خير الماكرين
محاولة محمد ليكسب النصارى إلى الإسلام
دراسة نقدية لسورة آل عمران
عبد المسيح وزملاؤه
المقدمة
تُصوِّر سورة آل عمران حادثة فاصلة في تاريخ الإسلام وصلته بالنصرانية، فبعد أن أرسى محمد بن عبد الله دعائم دولته الإسلامية في المدينة، قَدِم لزيارته وفدٌ نبيل من وادي نجران شمال اليمن حالياً وعلى رأسهم أميرهم العاقب بن عبد المسيح وأسقفهم أبو حارثة بن علقمة. وكان هدف سفرهم الطويل هو التحقُّق من الروح الذي كان يقود محمداً وأصحابه. فجلسوا معاً في مسجد المدينة يناقشون الأوجه الجوهرية للعقيدتين المسيحية والإسلامية. وقد تدوَّنت ردود محمد على تلك الموضوعات الحسّاسة في سورة آل عمران 3: 33-64. وتوضّح هذه الآيات إلى أي مدى استطاع محمد أن يساوم النصارى. فكان مستعداً أن يقبل مبادئ أساسية من العقيدة النصرانية، طالما لا تناقض معتقداته الشخصية.
ومن الجدير بالذكر أن نتذكّر أن هذه الآيات القرآنية التي تحدثت عن العقائد النصرانية لا تدل بالضرورة على أن محمداً كان حقاً مقتنعاً بها، بل هي تُظهر، بالحرِي، ما كان محمد مستعداً أن يقبله من العقيدة النصرانية بدلاً من أن يستميل النصارى إلى دينه، الإسلام. فمحمد كان تاجراً عربياً محنّكاً، وكان على أهُبة الاستعداد ليتاجر ولو بالآراء والمعتقدات. فلا ينبغي أن يُفهَم من سِجِل المناقشة التي دارت في المدينة أنه بحثٌ في العقيدة الإسلامية، بل إنه «حلّ وسط» قدّمه محمد للنصارى بُغية استمالتهم للإسلام. قد كان مستعداً أن يقبل ويؤمن ببعض أسماء المسيح وصفاته ومعجزاته.. إن قبلوا هم بدورهم الإسلام وأسلموا لله ورسوله.
ولا يتناسب هذا المبدأ مع طريقة النصارى في التفكير، إلا أننا نضع في ذاكرتنا عندما نقرأ سورة آل عمران أن محمداً أمّل نفسه بأن النصارى سيعترفون به نبياً عربياً من عند الله، إذا قَبِل هو المسيح بوصفه كلمة الله المتجسد. كانت تلك صفقةً قدّم فيها محمد للنصارى مكانة سامية وشرفاً رفيعاً، شريطة أن يقبلوا الإسلام.
ولا يُسمح للمسلم أن يساوم بأكثر مما ساوم به محمد في حواره مع هؤلاء النصارى. بل إن أقواله وضعت الحدود التي لا يجوز أن يتخطّاها الحوار الإسلامي المسيحي المعاصر. فإنه من غير الممكن للمسلمين المعاصرين أن يتعدّوا حدود ما تلاه محمد أمام النصارى اليمنيين بالمدينة. ويعتبر المسلمون قراءاته المدوّنة في القرآن وحياً من الله، يشتمل على الحق الثابت الذي لا تبديل له.
كُتِبت الدراسة التالية لسورة آل عمران لتقدّم للقارئ الكريم نظرة ثاقبة نقدية على الموضوعات التي تمّت مناقشتها خلال هذا الحوار الذي دام ثلاثة أيام.
نقصد من هذه الدراسة أن نجيب على الأسئلة التالية:
1 - كيف يمكن أن يفسر المسلمون اليوم هذه الآيات؟
2 - ماذا يفهم النصارى عند قراءتهم هذه الآيات؟
3 - ما هي الأساليب التي عرض بها محمد أفكاره ليستميل النصارى للإسلام؟
4 - كيف يمكن للنصارى أن يستخدموا هذه النصوص القرآنية ليوضحوا للمسلمين حقيقة المسيح؟
اقترب محمد كثيراً من عقيدة الوفد حتى بدا أنه مسيحي. ولذلك يحق للمسيحيين أن يُظهروا للمسلمين من القرآن ما يبدو أن محمداً قبله من الإنجيل، فيقوم بينهما جسرٌ يوصّلهما إلى الصورة الحقيقية المتكاملة للمسيح كما نجدها في الكتاب المقدس. ويستطيع المسيحيون أن يقترحوا على إخوانهم المسلمين أنهم إن آمنوا بما هو مكتوب عن ابن مريم في القرآن، فيستطيعوا أن يؤمنوا أيضاً بما جاءت به التوراة والإنجيل عنه. وينبغي أن نشجع المسلمين على استهلال بحثهم بالقرآن، ثم الانتقال إلى الإنجيل.-
الجزء الأول الحوار الرسمي-1كَلِمَاتُ محمدٍ الافتتاحيَّة
«33 إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ 34 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آل عمران 3: 33-34.
