(9)
الجزء التاسع/ قبل الأخير
عندما أمسكت الهاتف ...كتبت لحمد كلمة واحدة فقط ..( موافقة )
وضغطت على زر الارسال بابهام مرتعش ..وعيناي على الهاتف بذهول..
إلى ان قرأت على شاشة الجوال ( تم التسليم )
عندها ألقيت بالهاتف بعيدا ...وألقيت بنفسي على السرير وأنا أرتعش كريشة فى يوم عاصف
كنت أشعر ببرد مؤلم يتسرب إلي .سحبت غطاء السرير أدثر به نفسى ..
في محاولة لادخال بعض الدفء إلي..لكن شعوري بالبرد كان يزداد ...
وارتجاف أطرافي يشتد ...وفقدت السيطرة على جسدى تماما
فكانت أسناني تصطك بحركة سريعة...دفنت وجهي فى الوسادة ...
وانكمشت على نفسي ...
وأنا أصرخ : ماذا فعلت ؟ كيف ؟ لماذا؟ خليفة ....خليفة
أحبك ...أحبك الآن أكثر من أي وقت مضى ...
ربما لاننى الآن أشعر بك تُنتزع منى نزعا ..
ربما لانني الآن أشعر بمشرط الواقع يقترب منى كي يبترك من روحي ...
ويخيل إلي اني ألمحك تتجه نحو باب الخروج مني ...من عالمي ...من حياتي...من أحلامي
أحبك الآن جدا...وأحتاجك الآن جدا ...
ماذا فعلت بك وبي ؟ كيف تجرأت ُ على خيانتك فى غيابك ؟
لا...أنا لم أخنك يوما...خانني فيك قدرى ...خانني فيك واقعي ...خانني فيك نصيبي )
كنت أردد هذه الكلمات بهستيريا وصوت مخنوق بالبكاء..
وكانت يدي تمتد إلى الهاتف ....أعبث بالاسماء بتوتر ...أتوقف عن اسمه ( خليفة )...
أهم بضغط زر الاتصال..وأتراجع ....ثم أعيد المحاولة...وأفشل ......
كان كبريائى يقف لى كالوحش المفترس فى غابة موحشة ...في ليلة مظلمة..
ولاأعلم كم من الوقت مر وأنا فى حالة تردد وبكاء ...
فلم أشعر بنفسي إلا فى صباح اليوم التالي
حين كانت والدتي تطرق باب غرفتي لايقاظي من النوم.
.بعد ان أقلقها تأخرى فى الاستيقاظ لعملي
بقيت فى سريري...حدثتها من خلف الباب....
أخبرتها انى أشعر ببعض الكسل ...وسأعود للنوم ...
ذهبت والدتي بعد الاطمئنان علي...ونهضتُ من سريري باتجاه المرآة...
أرعبني شحوب وجهى واحمرار عيني ..وانتفاخها ...
فقررت عدم الذهاب إلى العمل هذا اليوم فمنظر عيني يفضح ليلة من البكاء المتواصل .
وبعد ان وضعت على عيني كمادات من الحليب البارد لتخفيف انتفاخهما ...
(وهي طريقة اخبرتنى بها خبيرة التجميل بأحد المعاهد التجميلية)...
حملت كوب النسكافيه فى يدي ...وفحت باب الشرفة لاستقبال هواء البحر ...
لكن منظر البحر كان يغريني بالنزول الى الشاطىء ..
.حملت ( جهاز التسجيل ) معي ودفتر صغير ...وقلم أحبه ...
لانني أهديت خليفة نصفه ( الرجالي ) فى يوم ميلاده وابقيت النصف ( النسائي ) لي
اتجهت إلى البحر...وحين وصلت فضلت الجلوس على الرمل المبلل...
فقد كنت قريبة جدا من البحر ...لدرجة ان أطراف أمواجه كانت تغطي قدمي
ثم تعود إلى البحر ..
كنت شاردة الذهن أفكر بردة فعل ( حمد ) عند قراءة المسج..
.حتما كان سعيدا .,, لاننى شعرت من خلال حديثه معى ,,
ان ارتباطه به أمسى يمثل لديه شطرا كبيرا من أحلامه ....
ماأروع ان تمنحنا الأيام ولو جزءا بسيطا من أحلامنا ...
ثم فتحت دفتري الصغير ...وسجلت فيه بعض مايجول بخاطرى من مشاعر وأحاسيس..
.وحين انتهيت من الكتابة ألقيت بها فى فم البحر...
