عرض مشاركة واحدة
قديم 03/07/2005   #6
شب و شيخ الشباب Syria Man
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Syria Man
Syria Man is offline
 
نورنا ب:
May 2005
المطرح:
بين الزحام أدوب ...................... وارحل بين الدروب
مشاركات:
5,240

إرسال خطاب MSN إلى Syria Man إرسال خطاب Yahoo إلى Syria Man
افتراضي


ولكي يربح محمد النصارى للإسلام صاغ أفكاره الإسلامية في قالب نصراني مؤثر، وأراد أن يقنع الوفد بأنه مؤمن صالح، مثلهم تماماً .ولكن غرضه كان تحويل النصارى للإسلام خطوة خطوة.-5خطابُ المَسِيح إِلى الْيَهُود

تحوي سورة آل عمران 49-51 ثالث عظة ألقاها المسيح على قومه، وهي واحدة من ثمانية دوَّنها القرآن. يتحدث المسيح هنا كشخص بالغٍ بصيغة المتكلم، وتوجد فجوة مقدارها ثلاثون عاماً بين الوعود التي أوحى الملاك لمريم بخصوص مولد المسيح وهذه العظة التي ألقاها المسيح بعدئذ. هذه الفجوة فقرات من سورة مريم 19: 10-33.

قد وعظ المسيح حسب القرآن:

«49 إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْرَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَاً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 50 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 51 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» سورة آل عمران 3: 49-51.

يا لها من رسالةٍ! قد استعد محمد لمواجهة الأسقف مع وفد كنيسته فأنصت بحرص إلى تعاليمهم وشهاداتهم وامتص حججهم واقتبس دلائلهم. ثم حفظ ما قالوا محركاً مبادئهم في ذهنه، وبعدئذ دور عقيدتهم حسب اعتقاده الخاص. ثم قدمها ثانيةً في صورة شعرية مركَّزة وسمّاها وحياً من الله. واستطاع أن يعبّر بكلمات معدودة ما لا تستطيع عظات مسيحية كثيرة أن تعلنه.

تُظهر ألقاب المسيح السبعة 49/2. المذكورة في سورة آل عمران 3: 45-49 جوهر عيسى وطبيعته الفائقة. وأما معجزات ابن مريم التي ذكرها القرآن فأبرع من ألقابه وأسمائه. نجد في سورة آل عمران 49-52 ست معجزات للمسيح من العشر معجزات المذكورة في القرآن.

49/2 - ألقاب يسوع السبعة في سورة آل عمران 3: 45-49 كما يلي: «الكلمة» و«المسيح» و«عيسى» و«ابن مريم» و«وجيهاً في الدنيا والآخرة» و«من المقربين» و«رسول الله».

سمّى محمد كل فقرة اكتتبها في قرآنه آية، بمعنى علامة أو معجزة. لكن يظهر فرق أساسي بين آيات محمد ومعجزات المسيح: قد كانت أعاجيب محمد كلمات فقط، بينما كانت أعاجيب المسيح أعمال شفاء ملموسة.

تصف أول معجزة مذكورة في سورة آل عمران 3: 49 كيف خلق المسيح وهو بعد طفل طائراً من الطين ثم نفخ فيه فطار. ولا نعرف مصدر هذه القصة غير أنها أحد أساطير طفولة المسيح المدوَّنة في إنجيل مزيف يُدعى إنجيل متى الثاني وفي كتب أخرى كثيرة 49/3.

49/3 - ترجع قصة خلق يسوع من الطين طيراً حسب ميشال الحايك ويوسف الحداد إلى أربعة مصادر وهي:

- إنجيل متى المزعوم، 27

- إنجيل طفولية سيدنا، 36

- إنجيل الطفولية في نصه الأرمني، 2، 18

- إنجيل توما الموضوع

ميشال الحايك، المسيح في الإسلام، ص 201، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1961، يوسف الحداد، القرآن والكتاب، ص 953، المطبعة البولسية، بيروت 1986

وهذه القصة لم تنل تصديقاً عليها من شهود العيان والرسل المسؤولين على تسجيل نصوص الإنجيل. فالمصادر التي أصدرت هذه الروايات للأطفال هي الأخبار من الكنيسة السريانية. سمع محمد عن هذه القصة وصدَّقها. قد كان محمد يصدق معجزات المسيح أكثر مما آمن المسيحيون أنفسهم، فقد صدق أعاجيب لم تحدث قط. وهذه الحادثة ترينا مرة أخرى أنه لم يكن نبياً، بل باحثاً عن الحق وقبل معلومات خاطئة، فقام بدوره بتضليل آخرين!