أقرَّ محمد بأن ثمّة أناس اصطفاهم الله وطهّرهم ليكونوا أئمة وأسوةً للعالمين. فمن عساهم يكونون؟ يؤمن المسلمون أن كل الأنبياء والرسل، حملة وحي الله، هم جميعاً مصطَفون. فأولاً يُعتَبر آدم والجنس البشري كلُّه معه مختاراً من بين الخليقة كلها، ولحق بهم نوح وبنوه بعد أن نجوا من الطوفان. ثم جاء بعد ذلك إبراهيم مع نسله اليهود والمسلمين. وأخيراً أعلن محمد أن آل عمران هم أيضاً مُصطَفون. وعمران القرآن هو عمرام الكتاب المقدس، أبو موسى وهارون ومريم الخروج 6: 20 والعدد 26: 59. وقد نال كل فرد من هذه الأسرة موهبة النبوّة، فموسى كرئيس كهنة كان كليم الله الزعيم الروحي والسياسي لبني إسرائيل، بينما كان هارون كبير الأحبار. وكانت مريم نبيَّة لهم الخروج 15: 20-21 والعدد 12: 1-15. عندما سمع محمد بهذه الصفات بدت له غايةً في التفرُّد والتميُّز، فقرّر أن الله لا بد اصطفى هذه الأسرة كلها.
أما مريم أخت هارون فاسمها مطابقٌ لاسم مريم أم المسيح. فخلط محمد بين الشخصيتين مريم 19: 28 والتحريم 66: 12 وظنَّ أن أم المسيح هي أخت هارون. وكان مقتنعاً شديد الاقتناع بأن المسيح هو من ذرية عمران، وأنه نبي ذو عزمٍ من أسرة ورثت النبوة. ولم يدرك محمد أنه كانت هناك مدةٌ قدرها 1350 عاماً بين عصر موسى وعصر المسيح. ومن المعلوم أن لغة البدو آنذاك لم تفرق بسهولة بين أنواع أزمنة الماضي المختلفة والمميّزة للفترات الزمنية، نتيجةً لطبيعة لغتهم الشعرية وأنماط تفكيرهم. يوجد في اللغة العربية زمن واحد للتعبير عن الماضي، بينما في الإنكليزية مثلاً يوجد ثلاثة. وتزيد بعض اللغات على هذه الأزمنة أزمنة أخرى لتحديد قرب أو بُعد الفعل عن وقت الحَدَث، أو الفترة التي استغرقها الفعل في حدوثه، أو تكرار الفعل من عدمه. فبالنسبة لهم كان الماضي أمراً منتهياً، بقَطْع النظر عمّا لو كان هذا قد حدث منذ بضعة أيام أو بضعة قرون! ولأجل هذا لم تبدُ لهم مدة ال 1350 عاماً فترة طويلة من الزمان.
نزيد على ذلك أن محمداً لم يستطِع أن يقرأ الكتاب المقدس بنفسه. فبناءً على ما بين أيدينا اليوم من أخبار، نعرف أنه لم تكن هناك ترجمة شاملة للتوراة والإنجيل إلى العربية في عهده. ولو كانت موجودة فلم يكن قادراً أن يقرأها، وقد أقرّ مرتين في القرآن أنه أُمِّيّ الأعراف 7: 157 و158، فكان على محمد أن يعتمد على آخرين لتلقينه شفوياً ما خفي عنه من أخبار كثيرة حوتها التوراة والإنجيل. لم يكن له الامتياز أن يطالع مصدر الحق الصحيح من نصٍّ مكتوب مترجَم ولا الكتاب المقدس في لغاته الأصلية، إنما سعى جاهداً أن يتعرّف من اليهود والنصارى على ما أوحى الله لهم من حق، فجاءه ردهم خليطاً، إذ كان أحدهم يصف الأمر على نحوٍ ما، ويقصُّ عليه آخر القصة عينها ولكن على نحوٍ مغاير. لم يكن محمد يبغي أن يسمع آراءً شخصية عن النصوص الكتابية، وإنما كان جُلُّ همّه أن يتعلّم كلمة الله حرفياً كما أوحى بها تعالى إلى عبيده الأنبياء، فاشتاق إلى معرفة مشيئة الله بدقة كما أعلنها للبشر، فجمع كل ما وقع بين يديه من أخبار وأنباء من مصادر مختلفة وكوَّن استنتاجاته الخاصة 33/1.
