مع المهندس في ذكرى رحيله السادسة .. " خاطرة "
مع المهندس في ذكرى رحيله السادسة
أترانا نملك حقاً في الكلام يا يحيى ..؟
و هل تقوى أقلامنا على الوقوف أمام عينيك لتترجم ما فيهما من نار و لهب ..؟
سيدي أبا البراء ..
برحيلك أصبحنا أيتاماً .. لكننا نستشعر يتمنا أكثر كلما أوغلت أعمارنا في زمن جديد ..
برحيلك صارت أوجاعنا نشيجاً و صار الثأر حشرجات في قلوب الأمهات ..
برحيلك أسبل الوطن كله العيون و أبى أن يفتحها إلا لعياش آخر يستحق أن يحلق في سمائها ..
أيها الصاعد من أفق الشمس و موطن الإشراق ..
هل أخبرك إبراهيم أن انتفاضة جديدة أشرعت بيارقها قبل أن يرحل بأيام ..؟
هل أخبرك عز الدين أن الذين أودعتهم أسرار العبور واصلوا من بعدك المسير ..
هل باح لك محيي بأسماء الذين اغتالوا من فؤاده رحيق التراب و مزقوا في جبينه الخرائط ..؟
و هل حدثك أبو هنود عن جراحه في سجون الخائنين ..؟
هل قال لك أن دمه انتشر ناراً أحرقت جنوداً غاصبين في طول البلاد و عرضها ..؟
أم هل علمت حين أقبل عليك عاصم و البرعي أن هناك حراباً أغمدت نصالها في ظهر انتفاضة الرجال..؟؟
جميل هو الموت يا سيدي حين يكون معبراً للخلاص ..
و قاتل هو حين ينتقي من ضلوع الوطن أغلاها و يعلق على جدار قلوبنا صدى الأحلام المسفوحة
و يمضي بلحظات الصمود الأخيرة...
باهتة هي الحروف يا وهج انتظارنا حين تدق جدار قبرك بصمت لا يفوح بروائح البارود المشتعل ..
باكية هي السماء من تزاحم هذا الوجع في خلايانا ..
من سكون تلك الفضاءات حين يبدأ القصف ..
من تراكم القيود حول معصم فجرنا ..
و من تراجع البرق حين يغرقنا ليل الغربة و يمتد فينا صهيل جرح مستباح ..
ساكنة هي أجواؤنا إذ سكت في أماسيها نداء الكبرياء
و مات فيها نبض ثأر كان يتجلى أنشودة فخر ترددها القذائف حين تعلن أعراسها
و تجعلك أمير حلمها المهاجر صوب آخر المسافات ..
أتعلم أيها العزيز أن البراء صار يافعا .. و أن عبد اللطيف له عينان تحملان لون عينيك و لهيبها ..؟
ترى .. من سيعلم البراء كيف يصنع القنابل بعد أن كبلت سلاسل المهزومين زنود الرجال ..؟
و لماذا ذبلت في دمك الزهور قبل أن تودع السر لقلبه الصغير ..؟
و هل سينبت الأقحوان على طول الطريق إلى رافات من جديد ..؟
أم هل سيصعد صوتك مع تراتيل الشتاء ليعلن انتهاء الهدنة و انتفاض الروح ..؟
امنحنا السر بحق الله يا يحيى لنسرج خيلك مع رياح كانون و نمضي على صهوة دقات الانفجار نحو ميادين الشهادة ..
فهذا الزمان صار أشلاءً مزقتها الخناجر المارقة من الرجولة ..
و صار الوجد في دمنا خريفا ملازماً للخطى ..
لك المجد في حياة عبرت نحو نعيمها بالموت ..
و لنا موتنا الساكن في دنيانا ظلاً لا يفارقنا ..
فاغفر لنا يأس الكلمات و شوك حروفها الذي مزق الريحان و أدمى الياسمين ..
فما عاد في الفضاء ورد و لا ضياء ..
فأرسل لنا من عبير روحك جسراً نعبره إليك ..
فقد سئمنا ثرثرة أموات الأرض و اشتاقت نفوسنا لصمت أحياء السماء ...
* لمى خاطر
إن تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن!
19 / 6 / 2007
|