15/06/2005
|
#5
|
عضو
-- أخ لهلوب --
نورنا ب: |
Apr 2005 |
مشاركات: |
234 |
|
ردا على القمص مرقس عزيز خليل
"نشرت بتاريخ: 2 أغسطس 2003 (02:49) "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لاشريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. أما بعد:
هذه مناقشة سريعة لما كتبه القمص مرقس عزيز خليل في جريدة الأهرام (عدد 41778 في 25/4/2001) رداً على مقال الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار والذي نشرته الأهرام في 23/4/2001.
و أبدأ هذه المناقشة بالتأكيد على أن النقاش بين المسلمين والنصارى ليس جديدا بل يعود إلى بداية الرسالة المحمدية الخالدة، و القرآن الكريم وضع لنا أسس النقاش والمجادلة مع أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وذلك بقول الحق (تبارك وتعالى): "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم، وقولوا أمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت: 46).
حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان بعض العرب من النصارى الذين إتبعوا دعوة نبي الله عيسى بن مريم (عليه وعلى أمه السلام)، كما كانت للنصارى دول على أطراف ديار العرب و بالقرب منها كالشام ومصر والحبشة. لذلك كان إتصال المسلمين بالنصارى مبكرا جداً من أول تاريخ الدعوة الإسلامية، وبالذات في مصر التي كان يحكمها المقوقس الذي أرسل له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، فرد المقوقس رداً حسناً ولكنه لم يسلم، وأوصى الرسول الكريم بأهل مصر خيراً فقال: "إذا فتحتم مصرا فاستوصوا بالأقباط خيرا فإن لهم ذمة ورحما"؛ ولعل تطبيق هذه الوصية كان سبباً في دخول الكثيرين من نصارى مصر إلى دين الإسلام حتى غدت مصر، أرض الكنانة، دار الإسلام وحصنه الحصين.
ومن حالات الإتصال المبكر بين المسلمين والنصارى هجرة المسلمين الأولى من مكة إلى الحبشة ونزولهم عند ملكها النجاشي. وكان النجاشي ملكاً كريماً عادلاً لايظلم عنده أحد، لذا أوصى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صحابته بالهجرة إليه. وعندما أرادت قريش إعادة المهاجرين إلى مكة، أرسلت إلى النجاشي إثنين من دهاتها ومعهما الهدايا له ولبطارقته، وعندما عجزا عن رشايته، رميا بأخر سهم في كنانتهما، فذكرا له ما يقوله المسلمون عن عيسى وأمه (عليهما السلام)، وذلك محاولة منهما لإثارة غضبه وغضب بطارقته على المهاجرين، ولكنه حين إستمع إلى ما قرأه عليه جعفر بن أبي طالب من سورة مريم بكى وبكت بطارقته، ثم قال النجاشي: "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة". وهذه هي الحقيقة التي عرفها قيصرالروم ولكنه ضن بملكه الذي كان يتهدده إعلان إسلامه لجهل أمته، وتعصبهم الأعمى لدين لم ينزّل لهم ولم يفهموه.
ومحور رد القمص عزيز هو الإنكار على ما أورده الأستاذ الدكتور زغلول النجار في مقاله من حقيقة التحريف الذي طال الكتب السماوية السابقة للقرآن ومنها التوراة والزبور والإنجيل. وليس في ما ذكر إنكار لأصول تلك الكتب السماوية المقدسة، ولكنه إثبات لحقيقة أن الذي بقي منها بين أيدي الناس إلى اليوم محرف ويختلف عن الأصل الذي أنزل.
وقد أكثر القمص من إيراد آيات من القرآن الكريم يستدل بها على أن التوراة والزبور والإنجيل كتب منزلة من الله على رسله، ونحن المسلمين لانختلف معه في ذلك لأن التصديق بما أنزله الله من كتب ركن من أركان الإيمان، والإيمان كما عرفه رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) هو: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الأخر وبالقدر خيره وشرّه"، إذ لايسع المسلم أن ينكر شيئاً من أصول الكتب المقدسة التي أنزلها الله (تعالى) على رسله، لأن إنكار أي منها يفضي إلى الكفر. ولكن محل الخلاف هو كون هذه الكتب إمّا فقدت بالكامل أو نالها الكثير من التحريف والتبديل الذي غير من أصلها السماوي، والناظر البصير في حال أصحاب هذه الكتب اليوم يرى أنهم ليسوا على شيء.