ونجد لفظين في الآية 49 يسببان هزَّة في شعور أي مسيحي واعٍ. فإن المسيح قال: «أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئِةِ الطَّيْرِ». فنلاحظ أن القرآن ينسب للمسيح قوله أخلق.

إن النص العربي في صورته هذه يعلن دون تأويل أن المسيح الطفل خلق طائراً من الطين واستطاع أن يخلق فيه حياة. فليس ابن مريم مجرد رسول، لأنه قدر أن يخلق شيئاً من العدم حتى وهو طفل 49/4.

49/4 - مما يلفت النظر أن الطبري يمر بعملية خلق يسوع مرور الكرام ويسكت عنه جامع البيان، ج 3، ص 275 أما المفسرون المتأخرون كالبيضاوي والخازن والنسفي فيؤولون «الخلق» كعمل تصوير وتقدير مجمع التفاسير، ج 1، ص 498-499.

نجد في هذه الآية ترديداً لصدى آية الإنجيل: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» يوحنا 1: 3. فينبغي على المسيحيين أن يتذكروا أن المسيح ليس المخلّص فحسب، بل الخالق أيضاً. وافق محمد ذاته على أن للمسيح القدرة على الخلق، ولا يذكر القرآن أحداً عدا المسيح له نفس السلطان. ليس ذلك فحسب، ونبّر محمد على هذه الحقيقة المذهلة بزعمه أن المسيح قال: أنفخ في جثة الطائر الخالي من الحياة، فيستطيع أن يطير. ترشد هذه الآية المسلمين ليؤمنوا أنه قد سكن في المسيح روحٌ مقتدرٌ على منح الحياة، فاستطاع بنفخة فمه أن يمنح حياة لجسد ميت. يبرز القرآن مراراً أن الله وحده هو القادر على خلق شيء وأنه نفخ في آدم ووهبه الحياة سورة الحِجر 15: 29< السجدة 32: 9< ص 38: 72. واستَخدم محمد نفس التعبير بنسبة المسيح أنه منح حياةً بنسمة نفخته. وتذكرنا هذه الآية بتصرف المسيح عشية يوم قيامته من بين الأموات فبعدما دخل الغرفة الموصَدة، ليظهر لتلاميذه الخائفين، نفخ فيهم قائلاً: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ!» يوحنا 20: 22.

خلق الله آدم نفسًا حية، ويخلق المسيح أتباعه خليقة جديدة، فصاروا أبناء وبنات لله، مملوئين بحياته الروحية الأبدية. ولكن من يقارن هذه الحقيقة بالرواية القرآنية التي تتحدث عن المسيح وخلقه طيراً يطير، يستطيع أن يرى الفارق التدريجي لخلقه في القرآن وتقييمه. فرأى محمد نفسه مضطرّاً للاعتراف بقدرة المسيح على الخلق، لكنه لم يشَأ أن يعترف بطاقته لخلق بشر جديد، ولم يعِ معنى الحياة الأبدية والقدرة على منحها، لذا قال - وبكل بساطة - إن المسيح الطفل خلق طائراً يطير. ولكن يا له من فرق، يا له من إقرار ماكر! 49/5.

49/5 - وفي قول بعض المفسرين إن الطائر الذي خلقه يسوع كان خفاشاً أي لا طائراً عادياً ولا حيواناً ثديياً حقاً ولكن ما بين هذا وذاك.

يصرح القرآن مرتين أن عيسى فتح أعين العمي بمجرد قدرة كلمته، ولم يحتَج إلى عملية جراحية أو دواءٍ ما. اعتبره محمد كلمة الله المتجسد، مليئاً بقدرة إلهية على الخلق والشفاء. ويحمل شفاء المسيح للبُرْص معنى خاصاً عند بعض المسلمين. إذ يعتبرون هذا المرض قصاصاً من الله على خطية مستترة 49/6.

