عرض مشاركة واحدة
قديم 03/07/2005   #4
شب و شيخ الشباب Syria Man
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Syria Man
Syria Man is offline
 
نورنا ب:
May 2005
المطرح:
بين الزحام أدوب ...................... وارحل بين الدروب
مشاركات:
5,240

إرسال خطاب MSN إلى Syria Man إرسال خطاب Yahoo إلى Syria Man
افتراضي


وكثيراً ما تستعمل الآيات القرآنية المتعلقة بالتوراة رب بدلا من الله. ولعل هذا يدل على إمكانية سماع محمد أن لفظة إلوهيم ذُكِرت حوالي 2600 مرة فقط، بينما وردت لفظة يهوه حوالي 6828 مرة في أسفار العهد القديم. فما كان منه إلاّ أن صدَّق على الصيغة التي درج اليهود على استعمالها عند مخاطبة الله بوصفه ربنا.

لقد جرت العادة بين نصارى الشرق الأوسط على أنه عندما يُلِمّ مرض عضال بأمٍّ أو بأبٍ، إنهم يصرخون إلى الله أو المسيح قائلين: اللهم، إذا عافيتَني وخلصتَني، أكرِّس لك أول من تعطيني من أبناء. وهكذا يهب الآباء ولداً من أولادهم لله بُغية نوال بركته أو رضاه. وتغصُّ الأديرة الأرثوذكسية والكاثوليكية في الشرق الأوسط بالكثيرين من الرهبان والراهبات الذين تمَّ تكريسهم لله مِنْ قَبْل مولدهم. ولعل مشاكل جسيمة حلّت بأسرة عمران، مما أدى إلى تكريس الجنين الذي كان في بطن امرأة عمران لله من قبل أن يولَد، فلم يعد ينتمي إلى عمران أو امرأته، بل إلى الرب مباشرة.

ويحمل تعبير آل عمران معانٍ إضافية، لأنه خَلق أملاً في صدر امرأة عمران. فالله قد اصطفى موسى وهارون ليكونا رسولين وخادمين للرب، فاعتقدت أمُّهما أنها ستُرزَق بصبيٍ مرة أخرى، فنذرت ما كان في بطنها لله، وذلك لعدة أسباب: كان أملها أن يكون المولود صبياً، وأن يكبر ليكون نبياً ذا شأنٍ. وكانت ترجو أن يصبح إضافة مناسبة لشرف آل عمران، وبهذا تنحل مشكلتهم المُلحَّة التي ألمَّت بهم.

فانتظرت امرأة عمران وصلَّت -كما يقول القرآن - وآمنت أن الله هو العليم السميع، لشعبه المختار خاصةً. وهذان الاسمان اللذان اختارتهما لوصف الله القدير مذكوران ضمن قائمة أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، ويردان في القرآن، أولهما 158 مرة وثانيهما 64 مرة. وهما يتفقان مع صفات الله الأساسية. إن ما يربو على 25 بالمائة من الأسماء المذكورة في هذه القائمة تصف الله بأنه ضابط الكل المسيطر على كل شيء، وأن عينيه مفتوحتان على الدوام، وهو يعلم كل شيء، ويفهم كل شيء، ويتحكم في كل مُجريات الأمور، ولا مفرَّ لأحد منه. وقد كان على علمٍ برغبة امرأة عمران أن تأتي بطفل مكرس للرب فكان قد قرَّر مصير الطفل مُسبقاً. وكانت الأم تدعو ربها حتى يكون الطفل مقبولاً لديه مليئاً بمواهبه وبروحه، حتى وهو ما فتئَ جنينًا.

أما القسم التالي من النص فهو يُظهِر تناقضاً غريباً، فالأم كانت تصرخ: رَبِّ، إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى!. اغتمَّ والدا الفتاة لمولدها لأنها لم تكن صبياً كما أمَلا، بل مجرد فتاة. أي أنها لن تكون نبياً ألمعياً يُشرِّف سلسلة أنبياء آل عمران، بل مجرد فتاة وضيعة القدر. فصرخت امرأة عمران كأنها تقول لربها في يأس: ربِّي، ما هذا الذي فعلتَه بي؟!. ويُرجِع القرآن في صرخة أم مريم هذه، صدى صراخ كل امرأةٍ كانت تتوقع مولد صبي ثم تُمنَى عوض ذلك بفتاة.

ثم يتلو ذلك توضيح لا يمكن فهمه على أكمل وجه إلاّ من وجهة نظر إسلامية وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى. تبدو هذه العبارة لأول وهلة فلسفة بسيطة بديهية، ولكن لها معنىً تشريعياً محدداً في الحضارة الإسلامية التي ترى أن للرجل حظ الأنثيين، لأنه ذو قيمة أكبر. فتُعتَبر شهادة امرأتين أمام القاضي في الشريعة الإسلامية مساوية لشهادة رجل واحد سورة البقرة 2: 282. ولا تحصل الأرملة في حالة وفاة زوجها إلاّ على نصف نصيب ابنها من الميراث سورة النساء 4: 11 لأن المرأة تساوي نصف قيمة الرجل، حتى لو كان صبياً في عامه الأول!من يفهم فليفهم! إن هذه العبارة تدل على انحطاط قدر المرأة في الإسلام سورة النساء 4: 34.