ونحن المسلمين كما نؤمن بحقيقة تنزيل كل من صحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود و إنجيل عيسى (على نبينا وعليهم من الله السلام) وأن هذه وغيرها من الكتب السماوية قد أنزل من لدن رب العالمين، وأن هذ ثابت بنص كتاب الله وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإننا نؤمن أيضا بضياع أصول تلك الكتب و تحريف ما بقي منها عن أصولها كالتحريف الذي طال الإنجيل من قبل أحباراليهود ورهبان النصارى، والإدلة على هذ التحريف مستفيضة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح ويؤكد عليها الواقع الحالي الذي عليه حال النصارى اليوم، والأمر لايكلفك أكثر من أن تجلس قبالة جهاز التلفزيون وتتابع بعض البرامج الدينية التي تقدمها قنوات الكنائس والإرساليات الأمريكية والأوروبية لترى مقدار التباين في معتقداتهم، والتناقض في أقوالهم، فكل جماعة ترى الدين من منظار يختلف عن بقية الجماعات، وهذا نتيجة التحريف والتبديل الذي تعرض له إنجيل عيسى (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) أثناء نقله مشافهة عبر الأجيال حتى حين تدوينه، وما تعرض له بعد التدوين من حذف وإضافة وإلى مداخلات بشرية إختلط فيها الحق بالباطل، ثم تعرضت النسخ المكتوبة إلى مراجعات وإعادة تحرير دون توفر الأصل الذي يرجع إليه، فتداخلت الأهواء وتمايزت حتى أنتجت نسخا مختلفة تنسب الى الكتاب المقدس.
وتحريف كل من التوراة والإنجيل أخرجهما من إطارهما الرباني، وجعلهما عاجزين عن هداية البشرية، فأصبحت الرسالة التي يحملها كل منها لاتشبع نهم الباحث عن الحقيقة، وكثيراً ما نسأل المسلمين الجدد والذين كانوا يهودا أو نصارى قبل إسلامهم عن الداعي لترك دينهم والتحول إلى الإسلام فيقولون إنهم بحثوا عن الحق الذي تطمئن إليه نفوسهم فلم يجدوه إلاّ في الإسلام. فالغموض الذي يكتنف أصل الإعتقاد عندهم وما يتبعه من عبادات ومعاملات وأخلاق أوقعهم في حيرة شديدة وسبب لهم الكثير من القلق النفسي ما يضطرون معه الى اللجوء إلى رجال الدين علهم يجدون عندهم ما يشفي ما في نفوسهم، ولكن رجال الدين يعجزون عن إزالة الإلتباس لضياع الأصل الرباني الذي يرجعون إليه ويأخذون منه، فلو كان ماتحت أيديهم هو الكتاب الذي أنزله الله لتبين لهم الحق ولسلكوا سواء السبيل.
ورد القمص يرتكز على الإستشهاد بالعديد من أيات القرآن الكريم و الإكثار من ذلك حتى أنه أنزل أيات على غير منزلها، وإستشهد بها في غير موضعها، وعنى بها غير مقصودها، وإيراده آيات القرآن الكريم بهذه الكثرة دلالة على أنه قرأ القرآن الكريم بل أكثر من المطالعة فية، ولكن يبدوا أنها مطالعة إنتقائية أخذ منها ما ظن أنه يؤيد رأيه وضرب صفحا عن كل ما سواه، ولو أنه قرأ القرآن بتجرد ورغبة في الحق لكان فيما يجده من الآيات مايغنيه عن الرد، أليس الله (تعالى) يقول في محكم كتابه : "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه، وما من إله إلاّ إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم" (المائدة: 73) ويقول سبحانه وتعالى : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح إبن مريم " (المائدة: 17 و72)، بل ألم يقرأ صاحب الرد قول الله (الأحد الصمد) : "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب * ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد" (المائدة: 116-117).
وإني لأعجب من إيراد القمص ذكر الأية (47) من سورة النساء والتي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالى) : "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم"، أليس الخطاب في هذه الآية الكريمة موجهاً له ولأمثاله من الذين أوتوا الكتاب؟ فما يمنعه من الإيمان بما أنزله الله في القرآن الكريم وهو الحق من ربهم؟
والذي ينظر في بعض الأناجيل يلحظ أنها تحوي على لسان الله (تبارك وتعالى) تعبيرات من مثل : " يا أولادي ويا أبنائي " وما يشابهها بأسلوب لايليق برب العالمين، وإذا علمنا أن الأنجيل لم يكتب إلاّ بعد أن رفع الله (تعالى) عيسى إليه بأكثر من ثمانين سنة على أقل تقدير ، أدركنا أن ما نجده في الأنجيل ونسخه المتعددة والمتباينه ما هو إلاّ توجيهات الحواريين ونصائحهم لأتباعهم وربما نصائح الأتباع ومن جاء بعدهم. والقرآن يقول: "إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلاهاً واحداً لا إله إلاّ هو، سبحانه عما يشركون" (التوبة: 31).
