لم يكن هناك من داع لفرض حظر التجول في الأراضي الفلسطينية الخاضعة لإسرائيل، أو السلطة الوطنية الفلسطينية، أو لتلك الخاضعة لغريمتها حماس في قطاع غزة، فتقد تولى المسلسل السوري "باب الحارة2" فرض حظر اختياري، اختاره الناس طواعية، بل واستعجلوا صلاة العشاء والقيام، كي يعودوا إلى بيوتهم مسرعين لمشاهدة "العكيد" أبو شهاب، والحكيم أبو عصام، والفران أبو بشير، والجاسوس "اصطيف"، والشرطي المرتشي أبو جودة، وأم توفيق سيدة النكد، وبقية الممثلين والممثلات.
ناستالوجيا فنية
يبدو أن نجاح مسلسل باب الحارة في جزءه الثاني، يعود إلى اغترابه عن هذا الزمن المضجر، والمليء بالانكسارات في كل البلاد العربية، وجاء باب الحارة ليقدم شيئا من العزاء والسلوى، من خلال شخصيات عادية، يمكن مصادفتها في كل حارات البلاد العربية، ولو كان الثمن هو الهروب من القرن الواحد والعشرين، إلى زمن الانتداب الفرنسي على سورية، في مطلع عشرينات القرن الماضي. وكان المسلسل قد اكتسح كل الأعمال الدرامية في شهر رمضان، مبقيا هامشا تقليديا للمسلسل الكوميدي طاش ما طاش 15، الذي حدثت عليه بعض التغييرات، فقد زاوج الثنائي السدحان والقصبي بين الكوميديا الناقدة كما عرفناهما من قبل، والكوميديا السوداء التي طغت على المسلسل هذا العام، حتى كادت أن تنقله من الكوميديا إلى الدراما الجادة، ولكن لو عرض طاش ما طاش في نفس التوقيت الذي يعرض فيه باب الحارة، لكان السدحان والقصبي قد فقدما معظم جمهورهما.
سلام عقيد
لم يكتف الجمهور العريض الذي تابع بشغف مسلسل باب الحارة بالمشاهدة الليلية، بل عاشت أحداث المسلسل وشخصياته معهم في حياتهم اليومية، وخاصة بين الشباب الذين أخذوا يقلدون شخصيات المسلسل، من التحية الصباحية " سلام عقيد "، و " وحدوه " و " بليلة بلبلوك" إلى غيرها من العبارات التي يتفوها بها عادة أهالي "حارة الضبع"، وهي الحارة التي يتزعمها القبضاي أبن البلد "أبو شهاب"، الذي أصبح زعيم الحارة، بعد مقتل "الزعيم" في نهاية الجزء الأول، ويدور الجزء الثاني حول البحث عن قاتل الزعيم، الذي يقسم أبو شهاب أنه سيقتله بيديه.
القيم التقليدية المبنية على الشهامة وأخلاق الفرسان هي التي تستأثر بإعجاب المشاهدين، في زمن أصبحت فيه هذه القيم سلعة بائرة، وبالرغم من الاحتجاجات المبكرة من طرف المدافعات عن حقوق المرأة، بسبب تصوير النساء في المسلسل ككائنات ثانوية في ظل هيمنة الرجال المطلقة، إلا أن الأداء الفني الرفيع، والقدرة على تقمص الأدوار، والحبكة القوية للمسلسل، والتي جعلت المشاهدين يخمنون التطورات اللاحقة، جعلت أصوات الاحتجاج تتراجع، وخاصة أن أحداث المسلسل تعود إلى سبعين عاما خلت، حيث كانت المرأة تابعة للرجل، وحيث تعودت أن تنادي زوجها ليس باسمه الأول وإنما بكنيته، التي اكتسبها من اسم ولده البكر، أو بمناداته " بابن عمي" حتى ولو لم يكن قريبا له إلى هذه الدرجة، وهكذا نجا المسلسل من هجوم كان سيكون مكلفا، لو كانت أحداثه تدور في هذا الزمان، وخاصة أن ثلاثة وقائع طلاق قد تمت قبل أن ينتصف شهر رمضان، ويتوقع أن تعود الزوجات إلى أزواجهن هذه الليلة مع حلول عيد الفطر.