كانت أم مريم تندب حظها الذي جعلها تنجب طفلة دَنيّةً، فهيهات أن يخطر ببال إنسان أن تكون المرأة نبيةً كريمةً في الإسلام 35/1.

فعندما صرخت امرأة عمران إلى ربها صرخة يأس، كأنها تشتكي من أن مولودها لم يكن إلاّ فتاة، غير أن الله كان يعلم بهذا أصلاً، فإن قصده لها كان قصداً فريداً سامياً.

35/1 - يقول أغلب الفقهاء بأن المرأة لا يجوز أن تتولى القضاء لما ورد في القرآن: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض» النساء 4: 34.

قيل المراد بالتفضيل هنا العقل والرأي ولما روي عن رسول الله: «النساء ناقصات عقل ودين» ولنقص النساء عن رتب الولايات» شهاب الدين النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ج 6 ص 248، القاهرة بدون تاريخ.

وما أن وُلِدت الطفلة حتى أسموها مريم، الذي هو الاسم المؤنث الوحيد الذي ذُكِر في القرآن بأسره. أما النساء الأخريات فكُنَّ يُسمَّين امرأة عمران أو امرأة فرعون، باعتبار أنهن مُلكٌ لأزواجهن. فما من امرأة أخرى تسمَّت باسمها في القرآن. بل إن اسم مريم يظهر 34 مرة، في الوقت الذي يظهر فيه اسم «عيسى» 25 مرة لا غير، مما يوحي بعظمة مكانة مريم عند محمد.

كذلك يحمل اسم مريم دلالة رمزية، فهو يمثِّل سائر النساء في القرآن< لأن معناه المُرَّة أو العاصية. كانت نفس أم مريم مُرَّة لأنها ولدت أنثى. وهذا الاسم المُرَّة يجمع مأساة النساء في الدنيا ويوضح التفرقة التي يعانين منها. إن المرأة الوحيدة المذكورة في القرآن تحمل اسماً يمثِّل عناء جميع النساء في العالم.

ولكن على الرغم من خيبة الظن، أودعت أم مريم المولودَ لله قائلةً آية 36: «إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». كانت امرأة عمران في نظر محمد امرأة مصلية مؤمنة، فعلى الرغم من أنها رُزِقت بفتاة، إلاّ أنها استودعتها ربّها ليحميها ويهديها طوال حياتها. ومن الملفِت للنظر أنها لم تكرِّس مريم وحدها، بل وذريتها أيضاً ليحميها الرب بسلطانه ونعمته من تجارب إبليس ومن كل مكروه. وبهذا اعترف محمد بطريقة غير مباشرة بتنزُّه المسيح عن الخطية، وبالهداية والحماية الخاصة التي وهبها لكل الذين يتبعونه.

إن عيسى ومريم هما الوحيدان اللذان يعتبرهما الإسلام منزَّهين عن الخطية من مولدهما. فقد جاء في الحديث «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه» مسلم، فضائل 149، مسند، ج2 ص 233. ويختلف المسلمون مع المسيحيين في مفهومهم عن الخطية الأصلية الموروثة، فهم يدّعون أن الطفل يولد خالياً من الخطأ ولا يُلوِّثه الشيطان بها إلاّ بعد أن يولد مباشرة. ويعتبر الإسلام كلاً من المسيح ومريم آية الله، لأنهما -كما يقول الحديث- المولودان الوحيدان اللذان أتيا إلى العالم من غير أن يستهلا صارخَيْن البخاري، تفسير آل عمران. فإن الله كان قد أعدّ العدّة لحمايتهما من التلوّث بالخطية والشر الذي لا مفرَّ منه. لا بل إن بعض المسلمين يقرّون بأن مريم والمسيح لبثا بلا خطية حتى وفاتهما.

تنسب هذه الآية من سورة آل عمران لمريم والمسيح دوراً سامياً، الأمر الذي نستشفّ منه مدى تأثير شيعة وادي نجران النصرانية على القرآن، لأن هذه الشيعة كانت تعتقد بألوهية مريم والمسيح. وبينما أقرَّ محمد أن المسيح وأمه هما المنزَّهان من الخطية، التمس هو المغفرة من ربه ثلاث مرات في القرآن سورة غافر 40: 55 ومحمد 47: 19 والفتح 48: 2 36/1. أما المسيح فلم يحتج أن يطلب غفراناً لخطاياه، لا في القرآن ولا في الإنجيل، لأنه لم يخطئ أبداً. وتثبت بعض الأحاديث بأنه كان الرسول الوحيد الذي لم يخطئ قَط البخاري، توحيد 19 < مسند، ج 1 ص 281. فيعتقد المسلمون أن الله حمى مريم والمسيح من الشيطان في حياتهما، فعاشا بلا خطية.

