8-*- في برنامجكم السياسي ذكرتم أن مكونات الدولة الحديثة هي الوطن والإنسان والسلطة والنظم والمجتمع والمناهج.. بمعنى أنكم أمام مشروع يستفيد أولاً وأخيراً من الإمكانيات الموجودة في سوريا وسؤالنا: هل الإمكانية هي التي تحدد مكانة الفرد؟ وهل هناك معيار أخر يحدد موقع الفرد في السلطة أو النظام؟
جواب8: سعي الإنسان دائماً محكوم بين ما هو كائن، وبين ما يجب أن يكون, والواقعية بالنسبة إلينا لا تعني الرضوخ للواقع والقبول به، إنما تعني استيعاب الواقع، والسعي إلى تطويره وتحسينه. إنّ تصورنا لمكانة الإنسان الفرد في ذاته وفي أسرته وفي مجتمعه، تستمد آفاقها من مرجعيتنا الإسلامية التي تربط الإنسان بأفق أعلى لتحقيق سعادته في الدنيا والآخرة.
أما بالنسبة لموقع الإنسان الفرد في الحياة العامة لوطنه، فهو إما أن يتعلق الأمر بولاية كبرى تشريعية أو تنفيذية، كمنصب رئيس الجمهورية أو نواب الأمة أو الوزراء.. فهذه مرجعها الأول والأخير في فقهنا الإسلاميّ هو الأمة، أي صندوق الاقتراع. وإما أن تكون ولاية صغرى كالوظائف العامة، فهذه ينظم أمورها القانون العام على قاعدة المواطنة، واختيار الأصلح.
9-*- ذكرتم في برنامجكم السياسي أيضاً أن النصوص في الفقه الإسلامي وجدت لتحقق المصالح وتدرأ المفاسد. هل من الممكن القول إن الرؤية المنبثقة من الدين لواقع معين هي نظرة يجب أن تكون متجددة؟ وأين يكمن التجديد إن وجد؟ وهل من ثوابت في التفسير والفقه؟
جواب9: لو رجعتم إلى مشروعنا السياسي لوجدتم فصلاً خاصاً يتحدث عن التجديد وضرورته وأسسه وآفاقه.. الثابت في تصورنا هو النصوص المقدسة (الكتاب والسنة الصحيحة) أما فهم العلماء لهذه النصوص واجتهاداتهم على مختلف العصور، فليست من الثوابت الشرعية، إنما هي آراء للاستنارة والاستفادة. التجديد ينصبّ بالدرجة الأولى على موضوعات التشريع، وفق ضوابط منهجية أساسية لأصول الاستنباط وقراءة النصوص وفهمها. هناك نصوص شرعية قطعية الثبوت، وقطعية الدلالة, وهذه هي الثوابت، وهي قليلة جداً. أما بقية النصوص الشرعية، وهي الأعمّ الأغلب، فباب الاجتهاد فيها بضوابطه مفتوح، وفق متغيرات الزمان والمكان، ووفق حاجات الناس ومصالحهم.
10-*- بالعودة إلى الوضع السياسي في سوريا. ما هو تقيمكم له؟ وما هي الخطوات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في ظل الظروف الحالية؟
جواب10: الوضع القائم في سورية هو انعكاس لواقعٍ مريرٍ أفرزه نظام الاستبداد والفساد، وحكم الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع، خلال أكثر من أربعة عقود، وأنتج قمعاً وقوانين استثنائيةً وقانون طوارئ وأحكاماً عُرفيةً، ومصادرةً للحريات العامة، وفساداً ونهباً واضطهاداً وظلماً.. كما أدّى إلى ما تشهده سورية من عزلةٍ عن محيطها العربيّ والإسلاميّ والدوليّ، وكذلك إلى انخراط في محورٍ مشبوه، بالتحالف الاستراتيجيّ مع إيران ذات المطامع التوسّعية القومية والمذهبية، على حساب الشعب والوطن السوريّ وعلاقة سورية مع شقيقاتها العربيات.. كل ذلك أدّى إلى حالة من الاحتقان قابلة للتفجّر في أية لحظة، بينما النظام الحاكم لا يهمه إلا الاحتفاظ بالسلطة واستمرار سيطرته على مقدّرات البلاد ونهبه لثرواتها، وهو - في سبيل ذلك- مستعد للمساومة على الوطن ومصالح الشعب.
