الموضوع: كبار صغار
عرض مشاركة واحدة
قديم 29/08/2007   #4
صبيّة و ست الصبايا Mira1981
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ Mira1981
Mira1981 is offline
 
نورنا ب:
Aug 2007
مشاركات:
33

إرسال خطاب Yahoo إلى Mira1981
افتراضي


" سكفة " عساف
وكان يطل عساف بابا على شفق البلدة ، في رأس العتبة ، فيطل العيد معه . وكنا ، نحن الصغار ، ننتظر الاثنين معا ، كما تنتظر العروس مجئ عريسها . فعساف بابا والعيد كانا تؤمين ، فعساف بابا يجلب العيد وأفراحه ،و العيد يأتينا بعساف بابا .
ولكن المفرح_ المؤسف معا ، أننا ما كنا نعرف ساعة مجيئه . لأن التوقيت لم يكن من عالم عساف بابا ، لذلك كنا نزين قلوبنا قبل العيد بثلاثة أيام ، منتظرين اطلالته على الشفق . فحالما يطل عساف بابا ، يطل العيد .
كان عساف بابا يأتي إلأى قريتنا مرتين : قبل العيد بشهرين ، أو أكثر ، وعلى عتبة العيد . يصل في الصباح ويرحل عند المغيب . واحيانا كان يبيت في القرية عند أحد الأصدقاء ، ويرحل في الصباح التالي حاملا في جعبته قياسات مختلفة ، واسرار كثيرة . وهموم يبوح بها أبناء القرية بسهولة ، أمام " غريب " أصبح واحدا من كل بيت . لأن أبناء القرى لم يكونوا قد تمدنوا بعد . فكانوا يقاسمون الغريب طعامهم ، ومعه همومهم وأفراحهم ، حتى تأتي المقاسمة كاملة ، وصادقة .
كان عساف إذن ، اسكافي البلدة . فكان يأتي بدلا من يذهب أبناء القرية إليه . حتى لو كان هناك إضاعة للوقت . فالوقت لم يكن قد تغرب ، ولم يكن قد أصبح من ذهب ، بل كان وسيلة للألتقاء ، ومقاسمة للحياة .
وكان مجيئه لا يقل عن اغراء السوبر ماركت . فمن بحاجة لحذاء ، ومن لا يحتاج ، يوصيه على " مشاية " وخاصة أن العيد آت ،و أن "نق " الأولاد والحاحهم ، لا يرحمان . ولكن المؤسف في هذ الشراء ، أن واحدا من أبناء القرية ما كان يستطيع أن يتفاخر على جاره . فكل الأحذية كانت متشابهة ، ومن مصنع واحد .
ويرحل عساف بابا ، ونبدأ بعد الأيام , وأيدينا على قلوبنا . لأن عساف قد أصبح مثالا في التخلف عن المواعيد ، شأنه في ذلك شأن كل حرفي يلتزم بأعمال تفوق طاقته . فكان يأتينا وقد نسي حذاء أو حذاءين ، أو أكثر ، ويستشهد بالله والقديسين على صدقه . ويعد بارسالها مع أول مسافر . ومرور المسافرين لم يكن نادرا . لكن عساف لم يكن يلتقيهم ... وكانت أمهاتنا يتمنين ألا تصل مشاياته في الشتاء ، لأنها كانت مصابة بالحساسية ضد الماء ... والحساسية ، سواء أكانت نعل الحذاء أم جلد الأنسان ، أم نفسه ، فهي مرض مستعص ، لم يجد لها أطباء العصر دواء ، إلا واحد ، وهو الصدق في المعاملة . لكن الناس ، سبحانه وتعالى ، لايحبون الرخيص . " فكل رخيص غال " . وهذا لنوع يكلف تضحيات غالية .
ولشدة حساسيتها ، أصبحت مشايات عساف ، مضرب مثل في المنطقة . فكل شيء لايخدم طويلا ، نقول فيه : " بيهدي قد سكفة عساف " .
وأحيانا كانت تأتي المشاية ضيقة على رجلنا . ويرى عساف أنها ضيقة ، لأن عين الحرفي دقيقة . ونشعر نحنبضيقها ، ونكتم الازعاج ، وأهلنا يلاحظون صغرها فيسألوننا ، وننكر ذلك ، ويوافق عساف على كذبنا . فنفرح . ومن لايفرح بمن يوافق على كذبه ؟ وعساف كان يفرح أيضا لمعارضة أهلنا ، وتكمشنا بالمشاية . لأن عليه إعادة صنعها بدون زيادة ف الثمن .
وبعد انتظار دام شهرين يأتي عساف ، فبدأ أخي الأكبر يزيح الشعنينة .
وما ان وصل عساف لبيتنا ، ورأى فرحة أخي ، حتى بدأ يسب على زوجته ، لأنها نسيت أن تضب له مشاية أخي الحلوة في جعبته .
وفي اليوم التالي ، كان عيد الشعانين حزينا في بيتنا لأن عساف بابا لم يجلب معه بهجة العيد إلى أخي .

أبحث عنك بين قطرات الندى فلا أجدك
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03545 seconds with 10 queries