزوات الخارجية أو الحربات التي كان يؤججها الأشياخ والمتنفذون فيجعلون من الفلاحين وقوداً لها
نقرأ في ( اليوميات الفلسطينية ) عن مصطفى باشا الوالي العثماني، الذي أغضبه رفض أهل قرى القدس دفع ضرائب غير قانونية فوق العشر، فأمر بتدمير قراهم.
وعندما ذهب جنوده ليفعلوا ذلك في شباط من عام 1825 " لم يجدوا سوى بيوتاً فارغة وأكواخا ".
وفى أثناء مقاومة الفلاحين لحكم إبراهيم باشا بن محمد على باشا والى مصر دمرت عشرات القرى واضطر الآلاف من الفلاحين إلى التشرد عن بيوتهم، وقد وصل بعضهم إلى الكرك.
وتحدثنا هيلما جرانكفيست عن الأزمات والمآسي التي مرت بأهالي قرية ارطاس ( بالقرب من بيت لحم ) وعندما أتت الحرب الأهلية على الجزء الأكبر من السكان واجبر الباقون على الهرب من القرية تقول جرانكفيست: " ان مثل هذه الحوادث كثيرا ما كانت تحدث في فلسطين والتي كانت تجعل مراكز التجمع السكاني غير مستقرة وبعد مضى الوقت وعندما يمر الخطر كان اللاجئون أو أحفادهم يعودون إلى بيوتهم القديمة.
إن حرباً أهلية من الممكن أن تحدث لمجرد حدوث اعتداء على أمر، وفى حالة كهذه يضطر أقارب
تباً إننا جيل كامل من الانتظار .. متى نفرغ من الصبر .. و من مضغ الهواء ..
اتعرى من الجميع كي أجدني,,,,
فأضيع !!!!
حاولتُ أن أغرق أحزاني في الكحول، لكنها، تلك اللعينة، تعلَّمَت كيف تسبح!
|