عرض مشاركة واحدة
قديم 23/07/2007   #5
شب و شيخ الشباب فاوست
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ فاوست
فاوست is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
في وطني السليب
مشاركات:
655

افتراضي تكملة مُذكرات رجل محكوم عليه بالإعدام 3


فلنأمل اذن أن يأتي اليوم الذي يلغي فيه القانون هذه الوظائف المحزنة، وجو حضارتنا وحده هو المسئول عن القضاء على عقوبة الإعدام في فترة معينة من الزمن.
ويغلب على ظننا في بعض الأحيان أن الذين يدافعون عن عقوبة الإعدام لم يفكروا فيها فيحسنوا التفكير. ولكن، ضعوا اذن بعض الجرائم في الميزان، فهذا القانون العنيف يخول للمجتمع الحق في أن يسلب من الإنسان شيئاً لم يمنحه إياه، وهذه العقوبة انما هي أكثر العقوبات التي لا يمكن اصلاح نتائجها وأشدها استعصاء على الإصلاح!
ذلك أن أمامكم أمرين لا ثالث لهما :
فإما أن يكون الرجل الذي تقضون على حياته لا أسرة له ولا أهل ولا روابط في هذا العالم ، وفي هذه حالة لا يكون قد تلقى تربية أو تعليماً أو عناية ما، بنفسه أو بقلبه.. فبأي حق اذن تقتلون هذا اليتيم البائس؟ أتعاقبونه لأنه كان يزحف في طفولته على أرض لا سند له فيها ولا مرشد ولا معين؟ انكم تعاقبونه اذن على العزلة التي تركتموه يهيم فيها على وجهه، وتجعلون من مصيبته هذه جريمة، وهو الذي لم يعلمه أحد ماذا كان عليه أن يفعل! أنه رجل جاهل، والخطأ ليس خطأه ولكنه خطأ القدر .. انكم تعاقبون بريئاً!
وإما أن هذا الرجل ذو أسرة . فهل تحسبون عندئذ أن الضربة التي تقطعون بها رقبته لا تصيب الا إياه؟ وأن أباه، وأمه، وأولاده لن يقطروا دماً كذلك؟ كلا ، فأنتم بقتله انما تقطعون رقبات أسرة بأسرها. فأنتم هنا كذلك تعاقبون الأبرياء!
ان عقوبة الإعدام عقوبة شاذة عمياء، على أي وجه نقلبها نجدها تصيب البرئ!
اسجنوا هذا الرجل ، هذا المذنب الذي له أسرة، فسوف يستطيع وهو في سجنه أن يتابع العمل من أجل ذويه، اذ كيف يكون في وسعه أن يعولهم وأن يجعلهم يعيشون وهو راقد في قاع قبره؟ ترى هل تفكرون دون أتن تأخذكم الرجفة فيما سيئول اليه أمر هؤلاء الأولاد الصغار ، والبنات الصغيرات الذين تنتزعون منهم والدهم، أعني لقمة العيش! أم هل تعولون على هذه الأسرة لتزودوا بها الليمان بعد خمسة عشر عاماً؟ ..... آه ! يا للأبرياء المساكين!
عندما يصدر حكم بالإعدام على عبد رقيق في المستعمرات ، فإنهم يدفعون لصاحبه ومالكه تعويضاً مقداره ألف فرنك ! ماذا أيها السادة؟ انكم تعوضون خسارة السيد ولا تعوضون الأسرة شيئاً! وهنا أيضاً بالله عليكم ، ألا تنتزعون رجلاً من بين ذويه أصحاب الحق فيه؟ أو ليس هو ملكاً لوالده ولزوجته ولأبنائه الى حد يبلغ في القداسة أكبر كثيراً من درجة ملكية السيد لعبده؟
لقد سبق لنا أيها السادة أن اتهمنا قانونكم هذا بأنه اغتيال، وها نحن أولاء نتهمه الآن بأنه سرقة.
