عرض مشاركة واحدة
قديم 08/07/2005   #1
-النحوي
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ -النحوي
-النحوي is offline
 
نورنا ب:
Jul 2005
مشاركات:
39

افتراضي يابشر كل مولود يولد على الفطرة


قال تعالى : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) .

إن الناظر في الآية الكريمة يرى وبكل وضوح أن الله سبحانه وتعالى قد جمعنا في عالم الذر من ظهور آبائنا وأشهدنا على أنفسنا شهادة شهدناها بان الله عز وجل هو ربنا وهذه الشهادة باقية فينا إلى أن نلقاه سبحانه يوم القيامة وهذه الشهادة لا تنفك عنا مهما حصل لنا منذ ذلك الحين وحتى نلقاه سبحانه سواء آمنا أو كفرنا وسواء صلحنا أم فسدنا وسواء كنا من أهل الفترة أم من أصحاب الرسل .

والدليل على ذلك قول الله في الآية على سبيل التعليل والتسبيب ﴿أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ . أي كي لا يأتي احدنا يوم القيامة قائلا إني غفلت أو إني نسيت .

وهذا الأمر الذي أشهدنا عليه الله إما أن يكون من قبيل العلم والعقل قد فرض علينا في عقولنا فنحن لا محالة نذكره من خلقنا ونعقله بالصدفة فلن نغفل عنه ولن ننساه وإما أن يكون قد جعل في خلقتنا وفطرتنا وهو باق فينا لا يفارقنا حتى نلقاه سبحانه وتعالى ولا علاقة له بالعقل بل يكون في القلب والوجدان فيشعر به الإنسان كل إنسان بعد أن يولد في هذه الدنيا بفترة ومن ثم يدركه العقل ويحس به الإنسان حين يصبح مميزا .

ولمعرفة أي الأمرين هو نقول أن الله عز وجل يقول﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ فالآية صريحة إذا بأن الإنسان أول ما يولد لا يكون عنده علم البتة ، والعلم لا يكون إلا علما ضروريا أو علما بالنظر أي يحتاج منا إلى تفكر وتأمل للوقائع التي نريد أن نحكم عليها ونصدر بصددها الأحكام وكل من العلمين مكتسب وليس فطريا إذ حتى العلم الضروري لا يكون إلا بعد الولادة بفترة أي عندما يصبح الإنسان مميزا أو مفكرا ولا خلاف بأنه يولد على غير ذلك وكذلك العلم الذي يحتاج إلى نظر وتأمل فانه لا يكون إلا عند العقل، إذا فالشهادة التي شهدناها ليست من قبيل العلم وليست من قبيل العقل ولما كان الإنسان لا يمكنه أن يدرك أو يميز إلا من خلال العقل أو الغرائز ولا ثالث لهما لم يبق إلا أن تكون هذه الشهادة التي شهدنا عليها لا بد أن تكون غرائزية أي فطرية فطرنا الله عليها وجعلها في خلقتنا لأمر أراده هو، فلننظر في الآية ولننعم النظر لعلنا نهتدي إلى ذلك السبب الذي من اجله أشهدنا على ربوبيته .

يقول" ابن الأثير" كما ورد في{ لسان العرب} في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة ....) الفطر الابتداء والاختراع ، والفطرة منه الحالة ، كالجِْلسَة والرِكْبَة، والمعنى انه يولد على نوع من الجِبِلَّة والطبع المُتَهَيَّئِ لقبول الدين.....) وهذا قول حق والله اعلم إذ أن الله في الآية قال ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾ والغاية من ذلك، قال تعالى :﴿ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ وهذا يقتضي أن هذا الأمر الذي استودعه الله الإنسان لا يمكن بحال من الأحوال أن يغفل عنه أو ينساه فلم يبق إلا أن يكون مجبولا عليه وهو شيء من تكوينه الخلقي فالأمور العقلية يمكن أن يغفل عنها الإنسان أما الجبلة والفطرة فليست كذلك فهي جزء من الإنسان وليست طارئا عليه مثل العقل .

والغاية من هذا الأمر الفطري هي أن يكون الإنسان مستعدا مهيئا لقبول الدين الذي سوف يبعثه الله على رسله، والعقيدة التي بعثت على كل الرسل كانت عقيدة واحدة هي ملة التوحيد ملة إبراهيم وعيسى وموسى، وهي تفرد الله بالربو بيه والألوهية والعبادة وهذا هو عينه الذي فطرنا الله عليه وهيئنا له قال تعالى(﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا...﴾ فإذا ما بعث الله رسالة التوحيد إلى إنسان فانه يكون حينئذ شاعرا باحتياجه لمثل هذا فهو قد توطئت نفسه منذ خلق على البحث وانتظار مثل هذا الذي بعث الله فهو خلق لهذا ولهذا خلق فسرعان ما تتجاوب نفسه وغريزته مع مثل هذا الذي اقنع العقل فأفحمه وهز الفؤاد فخلعه استجابة عقلية بالحجة والمنطق واستجابة فطرية من غريزة التدين والشعور بالنقص والعجز والاحتياج وعندها يقتنع العقل وتأيده الفطرة ويطمئن القلب .

وإذا ما عرض على الإنسان الشرك بالله سواء كان من أب أو من أي إنسان كان، فانه علاوة على أن العقل يرفضه ويأباه لان الشاهد في الكون والإنسان والحياة كلها يشهد أن لا اله إلا الله فان فطرته تأباه كذلك فإذا ما حرف عنه لسبب من الأسباب فان فطرته تبقى تنازعه فيه وترفضه حتى يلقى الله بلا حجة عقلية وسيجد حينها نفسه شاهدة عليه لا معه ،قائلة يا رب إنني نازعته شركه ولم اقبله وكنت أشعره بهذا الذي هو من تكوينه .

يقول الله عز وجل في نهاية الآية :﴿أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ وهذه الآية أيضا تشهد أن الذي شهد عليه الإنسان هو شهادة جِبِلِّية وليس من قبيل العقل والعلم .

إذ لن يقبل الله من الإنسان إتباع الآباء في شركهم ، ذلك أن كل نفس تحس وتشعر بأن الله هو وحده رب هذا الكون ورب كل شيء فلا يؤخذ ذلك من احد ولا يحسه احد في احد بل كل إنسان يحسه في نفسه وتطمئن له نفسه هو فإذا اخذ غيره أي اخذ الشرك تقليدا فلن تقبله الفطرة أو الشهادة الأولى بل ترفضه وهذا أيضا لن يجد لنفسه شاهدا بل سيجد كل شيء فيه شاهدا عليه لا معه .

ففطرة الإنسان فطرة سوية سليمة وهي في ذاتها منَّة من الله على المؤمنين فهي تهيئَة من الله للإيمان وليس للكفر، بل هي لا تقبل إلا الإيمان بالله الواحد وترفض الكفر والشرك فهذا فضل من الله ومنَّة على الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون .



((إن الدين عند الله الاسلام))
 
 
Page generated in 0.03036 seconds with 10 queries