وإني أسأل القمص مرقس عزيز: هل الإنجيل الذي عندهم محفوظ بلفظه ومعناه أم معناه دون لفظه أم العكس؟ وأسأله أيضاً عن مقدار الإختلاف بين نسخ الإنجيل المختلفة التي بين أيدي طوائف النصارى، وهى تتناقض في أحكامها وتتباين في معانيها؟ أم أن الفروق بينها معفي عنها ولاتحيل المعنى إلى سواه؟ هل من الممكن أن يقيم الدليل على ذلك؟ إذا لم يقم الدليل على إتفاق الأناجيل، فأيها يمكن أن يكون المعتمد؟ وهل يسلم النصارى بكافة طوائفهم لهذ الإنجيل المعتمد؟ بل هل تجتمع عليه طائفتان منهم؟
وحال النصارى ومقالهم يؤكد على التباين بين المتداول من نسخ الإنجيل و التناقض في أحكامها، فقد ذكرت دائرة المعارف البريطانيا في مقالها عن المسيحية والذي كتبه عدد كبير من قساوسة الدين المسيحي أن بين الأناجيل الأربعة المتداولة اليوم أكثر من ثمانين ألف تناقض، وأن تسمية المسيحية لم تكن معروفة على عهد المسيح (عليه السلام)، وإنما أدخلت في القرن الثاني والثالث من الميلاد. وأن القواعد الرئيسية للديانة المسيحية المعاصرة من مثل الخطيئة والكفارة، و الإدعاء الباطل بألوهية المسيح، وبألوهية أمه،وبالصلب، والتثليث ، وغير ذلك من العقائد المختلفة ، كل ذلك لم يكن معروفاً على عهد المسيح بل أدخله رجال الكنيسة في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد.
وما ثورة أوروبا على الدين ونبذها له إلا نتيجة طبيعية لإستبداد قوم منهم بإسم الدين وإستغلاله في مصالح خاصة أوجدت الشعور بالضيق والضيم عند عامة الناس ما ملأ نفوسهم حقدا على الدين ورغبة في التخلص منه ومن تبعاته، ولم يفوتوا الفرصة عندما سنحت فثارت ثائرتهم فنحّوا الدين جانبا، وانطلقوا من عقالهم، فأصبح واحدهم لايعرف معروفا ولا ينكر منكرا، والسبب الأصيل في ذلك هو التحريف الذي نال من الأديان السماوية التي أنزلت على كل من أنبياء الله موسى وداود وعيسى وما ألصق بها زورا وبهتانا.
والحديث عن تحريف الإنجيل ليس فيه إساءة البته لمشاعر النصارى، بل فيه شحذ لأذهانهم، وإثارة لهممهم ليسلكوا السبيل الموصل للحق، السبيل الذي ينتهي بهم إلى رضوان الله وإلى جنة عرضها السموات والأرض. نحن المسلمون منهيون عن سب ما يعبده الأخرون أوإثارة مشاعرهم، ولكننا مأمورون بقول الحق وبيانه للناس كافة ودعوتهم إليه، فنحن المسلمون كما قال ربعي بن عامر: (إبتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والأخرة)، والتاريخ يثبت أن الناس متى عرفوا حقيقة الإسلام تحولوا إليه وتركوا ما سواه، والمثال الأبرز في ذلك هو تحول الناس في مصر في بداية الفتح الإسلامي إلى الإسلام رغبة وحبا فيه بعد ما تبين لهم ما يدعوهم إليه وما يرغبهم فيه، وأن الصلة في الإسلام صلة مباشرة بين العبد وربه لاتحتاج إلى وسيط، وهذه غاية الحرية، فلا يحتاج الإنسان إذا إرتكب معصية أو أخطأ في حق نفسه إلى وسيط يهتك عنده أستاره، ويكشف له من أسراره ما يشعره بضعفه وقلة حيلته ودنو درجته بالنسبة لآخرين حتى وإن ألبسوا ذلك لباس الدين، أما الإسلام فيقرر حقيقة أن الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، والمذنب يكفيه أن يغلق بابه أو يصف قدميه في محرابه ويتوجه إلى الله (تعالى) في سره بالدعاء والإستغفار وصدق التوبة، وهو موعود بالصفح والغفران وتبديل السيئات حسنات، إن شاء الله (تعالى). وهذ هو الأصل في دين الله الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما أنزله على من سبقه من الأنبياء (عليهم السلام) فقال عز من قائل "إن الدين عند الله الإسلام، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بأيات الله فإن الله سريع الحساب" (آل عمران: 19)، وعلى ذلك فإن التحريف الذي طال كلاً من اليهودية والنصرانية قد أوجد من يقطع طريق الناس إلى ربهم.
ما أوردته في هذه المناقشة ينطلق من إعتقادنا نحن المسلمين في عيسى (عليه السلام) وفي الإنجيل وفى الإنجيل الذى تلقاه من ربه وخالقه، وإني أدعو القمص مرقس عزيز مواصلة النقاش في هذه القضية الحساسة لعله أن يكتشف من دينه ما يجهله، أو يبين لنا ما يظن أننا نجهله، فالأصل في المرء أنه مؤتمن علي دينه وحريص على الذب عنه وتنقيته من كل شائبه، وليكن الحق رائدنا، وليست الغاية هي التنقص وإلقاء التهم، وقد قال الله (تعالى): "قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون" (آل عمران: 64). أسأل الله (العلى القدير) أن ينير بصائرنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه، إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه.
موقع الدكتور النجار http://64.233.183.104/search?q=cache...%84+&hl=ar
|
|
|