عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2007   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


فلا تحقق للكينونة على هيئة الأنية إلا بالزمان، ولا آنية إذن إلا وهي متزمنة بالزمان، وتلك هي الزمانية:
فهي الطابع الأصيل للآنية، لذا لابد أن نجد خواص الآنية في الزمانية، وهي خواص حددناها في آخر
الأمر في ثلاث، المنفصل، التوتر، والإمكان، فلنحاول الآن أن نبين خصائص الزمانية ابتداء من
هاتيك.
فما معنى أن تكون الزمانية محددة تحديدا يتميز بالانفصال مع أن أصالة نظرية هيدجر برمتها إنما
مردها إلى قوله بالتحام آنات الزمان، وتوحيده بين الكينونة وطابع الزمانية ثم ربطه للوجود من أجل
الموت بتناهي الزمان ورفضه كل إحالة لفكرة السرمدية. في البداية نستأنس بهذا التحديد الأولي الذي
يرى فيه أن وصف تركيب الزمانية بالانفصال يؤدي إلى القول بأنها، أي الزمانية، مكونة من وحدات
منفصلة عن بعضها بعضا، وحدات قائمة بذاتها مقفلة على نفسها سميت لدى أغلب الباحثين في مسألة
الزمان "بالآنات" مع الإشارة إلى أن المسألة عويصة ومعقدة إلى أقصى درجة حتى أن أفلاطون
وأرسطو اضطرا في نهاية الأمر إلى القول بان الزمان مركب من آنات، مع أن باطن ما اعتقداه
وخاصة أرسطو في "السماع الطبيعي" يوحي باتباعهما الطريق الثاني القائل بالانفصال، إلا أن واقع
الحال يبين لنا أن القول بأحد الأمرين وبالأخص ما تعلق منه بالاعتقاد بأن الزمان متصل يحيلنا إلى
إشكالات عديدة قد يقع فيها القائل بهذه الفكرة، ذلك أن إثباتها من خلال الاعتبارات الفيزيائية التي
ترى أن الحركة لا تتم إلا عن طريق التلامس المباشر بين طرفي الحركة: المحرك والمتحرك على
اعتبار أنه ما دام الزمان مقدار الحركة، وما دامت الحركة تتطلب التلامس والاتصال كما ذكرت فإن
الزمان بدوره لابد أن يقتضيهما أيضا، أو من خلال الاعتبارات النفسية التي تستند إلى مفهوم الذاكرة
كنقطة محورية، فالذاكرة ملكة كلية قبلية تربط بين الأفعال في الشعور بطريقة متصلة اعتقادا من
القائلين بهذه الاعتبارات بأن الذاكرة سجل دقيق يرتسم عليه تيار متصل مستمر، يصل الماضي
بالحاضر ويصل الحاضر بالمستقبل، هذا الاتصال لا يعني عندهم التكرار، بل ينظرون إليه بوصفه
تيارا يجري باستمرار دون أن يرتد على ذاته، وتبعا لهذه المحصلة نظر إلى الزمان على أنه تيار
متصل يجري في اتجاه واحد من الأزل إلى الأبد. إذن لا الاعتبارات الفيزيائية ولا النفسانية يمكنها أن
تؤدي عند هيدجر إلى القول بأن الزمان مكون من وحدات منفصلة يشكل شعور الإنسان بها وإدراكه
لها ما نسميه بالزمانية، لكن ما هو الدليل على أن الزمان وحدات منفصلة: ماض وحاضر ومستقبل ؟
إن تحديد العلاقة بين الآنات الزمانية السابقة، وإظهار أوجه التفرد أو الانفرادية في كل منها يؤدي إلى
بحث مسألة الوجود الماهوي وهو الوجود الذي قد يصير فيه الممكن واقعا متحققا بالفعل في العالم
على خلفية تغافل الزمان في صورة العدم بحيث يصير في إمكان الوجود الماهوي الاختيار بين
ممكنات عدة لتحقيقها بالفعل وذلك عبر الهرمية التالية: الإمكان، الفعل، التحقق بالفعل .. وبما أن
الإمكان في نظره يعني الوجود الذاتي وهو في حالة "تكون" إن صح التعبير، أي إنه سابق على
التحقق بالضرورة، فإنه يصير من الواضح تماما أن هذا الإمكان سابق على الواقع، وكل إنكار أو
رفض لهذه الحقيقة تحت أي عذر كان يكون صادرا عن وهم، أو لنقل عن سوء تقدير حتى لا نكون