36/1 - تتحدث عدة أحاديث عن استغفار محمد لذنوبه: اختلف العلماء فقط في عدد استغفاره إذ تدل بعض الأحاديث على أنه كان يستغفر يومياً عشر مرات النسائي قيام الليل 9 بينما تفيد روايات أخرى أن عدد استغفاراته اليومية كان مائة مسلم، ذكر 41، أبو داود، وتر 26.

ويُدعى الشيطان عدو الله، وكثيراً ما يُنعَت ب اللعين أو الرجيم المرفوض. يُذكر اسم الشيطان حوالي 70 مرة في القرآن، أي أكثر مما في التوراة والإنجيل، الأمر الذي يدل على أن الشيطان أكثر واقعية بالنسبة للمسلمين عما هو بالنسبة لليهود والنصارى. ويخاف بعض المسلمين من الشيطان ويلعنونه كل يوم، على أن لعناتهم لا تأخذ في أغلبها طابع المواضيع أو المناقشات اللاهوتية فقط، بل أيضاً تكون مراراً لعنات تنصَبّ على أناسٍ بعينهم.

ولهذه اللعنات قوة وسطوة حقيقية، كما تتكرَّر كثيراً في القرآن. ولا يمكن تجاهل مكانة إبليس في النفسية والفولكلور الإسلامي، فحين يُلقي المسلمون بالحجارة على عمودٍ بعينه قرب مكة أثناء الحج، يحاولون بذلك أن يصرفوا الشيطان عنهم بصورة رمزية بلا جدوى.

وجاء في سورة النجم 53: 20-23 أن الشيطان نفسه وسوس في محمد الكلمات التي عُرِفت فيما بعد ب الآيات الشيطانية. وهي تعلن أنه كان لله صاحبة زوجة اسمها اللّات وابنتان: مناة والعُزَّى. وكان محمد متسامحاً ومسانداً للشرك وهو نبي قبل أن يرفض هذه الآيات معتبراً إياها من وسوسات الشيطان. ولكن بعدما كان يعترف بأكثر من إله، الأمر الذي يناقض سيادة الله وهيمنته، ندم ورفض تلك الآيات الشيطانية، كما جاء في سورة الحج 22: 52 و53 واعترف أن الشيطان هو الذي وسوس بها في قلبه، واعتذر بأنه ما من نبي لم يُغرِه الشيطان، بل يوحي إليه أحياناً 36/2. وهذا دليل على أن محمداً لم يكن قادراً دائماً أن يميّز بين وحي الله وإلهام الشيطان، وأنه كان للشيطان اتصال مباشر بمحمد أثَّر عليه وأغواه، فلم يقدر دائماً أن يميز بين صوت الله وصوت إبليس، بل كان في شك مما كان يوحى إليه سورة يونس 10: 94 والناس 114: 4-6.

36/2 - كان محمد يعتقد أن لكل امرئ رفيقاً من الشياطين يلازمه دائماً ويجربه أحياناً. روي عنه قوله: «ليس منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم ولكن الله أعانني عليه فأسلم» مسلم، مسافرون 69، الدارمي، رقاق 25، مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 257.

بناء على هذا الحديث وأمثاله يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الجامع الأزهر إن: «كل إنسان معه شيطان. كما أمد الله الإنسان بمَلَك يهديه ويؤيده فإنه كذلك يمده بشيطان يوسوس له ويزين له السوء ويغريه بالمنكر ويدعوه إلى الفتنة ويستوي في ذلك الأنبياء... والقرين من الجن له قدرة على تقليد صاحبه في صوته، وقد يتشكل بشكله، وهو على دراية واسعة بحاله الظاهرة... وللقرناء صلة ببعضهم يعرفون عن طريقها الأخبار التي تحدث للناس...» وفي ادعاء الشيخ أن هذا الأمر يعود إلى العالم الروحاني: «وهوعالم واسع وقد ثبت وجوده علمياً وقد مر على البشر قرون وأزمان وهم يجهلون الميكروبات وأثرها في حياتهم ثم اكتشفوها أخيراً...» بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة، ج 4، ص 33-34 القاهرة 1994.

«فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقُبُولٍ حَسَنٍ وأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا» سورة آل عمران 3: 37. الإشارة هنا إلى ربها، وليس إلى الرب أو الله، تبيِّن أن الفتاة مهيضة الجناح عديمة الحقوق كانت بالحقيقة مختارة ومصطفاة من الرب لتعيش في حقوق عهده، ووُهِبت لها علاقة خاصة بربها. كما أنها هي نفسها قد وُهِبت له من قبل أن تولد، فهي ملك له. وقد منحها ربها نعمته، وأعانها فكبرت، وحماها في بستانه كغرس بديع. يُظَن أن مريم ترعرعت تحرسها عينا ربها، حتى غدت صبية صالحة، فنمت في حماه، محفوظةً للهدف الذي اصطفاه لها، حتى تنتج ثمراً فريداً في أوانه.