بناءً على وعي هذه الحقيقة المرّة، وانسداد أبواب الإصلاح في ظل النظام الحالي، فقد سعت جماعتنا منذ سنواتٍ طويلةٍ لجمع الفصائل الوطنية السورية حول أهدافٍ مشتركة، لحماية سورية وشعبها من عبث النظام أولاً، ولتحقيق هدف التغيير نحو الديمقراطية والحرية وإعادة البناء ثانياً، فطرحنا ميثاق الشرف الوطني، ثم شاركنا في (إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي)، وفي (جبهة الخلاص الوطني)، ونأمل أن تتوحّد كل الجهود لإنقاذ سورية، وتحقيق هدف التغيير المنشود، لإعادة سورية إلى موقعها الطبيعي المرموق بين دول المنطقة والعالَم.
11-*- في الطرف المقابل هناك وضع المعارضة السورية في الداخل والخارج ويكثر الحديث عن انقسامات كثيرة في صف المعارضة السورية. ما هو تقيمكم لواقع المعارضة السورية؟ وما هي إمكانية أن تعمل المعارضة السورية في اتجاه واحد طالما أن الهم واحد؟
جواب11: المجتمع السوري - في ظلّ النظام الحالي – يعيش حالةً من الانسحاق، لقد تهمشت الشخصية الوطنية السورية تحت قسوة النظام الهمجية. الزمن هو بعض الحل ليستعيد المجتمع والفرد وعيه ودوره. المعارضة السورية جزء من هذا المجتمع السوري. وهؤلاء الروّاد في الداخل والخارج هم أبطال بكل معنى الكلمة لأنهم يقبلون تحمل المسؤولية في مثل هذه الظروف. حراكهم لا بد أن ينجح، ولا بدّ أن تقودهم حركتهم السلمية إلى الوحدة.
ينبغي أن نتغلّب على كل أسباب الاختلاف، وأن يعي جميع السوريين حقيقة الخطر الداهم على سوريةّ، وأنّ النظام المتسلّط يراهن على تفرّقنا، ليستمرّ في تسلّطه. لا خيار لنا إلاّ أن تتضافر كل الجهود، فالوطن بحاجةٍ لكل أبنائه، لإنقاذه من الشرّ المستطير المتمثل في استمرار نظام الفساد والاستبداد.
12-*- أنتم الآن جزء من جبهة الخلاص الوطني. ماذا قدمت جبهة الخلاص الوطني للقضية السورية وإلى أي درجة استطاعت جبهة الخلاص الوطني الوصول إلى مطلب المواطن السوري؟؟
جواب12: إعلان دمشق، وجبهة الخلاص الوطني، وأيّ تحالف يمكن أن ينشأ بعد.. هو جزء من المشروع الوطني، لتمتين الأرضية الوطنية القادرة على تحمل عبء مشروع التغيير. إنّ أبسط درس أو أبسط إنجاز حققته جبهة الخلاص وإعلان دمشق، هو أننا قلنا للمواطن السوري وللعالم كله: إن المشترَك السوري المستقبلي يمكن أن يجمع كل ألوان الطيف الوطني. وأن الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين والعرب والكرد والمسلمين والمسيحيين.. على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.. يمكن أن يلتقوا في إطار سياسي عصري يتحرك إلى أهداف مشتركة عامة، متجاوزين هذه التقسيمات التي يحاول البعض أن يصورها عقبة في وجه المشروع الوطني.
13-*- كيف ترون سوريا اقتصادياً في حال خرج النظام المستبد من الحكم؟ وما هي الضمانات التي يمكن الحديث عنها في سبيل استقرار الوضع الاقتصادي لسوريا؟
جواب13: لقد استنزف الفساد الثروة الوطنية العامة والخاصة. والاقتصاد السوري اليوم قريب من حالة الانهيار، يتجلى ذلك في عدم قدرة المواطن على تلبية احتياجاته اليومية.