33/1 - نرفق في الملحق قائمة للنصوص التوراتية في القرآن التي رُويت شفاهاً من التلمود والمشنا وحوّرها محمد وجعلها ملائمة لمبادئه.
فعندما كتب محمد أن آدم ونوحاً وإبراهيم وعمران هم المصطَفون، كان يفكر في سلسلة العهود التي قطعها الله معهم في التوراة. وبالنسبة لمحمد، كان هؤلاء الرجال المصطفون رسل الله للبشرية، وزعماءها السياسيين والروحيين بنفس الوقت. وسيراً على تقاليد الساميين، استنتج أنه لم يتمتع هؤلاء الأشخاص بهذا الامتياز فحسب، بل وستشترك معهم ذريتهم في هذا الامتياز أيضاً. واعتبر اليهود والنصارى والمسلمين شعب الله المختار، لأنهم جميعاً يُنعَتون بأنهم ذرية إبراهيم وعمران. ولم يكن هؤلاء أطهاراً مستحقين في ذواتهم، بل اصطفاهم الله بتعيينه المُسبَق. ولا يخفى أن أصل كلمة اصطفى هو التصفية والتنقية، التي هي التطهير. فتمَّ تطهير هؤلاء الأشخاص قبل أن يتمّ اختيارهم. ولا يشرح محمد سبب وكيفية تطهيرهم، وإنما يكتفي فقط بذكر هذه الحقيقة 33/2.
33/2 - يقول الراغب الأصفهاني في هذا الصدد: «اصطفاء الله لبعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صافياً عن الشوب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وبحكمه وإن لم يتغير ذلك من الأزل» معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص 291، بيروت بدون تاريخ
أما ما ينفرد به هؤلاء المختارون فهو الامتياز أن الله يعرفهم ويسمعهم. إنه العليم وضابط الكل الممسك بناصية الأمور المتحكم في كل فرد. وهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء سورة الرعد 13: 27 وإبراهيم 14: 4 والنحل 16: 93. فإن كان قد اصطفى حقاً آباء اليهود والنصارى والمسلمين، فهو أيضاً قد اصطفى ذريتهم، وهو السميع المجيب لدعائهم الصادق.
لقد لمّح محمد في هذه العبارات ضمنياً إلى أن المسلمين ليسوا وحدهم المُختارين، بل أيضاً النصارى واليهود. وهيَّأ بهذه الافتتاحية لوفد نصارى وادي نجران أساساً مشتركاً لحوار ديني، وجعلهم يظهرون أنهم مساوون للمسلمين، إلا أن هدفه كان ربحهم للإسلام، الذي هو في رأيه أحدث الأديان وأكثرها تطوراً.-2مِيلاَدُ مَرْيَم
«35 إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 36 فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 37 فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» سورة آل عمران 3:35-37 .
هذا هو نص القصة لمولد مريم أم المسيح في القرآن. ولعل أعضاء وفدوادي نجران كانوا قد شرحوا لمحمد من قبل، ما كانوا يؤمنون به عن مريم العذراء، مبرزين براءتها وقداستها من يوم مولدها، ومثبتين أنها وُلِدت بلا دنس.
أمَّا امرأة عمران، التي لم يورد القرآن اسمها، رغم أنّ التوراة تسميها يوكابِد الخروج 6: 20 والعدد 26: 59، فقالت لربها آية 35:
«رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
نلاحظ هنا أنها لم تصلِّ لله< لأن محمداً كان يعلم أن لفظ الجلالة الأكثر شيوعاً في التوراة لم يكن إلوهيم الله، بل يهوه الرب. وقد سلَّم أن لليهود صلةً خاصة بالله، وأقرّ عهد الرب معهم. وبناءً عليه، لم تصلِّ امرأة عمران قائلةً: يا رب، بل كان لها الامتياز أن تقول ربِّ. فعلى الرغم من كونها امرأة، إلاّ أنها كانت لها صلة شخصية برب العهد، مع الحق أن تسميه ربي الخاص.
خدني الحنين لعينيكي حبيتو من وقتها
بحلم سنين ألاقيكي و أنسى الجراح بعدها
وبقيتي من قسمتي عشقي ونور دنيتي
ما شافتش قبلك عيوني وعليكي فتّحتها
المسيح يحمينا
jesus i trust in you
أنا هو القيامة والحياة من يتبعني لايمشي في الظلمة
|