أما آية 37 فتصيبنا بالحيرة مرةً أخرى، فإن محمداً رأى ضرورة أن يكفلها زكريا. وهذا خطأ. لأن زكريا ما كان قيِّماً أو وصيّاً عليها. إن محمداً يُنوِّه ضمناً هنا أن زكريا كان أبا مريم بالتبني. وربما سمع محمد بالصلة الخاصة بين أسرة مريم وأسرة زكريا، فمريم استجارت ببيت زكريا عندما وُجِدت حبلى وهي لا زالت فتاة مخطوبة لم تتزوج بعد لوقا 1: 39-45. أساء محمد فهم هذه العلاقة، ونظم شعراً عربياً بدوياً قائلاً إنه كان من المُحال أن تذهب مريم إلى بيت زكريا دون أن تكون هناك علاقة شرعية بين أسرتيهما، وإلاّ قوبل هذا العمل بالارتياب من جهة المسلمين الذين كانوا سيتساءلون عمَّا كان سيصنعه معها. لكن وقد شرح محمد أن زكريا كان كفيلها وأنه تبناها بعد وفاة أبيها عمران، صارت العلاقة شرعية لا تشوبها شائبة.

أما الظن بأن زكريا كان كفيل مريم بنت عمران وأخت هارون يثبت مرة آخرى أن محمداً اعتقد فعلاً بأن عمران عاش زمن المسيح فلم يقدر أن يميّز الفترة الطويلة بينهما.

تظهر مريم في القرآن من المؤمنات المسلمات الأمينات، تذهب بانتظام لتصلي في محراب المسجد الهيكل. وكانت تقيم هناك ليل نهار، ولا تبرح ذلك المكان المقدس. وكانت تصلِّي مولِيةً وجهها شطر القِبلة الصحيحة في المحراب.

أما المحراب فهو الركن حسن التزيين في كل مسجد حيث يصلي المسلمون مولّين وجوههم شطر مكة.

وكان السبب الذي دعا الله أن يبعث لها الرزق متواصلاً، هو أنها كانت تصلي نحو القِبلة الصحيحة، فكانت تتلقى غذاءً من خَدَمٍ سمائيين في الهيكل، إذ يظن المسلمون أنهم يتلقون بركات مادية مثل المال والغذاء حين يصلون، وإن لم يصلوا يتضوّرون جوعاً ويخسرون المعارك! يرتفع صوت المؤذّن باكراً يصرخ: حي على الصلاة، حي على الفلاح!. يرجو المسلم أن يتبرَّر ويَنعم بالبركة في الدنيا ويُجزَى بالجنَّة في الآخرة بناءً على خدماته الدينية وأعماله الصالحة التي يقوم بها. ونرى هذا البر الذاتي عينه في القرآن عن حياة مريم التي صلَّت، فبعث الرب ملائكته من الجنة بكل ما كان يعوزها من متطلَّبات الحياة اليومية، فأصبحت مريم مَضرِب الأمثال وقدوة للمسلمات أجمعين. فالأم المسلمة تظن أنها لو صلَّت بانتظام، سيرزق الله أسرتها بكل ما يعوزها. لقد وصف محمد مريم كمؤمنة من العهد القديم بمفهوم إسلامي عن الصلاة.

وضاق زكريا ذرعًا بما كان يجري، ففي كل مرة كان يزورها في الهيكل ويحمل الطعام لمريم، كان يجد أن أحداً سبقه وحمل لها ما تحتاجه، فسألها مستغرباً عن مصدر الطعام، فربما كان شاب يزورها في الهيكل ويحضر لها الطعام. ولكن مريم بتواضعها اكتفت بالرد عليه قائلةً: هوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ.

ثم أنهى محمد هذه القصة الغريبة عن رزق مريم بخاتمة على فمها آية 37، إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بَغَيْرِ حِسَابٍ. إن الله لَيصطفي فتاة غير متزوجة تُدعَى المُرَّة ليباركها ويعتني بها، ولسوف لن تنقطع هذه الهبات طالما أنها تداوم على الصلاة. فليس الأغنياء أو المهرة أو المشهورون أو العظماء من الرجال هم وحدهم الذين يصطفيهم الله وينعم عليهم ببركته، بل أيضاً امرأة مُهمَلة تصلي على الطريقة الإسلامية بوقار.

يمثل وجود قصةٍ كهذه في القرآن أن محمداً كان على دراية بالتقاليد المريمية التي استشرت آنذاك بين الكنائس الشرقية، التي قَبِل محمد أفكارها جزئياً وردَّدها بأسلوب قرآني ليستميل النصارى للإسلام. من أجل ذلك يشعر بعض المسلمين بأنهم أقرب إلى المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك منهم إلى البروتستانت، لأنهم يتضرعون إلى مريم ويتمنون أن يتبرروا بأعمالهم الصالحة جنباً لإيمانهم بالمسيح.-3نبوّةُ مِيلاد يُوحنّا المَعْمَدَان

«38 هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ 39 فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ 40 قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ 41 قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ» آل عمران 3: 38-41.

