في انتظار صلاحها..! " رسائل من الوطن "
في انتظار صلاحها..!
ما كانت الصرخة الأخيرة التي انطلقت من أفناء المسرى هي الأولى التي يرتد صداها بلا جواب، وكأن وقراً قد ضرب على آذان السامعين من حولها، فغشيتهم سِنة من البلادة والذهول..!
وكأن الندوب الموزعة على جسد الأقصى ليست كافية بعد ليدرك أرباب قبائلنا المتكئين على أرائك الخمول أن الخطر الذي يحدق بالأقصى حقيقي وقائم..!
دخلت الجرافات محيط الحرم وشرعت بأعمال حفر وهدم تحت جدران الأقصى وظل العرب والمسلمون ينتظرون الخطوة التالية، أو يطالبون أهل فلسطين بأن يقفوا وحدهم في وجه الجرافات فيصدوها بعظامهم ويرصفوا طريقها بجماجمهم ويميطوا الأذى من طرقاتها بأظافرهم وأكفهم العارية!
وظلت القدس رافعة جبينها متجهة بأنظارها نحو السماء تشكو إلى الله ظلم الطغاة وخذلان المسلمين، وتسأله أن يمدها بصلاح جديد ينتصر لها ويجيش الجيوش لفك أسرها.
ولسنا نبالغ إن قلنا إن صلاح القدس الجديد لم يطل انتظاره، لكنه هذه المرة خرج من بين ظهرانيها وظل مقيماً بين حدقاتها يجفف دمعها ويحنو على جراحها ويُسمِع صوتها المخنوق للعالم بأسره.
إنه ولا ريب الشيخ رائد صلاح، هذا الرجل الحامل بين ضلوعه عزيمة أمة بأسرها، هذا الناذر نفسه وعمره وجهده للذود عن مقدسات المسلمين في فلسطين وفي طليعتها المسجد الأقصى.
الشيخ رائد وصحبه كانوا بحق رهائن الأقصى ورهانه الأول، لم ينصروه بالكلمات ولا ببيانات النصرة والإدانة فحسب، بل أسسوا نواة مشروع كبير حمل على عاتقه مهمة الدفاع عن القدس ونصرة الأقصى بشتى الوسائل والسبل، فكانوا الأقرب إلى القدس حين أقصي عنها أهل فلسطين من أبناء الضفة والقطاع، وشيدوا المؤسسات التي تتولى إعمار المقدسات ورعايتها والتبصير بشرور النجمة السداسية التي تتهدد أهلّتها، وحشدوا لها جحافل المؤمنين من أهلنا في المناطق المحتلة عام 1948 يعمرونها يومياً للصلاة وينغرسون في ساحاتها ويرابطون حولها في مواجهة الخطر الصهيوني، الذي ما انفك يهددها ويتربص بأقصاها الدوائر متحيناً الفرص لاجتثاثه وتنصيب الهيكل على أنقاضه.
كان صلاح الأقصى الجديد أول من أطلق نداء الاستغاثة من ساحاته ووقف بالمسلمين على مواطن الخطر التي تحيق بالمسرى وتتمدد كما السرطان تحته، فتخلخل أساساته وتُصدّع أركانه، مرت سنوات عديدة يا شيخ رائد منذ أطلقت نداءك الأول: القدس في خطر!! ظل قومنا ماضين في تثاؤبهم يؤجلون الصحوة إلى أن تحين ساعة الهدم، وبقيت فلسطين وحدها تشعل انتفاضاتها وتهبها لأقصاها، وتنير مشاعل الطريق إليه بدم الشهداء وأشلاء الفدائيين المزنرين بالبارود، وأعمار من طوتهم عتمة السجون ودياجيرها.
ما حاجة القدس بمليار محبّ مكبلين بقلة الحيلة؟! وماذا تصنع بمن لا يملك إلا أن يمنّي نفسه بصلاة في رحابها ويُحجم في الوقت ذاته عن إشعال شمعة في سبيل الوصول إليها؟!
لك الله يا معراج رسول الله ويا ذرات الأرض المبارك حولها، وحسبك من لبى نداءك من أهل الطائفة الظاهرة على الحق في أكنافك، ومن بذل دمه دون نحرك حتى تظل عزيزاً وصامداً في وجه طوفان التهويد.
ووعد الله حق لا ريب فيه، وطوبى لمن سيجتبيه الله ليكون من عباده الذين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة، فيرطبون رمضاءه بالغيث، ويواسون غربته بصيحات التكبير ويشرعون في سمائه رايات الظفر والتمكين.
* لمى خاطر
إن تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن!
19 / 6 / 2007
|