49/6 - وجاء في الاحاديث المروية عن محمد قوله: «اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام» أبو داود، وتر 32، كتاب تفسير النساء 102، استعاذة 32، ابن ماجة، تجارات 6، مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 219

وقوله: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» البخاري، طب 19

و: «لا تديموا النظر إلى المجذومين» ابن ماجة، طب 44. إن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أمر بإحراق المجذومين الذين مر بهم في طريق مكة فقال: «لو كان الله يريد بهؤلاء خيراً لما ابتلاهم بهذا البلاء» ابن قتيبة، عيون الأخبار، ج 4، ص 69، القاهرة 1934-1949

وعن قتادة: أن مجذوماً دخل على عبد الله بن الحارث فقال: أخرجوه قالوا: ولِمَ؟ قال: بلغني أنه ملعون نفس المصدر.

وحيث أن المسيح شفى البُرص، استطاع أن يغلب سببه أولاً فغفر الخطايا بسلطانه. لقد حدثت هذه المعجزة المزدوجة مع المفلوج الذي دلاّه أصدقاؤه من سقف البيت أمام المسيح مرقس 2: 1-12. فلم يقل لهذا المسكين أمامه بأنه سيشفيه في الحال، إنما قال له: «مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». فغضب فقهاء اليهود الواقفون حوله في أفكارهم لأنهم ظنوا أن لا أحد يستطيع أن يغفر الخطايا سوى الله. فاتهموا المسيح بالتجديف. لكنه فهم اضطرابهم الداخلي وشرح لهم كيف أن لابن الإنسان سلطاناً على مغفرة الخطايا، وقال للمفلوج: «قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ!» فأعلن سلطانه على غفران الخطايا من خلال معجزة الشفاء هذه. ويقدر المسلمون أن يعرفوا من القرآن أن للمسيح القدرة على شفاء جميع الأسقام، وأنه كان يقدر على تحرير الناس من سبب المرض ذاته. فيتجه المسلمون في بلدان متعددة إلى المسيحيين طالبين منهم التشفع لأجلهم عند «سيدنا عيسى» الحي في السماء ليشفيهم.

ونقرأ في الآية 49 أيضاً أن للمسيح سلطان إحياء الموتى. ويستعمل القرآن صيغة الجمع في هذا الصدد، وليس المفرد أو المثنى مثلاً. وهذا يعني أن المسيح أحيا ثلاثة أشخاص على الأقل - بحسب ما تقتضيه صيغة الجمع في اللغة العربية. ويذكر الإنجيل أن المسيح أحيا فتاة مرقس 5: 35-43، وشاباً لوقا 7: 11-17 ورجلاً بالغاً يوحنا 11: 1-45. ونجد هذه المعجزات مذكورة أيضاً في القرآن ولكن من دون تفصيل أو تفسير. لذلك لا يعرف المسلمون كيف شفى المسيح المرضى وكيف أحيا الموتى، غير أنهم يؤمنون أن هذه المعجزات قد حدثت، ليس إلاّ. فينبغي علينا نحن المسيحيين أن نوضح هذه النصوص للمسلمين ونشجعهم على قراءة هذه الروايات في الإنجيل بأنفسهم، فيستطيعون أن يتقابلوا مع المسيح ويروه كما كان وكما هو.

بيد أن القرآن يذكر أن المسيح ما استطاع ان يعمل كل هذه المعجزات بنفسه، إنما أكملها بإذنِ الله. ولا يفهم المسلمون ما قصده المسيح عندما قال في يوحنا 5: 19 و20 إنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً من نفسه، ولكنه يعمل أيضاً كل ما يرى الآب يعمله. قد أنكر يسوع نفسه واستمر في تمجيده للآب وأصرَّ أن يتعلَّم أتباعه منه التواضع ونكران الذات، لأنه هو بنفسه وديع ومتواضع القلب متى 11: 28-30. ونجد على النقيض من ذلك أن أحد أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين هو المتكبّر 49/7.

بينما المسيح هو المتواضع! إن روح إنكار الذات والتواضع هذه تناقض روح الفخر والكبرياء في الإسلام.