مغالين في حكمنا، وسوء التقدير هنا مكمنه المساواة بين مستويين مختلفين: مستوى الوجود الماهوي
(أي مستوى الإمكان) ومستوى الوجود العيني (أي مستوى الواقع)، بيان ذلك أن الذات تحوى
إمكاناتها بشكل مسبق، وهي حرة في اختيارها لبعضها على حساب بعضها الآخر لأنها لا تستطيع أن
تحققها كلها، وبعد أن تختار تأتي المرحلة التالية وهي وضع ما تم اختياره من إمكانات للتحقق موضع
التنفيذ فيصير الاختيار والتنفيذ فعلا واحدا متى نظرنا إليهما على أساس أنهما تجسيد متكامل في
حاضر مباشرة، ثم يأتي بعد دور الفعل وقد تحقق، هذه الأدوار في واقع الأمر متكاملة ومترابطة فيما
بينها: فالفعل بوصفه ممكنا أي "سيكون" معناه المستقبل، والفعل بوصفه شيئا "حادثا كائنا" معناه
الحاضر، والفعل بوصفه شيئا "قد كان" معناه الماضي، ومن خلال هذه الأدوار أيضا نفهم الزمان في
أبعاده الثلاثة التي هي ذوات معان وجودية خالصة. والوجود من صميمه أن يحيل إلى فعل، بل أن
يتجسد في فعل واضح محدد، وكل وجود يعتقد أنه يمكن تصوره خارج إطار الزمان هو وجود ناتج
عن تجريد كاذب يسعى يائسا إلى التخلص من سلطان الزمان عليه، وبالتالي إيهام الآخرين بأنه كائن
غير متزمن أو يقع خارج الزمانية.
إن القول بزمانية، الكائن ليس مسألة عفوية أو اعتباطية عند هيدجر، بل إنه يمثل خطوة أساسية في
طريق الوصول إلى حقيقة هذا الكائن وإعطاء وجوده معنى ودلالة، وكل كينونة تبحث عن العزاء
ضمن حدود السرمدية فإنما تبحث عن سراب لأن السرمدية والزمانية مفهومان متناقضان، فقد أدرك
الإنسان منذ أقدم العصور أن الزمان هو المحرك للوجود، فيه تتفاعل الأفعال وبه تتحقق، إلا أن ما
يتحقق من إمكانات هو سلب لإمكانات أخرى، وهذا معناه ببساطة أن التحقق لن يكون كاملا، وعد
التحقق الكامل ينفتح على الشقاء شقاء الكينونة، فالزمان إذن هو أصل الشقاء وكل محاولة لمجاوزة
هذا الشقاء دون أن تأخذ في حسبانها حقيقة الزمان تكون محاولة غير مؤسسة، إن لم نقل زائفة، لأن
الزمان شر لا بد منه وعلينا أن ننظر إلى كينونتنا بما تتضمن من شر، وأن نقلع عن البحث عن الأبدية
أو الخلود فهذا لن يغير في واقع الدازاين شيئا لأن الكينونة الأصلية مطبوعة بطابع الزمانية
بالضرورة، هذه الزمانية يفسرها هيدجر على أساس الهم الذي يعد بمثابة المحرك الداخلي لآنات
الزمان الثلاثة، إلا أن التأمل العميق في هذه المسألة كما يرى بعض شراح هيدجر وعلى رأسهم
يرون أن تأكيد هيدجر على ربط الزمانية (*)Alphonse de Waelhens " "الفونس دوفيلانس
بالهم لا غبار عليه في حد ذاته لو لم يفض إلى مغالاة واضحة في هذا الربط، فقد كان الأولى أن يربط
الهم بالماضي على اعتبار أن الإنسان مهموم بما لم يستطع تحقيقه من الإمكانات التي يتوفر عليها، أما
المستقبل فهو ما لم يتحقق بعد، ومع أنه مهموم بتحقيق إمكاناته إلا أن الإنسان في هذه المرحلة ينظر
إلى الحياة بأمل عله يحقق ما لم يحققه من قبل هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن تأكيد هيدجر على
أسبقية المستقبل، وعلى الرغم من أنها نتيجة منسجمة مع منطلقاته الأولى، فهي تفضي إلى تساؤلات
أهمها: أن القول بأسبقية المستقبل وأهميته قياسا بالماضي والحاضر يعمل على خلخلة مفهوم الزمانية
ذاته من حيث أنه نظرة متكاملة لآنات الزمان الثلاثة، ثم إن مشكلة أولوية آنة من الآنات على الآنات
الأخرى مشكلة قديمة إلا أن الوجودية أعادت طرحها بجدة وانتصرت في النهاية بتفرعاتها المختلفة
لصالح بعد المستقبل.