إسقاطات سياسية ذكية
ثمة إسقاطات مباشرة على الأحداث السياسية المعاصرة في المسلسل الذي أخرجه بسام الملا، ومثل فيه صفوة النجوم السوريين، وذلك من خلال مساندة القضية الفلسطينية، وتهريب السلاح للمقاومين، وتحمل المخاطرة والمشاق من أجل ذلك، وأيضا يحيلنا اسم الحارة "الضبع" إلى السبع، ويبدو أنه تم استبدال الاسم من السبع إلى الضبع لأسباب تسويقية، كما يجري في كل الحلقات تعقب عملاء غامضين وخطرين، كانوا وراء مقتل الزعيم، ووراء محاولة القبض على مساندة الفلسطينيين، والذي يتضح في نهاية الأمر أنه الدرويش الأعمى "صطيف"، وهو جاسوس لقوى أجنبية، يتظاهر بأنه أعمى، ويتمكن أبو شهاب من قتله في نهاية المسلسل، كما يقوم " أبو عصام " حكيم الحارة، وطبيبها الشعبي، بدور متميز في تحمل كل أخطاء أهل الحارة، وسؤ الفهم الناتج على شهامته واستقامته، والذي لا يجعله يتراجع عما يراه من واجب وصواب، كما أن أهالي الحارة يتناسون خلافاتهم إذا تعرضوا لاعتداء من حارة "أبو النار" المجاورة، وإذا تناسينا لبعض الوقت هذه الشخصيات، ووضعنا بدلا منها ما تمر به سورية من مشاكل سياسية في لبنان، وبسبب ما يجري في العراق، سوف نكتشف أن الإسقاطات السياسية مبثوثة في صلب العمل، ولكن روعة الأداء، ومتانة السيناريو لا تجعل العمل مباشرا ورخيصا، بل ترفعه إلى مستو عال من التمكن الفني، وهو ما عودتنا عليه الدراما السورية، وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث تكاملت أدواتها من كتابة السيناريو، والتصوير والإخراج، وانتهاء بالممثل الذي سيجسد من خلال أداءه كل هذه العوامل المخفية.
حارتان بدون باب
ولعل هذا ما دفع برسام كاريكاتور فلسطيني أن يرسم قطاع غزة، والضفة الغربية كحارتين متجاورتين، كاتبا تحت الرسم " حارتان بدون باب". ليست المتابعة للمسلسل في دول الشام، حيث تتشابه الحياة والتقاليد، وإنما تعد الهوس بباب الحارة هذا العام إلى اليمن، وإلى ليبيا حيث وجد الليبيين في أسم " عكيد " أي عقيد ما يجعلهم يتندرون على كل من يحمل هذه الرتبة دون أن يربح أي حرب.
تعود أيضا أسباب نجاح مسلسل باب الحارة، إلى الأمانة التاريخية في الإحاطة بتفاصيل الحارة السورية قبل سبعين عاما، ونقلها بالضبط كما كانت مكلف من الناحية الفنية والمادية، ويحتاج إلى استشارات تخصصية، والغوص في تفاصيل تلك الحقبة، ونقلها للمشاهد بأمانة، وهو ما فشلت فيه مدارس أخرى من الدراما العربية، كانت تفضل الربح السريع، وبالتالي كانت تبيع القرد وتضحك على من يشتريه.
إسرائيل تهتم بالمسلسل
نجاح باب الحارة جعل صحيفة هآرتس تنشر تحقيقا عن سبب غياب الفلسطينيين القاطنيين داخل إسرائيل من الشوارع، منذ اللحظة الأولى التي تبدأ فيها موسيقى المسلسل، وقد لاحظ الصحفي الإسرائيلي الذي تجول في المدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر أن أئمة المساجد يختصرون الصلاة، حتى يتمكن الناس من إدراك المسلسل لحظة عرضه، وأن الطلبات في المقاهي تتوقف أثناء العرض، وتتواصل أثناء الفقرات الإعلانية، التي لابد أنها كانت الأعلى عائدا في رمضان هذا العام.
يعتزم المخرج محمد الملا إخراج الجزء الثالث من مسلسل باب الحارة، والذي سيعرض في شهر رمضان القادم على قناة ام بي سي، والذي ألفه محمد مروان، ومثل فيه: عباس النوري، وائل شرف، صباح الجزائري، سامر المصري، عصام عبه جي، حسام تحسين بك ووفاء موصلي، ويتوقع أن يتم رصد ميزانية أكبر للمسلسل الذي احتل الترتيب الأول هذا العام، والذي يتوقع أن يتعرض لمنافسة قوية في العام المقبل.
طـــاب المجوز دكلُو يا بو عبـــود.............ماحلا رقص الحجية وتهز نهـــود
..<< لمن تشتكي حبة القمح اذا كان القاضي دجاجة >>..
"We ask the Syrian government to stop banning Akhawia"