تتناول هذه الآيات ميلاد يوحنا المعمدان المُغطِّس، المعروف في القرآن بيحيى بن زكريا. فربما قال زكريا لنفسه حسب القرآن، وهو يرى مريم تُرزَق دائماً بالطعام في مكان العبادة جزاءً لها على صلواتها المستمرة: ليتني أُرزَق أنا أيضاً بابنٍ مبارك مثل هذه.

ثم دعا زكريا «ربه» في الآية 38 زيادةً على الصلوات الرسمية المفروضة، وطلب منه صبياً، حتى لا يُضطَرّ أن يسعى وراء كسب المأكل والملبس. قد استنتج زكريا أنه سيُرزَق بالطعام من عند الله طالما قام ابنه بالصلاة. هذا يوضّح لنا سبب ممارسة بعض الفرائض الدينية عند بعض المسلمين، الذين يجتهدون ليكسبوا المنافع المادية. ولا يخدم واحد إلاّ إذا توقَّع نوال شيء في المقابل لأتعابه. كان محمد تاجراً ماهراً، لم يتصرف بناءً على نزعة الإحسان، بل كانت نظرته للحياة بأنه لا شيء يُعطى إلاّ إذا دُفِع ثمنه، فالعاملون ينالون أجرهم، ومن لا يعمل فلن يأكل أيضاً. ونقرأ في سورة فاطر 35: 29 و30 أنّ الدين تجارة لن تبور، وأن الله يوفي المسلمين أجورهم ويزيدهم من فضله وفق أعمالهم 38/1.

38/1 - حث محمد أصحابه على التصدق بزعمه أن الأعمال الصالحة التي يؤديها المسلم في حياته الدنيا سوف تعود عليه بالثواب بعد موته أيضاً ومن تلك الأعمال الصالحة التي تنفع المرء في «الحياة الأخرى» والتي تسمى «صدقة جارية» بناء الجسور وحفر الآبار للمسلمين ابن ماجة، مقدمة، 20، أبو داود، وصايا 14.

يختلف هذا المبدأ عما نجده في الأناجيل تماماً، فيجب علينا أن ندرك نيّة الأفراد عندما نتعامل مع المسلمين الذين يقدمون الخدمات والعطايا الجزيلة نادراً دون توقّع مقابل معيّن. فمن يخدم ربه، يتوقع منه أن يُغدِق عليه بركاته الغزيرة، وينال نتائج عملية لخدماته. وليس المسلمون فقط هم الذين ينهجون هذا النهج، بل ينهجه أيضاً كثير من النصارى الذين لا يفهمون أن الله قد منح لهم بركات السماء كلها في المسيح مجاناً أفسس 1: 3 ورومية 8: 32. أما في الإسلام فنجد المبادئ التجارية في كل خدمات المسلمين وهي الأساس لتبريرهم والركن لرجائهم الأبدي. فمن ينشئ مسجداً على الأرض، يبني الله له قصراً في الجنة، ويتمسك بالعقيدة الإسلامية أن الحسنات يذهبن السيئات سورة هود 11: 114. وسيضع الله يوم القيامة موازين سورة الأعراف 7: 8 و9 الأنبياء 21: 47 والمؤمنون 23: 102 و103 والشورى 42: 17 والرحمن 55: 7 والحديد 57: 25 والقارعة 101: 6-9 ليزن الأعمال الصالحة مقابل الأعمال السيئة، ويقرر بذلك فقط مصير كل فرد. ويتم شرح هذه المفاهيم بمصطلحات تجارية، ويُنظر إلى الله كأنه تاجر دقيق ومحصٍ سريع.

نعود إلى زكريا فنقول إنه - وفقاً لمحمد - تجاوب مع هذا المفهوم: فمريم صلَّت ورُزِقَت طعاماً. فما كان منه إلاّ أن قرر أن يصلي هو أيضاً، لا لأن يُرزَق بالطعام فقط وإلاّ لكان يتعيَّن عليه الصلاة عدة مرات كل يوم مثل مريم، لكن ليُعطيه الله ابناً صالحاً، يرفع الصلاة لأجله، ليحصل هو وأسرته على القوت والكسوة مجّاناً. ويُظهر القرآن زكريا كخادم الرب الذي كان يتوقع منافع من أجل خدماته، وكان يأمُل أن تُغدق عليه البركات بلا حساب أو حدود.

يوجد في الإسلام نوعان من الصلوات: الصلاة الرسمية والدعاء الشخصي. ونجد في الآية 38 نموذجاً من النوع الثاني، أي الدعاء. أما الصلاة فهي ابتهال طقسي منظم، محفوظ في الأذهان ومكتوب في الصحف، ويمارسه المسلم خمس مرات كل يوم. ويكررالكلمات المنظمة هذه الفريضة عينها أثناء الصلوات الخمس نحو سبع عشرة مرة. ويتعيَّن عليه في بداية صلواته الوضوء كتطهير خارجي، وينبغي عليه أن يسجد خلال كل ركعة مرتين حتى تمس جبهته الأرض. فبهذه الطريقة يسجد لله 34 مرة في اليوم. وأصبح هذا السجود الرمز الظاهري لروح الإسلام. أما الإسلام اصطلاحاً فهو التسليم والخضوع لله عز وجل، وشرعاً هو الاستسلام له، وواقعياً التسليم لأي سلطة سياسية تحكم البلاد باسم الله. وعندما يشهد المسلم أنْ لا إله إلاّ الله، يُشهِر موالاته لله ومبايعته لرسوله - في ذات الوقت - على الصعيدين الديني والسياسي.

