06/07/2005
|
#1
|
عضو
-- أخ لهلوب --
نورنا ب: |
Jul 2005 |
مشاركات: |
188 |
|
ملكية الأرض
ملكية الأرض
مقدمة
يروي الكتاب المقدس بروايتين متكاملتين عمل الله الخلاق الذي يطال كل الوجود(تك 1و2)، ففي الرواية الأولى يركز على خلق الإنسان الذي هو ذروة الخلائق، فهو مخلوق على صورة الله كمثاله، وهو مسلط على كل الكائنات الأخرى وحتى على الأرض (تك 1: 26)، فأصبح بين الإنسان وبين الأرض رباط حميم وخاصة أنه مخلوق من ترابها، واسمه "آدم" مأخوذ منها "آدماه" (تك2: 7 ؛3: 19).
وفي مكان آخر من سفر التكوين يقول أبرام لملك سدوم إن الله مالك السماء والأرض(تك14: 19و22)، فيُرجع بذلك ملكية الأرض إلى الله تعالى. وبالنظر إلى واقع الإنسان نجده يملك من الأرض ما يشاء ويجعل ملكيته خاصة، فلا يحق لآخر أن يتعدى عليها.
فمن أعطى للإنسان أن يمتلك أملاكاً خاصة، وهل يحق له أن يمتلك من الأرض ما يشاء ويجعله ملكاً خاصاً؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذه الصفحات القليلة، مرتكزاً على وثيقة صادرة عن المجلس الحبري " عدالة وسلام" وهي بعنوان " في سبيل توزيع أفضل للأرض " ، وإلى بعض المراجع التي تغني هذا الموضوع.
أولاً : الكتاب المقدس وملكية الأرض
1- الاهتمام بالخليقة
في الفصل الثاني من الوثيقة الحبرية عدد 22و23، يخبرنا المجلس الحبري تعليم الكتاب المقدس حول ملكية الأرض، حيث إن الله أوكل الإنسان مهمة النمو والتكاثر وملء الأرض وإخضاعها والتسلط عليها وعلى كل ما فيها من كائنات(تك1: 2 . ولكن هذه الألفاظ " أخضع وتسلّط " تعني في اللغة العبرية إدارة الملك الحكيم الذي يهتم برفاهية جميع أبناء رعيته، لأن الأرض، التي خلقها الله، هي عطية مجانية للجميع لا في تصرف البعض، فالإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله مدعوُ لتحمل مسؤولية الخليقة التي أوكلها الله له.
وفي العدد 24 يوضح المجلس أن الأرض هي ملك الله وحده وما الإنسان إلا مدبر لها، وهذا الأمر كان سائداً في إسرائيل فقط، وأما بقية الشعوب كالمصريين والبابليين فكان الملك يمتلك الأرض والفلاحون خدمة له وهم أيضاً ملكه. فالنظرة الكتابية إلى الملكية الخاصة قاسية على الأغنياء اللذين يرغمون الفقراء والفلاحين للتنازل عن أرزاقهم العيلية، كقصة كرم نابوت(راجع سفر الملوك الأول 21).
بالنظرة العميقة إلى ما سبق نرى أن الإنسان يعيش نوعاً من سوء استخدام الحرية، وبالنظرة الأعمق لحياة الإنسان، وخاصة المرتبط بعلاقة حميمة مع الله ويعيش في ظل وصاياه، نجد التعبير الأمثل للإيمان بالله حيث يعبر الإنسان عن مدى العلاقة مع الله المالك كل شيء وذلك ضمن طقوس وتقاليد وأعياد، ومن هذه التقاليد سنة اليوبيل التي بها يشكر اليهودي الرب على ثمار الأرض وعطاياه وعلى مآثره في الماضي.
2- الإطلالة على الحرية في اليوبيل
في العدد 26، يستشهد المجلس الحبري بسفر( الأحبار 25) ، لكي يوضح معنى اليوبيل كما أراده الله لموسى النبي، وهذا التوضيح يتجلى بمعاني كثيرة أهمها الحرية، حيث أن الأجير كان يعتق والعبد يترك والديون تعتق أيضاً والإسرائيلي يعود إلى ملك أرض أجداده إذا كان باعها أو خسرها بصيرورته عبداً، ولم يكن من الممكن أن يخسر الإنسان أرضه لأن الأرض لله. حتى الأرض كانت تعتق بحسب طلب الله في (أحبار25: 13) حيث إن كل شيء يرجع لمالكه.
ويسمي المجلس الحبري في هذا المقطع، اليوبيل "مؤسسة" وهي تعبّر مباشرة، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، عن سيادة الرب، وتهدف إلى ثلاث حقائق:
أ - حرية أولى لها علاقة بالحقول والبيوت التي يجب أن تعود إلى أصحابها الأصليين، في فترة اليوبيل.
ب - حرية ثانية تتعلق بالأشخاص الذين يجب أن يعودوا أحراراً، في أثناء هذه السنة اليوبيلية، وإلى عيالهم وإلى ممتلكاتهم.