49/7 - إنه من الغرابة بمكان أن يكون «التكبر» في القرآن من صفات الجبابرة الظالمين بينما المتكبر واحد من أسماء الله الحسنى النحل 16: 29، الزمر 39: 60

وقد ورد في ثلاثة آيات أُخَر في القرآن أن الله أرسل روح القُدُس إلى المسيح ليؤيِّده لتقويته، فاستطاع أن يعمل معجزاته الباهرة سورة البقرة 2: 87 و253، المائدة 5: 110. ولا يدرك معظم المسلمين أن يتقارب الله وروح القدس والمسيح في نفس الآيات. إن هؤلاء الثلاثة تعاونوا معاً كوحدة عملية لتتمِّم هذه المعجزات. لا يؤمن المسلمون بمساواة جوهر الله وروحه والمسيح في وحدة الثالوث الأقدس، مع أن القرآن يعترف بصورة غير مباشرة بتعاون الله مع روحه والمسيح. فيقدر المسلمون، إن كانوا لا يؤمنون بثالوث في الجوهر، أن يؤمنوا بثالوث في العمل والتعاون حتى وإن لم يعترفوا بهذه الحقيقة.

لقد اقترب محمد كثيراً من النصارى، ولكن الفجوة بينهما لا زالت أكبر من أن تُعبَر. فقد صوَّر المسيح بثلاث معجزات باهرة: كخالق قدير، وكأعظم طبيب على وجه الأرض، واستطاع أن يقيم الموتى. وتمت هذه الأعاجيب بشرطٍ أو قيدٍ واحد أن أذن الله بها وفق مشيئته تعالى وبتأييدٍ من روحه القدس. حاكى محمد النصارى في إيمانهم بقدر ما استطاع، ليقنع وفد وادي نجران أن المسلمين يؤمنون بنفس الحقائق الروحية مثلهم، وحتى بشِبْه ثالوثٍ. ولكنه كان في الواقع قد جرَّد المسيح من سلطانه الإلهي وجعل منه مجرد عبد لله.

تابع محمد تلاوته الشعرية التي تحوي كلمات المسيح المزعومة: «وَأُنْبِئِكُمْْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينْ» سورة آل عمران 3: 49.

كان محمد يواجه مشكلة متفاقمة في المدينة. أتت أغلبية أتباعه من مواطني المدينة، بينما هاجرت معه مئة عائلة مسلمة أو ما يزيد على ذلك من مكة إلى المدينة واستجاروا بها. وكان مسلمو المدينة قد ختموا ووافقوا على ثلاث معاهدات متتالية وتعهدوا أنهم سيتولون ضيافة اللاجئين من مكة، وفعلاً نفذوا ذلك بأمانة. إنما مع الوقت اغتنى مسلمو المدينة على حساب المهاجرين، لأن مسلمي مكة لم يكن لهم مصدر رزق، وكانوا قد أنفقوا مالهم الذي أتوا به. فاشتدت حدة المشكلة بين الفريقين وانعكس ذلك على الإسلام بصورة أضعفته. اغتاظ محمد لأنه كان يعلم أن بعض مسلمي المدينة كان بحوزتهم ذهب وكنوز متعددة مخبَّأة في بيوتهم، وأنه كلما غادر الضيوف المهاجرون البيتَ، أكل أهل المدينة طعاماً أفضل، كانوا يخبئونه في صناديقهم. غضب محمد وهدَّد مسلمي المدينة الأغنياء بأن المسيح سيأتي ثانية عن قريب في نهاية الزمان ويستطيع أن ينظر عبر الحيطان ويرى ما اكتنزوه من المال والقوت في بيوتهم، ثم يحكم عليهم بسبب بُخلهم وريائهم.

أقر محمد أن المسيح سيأتي ثانيةً، وأنه لا يمكن إخفاء شيء عن عينيه. وبذلك اعترف على نحو غير مباشر أن المسيح هو العليم. ويمكن أنّ محمداً استخرج هذا الاعتراف من الإنجيل بحسب يوحنا 2: 24 و25، حيث نقرأ أن المسيح لم يكن محتاجاً أن يخبره أحدٌ عما يجول بداخل البشر، لأنه عرف ما هو في كل إنسان. فقبل محمد هذا السلطان، ولكن بينما يعلن الإنجيل أن المسيح علم أهداف الإنسان وخطاياه، يكتفي محمد بأن يذكر بكشف المسيح المال والطعام المخبَّأ ليخزي البخلاء يوم الدينونة 49/8.