أما المسيحي فإنه إذا سلَّم نفسه للرب يسوع المسيح، يتم هذا التسليم مرةً واحدةً وإلى الأبد، بلا رجعة ولا نكوص. لكن المفروض على المسلم أن يعلن ولاءه وإسلامه لله نحو 34 مرة كل يوم. فهو ليس في ما بعد حُراً بل عبداً لله، وإن ترك الإسلام يجب قتله. هذا القتل مفروض على الرجل المرتد فقط، أما النساء فلا يُطبَّق عليهن هذا الحكم، بل يُجلَدن حتى يُسلِمن مرة أخرى أو يُحبَسن في غرفة دون طعام أو شراب، فإنَّ على المسلم أن يبقى عبداً لله ما عاش.

ولا يمكن أن يؤدي المسيحيون الصلوات الإسلامية لأنهم ليسوا عبيداً لله، بل هم أبناؤه الأحباء. وهم لا يصلّون لله لينالوا ثواباً أو أجراً، بل حباً وشكراً لنعمته، فتختلف صلواتهم اختلافاً جذرياً عن صلوات المسلمين، فهم أولاده بالتبني وأبناؤه في الروح قد وفَّر لهم ما يحتاجون في الدنيا والآخرة. ولهم الامتياز أن يتحدثوا مع أبيهم الذي في السموات، فيتكلمون معه بصدق وصراحة في كل مكان وزمان. وقد نالوا بالفعل كل البركات السماويّة بواسطة السيد المسيح رومية 8: 32 وأفسس 1: 3. أما المسلمون فيكررون في صلاتهم أنهم عبيد مملوكون لله.

ويُسمى النوع الثاني من الصلوات في الإسلام الدعاء الفردي. ويُرفع الدعاء لله بحسب ما يشعر به المسلم في قلبه وذهنه. ويشبه دعاؤه الصرخة في الفضاء إلى رب العالمين البعيد وغير المدرك. فليس للمسلم اتصال مباشر بالله العظيم، ولا يعلم من هو الله بالحقيقة. وعندما يوجّه إليه أدعيته، يهمهم همهمة العبد الذي يلتمس نعمة من سيده الذي يمرّ به غير مهتم ولا مبالٍ. والله يستجيب إذا شاء سورة البقرة 2: 186، ولكنه غير مضطر أن يستمع إلى دعائه. إنّ المسلم لا يضمن أن الصلاة الرسمية أو الدعاء التلقائي سيُستجابان أم لا ولا إن استمع أحد إليه، فالله أكبر!!

أعلن الله لزكريا إعلاناً خاصاً بعد أن دعا ربه ورفع إليه طلبته المتواضعة بخصوص الذرية الصالحة. ويعتبر المسلم في هذا الوحي الذي أكرم الله به زكريا دليلاً على أنه نبي. ونقرأ في القرآن أن عدة ملائكة - وليس ملاكاً واحداً ظهروا له وهو واقف في المحراب مولياً وجهه شطر القبلة الصحيحة، وهو على وشك الانتهاء من ركعات الصلاة الرسمية.

هذا الوصف يختلف اختلافاً كلياً عما نقرأه في العهد الجديد لوقا 1: 5-25 حيث نجد ملاكاً واحداً يقابل زكريا وهو يوقد البَخور ويقوم بخدمته الكهنوتية في الهيكل. فالقرآن يصوِّر زكريا كمسلم تقي يتوجَّه نحو القبلة المعيّنة. وكأنه لو صلَّى في اتجاه آخر لَمَا استجاب له ربه. فبعد ما ركع كمسلم تقي ساجداً لله، ظهرت له عدة ملائكة وأعلنت له: إن اللهَ يُبَشِّرُكَ. وكلمة يبشرك تعني في العهد الجديد توصيل البشرى أو الخبر السار، بنعمة الإنجيل. أما مضمون هذا الإعلان فهو يحيى الذي معناه: «الحيوي والممتلئ بالحياة والطاقة».

ونجد في هذا التبشير الإلهي اعترافاً مدهشاً يقِرُّه ويفسره عدد من علماء المسلمين، أن الله قد أرسل يحيى ليمهِّد الطريق للمسيح الذي هو كلمة الله المتجسد. ويُثبت القرآن أن المعمدان بُعِث ليجعل الآخرين يؤمنون بأن المسيح هو كلمة الله، ولينبِّههم إلى مجيئه.

