لا عرس كعرسك .. " خاطرة "
لا عرس كعرسك ..
آه أيها الأب الغالي
تصفرّ الكلمات في أقلامنا و تتيه في فمنا الحروف
يذوب من قلوبنا وهج البلاغة
تعتذر القوافي و مقامات العشق الطوال.. فما بوسعها أن توفي عينيك شكل البريق فيهما..
و ما باستطاعة نسغ الدم أن يستحيل حبراً يواسي الأرض بعظم المصاب..
نعزي بعضنا بحشرجات تخنقها الدموع..
نهرب بعيوننا نحو السماء.. نستمطر الغيث و ثأر الأوفياء..
نتمنى لو أتيح لأعمارنا أن تكون لضلوعك السياج..
نخرج مع الجموع التي حركها الغضب و هالتها الطعنة الكبرى..
نهتف للدماء وللخيول.. للقسام و للزنود المزينة بالبنادق.. لفلسطين من جرحها لقيدها.. و من وجعها حتى اشتعالها..
يحمّلك المودعون سلامهم لمن ستلقاهم هناك..
يهمسون إليك أن قبل جباه الناطرين على باب السماء..
أقرئ أبا أيمن تحايا المسافرين في وصاياه.. بلّغ أبا مصطفى سلاماً بحجم قلبك.. سلم على عياش و الجمالين و المقادمة و أبي شنب..
و قل لهم أن الأحرار ما هانوا..
لا عرس كعرسك سيدي..
لا يوم كيوم تخرج فيه الأمة كلها لتشيع نبض عروقك لقلوبها و لتغسل عار القعود بنداء الشهادة..
لا أروع من يوم تخرج فيه فلسطين بكامل أطيافها..
كل الأكف تحمل راية واحدة، تتوشح عيونها جميعاً بنكهة الغضب ذاتها.. و ترتفع الحناجر كلها بهتاف واحد يبلسم جرح الفضاء:
من غزة حتى جنين... كلنا أحمد ياسين
يا ويح جبن المرتعدين من صوتك..
أما علموا بأن الدم يلم أشتات المقهورين.. و أن الجرح حين يتسع مداه تورق جوانبه سيوفاً؟
أما علموا بأن قنابلهم تشحذ في نفوسنا الإصرار و تفتت حواجز الفرقة بين الضلع والضلع في صدورنا؟
هل غاب عن كبير جزاريهم بأن روحك وصلت إلى بارئها تحفها الملائكة قبل أن تؤوب طائرات خزيهم لتبشر بنجاح خيبتها..؟!
فما تراهم قد صنعوا بالجسد حين فتتوه و شربوا أنخاب انتصارهم على أشلاء ستظل أشباحاً تطارد جبنهم و تدب في أطرافهم الوهن و هاجس الهلاك..
فطأ بعزمك هاماتهم يا سيد الفرسان
اهزأ بخرافة جيش تلاحق طائراته كرسياً متحركاً تتربص به و تنخلع قلوب جنودها لمرآه.. فتصب عليه نار جبنها..
دس بقدمك المشلولة قامات أمراء عشائر العرب..
اكشف عجزهم و شلل مروءاتهم المراقة على أعتاب الأغراب..
دعهم لذلهم و خواء نفوسهم
و امض أنت إلى حيث شاء لك الله أن تكون
و إلى حيث تشير بوصلة العز حين تعبر الزمن الرديء نحو قمة الفخار
حيث النجوم تنحني للكبار
و حيث تنطبع النيازك نياشين على صدورهم
هو الدم يا سيد الأوفياء
زاد الذين نذروا أعمارهم للإله..
به يعبرون جسراً يدلف إلى عالم المجد و البهاء، و حين تذرفه أجسادهم تفتّح لها أبواب السماء.. و بمسكه يبعثون في الهمم الحياة..
هكذا تختتم مسيرة العطاء يا أمير الجياد..
و بهذا الفخار المغروس فينا للأبد تتوج صباحك الأخير في غزة الشهادة..
و بأطراف أشلائك المشلولة تخط على الجدران حكاية قائد رحل عن العيون ليسكن ذاكرة الموج و الرجال والصغار الطالعين من وجع اللجوء..
على مشهد بقع الدم المبارك يغمض البحر عينيه..
غير أنه لن يلبث أن يستفيق على صباح آخر يلفحه الهدير.. حين تتوالى إليه من بعيد أصوات القسام و أخبار انتصاراته.. ليشهد مع الأرض و السماء انبلاج الفجر وغروب زمن المحتلين..
* لمى خاطر
إن تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن!
19 / 6 / 2007
|