49/8 - يا ترى كيف يفسر المسلمون هذا التحذير القرآني؟ جاء في تفسير الطبري «إن عيسى كان يخبر الصبي: إن أمك قد خبأت لك كذا فيرجع الصبي إلى أهله ويبكي إلى أن يأخذ ذلك الشيء. ثم قالوا لصبيانهم. لا تلعبوا مع هذا الساحر وجمعوهم في بيت. فجاء عيسى يطلبهم فقالوا له: ليسوا في البيت فقال: فمن في هذا البيت؟ قالوا: خنازير، قال عيسى: كذلك يكونون، فإذا هم خنازير» جامع البيان، ج 3، ص 271 -280

وقال الرازي في تفسير هذه الآية: إن الذي أي عيسى حل عليه السلام يخبر بالغيب مفاتيح الغيب، ج 8، ص 57.

نوَّه محمد بقدرة المسيح على كشف المستور كمعجزة، غير أنه وجَّه هذا الخطاب خاصة لوفد وادي نجران ليخبرهم أن المسيح يعلم ما يفكرون فيه بالضبط. وأنه سيعلن إذا كانوا يتلاعبون مع محمد أو إن كانوا يعترفون فعلاً بالحق كما صوَّره هو. فالمسيح سيخبرهم أيضاً بما كنزوه في بيوتهم في وادي نجران وما ضحّوا به من أجل اللاجئين المسلمين الفقراء.

ويتضح من هذه الآية أن يستطيع المسلمون أن يؤمنوا بأن المسيح يعلم عِلم الغيب وأنه سيأتي ثانيةً وينظر في قلوبهم بعينيه الفاحصتين، فيكشف أسرارهم وخطاياهم، ويدينهم يوم القيامة بصفته الديان الأزلي.

يقول المسيح في الآية 50: «وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكِمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ!».

استطرد محمد هذه العظة وقال إن الله أرسل المسيح ليشهد لصحة التوراة ويثبت سلامتها. فكيف يدّعي بعض المسلمين أنّ التوراة والزبور والنبيين محرفة، رغم أن القرآن نفسه يبرز أن المسيح جاء ليصدِّق على عصمتها؟ وقد وردت شهادة المسيح لصحة ونزاهة التوراة في آيات أخرى من القرآن سورة المائدة 5: 43 و45 و46< الحديد 57: 27، فلماذا إذاً يصرُّ نفر من المسلمين على أن الكتاب المقدس قد تحرَّف؟ فليقرأوا ما قاله المسيح شخصياً في الإنجيل حسب متى 5: 17 و18: «لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ يتحقق الْكُلُّ». أتى يسوع ليؤيد صحة التوراة، بل هو ذاته ضمان أسفار العهد القديم. هو كلمة الله المتجسد الذي لا يقدر أحد أن يغيّره أو يبدله. له الحق الأزلي أن يضمن عصمة التوراة ويكفلها إلى الأبد، وحتى القرآن يصدق على سلطانه هذا.

ثم تابع المسيح حديثه كما نقرأ في القرآن وقال: « وَلأُُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» سورة آل عمران 3: 50.

نرى في هذه الآية القرآنية قراراً غريباً على لسان المسيح بالنسبة لشريعة موسى. إنّ الإسلام دين تحت الشريعة، وتشبه الحياة فيه تصرفات الأمة اليهودية تحت شريعة العهد القديم. ويؤمن بنو إسرائيل أن كل كلمة من العهد القديم وحيٌ من الله كما يفترض المسلمون أن كل آية في القرآن موحى بها من الله. ويعتقدون أن الوحي هو الشريعة بالذات. فكل من يعيش تحت الشريعة ليس له حرية الرأي أو الاختيار كيف يعيش. كل ما يريد الإنسان أن يعمله محدَّد بالشريعة. فمن يقصد أن يفهم حياة المسلمين واليهود ينبغي أن يدرك أنهم عبيد الشريعة وأنهم يُدانون بها. أما المسيح فحررنا من لعنة الشريعة غلاطية 3: 10-13. ولا يعني هذا التحرير أن شريعة موسى قد انمحت في حياة المسيحيين، لأن الديان الأزلي سيدين أتباعه حسب الشريعة الإلهية. إنما قد تبرروا بموت المسيح الكفاري تبريراً كاملاً، ولأجله يمتلئون بروحه القدوس المعزّي. وهذا الروح هو الشريعة الجديدة بذاتها التي وُضعت في قلوبهم، وهو يمنحهم في ذات الوقت القدرة على تتميم فرائض الشريعة في المحبة. وقد كتب الرسول بولس أن ناموس روح المسيح المحيي قد أعتقنا من ناموس الخطية والموت رومية 8: 2. فليس أتباع المسيح بدون شريعة ولا يعيشون بلا ضمير في إباحية غير متقيدة بنظام لأن الروح القدس يرشدهم رومية 8: 14. فلا يعيشون بعد تحت الشريعة كالمسلمين واليهود لكنهم يسلكون في نعمة المسيح.