وثمة شئ آخر : فهل فكرتم في روح هذا الرجل؟ وهل تجرءون على ازهاقها بمثل هذه السرعة ، وبمثل هذا الإستخفاف؟ فيما مضى ، على الاقل ، كان هناك شئ من الإيمان في قلوب الناس، وفي اللحظة الحاسمة كانت نفحة الدين المنبثة في الهواء تلين أكثر القلوب قسوة وصلابة ، فكان المحكوم عليه في نفس الوقت تائباً يكفر عن ذنب قد ارتكبه ، وكان الدين يفتح أمامه عالماً ، في نفس اللحظة التي كان المجتمع فيها يغلق في وجهه عالماً آخر . كانت النفوس جميعاً تثق بالله ، ولم تكن المشنقة الا حداً من حدود السماء ، أما الآن ، فما هو الأمل الذي تضعونه في مشنقة لا تؤمن بها الغالبية العظمى من الجماهير؟
ليست هذه من غير شك إلا "أسباباً عاطفية" كما يقول بعض الذين يزدرون العاطفة ولا يستمدون منطقهم إلا من رءوسهم ، غير أنها في نظرنا هي أفضل الأسباب ، ونحن غالباً ما نفضل الأسباب العاطفية على العقلية . ويجب علينا ألا ننسى من جهة أخرى أن النوعين يتساندان على الدوام ، فكتاب "قانون الجرائم" مأخوذ من كتاب " روح القوانين " و " مونتسكيو " هو الذي أنجب " بيكاريا " .
ان المنطق معنا، والعاطفة معنا، والتجربة تؤكد وجهة نظرنا كذلك. ففي الدول النموذجية حيث ألغيت عقوبة الإعدام ، أخذ مجموع الجرائم الكبرى يقل باطراد عاماً بعد عام، فأدخلوا هذا في حسابكم .
ومع ذلك ، فإننا لا نطالب في الوقت الحاضر بإلغاء عقوبة الإعدام الغاء تاماً وبطريقة فجائية على النحو الطائش الذي اتبعه مجلس النواب، بل نريد ، على العكس ، أن نجرب كل المحاولات ، وأن نتخذ كافة الاحتياطات ، وأن نلزم في هذا الحذر كل الحذر. ومن جهة أخرى ، فإننا لا نريد الغاء عقوبة الاعدام فحسب، وإنما نريد كذلك تعديلاً شاملاً لكل أنواع العقوبات من أولها الى آخرهاً ، من الحبس البسيط الى المقصلة، مع ملاحظة أن الزمن يعتبر أحد العوامل التي تجب مراعاتها في عمل كهذا ، حتى يتم على الوجه الأكمل . وفي نيتنا أن نكتب المزيد في هذا الموضوع شارحين الطرق والأفكار التي تبدو في نظرنا عملية ممكنة التطبيق . ولكن، اذا استثنينا الغاء حكم الاعدام جزئياً في حالات تزييف النقد ، والحريق ، والسرقة المصحوبة بظروف مشددة، الى غير ذلك ، فإننا نطالب منذ الآن ، وفي جميع القضايا الكبيرة ، بأن يلتزم رئيس المحكمة بأن يسأل المحلفين هذا السؤال: هل ارتكب المذنب جريمته بدافع من العاطفة أو بدافع المنفعة؟ فإذا جاء رد المحلفين بأن" المتهم قد ارتكب ما ارتكب بدافع العاطفة" فيجب ألا يصدر عليه حكم الإعدام .. فهذا كفيل على الأقل بأن يبعد عنا بعض أحكام الإعدام التي تثير نفوسنا ، وكان ذلك خليقاً بأن ينقذ حياة كل من " أولباخ " و " ديباكير " وهو خليق كذلك بأن ينقذ رقبة من يقف موقف " عطيل " في المستقبل.
ومن جهة أخرى ، فإننا يجب ألا نُخدَع ، فمسألة عقوبة الإعدام هذه تنضج يوماً بعد يوم ، وسوف يحلها المجتمع بأسره ، كما نفعل ، قبل انقضاء وقت طويل . فليحذر علماء الجريمة المعاندون ، فقد أخذت أحكام الإعدام تتناقص منذ قرن من الزمان ، وأخذت تجنح تقريباً نحو شئ من اللين والحنان ، وهذا نذير شيخوخة وإضمحلال. انه علامة من علامات الضعف ، علامة موت قريب . لقد انتهى زمن تعذيب المتهمين وربطهم على العجلة ، وولى عصر صلب المحكوم عليهم .. بل ان المقصلة ذاتها عبارة عن تقدم! .. ان هذا لشئ عجيب! لقد كان " السيد جيوتان " انساناً خيراً حقاً!
نعم .. ان هذه الآلة ذات الأسنان والتروس الرهيبة التي التهمت عدداً ضخماً من الرءوس – آلة "فارمناتشي" و "فوجلانس" و "دولانكر" و "ايزاك لوازيل" و "أوبيد" و "ماشوه" – هذه الآلة قد بدأت تضمحل .. بدأت تهزل .. بدأت تموت !!