هذه الآية واحدة من ست آيات في القرآن يُدعى المسيح فيها «كلمة الله» سورة آل عمران 3: 39 و45 و64 والنساء 4: 172 ومريم 19: 34 والأعراف 7: 158. ما أروع أن يعلن القرآن عن مجيء يوحنا ليعدّ الطريق للمسيح! إلا أن المسيح لم يكن كلمة الله فقط، بل هو حَمَل الله أيضاً الذي رفع خطية العالم. ولا يُسجل الإنجيل أن المعمدان دعا المسيح كلمة الله البتة، لكنه أعلن أنه حمل الله، الذي قدم نفسه ذبيحة كفارية عن البشرية. ينكر المسلمون هذه الحقيقة الجوهرية، فالقرآن يُشير إلى المسيح على أنه كلمة الله، ولكن لن يعترف بأنه حَمَل الله. فليس في الإسلام بديل أو ذبيحة كفارية عن خطايا العالم لأجل الغفران العام بالنعمة. فيرجو المسلمون أن يُنعِم الله القدير، على الخاطئ المذنب بالدخول إلى الجنة إن أراد ذلك، لا بناءً على الحق الشرعي الذي تمنحه ذبيحة النعمة، بل برحمته وحدها. وعلى كل واحد أن يعمل من أجل مصيره الشخصي، ولذلك رأى محمد أنّ يحيى ما كان ليكرز بحمل الله، وإنما بكلمته المتجسِّد فقط. وأنّه جاء ليُعدَّ الطريق لكلمة الله المتجسِّد.

ومن الجائز أنّ محمداً، كان يسمع آياتٍ من الأصحاح الأول من الإنجيل حسب البشير يوحنا من وفد وادي نجران، فخلط بين يوحنا المعمدان ويوحنا البشير، لأن البشير وحده كان يعلن أن المسيح هو كلمة الله في مقدمة إنجيله يوحنا 1: 1-14، بينما يوحنا المعمدان كان يدرك ويشهد أن يسوع هو حمل الله الوديع يوحنا 1: 29 و36.

وصف القرآن يحيى أيضاً بأنه سيدٌ حاكمٌ، وحصورٌ عفيف يكثر من الصوم في البادية، ودعاه أيضاً نبياً ومن الصالحين. حتى أنّ محمداً نفسه رأى فيه أكثر من مجرد نبي.. رأى فيه زعيماً سياسياً. فالنبوة في الإسلام ترتبط أحياناً بالمسؤولية السياسية. فبحسب ما رواه محمد، لم يعلن يوحنا بأن المسيح كلمة الله فحَسْب، بل اعتبره حاكماً بأمر الله وقائداً سياسياً لشعبه، كما أكَّد على أن يحيى عاش حياة متواضعة ولم ينعم بلباس نعيم، ولكنه كان صوَّاماً كثير الصلاة.

يُدعى يحيى نبياً من الصالحين، وترجع هذه الصفة إلى الاعتقاد الشعبي في الإسلام بأنه وُجد مئات الألوف من الأنبياء وأنهم جميعاً صالحون. فمن غير المعقول في رأي المسلمين أنهم كانوا خطاة لأن كلمة الله لا بد أن تأتي من خلال إناءٍ طاهر. وعلى الرغم من ذكر خطاياهم، الملموسة في القرآن لا يزالون معتبرين من الصالحين. وإلاّ يظنوا أن رسالتهم فقدت صلاحها. وهكذا يعتقدون أن محمداً صالح على الرغم من أنه استغفر ربه مراراً. ويُدعى المعمدان صالحاً أيضاً. وهذا الادعاء يرشدنا إلى قصة الشاب الغني في الإنجيل الذي دعا المسيح المعلم الصالح والذي ردَّ عليه المسيح بقوله: «لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ» متى 19: 16-26 ومرقس 10: 17-27 ولوقا 18: 18-27. إن فكرة الصلاح الإلهي الكامل غير مفهومة في الإسلام، لأن المسلمين لم يدركوا أننا جميعاً خطاة هالكون، وأنه ليس أحد صالحاً سوى الله سبحانه وتعالى رومية 3: 23-27. والسبب لعدم هذه المعرفة أنهم لا يقدرون أن يعرفوا الله العظيم البعيد وغير المدرك، وبالتالي لا يعرفون أنفسهم الهالكة. فالقدوس ليس معياراً لإظهار ذواتهم.

وإثر سماع وعد الملائكة العظيم في الآية 40، لم يستطع زكريا تصديق الخبر السار في البداية. فهبّ صارخاً: «رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الكِبَرُ وامْرَأَتِي عَاقِرٌ». وهنا تقترب الرواية القرآنية من قصة الإنجيل من حيث شَكِّ زكريا في وعد الرب له. فقد كان زكريا طاعناً في السن وكانت امرأته عاقراً. قد اقتبس محمد هذه القصة من العهد الجديد وأشفق على زكريا، لأن محمداً نفسه كان محروماً من البنين، فابنه مات صغيراً وبقي بلا وريث. كان دعاء زكريا وشكوكه يجولان في قلب محمد أيضاً.