ينبغي أن ينضوي جميع الناس، حسب المفهوم الإسلامي، تحت الشريعة الإسلامية التي تغطي وتنظم كل جهات الحياة. ولا يُسمح لأحد أن يتصرف كما يريد خارج ذلك القانون.. ما عدا المسيح، لأنه جاء مُشرِّعاً، وليس منفذاً للشريعة. فكان له الحق أن يغير ويطوّر الشريعة الإلهية. مَن هو المشرع الأوحد لدى المسلمين؟ لا أحد إلا الله. لكن بما أن المسيح أتى مؤهَّلاً لتغيير الشريعة، فهو مُشرِّعٌ على رتبة الله حتى في الإسلام. لم يكن لمحمد سلطة تغيير الشريعة، بل كثيراً ما انتابه الشك والخوف من الإساءة لشريعة موسى، فحاول أن لا يغيِّر أي بندٍ من بنود الشريعة< لئلا تحسبه اليهود نبياً كذاباً. وسأل محمد اليهود وألحّ عليهم ليخبروه بالتفصيل ما كان مكتوباً في التوراة، غير أنهم كانوا يسخرون منه ويضللونه ويتجاهلونه ابن هشام، ج 2، 45-67. أما المسيح فلم يخف من اليهود، بل كان له الحق والسلطان لتطوير الشريعة وتتميمها. فقد أعلن مرة: «كل ما يدخل الإنسان من الخارج لا يقدر أن ينجسه.. إن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان. لأنه.. من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة متى 15: 11 ومرقس 7: 15-23 ولوقا 18: 20 و23. وشهد المسيح أن الشريعة الموسوية تقول: «عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ». أما أنا فأقول لكم: «لا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً» متى 5: 38-40. وتبرهن سلطة المسيح هذه لتغيير وتكميل الشريعة أن له نفس السلطة القضائية مثل الله.

كان محمد مُحقاً في القرآن بقوله إن المسيح مُشرِّع إلهي، وإن له الحق والسلطان ليطلب من الناس الطاعة والخضوع فقال: «اِتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ!». إن القرآن لا يلهم حواريي المسيح أن يحبوا الله من كل قلوبهم، بل أن يتّقوه ويخافوا منه. فليست محبة الله المقدسة ومحبتنا المخلصة له من المواضيع المطلوبة في الإسلام، بل التقوى والوقار تجاه الله. وربما يُلخَّص الإسلام بالآية القائلة: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ» مزمور 111: 10 والأمثال 1: 7< 9: 10، أما الرسول بولس فكتب أن ملء الحكمة قد حل في المسيح شخصياً كولوسي 2: 3.

لم يقل المسيح في القرآن لسامعيه أن يتقوا الله ويعبدوه بإجلال فقط، بل تابع قوله بسلطة المُشرِّع الإلهي: وَأَطِيعُونِ !. إن هذه الكلمات القرآنية تأمر كل الناس بطاعة المسيح. فينبغي أن يقبلوا كلماته المدوَّنة في الإنجيل ويعيشوا بموجبها. نتأسف لأن محمداً لم يقدر أن يقرأ الإنجيل أو يفهمه فكانت النتيجة أنه أهمل خلاص المسيح، إلا أنه قبل المسيح بصفته مُشرِّعاً لا مخلِّصاً.