إن الانهيار العام للدولة إلى هذا المستوى هو الذي يفرض على العقلاء أن يفكروا بمشروع وطني يشارك الجميع في تحمل مسؤوليته.
سورية تحتاج إلى إصلاحٍ اقتصاديٍ شامل، يُبنى على الإصلاح السياسي، فالنظام الذي دمّر البنية السياسية وحكم بالتسلّط والديكتاتورية.. دمّر كل مناحي الحياة: الاقتصادية والإدارية والتعليمية والثقافية والإعلامية والمالية والتجارية والاجتماعية.. والضمانة الأكيدة لاستقرار الوضع الاقتصادي هي تحقيق الاستقرار السياسي بعد عملية إصلاحٍ سياسيةٍ شاملة، تكون أساساً متيناً لبناء نظامٍ اقتصاديٍ متطوّرٍ شامل، يستوعب كل أبناء الشعب السوريّ في عملية البناء والإنتاج والعمل والابتكار، مع إطلاق الطاقات واستثمارها إلى أبعد الحدود الممكنة.
إن القضاء على الفساد المتفشّي بكلّ أشكاله، والمباشرة بعملية الإصلاح السياسي الشامل.. سيكون أساساً لبناء اقتصاد متين، قائم على ضمان حق العمل والتكافل والتوزيع العادل للثروات وحق الملكية والانفتاح المدروس واعتماد السياسات الاقتصادية المتطوِّرة المواكبة لروح العصر وحاجاته ومتطلّباته، والانتقال الهادئ المتدرّج إلى اقتصاد السوق المفتوح، في إطار المصلحة الوطنية، وحماية المنتج والمستهلك، وتشجيع القطاع الخاص، وتعزيز دور المنتجين ومبادراتهم، وإطلاق مواهبهم، واختيار أساليب العمل التي تتيح أكبر قدر من المبادرات الذاتية..
14-*- هل يملك النظام السوري الحالي احتمالات الإصلاح؟ وهل ممكن القول إن النظام الحالي قابل للإصلاح؟
جواب14: لقد أثبت النظام السوري أنه بتركيبته الحالية لا يمتلك إرادة الإصلاح، وأنه غير قابلٍ للإصلاح، لأنه نظام قائمٌ - أصلاً - على الفساد في جميع مؤسساته، وعلى كافة المستويات. ولأن الفاسدين لا يمكن أن يقوموا بالإصلاح، لأن في ذلك نهايتهم. فالزمرة الفاسدة التي تتحكم بمقدّرات البلاد هي التي تسيطر على السلطة والثروة، وتحتكر التجارة والإنتاج وموارد البلاد.. وهم مجموعة من المنتفعين، حول الأسرة الحاكمة والمقرّبين منها، نهبوا ثروات الوطن، وأصبحت ثرواتهم تقدّر بمئات المليارات، على حساب الشعب الذي أصبح أكثر من نصفه يعيش تحت خط الفقر.
15-*- تكثر التصريحات السياسية عن الوضع اللبناني وهناك من يرى أن الاستقرار في سوريا يعني الاستقرار في لبنان. فهل من رابط في رأيكم؟ وإن وجد فهل من تنسيق يوجد بين الأطراف الباحثة عن الاستقرار في لبنان وسوريا؟
جواب15: دعونا نميز ابتداء بين الاستقرار والاستمرار. إن استمرار أي نظام على برميل بارود ليس استقراراً. الوجود السوري في لبنان مع الهدوء المرافق لم يكن استقراراً. وإن استمرار بشار الأسد في السلطة القمعية ليس استقراراً. لأن للاستقرار شروطه الموضوعية التي في مقدمتها حالة الرخاء المجتمعي والرضا بالنظام الحاكم..