ت - وحرية ثالثة لها صلة بالأرض التي يجب أن تستريح مدة سنة، في غضون السنة اليوبيلية أو السنة السبتية وهذه الأخيرة تأتي كل سبع سنين ويكون فيها سبتاً للرب (أحبار25: 4).
ما جعل المجلس يفكر بهذه الحريات الثلاث هو قول الرب " إني أنا الرب إلهكم " (أحبار25: 17)، " والأرض لا تباع بتة لان لي الأرض و انتم غرباء و نزلاء عندي " (25: 23). فبما أن الأرض هي ملك لله فما على الإنسان سوى عيش الأمانة والاعتناء بما أعطاه الله له، لا أن يعيش الأنانية ويملك ملكاً معطى للجميع (25: 3 .
في هذا الخط الذي حدده الكتاب المقدس والممتد إلى وقتنا الحاضر، تأتي الكنيسة وتوضح تعليم الله المقدس بصيغته الاجتماعية وتتبنى هذه التوجيهات والتعليمات لتكون مبدأ يعيشه جميع أولاد الله كما أراده هو.
ثانياً: الكنيسة وملكية الأرض
1- الأرزاق في شمولية غايتها وخصوصية ملكيتها
إن الكنيسة في تعليمها الاجتماعي، وبحسب الوثيقة التي أرتكز عليها في عملي هذا، تركز على أهمية العدالة وبخاصة المبدأ القائل بشمولية هدف الأرزاق، وترتكز على الرؤية الكتابية القاضية بأن الأرض هي عطية من الله لجميع البشر: " جعل الله الأرض وكل ما فيها لخدمة جميع البشر وجميع الشعوب، فيجب من ثم أن تفيض الخيرات المخلوقة، بطريقة منصفة، بين أيدي الجميع طبقاً لقاعدة العدالة المقرونة بالمحبة... لا بد إذاً من التنبه الدائم إلى أن هذه الخيرات معدّة لجميع الناس" .
بالرغم من أن الكنيسة في تعليمها الاجتماعي تؤكد على شمولية الأرزاق إلا أنها تؤكد أيضاً على الملكية الخاصة للأفراد وتعتبره حقاً طبيعياً . ومع ذلك يبقى هذا الحق الطبيعي، في نظر الكنيسة، غير طليق، لأن الملكية الخاصة، أياً كانت أنواع مؤسساتها وضوابطها القانونية، تبقى، في جوهرها، وسيلة تحفز صاحبها إلى تحقيق مبدأ شمولية الانتفاع من خيرات الأرض، ومن ثم فهي وسيلة لا غاية .
مع هذا الحق الطبيعي للملكية الخاصة الغير مطلقة ترى الكنيسة ضرورة شجب الأرزاق الواسعة.
2- شجب الأرزاق الواسعة
تعلّم الكنيسة أن الأرزاق الواسعة من الأراضي الغير مستثمرة كما يجب، تتعارض مع مبدأ أن" الأرض أعطيت للجميع لا للأغنياء فقط"، بحيث " لا يسوغ لأحد أن يذّخر لاستعماله المطلق ما يتخطى حاجته عندما يفتقر الآخرون إلى الضروري" .
إن عالم اليوم موسوم بالانحطاط حيث إن " الإنسان تمرد على أمر الله له بأن يكون حارساً ومدبراً للأرض لمنفعة الجميع (راجع تك 2: 15؛ حك 9: 2-3)،هذا التمرد المجرم ثمنه مرتفع جداً، فهو سبب شكل خطير ودنيء من أشكال التفكك بين الناس يصيب الأضعفين من الأجيال الآتية " .
يدين التعليم الاجتماعي في الكنيسة، بالإضافة إلى شجب الملكية الشاسعة والاستملاك الغاشم للأرض، أشكالاً من استغلال العمل وخصوصاً مكافأته بأجور أو بأنماط أخرى لا تليق بالإنسان، سواء أكان في استعمال الخيرات الطبيعية أم الخيرات التي يثمرها الإنتاج .
الخاتمة
إن الاهتمام بالأرض هو أمر إلهي معطى للإنسان (تك 1: 28-29)، وعليه كل إنسان معنيّ بهذا الأمر وبما أن ملكية الأرض تعود لخالقها فقط (مز 24: 1؛ 89: 12؛ لاويين 25: 23)، فعلى الناس أن يتعاونوا في تنظيم الأرض وخيراتها وتوزيعها، بشكل عادل، فيما بينهم.
الكنيسة أعطت وتعطي تعليمها الثابت المرتكز على الحقائق الكتابية الموحاة من الله، وهي صوته في هذا العالم، وما هذه الوثيقة المجمعية الصادرة عن المجلس الحبري "عدالة وسلام" تحت بعنوان " في سبيل توزيع أفضل للأرض" التي اختصرت منها الفصل الثاني، إلا نداء إنساني مقرون بصوت الله الخالق لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع البشر، وما علينا نحن اليوم، أبناء الألفية الثالثة، سوى أن نسمع هذا النداء ونجعله يثمر فينا، سائرين على هدى تعليم الرب يسوع المسيح بتفاعل مع الأخلاق والمبادئ والقيم التي ترفع الإنسان إلى كمال خالقه.
imad
|
|
|