ب- من الزمانية إلى التاريخية
لقد رأينا عند تحليلنا لمفهوم الزمانية عند هيدجر أن الزمانية لا تكون على حد قوله بل هي تتزمن،
وأنها التخارج الأصيل في ذاته ولذاته، والخلاصة المحصلة عنده هي أن الماضي يوجد في داخله
المستقبل، والمستقبل هو خارج الماضي، بمعنى إنه ليس هو الماضي لكنه يطل على الماضي والشيء
نفسه ينطبق على علاقة الحاضر، بهما معا، وهكذا فكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة يختزن بمعنى من
المعاني باقي الأبعاد الأخرى ويستغرقها بطريقته الخاصة وفي الوقت ذاته هو مستغرق فيها، ولكن
هذه المرة وفق منظورها، فالعلاقة إذن بين هذه الآنات هي دائما بين شد وجذب. وإذا كانت الزمانية
تتزمن ابتداء من المستقبل، فإنها وحسب تحليلات هيدجر، تتزمن ابتداء من الماضي أيضا، وعندما
نقول "ماضي" فإننا نحيل إلى التاريخ، والتاريخ بدوره يحيل إلى التاريخية، فكيف ينتقل الكائن التائه
في دروب الكينونة من الزمانية إلى التاريخية، وهل هذا الانتقال له ما يبرره ؟
عند هيدجر هي الصفة الكلية للزمانية، Historialite أو Historicite " بداية نقول إن "التاريخية
وهي التي تضم الأبعاد الزمانية الثلاثة: الماضي، الحاضر والمستقبل، وقد استقطبت كلها من خلال
مواجهة واعية لفكرة المصير الذي ليس هو إلا مصيرا يجري إلى الموت، ويختلف مفهوم التاريخية
حيث يرى أن التاريخ ،W.Dilthey بهذا المعنى الهيدجري عن مفهوم الفيلسوف التاريخي عند دلتاي
علم موضوعي يدرس الوقائع الإنسانية بشكل مستقل عن الإنسان، يقول هيدجر: "إن الصورة التي ما
تزال شائعة إلى اليوم، وفي كل مكان عن دلتاي هي كالتالي: إنه المفسر الحاذق للتاريخ العقلي،
وخاصة الأدنى منه حيث أجهد نفسه أيضا لإقامة التفرقة بين "علوم الطبيعة" و "علوم الروح"، وهو
بهذا يعزى إلى تاريخ هذه العلوم إلى السيكولوجيا أيضا دورا بارزا يسقط في نوع من "فلسفة الحياة"
النسبوية، فإذا ما نظرنا إلى الأمور نظرة سطحية فأن هذا الوصف صحيح. لكن إذا نظرنا إليها من
الناحية الجوهرية فإن هذا الوصف غير واضح، أنه يخفي أكثر مما يبوح ". ويري هيدجر أن نظرة
دلتاي هذه تنطوي علي مغالطة – مع أنه يستفيد منه كثيرا وهذا بإقراره هو – إذ كيف يتاح للوجود
الإنساني أن يستقل عن نفسه، مادام التاريخ هو دراسة هذا الوجود، ذلك أنه يري أنه لا يمكن وصف
أية واقعة بأنها تاريخية إلا بارتباطها بالإنسان، وكل استعمال لكلمة " تاريخي " أو تاريخية يفترض
وجود الإنسان بشكل أولي في ما هو معني بالتاريخية بالدرجة الأولي هو الدازاين وليس الطبيعة أو

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04378 seconds with 10 queries