فقد اعتدت منذ صغري على ان أتخلص من كل الاوراق التى انزف عليها احساسى
بمجرد الانتهاء من تفريغ مشاعري على الاوراق...
فقد كنت ارتعب كثيرا حين اتخيل ان احدهم قد يفتح دفتري يوما
ويُعري مشاعري التي سجلتها بالقلم ذات لحظة ضعف انساني
كنت أنظر الى الورقه وأمواج البحر تتلاعب بها إلى ان
ابتعدت تماما...وابتلعت الامواج احساسي المكتوب عليها
فالتفت إلى آلة التسجيل التي أحضرتها معي..ضغطت زر التشغيل
فانطلق صوت ( عبدالكريم مرددا )
كانت معي طول العمر عين وهدب
كانت معي من الصغر حب انكتب
واليوم أنا عندي خبر وعلم أكيد
حبيبتي فى قلبها حب جديد
ومنين أبتدي ..ياجرحي الندي
حسبي على الأيام ..والحظ الردي
فسافرت مع الصوت إلى البعيد البعييييييييييد
ولم أشعر بمرور الوقت إلا حين اشتدت حرارة الشمس ..
فنظرت إلى هاتفي ...فاذا بها الساعه الثانيه والنصف ظهرا ....
اكثر من خمس ساعات قضيتها برفقة البحر دون ان اشعر بالعالم والوقت...
كنت على وشك المغادرة...حين جاءنى صوت شقيقتي الصغيرة قائلة
ا شقاعدة تسوين ؟ ياالله تعالي بنتغدى ..بسرررررررعة ميتين يوع
ولم تنتظر منى الاجابة....فابتسمت وأنا اراها تجري بأقصى سرعتها ...
فهي أضعف ماتكون أمام الطعام..فلحقت بها إلى حيث كان الجميع بانتظاري
وبعد الغداء أخبرني والدي وهو يتوضأ لصلاة العصر
ان هناك مايود قوله لي بعد عودته من المسجد ..وطلب مني انتظاره
أقلقني قول ابي ...ووجدتنى أتساءل بحيرة :أيعقل ان يكون ( حمد ) قد تصرف بهذه السرعة ؟
بعد أقل من نصف ساعه عاد أبي من المسجد... جلس بجانبي
بعد ان طلب من شقيقتي الصغرى استدعاء والدتي لأهمية الموضوع
عندما وصلت والدتي ...بدأ ابى الحديث قائلا
( لقد تقدم لخطبتك اليوم ( حمد ) بن رجل الاعمال المعروف....وهو شاب يُشهد له باستقامة الاخلاق.
.والرأي الاخير لك...وان أحببتِ معرفة رأيي ...فاني أراه الزوج المناسب لك..والقادر على إسعادك )
وصمت والدي ...بينما بادرته امي قائلة :
دامك تشوفه ريال زين ..فأكيد انت أدرى بمصلحتها
فقال لها : والله الريال معروف والكل يمدح فيه ..
وأبوه انسان والنعم والحب مثل مايقولون يطلع على بذره
وتواصل بينهم حوار طويل بينما كنت انا اتابع الحوار بصمت ..وألم داخلي لايشعر بمرارته سواي .
فمثل هذا الموقف كنت أتمناه مع خليفة .....وليس ( حمد )
ولأول مرة ..أشعر ان حمد ليس ( خليفة ) ..لاول مرة أشعر ان الأيام التي حرمتني من خليفة.
لن تعيده لى مرة أخرى
لاحظ أبي ذهولي ... فقال لي ..أمامك الكثير من الوقت للتفكير ....
واتخاذ قرارك المناسب..لن يضغط عليك أحد
لكني أجبته : دامك موافق فأنا موافقة
ذهل أبي مما سمع.. فمن كثرة مارددت من رجال..
خيل إليه اننى لن أوافق على الزواج أبدا.
ثم تطورت الاحداث بعد ذلك بسرعة مخيفة ... فقد أبلغ أبي حمد بموافقتي ....
وتم تحديد يوم الخميس لزيارة والدة حمد واخواته وبعض نساء عائلتة لنا ...
لم يكن لدي المتسع من الوقت للانتهاء من التجهيزات ليوم الخميس ...
فاقترحت علي ابنة عمي شراء فستان جاهز تداركا للوقت
فاتفقت معها على الذهاب إلى ( المول ) يوم الاربعاء صباحا
وبعد جولة متعبة مرهقة تمكنت من الحصول على الفستان المناسب ...