ها هي ذي ساحة الإعدام لا تريدها ، لأن هذه الساحة تريد ان ترد لنفسها اعتبارها .. ان شاربة الدماء العجوز قد سلكت في شهر يوليو سلوكاً حسناً ، فهي تريد منذ الآن أن تحيا حياة أفضل ، وأن تظل جديرة بصنيعها الأخير .. ان الحياء يعود اليها ، وهي التي كانت قد حلت محل المشانق من ثلاثة قرون ، فهي تخجل من مهنتها السابقة، وتود أن تفقد اسمها البشع. انها تطلق الجلاد.. وتغسل الدم من فوق "بلاطها ".
وفي هذه الساعة ، تنفذ عقوبة الاعدام خارج باريس! فلنقلها هنا اذن بصراحة ، فخروجها من باريس يعني خروجها من المدنية.
ان جميع الأعراض في صالحنا ، ويبدو كذلك ان هذه الآلة البشعة ، أو بالأحرى هذا الوحش المصنوع من الخشب والحديد ، والذي هو تحفة الدكتور " جيوتان " يبدو أن هذه الآلة تغدر وتقاوم . اننا اذا نظرنا من زاوية معينة الى هذا العدد من أحكام الإعدام الرهيبة التي نفذت وسردنا تفاصيلها آنفاً ، لوجدنا أنها تعتبر دلالات ممتازة، فالمقصلة تتردد وتحجم وتقصر في تأدية وظيفتها ، وها هو ذا بناء عقوبة الإعدام العتيد العتيق بأسره قد أخذ يتفكك ويتداعى .
وسوف ترحل هذه الآلة البغيضة من فرنسا ، فنحن نقدر ذلك تقديراً ونعول عليه ، وهي سوف ترحل عرجاء، بإذن الله ، لأننا سنحاول جاهدين أن نوجه اليها ضربات قاصمة .
فلتذهب اذن عند قوم آخرين ، لتذهب عند شعب همجي يقبل أن يستضيفها.
لقد كان البناء الإجتماعي يرتكز فيما مضى على ثلاث قواعد هي : القسيس ، والملك ، والجلاد. ومنذ زمن بعيد ، ارتفع صوت يقول : " لقد ذهب سلطان الأساقفة ! " ..
وفي السنوات الأخيرة صاح صوت آخر يقول : " ان الملوك ذهبواً " .. والآن ، حان الوقت ليرتفع صوت ثالث ويقول : "ان الجلاد راحل ً "
وهكذا ، يكون المجتمع القديم قد انهار حجراً بعد حجر ، وتكون العناية الآلهية قد قوضت أركان الماضي بأسره.
ان الذين ندموا على تقلص نفوذ الدين،استطعنا أن نقول لهم:ان الدين باقٍ،والذين يندمون على ذهاب الملوك نستطيع أن نقول لهم:ان الوطن باقٍ.أما الذين سيندمون على ذهاب الجلاد فليس لدينا ما نقوله لهم.
ولا يحسبن أحد أن النظام سوف يختفي بإختفاء الجلاد فسوف لا تتداعى عمد المجتمع الجديد لأن هذا المفتاح البشع المشئوم ينقصها، وليست المدنية الا سلسلة من التغييرات المتتابعة، فماذا أنتم واجدون عندئذ؟
انكم ستشهدون تغيير العقوبات ، وسوف يدخل قانون المسيح الرحيم أخيراً في اللوائح المعمول بها في المحاكم ويشع من نوره عليها. اننا سننظر الى الجريمة على أنها مرض ، وسوف يكون لهذا المرض أطباؤه الذين سيحتلون أماكن قضاتكم ، ومستشفياته التي ستحتل أماكن ليماناتكم .. ان الحرية والصحة ستجتمعان معاً.
نعم ، اننا سنصب البلسم والزيت حيث كان يطبق الحديد والنار . وسوف نعالج هذا المرض بالرحمة والإحسان بعد ان كان يعالج بالغضب والإنتقام.
وسوف يكون ذلك بسيطاً ورائعاً حقاً.
فالإحسان يحل مكان الإنتقام.
والرحمة تحل محل القتل .
وهذا كل ما نهدف اليه.
جورج شكري

الحرية لسوريا من الإحتلال الأسدي
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04778 seconds with 10 queries