كانت الاستجابة الإلهية التي وردت في القرآن استجابة قصيرة. فردت الملائكة: لا نقاش! لا أسئلة! يفعل الله ما يشاء! هذه الآية واحدة من عدة آيات في القرآن تُظهِر المبدأ أن الله إذ قضى أمراً ينفذه حتماً، وما الإنسان إلا دمية في يديه. لا توجد حرية إرادة حقيقية في الإسلام، فردّ الله دعوى الداعي يكون: لا تتفوه ببنت شفة! قد قضيتُ الأمر فأنْفِذه!. لا مجال للشرح أو الفهم أو القبول، ولا حاجة حتى للإيمان فالله ينفذ مشيئته فقط، فالمسلم يبقى عبد الله، وليس هو ابنه. وإن عزم الله أنه سيولد لزكريا ولد، فسيولد الولد سورة مريم 19: 35، فليس للبشر رأي أو تحكّم في شؤونهم. كل شيء مُقدَّر، وليس للمسلم أن ينوب عن نفسه بدافع نشاطه أو الشعور بمسؤولية. بل هو عبد بدون حركة خاصة جامد ومرتعب، دائم في الخوف من القضاء والقدر.

قال زكريا الذي استولى الشك عليه في الآية 40: «ربِّ اجْعَلْ لِي آيَةً!». لم يكن زكريا قد آمن بحدوث المستحيل عند هذه النقطة مقتنعاً، فطلب برهاناً، على الرغم من الإعلان المدهش الذي أبلغته به الملائكة عمَّا قرره الله. وقد كان زكريا يستعمل للمرة الثانية مصطلح رب، بصيغته المعهودة في العهد القديم ولم يدع إلى الله حسب اصطلاح القرآن.

وكان الرد الذي تلقَّاه زكريا هو: «أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكَارِ» سورة آل عمران 3: 41. نجد في هذه الآية أحد الاختلافات البارزة عن النص الأصلي في الإنجيل، حيث نقرأ أنه تعيَّن على زكريا أن يمكث تحت هذا العقاب مدة تسعة أشهر طوال. إلاّ أن محمداً خفَّف الحكم الإلهي إلى ثلاثة أيام فقط، لأنه احترم زكريا واعتبره من الصالحين. ولو أن الله عاقب زكريا ذلك القصاص الصارم تلك المدة الطويلة، ربما لعاقب محمداً أيضاً على امترائه وريبته. فقلَّل محمد فترة العقوبة وقلبها إلى امتياز قائلاً: وَسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكَارِ، إنك ستُرزَق بابن حتى على الرغم من عدم إيمانك! وهكذا أفلح محمد في تغيير أشهُر العقاب التسعة إلى ثلاثة أيامٍ ممتلئة تأملات وتسابيح. وأراد بذلك أن يوضح استحالة أن يعاقب الله نبياً صالحاً عقاباً شديداً مثلما نقرأ في الإنجيل.

هذا الأسلوب يوضح كيف اقتبس محمد من الكتاب المقدس آياتٍ وقصصاً ثمّ حرّفها ليؤيد مبادئ الإسلام، وقال بعدئذ إن النص القرآني هو وحي أصيل ولكن النص في الإنجيل قد تحرّف. سَلَّم محمد بالحقيقة التاريخية على وجه عام، لكنه أعمل فيها التحوير والتحريف حتى وافقت منطقه الديني ومشاعره الشخصية. سعى أن يضرب عصفورين بحجر واحد: أن يتزلَّف إلى الوفد النصراني ويسترضيهم، وأن يطمئن نفسه وأتباعه. وليس هذا إلاّ دليل على روح معادية للكتاب المقدس غيَّرت الحقائق التاريخية لتوافق الاحتياجات والثقافة المحلية، مما يؤكِّد على أن محمداً ما كان نبياً ينطق بالحق، بل صاحب آراءٍ شخصية طوَّرها وصاغها هو بنفسه.-4البِشَارَةُ بميلاد المَسيح

«42 وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ 43 يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 44 ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ 45 إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 46 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 47 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 48 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ 49 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» سورة آل عمران 3: 42-49.

تروي هذه الآيات البشارة إلى مريم العذراء بمولد المسيح الطفل في بلدة الناصرة، والمُدوَّنة أصلاً في الإنجيل حسب البشير لوقا 1: 16-38. وهنا أيضاً نجد مناسبة أخرى سلَّم محمد فيها بحقائق تاريخية وبعقيدة نصرانية أساسية، لكنه حرَّفهما لتتفقا مع طريقة تفكيره الخاصة. قد استخدم الحادثة متصنّعة ليكسب وفد وادي نجران للإسلام، و ليُرضي أيضاً المسلمين من قومه بالمدينة في آنٍ واحد.

خدني الحنين لعينيكي حبيتو من وقتها
بحلم سنين ألاقيكي و أنسى الجراح بعدها
وبقيتي من قسمتي عشقي ونور دنيتي
ما شافتش قبلك عيوني وعليكي فتّحتها

المسيح يحمينا

jesus i trust in you

أنا هو القيامة والحياة من يتبعني لايمشي في الظلمة
 
 
Page generated in 0.10203 seconds with 10 queries