.كان لونه أحمر ....اللون الذى كان خليفة يعشقه علي ..
وكان يبهره حين يرانى ارتديه فى الصور
وأنا أقف أمام الفستان الاحمر ...تزاحمت أمامي ذكري مزقتني ...
ذكرى أشعرتني كم كنت مجنونة بخليفة ...
فاللون الاحمر ذكرني بذلك الفستان الاحمر الذي أعجبني جدا ..
وتمنيت ان أرتديه لخليفة صباح العيد... لكنها كانت أمنيه مستحيلة..
فقمت بشراء الفستان ...وفى البيت وضعت عليه كل أنواع عطورى .
..وبخرته بالبخور الذى أعشقه ..ووضعته فى علبه أنيقه ...
وأرسلته لخليفة مع بطاقة كتبت عليها
( حلمت ان أرتديه لك صباح العيد ...وخان الواقع حلمي ..فاحتفظ به ..وبعطري به ..واذكر كم أحببتك )
وهاتفني خليفة بعد استلامه الفستان ....وتحدث معي طويلا ... ضحكنا ...حلمنا .... ......و.......انكسرنا !!! )
استيقظت من احلامي ..على صوت ابنة عمي تخبرني اننا قد وصلنا إلى المنزل ...)
فدخلت إلى المنزل بهدوء ...وصعدت إلى غرفتي بصمت ..
ونمت فى ذلك اليوم باكرا ,,,,,, لأستيقظ فى اليوم التالي كالمذهوله .
.فمازلت غير مستوعبة لما يحدث
وبرغم إلحاح من والدتي بالذهاب إلى ( الصالون ) كي أعيش أجواء المناسبة ...
وأشعر بالفرح مثل أي فتاة فى مثل هذا اليوم...
إلا انني رفضت ذلك.... ليقيني ان الفرحة بعد خليفة قد ماتت فى قلبي تماما.
وفى تمام الساعة الثامنة ...كنت أقف أمام المرآة بكامل زينتي
وكامل حزني ...وكامل ذهولي ..وكامل انكساري
وفى الثامنة والنصف ....وصلت والدة حمد ونساء عائلته ...
فنزلت إليهن ..بعد ان أغرقتني أمي بالوصايا ..
ومنذ الوهلة الأولى لمحت نظرات الاعجاب بأعينهن ...وأدركت انى قد نلت رضى والدته
التى كانت برغم كبر سنها إلا انها شديدة العناية والاهتمام بنفسها.
وبعد تبادل لأحاديث مطولة ....اتصل والدي بوالدتي ...وقال
ان ( حمد ) يريد ان يراني ( الرؤية الشرعية ) ..فارتبكت ....ورفضت
.لكن والدتي أفهمتني انه يحق له شرعا..ويحق لى رؤيته ..
لاأعلم لماذا يجب ان أراه ويراني .. مادمت قد رأيته من قبل ..
.لاأعلم...ربما هي عادات يحرصون عليها .
رضخت لهم فى نهايه الامر ....فارتديت عباءتي وحجابي ..
.وذهبت مع أبي وأمي ووالدة حمد إلى ( المجلس ) حيث رأيت حمد هنا....
لم استطلع ان ارفع عيني به ....عقد الخجل لساني..وكانى أراه للمرة الأولى ..
ربما هي رهبه الموقف وهيبته .
وقبل ان أخرج...استأذن ( حمد ) والدي بالاتصال بي هاتفيا ..
.لمعرفة بعض الامور ...ووافق أبي
وبعد انصراف الجميع ...صعدت إلى غرفتي ...مرهقة لدرجة الانهيار...
غيرت ملابسي...غسلت وجهي من بقايا ( الميك آب ) حررت شعري من اكسسواراته
.وارتديت بجامة حريرية بيضاء ...وأطفأت الانوار ..
.ودخلت سريري...بانتظار اتصال ( حمد ) الذي وعد به.
وماهي إلا لحظات ..حتى رن هاتفي الجوال ...لم ألتفت إلى الهاتف.
فقد تسارعت دقات قلبي.. اقشعر جسدي كله... شعرت بدوخة تسرقني من عالمي
ماهذا ؟؟؟ من ؟؟...هذه الرنة ....هذه الرنة ....لا ...لا ......لالالالا
تماسكت نفسي .....وتناولت الهاتف ......قرأت على شاشته
( خليفة يتصل بك ).
يتبع