( 8 )
الجزء الثامن
عندما رفعت رأسى لأرى الضيف القادم ....
لم يخطر فى بالى قط انه سيكون حمد ....
عقدت المفاجأة لساني ...لكننى تماسكت قليلا كى أخفى إرتباكي ..
وقلت مرحبة به :
أهلا اخوي حمد...شلونك؟
الحمدلله الله يسلمج ...أدرى انج تفاجأتى بوجودى ..
واعتذر لأى ازعاج قد يسببه لك هذا الوجود
لاأبدا .. حياك الله ... اتفضل !
وجلس حمد على المقعد المقابل لمكتبى ...
وفى هذه اللحظات تنبهت لوجود زميلى الذى جاء يخبرنى بوجود رجل يسأل عنى ..
فمازال واقفا يتابع سير الحديث...اثار تصرفه اندهاشى ..فسألته:
خير سالم فى شى ؟
لاأبدا بس قلت يمكن الأخ يحتاج خدمة ..واقدر اقدمها له اذا انتى مشغوله
لاشكرا سالم...تقدر تتفضل
شعرت به يتجه إلى باب المكتب والغضب يتطاير من عينيه...
تعمدت ان اتحدث معه بهذا الاسلوب... فسالم هذا حكايته حكايه...
فهو رجل يكبرنى بأكثر من عشر سنوات... متزوج ولديه اطفال...
ومع هذا فهو يحاول ان يتقرب إلي باية وسيلة... تقدم لخطبتي أكثر من مرة...
ورفضته..ورفضه والدي قبلي... لكنه مازال يحاول...
فهو من ذلك النوع من الرجال الذى لا ييأس أبدا فى سبيل الوصول إلى غايته....
ولهذا فهو تضايق من وجود أي رجل فى مكتبي..
إلتفت إلى حمد الذى كان يجلس بصمت يتابع سير الحوار بينى وبين سالم
سألته : شو تشرب ياحمد ؟
لاشكرا...تعبت وأنا أشرب بالسيارة ماخليت شى / شاي/ قهوة / بيبسى / ماي...
كل أنواع المشروبات الباردة والساخنة شربتها وأنا على الخط
ابتسمت ..فقد تذكرت ان حمد يسكن بمدينة تبعد مايقارب الثلاث ساعات من مدينتي ....
ووجدتنى اتساءل ترى ماالذى جعله يتحمل عناء كل هذه المسافة من اجل الوصول الى هنا
وكانه قرأ مايجول فى خاطرى من أسئلة...فبادرني بقوله:
ادرى انج مستغربة وجودى هنا...وهذا من حقج ..
بس أنا راح اختصر عليج كل علامات الاستفهام,,, وراح أكون صريح معاج..
وبدخل بالموضوع من غير أي مقدمات
اول شى أبغيج تتأكدين من شى واحد...وهو انج أمام انسان ناضج جدا ..
.ومسئول عن كل كلمة يقولها ... ثم صمت قليلا
فقلت له: كمل حمد أنا اسمعك
قال: لما انقطعتى عن اكمال الدورة العملية...
سألت عن السبب لين عرفت الظروف اللى مريتى فيها ...
وحزنت من عشانج كثير ...لاتستغربين ...بس فترة الانقطاع هذه ,,,
خلتنى أكتشف شى بنفسى ماكنت ملاحظه...
وهو إنى من أول يوم شفتج فيه وانتى صرتِ بالنسبة لى شى مهم...
كيف صار هالشى ؟ ماادرى ..بس هذا اللى صار ...وقبل لاتسيئين فهمى ..
أو تستعيلين بالحكم علي..أبغى أقولج انه وجودى هنا اليوم...
بس لسبب واحد..عشان أسألج
تقبلين تتزوجينى ؟
نطق كلمته الاخيرة ...وكانه أطلق علي رصاصة قويه...استقرت فى قلب حلمي ...ووحلم قلبي
داخلتنى مشاعر غريبه... ربما دهشة ... ربما خوف...ربما حزن...وربما فرح
لاأعلم لماذا بقيت صامته فى موقف كهذا ,,وكانى فتاة مراهقة
فى السادسة عشر من عمرها عقد الخجل والتوتر لسانها
وتفاجأت بحمد يقف ليغادر المكان ...قائلا :
لاتتعجلى ...خذى وقتك بالتفكير ....وان وافقتى او رفضتى ...
فهذا هو ( كرتى ) فقط ارسلى مسج...وسأتصرف بعدها
وخرج بعد ان ودعته بكلمات وداعية تقليديه ...
