[COSTA]

وثيقة الكسيس المزورة في الحروب الصليبية

يرى بعض المؤرخين الغربيين أن الإمبراطور البيزنطي الكسيس كومنين هو المسئول الأول عن قيام الحركة الصليبية . ويستدلون على ذلك من خطاب يقال انه أرسله حوالي سنة 1088 إلى روبرت أمير الأراضي الواطئة يستحثه فيه على إرسال النجدات إلى القسطنطينية لدفع خطر السلاجقة عنها ثم التوجه بعد ذلك للاستيلاء على الأراضي المقدسة


نص الخطاب :

من إمبراطور القسطنطينية إلى السيد اللورد روبرت أمير الأراضي الواطئة والى جميع كبار رجال المملكة المؤمنين بالعقيدة المسيحية أود أن أحيطك علما بما وصل إليه تهديد البجانكية والأتراك للإمبراطورية الاغريقة المقدسة فهم يعملون فيها السلب والتخريب كل يوم ويتوغلون في أراضيها دون انقطاع وكم من مذابح وتقتيل وجرائم تفوق حد الوصف يقترفونها ضد المسيحيين الإغريق فضلا عن السخرية والتحقير فأنهم يذبحون الأطفال و الشباب داخل أماكن التعميد حيث يريقون دماء القتلى محتقرين بذلك المسيح
لقد استولى أولئك القوم على كل البلاد الواقعة بين القدس وبلاد الإغريق إذ امتلكوا بلاد اليونان كلها بما في ذلك أجزاؤها العليا وهي كباد وكية الصغرى والكبرى وفريجية وبيثينية وطروادة وبنتس وغلاطية وليدية وبمفيلية وايسورية وليكية وجزر خيوس وميتيلينيا وغير هذا وذاك مما لايعد ويحصر ولم يتبق سوى القسطنطينية
لذلك استحلفك بالله وباسم جميع المسيحيين الإغريق أن تمد لنا يد العون والمساعدة وذلك بتقديم جميع جنود المسيحيين من كبير وصغير فضلا عن العامة ممن يتسنى جمعهم من بلادك
وبناء عليه يجب ان تحاربوا بكل ما أوتيتم من قوة وشجاعة قبل سقوط القسطنطينية وستسعدون ويكون لكم اجر عظيم ومن الأفضل أن تكون القسطنطينية في حوزتكم وليست في قبضة الأتراك لان بها أثمن أثار السيد وهي الصليب الذي صلب عليه والسوط الذي ضرب به والرداء القرمزي الذي البسوه إياه وإكليل الشوك
وكذلك الملابس التي نزعت عنه أمام الصليب ورأس يوحنا المعمدان وخصلات شعره بأكملها ولحيته فضلا عن بقايا الكثير من أجساد القديسين الطاهرين
فإذا لم يحفزهم كل هذا للقتال ويفضلون عليه الذهب فسوف يجدونه هنا أكثر مما يوجد في العالم كله فكنائس القسطنطينية مليئة بكنوز من الفضة والذهب والحلي والأحجار الكريمة والمنسوجات الحريرية التي تستخدم في صنع الأردية والملابس التي تكفي جميع كنائس العالم
سارعوا اذا بكامل رجالكم وحاربوا بكل ما لديكم من قوة حتى لا تقع كل هذه الكنوز والنفائس في أيدي البجانكية والأتراك إذ يتوقع قدوم أكثر من ستين ألفا منهم بين وقت وآخر
ولهذه الأسباب مجتمعة اعملوا قبل فوات الأوان كيلا تفقدوا مملكة مسيحية وما هو أعظم قبر السيد المسيح وسوف يكون جزائكم ليس الدينونة في هذا العالم وإنما ثواب الآخرة عند الله


إن الذين يعتقدون بصحة هذه الوثيقة هما العالمان هاجينماير الألماني (Hagenmeyer) ورهرشت النمساوي (Rohricht) وخلاصة رأيهما انه إذا لم يكن الخطاب الذي وصلنا هو الخطاب الأصلي الصادر عن الكسيس فهو على الأقل صورة أخرى عنه وتتضمن نفس المعاني والأفكار
أما الرأي المعارض لهم فهو ينفي نفيا قاطعا صدور الكتاب عن الإمبراطور البيزنطي وعلى رأس هذا الفريق المؤرخان الفرنسيان فرديناند شالدون (Ferdinand chaldon ) وشارل ديل (Charles dill) ويؤيدهما في ذلك كثير من المؤرخين مثل الكونت بول رايان (Poll rained) وفازيلييف (Vasiliev)
ويتخلص رأيهم في عدة نقاط وهي :

1- لا يوجد أي أصل إغريقي لهذا الخطاب وكل ما وصلنا هو نص لاتيني ولا يوجد فيه على انه ترجمة لأصل يوناني مفقود
2- الأسلوب والطريقة التي دون بها الخطاب لا يتفقان بحال مع العادات والتقاليد المرعية في ديوان الإنشاء في الدولة البيزنطية في ذلك الحين
3- إن طلب بيزنطة المساعدة من أهل الغرب كان أمرا عاديا وقتها ولا يعني الدعوة إلى حرب صليبية بمعناها المعروف إذ سبق لها استخدام الغربيين في جيوشها كمرتزقة لدفع الأتراك عن حدودها
4- لم يشر المؤرخين المعاصرون لتلك الحقبة إلى بداية حرب صليبية طلبها الإمبراطور الكسيس من الغرب بل تؤكد المؤرخة آن كومنين في الالكسياذة ( التي كتبتها عن حياة والدها) أن الإمبراطور تفاجأ بوصول الجيوش اللاتينية إلى أراضي دولته في سنة 1095 وسنة 1099
5- لا نجد هذه الأسطورة إلا في كتب بعض المؤرخين اللاتين المتأخرين مثل روبرت الراهب وجيلبرت دو نوجان ويعتقد الكونت رايان أن واضع الخطاب هو نفسه روبرت الراهب حوالي سنة 1098 أو 1099 وليس سنة 1088 ويرجح انه وضع لإثارة الشعور ضد الأتراك أثناء حصار كربوغا حاكم الموصل لمدينة أنطاكية