قد سمح محمد للمسيح أن يقول: «وَأَطِيعُونِ!» ليغري نصارى وادي نجران بالتحوّل إلى الإسلام. وكانت هذا العبارة خدعة في صفقة ماهرة، بيد أنها تفرض على المسلمين قاطبةً طاعة سيدهم المسيح. ونعترف بأن الكثير من المسيحيين الاسميين يؤمنون بالمسيح نوعاً ما إلا أنهم لا يطيعونه بأمانة. أما القرآن فيأمر جميع المسلمين بطاعته. ألا ينبغي على المسيحيين أيضاً دراسة شريعة المسيح الجديدة والعيش بمقتضاها؟ ونجد مسيحيين متحررين في أيامنا يقولون: بما أنّه تعيَّن على المسلمين الخضوع للمسيح، فينبغي على المسيحيين أيضاً أن يتبعوا الإسلام. إنهم لا يعرفون ولا يفهمون الآية التالية 51 التي يبدو أن المسيح يقول فيها: «إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ».

كان محمد يرفع المسيح إلى رتبة الله تقريباً، اعترف بأنه خالق، والطبيب الأعظم الذي يشفي كل مريض بقدرة كلمته. وهو معطي الحياة للموتى، وعلاّم الغيوب، المصدق على التوراة، والمُشرِّع الإلهي، وله السلطان بطلب الطاعة التامة من الجميع. فبعدما داهن محمد الضيوف المسيحيين أمامه في مسجد المدينة وتمنى أن يكسب ثقة الأسقف وأعضاء وفده ليؤمنوا بأنه نبي الإسلام المختار، رأى نفسه مضطراً أن يُرضي اتباعه المسلمين أيضاً الذين جلسوا حوله. فنزّل المسيح من عليائه وأحدره إلى مستوى كل مسلم، واستخدم نفس الأسلوب كما فعل سابقاً مع مريم في آل عمران 3: 42 و43. فبعد أن كان قد رفعها ووصفها بأنها المرأة الوحيدة المصطفاة على باقي النساء في الدنيا وفي الآخرة، وبعد أن جعلها نبية وآية الله، ووصفها بأنها إمام، اعتبرها مؤمنة خاشعة تسجد مع باقي النساء المسلمات. كذلك قدَّم تقييماً للمسيح ورسمه مسلماً خاضعاً يعترف بربوبية الله له، ويقول: «إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ». أما رب العهد في التوراة فهو يهوه. وكان لكل عضو في هذا العهد الامتياز أن يسمّي يهوه ربنا، وذلك لأن الله القدير كان قد استهل الوصايا العشر بقوله: «أنا الرب إلهك».

قصد محمد وحدة الديانات الثلاث بالتصريح الذكي «إِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ» سورة العنكبوت 29: 46، فادّعى أن «الله» و«يهوه» إله واحد. لم يقل المسيح ولا مرة واحدة إن الله أو إلوهيم هو ربه، بل عزَّى تلاميذه بقوله: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ» يوحنا 20: 17 فأوضح بهذا الإعلان إن الله أبوه وليس ربه، ومنح هذا الحق الفريد لكل من يؤمنون به. لم يعلّم المسيح صحابته أن يصلّوا لله «إلوهيم» أو «يهوه» بل أن يقولوا: « أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ» متى 6: 9.

لم يقبل محمد الصلاة الربانية كما يصليها جميع المسيحيين، لكنه أراد أن يُخضع المسيح لله ليكون سواء بسواء مع عامة اليهود والمسلمين. لم يكن على استعداد للاعتراف بأن يسوع المسيح هو الرب فيلبي 2: 9-11. يُعلِّمنا الرسول بولس أن لا أحد يستطيع أن يدعو يسوع المسيح رباً إلاّ بالروح القدس 1كورنثوس 12: 3. وبما أنّ الروح القدس لا يوجد بالمفهوم المسيحي في الإسلام فلم يقدر محمد أن يدرك حقيقة المسيح أنه الرب بالذات. أراد محمد في الواقع أن يرسم المسيح في صورة عبد لله. وفي هذه الحالة سيعبد جميع أتباعه الله كمسلمين أتقياء، فيسجدون لله المجهول، البعيد، الجبّار المتكبِّر القهار، الذي يستحيل الوصول إليه!

خدني الحنين لعينيكي حبيتو من وقتها
بحلم سنين ألاقيكي و أنسى الجراح بعدها
وبقيتي من قسمتي عشقي ونور دنيتي
ما شافتش قبلك عيوني وعليكي فتّحتها

المسيح يحمينا

jesus i trust in you

أنا هو القيامة والحياة من يتبعني لايمشي في الظلمة
 
 
Page generated in 0.08474 seconds with 10 queries