الخصوصية بين سورية ولبنان ينبغي أن تستثمر إيجابياً لمصلحة البلدين الشقيقين. وثيقة (بيروت دمشق - دمشق بيروت) قوبلت من قبل النظام بما تعلمون من رفض واعتقالات.. لا بد من خيار شعبي في سورية وفي لبنان وعندها يمكن الحديث عن الاستقرار في البلدين.
النظام السوري كان هو السبب في إثارة الفوضى والاضطراب في لبنان الشقيق، وهو يعتبر لبنان ساحة صراعٍ رئيسةٍ مع خصومه، كما يعتبره خطاً متقدّماً للدفاع عنه والحفاظ على وجوده، لذلك فهو يتدخّل في شئونه، محاولاً إثارة الفتنة والفوضى فيه. نعتقد أن التغيير في سورية، وتحقيق الاستقرار فيها، سيكون عاملاً مهماً في تحقيق الاستقرار في لبنان. ومن هنا تبدو أهمية التعاون والتنسيق بين الأطراف الوطنية الباحثة عن الاستقرار في سورية لبنان.
16-*- هل استطاع النظام الحالي في رأيكم تقديم رؤية واضحة لاسترجاع الجولان السوري المحتل؟ وما هي برأيكم سبل استرجاع هذا الأرض المحتلة؟ وهل يمكن أن يكون للمقاومة العسكرية دور في المستقبل؟
جواب16: لا نعتقد أن النظام الذي ضيّع الجولان وفرّط به، يمتلك أي مشروع لتحريره، ونظن أن حديثه عن الجولان لا يخرج عن كونه مادة إعلامية محضة. ولقد كانت جبهة الجولان من أهدأ الجبهات خلال العقود الماضية، في الوقت الذي يتحدّث فيه النظام عن الصمود والتصدّي والممانعة، والمقاومة في مزارع شبعا وفي جنوب لبنان وفي فلسطين، وفي كل مكان.. وكأن الجولان ليست أرضاً محتلة.
تحرير الجولان سيكون جزءاً من المشروع الوطني المستقبلي. وبالطبع فإن هذا المشروع سيعطي الأولوية في التحرير للوسائل السلمية والدبلوماسية، كما سيأخذ بالاعتبار قواعد الشرعية الدولية وقوانينها التي تعطي الحق للشعوب التي تتعرّض أراضيها للعدوان والاحتلال، بالدفاع عنها، وتحريرها بكلّ الوسائل المشروعة.
17-*- ما الذي يمكن الاستفادة منه في تجربة العراق؟ وما موقفكم من القوات الأميركية الموجودة في الداخل العراقي؟
جواب17: نحن رفضنا منذ البداية احتلال العراق، لقد دمر الاحتلال وطناً جميلاً اسمه العراق. وعلى المحتل واجبان متناظران: أن يتحمل مسؤولياته تجاه ما سبّبه للشعب العراقي من تدمير وآلام، وأن ينهي احتلاله للعراق..
نحن قبل تجربة العراق المريرة، رفضنا الاستقواء بالأجنبيّ، ورفضنا أن نحاصر أنفسنا بين الخيارين السيّئين: الاحتلال أو الاستبداد، وأكدنا دائماً على التغيير السلمي الديمقراطي بالأيدي الوطنية. وكلّ ما نطلبه من المجتمع الدوليّ والقوى العالمية أن ترفع الغطاء عن النظام، وأن تكشف للرأي العام جرائره بحق سورية الوطن والإنسان، وأن تكفّ عن دعمه والتغطية على جرائمه.
18-*- كلمة أخيرة سيد علي صدر البيانوني؟
جواب18: آمل أن نلتقي قريباً في دمشق.. في سورية حرةً مستقلةً ومظلةً واسعةً تُظِلّ كل أبنائها، على اختلاف طوائفهم وفئاتهم ومذاهبهم وشرائحهم وأعراقهم وقواهم السياسية الوطنية.
شكراً وشكراً لإفساح المجال لهذا الحديث الممتع.
ملاحظة : ردودي تعبر عن رأيي فقط .. ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر الاخوان المسلمين في سورية
جماعة الاخوان المسلمين في سورية .. أفتخر بها
|