وماان خرج حمد...حتى تفاجأت بسالم يدخل ليبادرنى بالسؤال:
ممكن اعرف شو كان يبغى الاخ منج ؟
ومن انت عشان تسأل هالسؤال ؟
وقبل ان يجيبنى بوقاحه كعادته... تركت له المكتب
وخرجت..باتجاه مكتب زميلتى ,, للذهاب معها الى الكافتيريا كعادتنا كل يوم فى مثل هذا الوقت..
لاحظت زميلتى شرودى ... وسألتنى أكثر من مرة : ما بك ؟....
فكنت أبرر لها شرودى بضغط العمل .. تظاهرت هى بالاقتناع...
وتظاهرت انا باندماجى بتناول وجبة الافطار ...
وفى تمام الساعه الثالثة إنتهى عملى وتوجهت إلى سيارتي مثقلة بالكثير من الحيرة والدهشة ...
أمسكت هاتفى ... كنت سأكتب لــ ( مريومة ) مسج أخبرها بما حدث اليوم...
إستيقظت فجأة كالملسوعه...إرتعشت يداي...ألقيت بالهاتف بعيدا....
ورددت مريومة؟ وينها مريومه؟ يالله كم من الوقت سأحتاج كى أستوعب غيابها الأبدي من حياتي ؟
ووجدتنى أقاوم دموعى وأنا اردد ..رحمة الله عليج يامريومة ...
وصلت إلى منزلى ....تفاجأت بان باب البيت مغلق..حتما قد نام المزارع كعادته...
فنسى فتح الباب فى مثل هذا الوقت ..
وضعت يدي على ( هرن ) السيارة ...وبعد لحظات فتح لى المزارع الباب ...
فدخلت وتوجهت إلى الصالة ...كان الجميع قد وصلوا قبلى
غيرت ملابسى وصليت ...ونزلت لتناول الغداء معهم ..
كنت أتناول طعامي بصمت بينما كان الجميع يتبادلون الاحاديث المتنوعة...
بدءا من منزلنا وانتهاءا بمدرسة شقيقتي
فأمى كعادتها تسرد مأساتها اليومية مع والدتها ( جدتى )
والتى بحكم سنها تتصرف بعناد الاطفال .. كانت تطلب صنفا معينا من الطعام..
.وماان تنتهي امى من إعداده تغير جدتى رأيها وتطلب صنفا آخر مختلف...
بينما كانت شقيقتي طالبة الثانويه تسرد على أبي وامى إندهاشها من ظاهرة ( الشذوذ )
التى بدأت تنتشر بين طالبات المدرسة بشكل مخيف...
وكيف ان بعض الطالبات يرتدين ملابس الرجال ويتصرفن تصرفات تخلو من الرقة والأنوثه...
كانت والدتى تنصت إلى شقيقتى وهى لاتتوقف عن ترديد
( الله يستر علينا هذا أخر زمن هذه علامات الساعة )
أما شقيقتى طالبة المرحلة الابتدائية ..فكانت فى عالم آخر...
عالم التمتع بالطعام حتى أخر حبة فى الطبق... ضاربة بنصائحنا عرض الحائط ...
أكثر ماكان يدهشنى عند الجلوس مع عائلتى هو صمت ابى ..
فأبى يتابع الاحاديث بصمت وإهتمام ...لايعلق إلا بعد إنتهاء الحوار ..
كان أبى صامتا..لكننى كنت الاحظه يسترق النظر إلي بين فترة وأخري ...
كنت أعلم ان أمرى يقلقه....وكان هذا الاحساس يقلقني !
انتهيت من تناول الغداء ...وصعدت إلى غرفتي ...
عندما دخلت إلى فراشى حاولت قدر استطاعتى ان لاافكر بما حدث اليوم....
ربما كنت أتهرب...لا ... ليس ربما ... بل حتما كنت أتهرب ....
وبرغم كل محاولاتى للنوم ...إلا اننى لم أتمكن من النوم....
جلست على سريرى بغضب .... لااحب حالات القلق أبدا...
ألقيت بوسادتى بعيدا...ونهضت من فراشى ...
لااعلم لماذا اتجهت إلى المرآة.... ربما لانه خيل إلي اننى فتاة أخرى..
أو ربما تمنيت بأعماقى ان أكون فتاة أخرى
نظرت إلى وجهى فى المراة.... لقد تغيرت كثيرا فى الفترة الأخيرة...
فقد فقدت الكثير من وزنى ....وتذكرت حديث حمد اليوم حين قال لى :
ان ملامح الحزن واضحة على وجهي .
ربما كان حمد من الذوق والأدب بحيث إمتنع عن قول ان الشحوب يسكن وجهى.,,,
وان شيئا مافى وجهى قد إنطفأ