عرض مشاركة واحدة
قديم 23/07/2007   #4
شب و شيخ الشباب فاوست
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ فاوست
فاوست is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
في وطني السليب
مشاركات:
655

افتراضي تكملة مُذكرات رجل محكوم عليه بالإعدام 3


عموماً لخص لنا ( فيكتور هوجو ) اراء السادة المعلقين ( والتى لم تختلف كثيراً عن أراء أهل زمانه فى شأن الأبقاء على عقوبة الأعدام ) إلى
1- من الضروري أن نبتر من المجتمع عضوا قد أساء اليه من قبل وقد يسئ اليه بعد ذلك
2- ان المجتمع يجب أن يثأر لنفسه وأن يعاقب
3- يجب أن يضرب المثل الرادع! .. يجب الإرهاب بمنظر المصير الذي ينتظر المجرمين ، نلقي به الخوف في قلوب الذين يميلون إلى محاكاتهم!
دعونا نستمع ونستمتع الأن إلى مرافعة ( فيكتور هوجو ) الختامية والتى فند فيها اراء اهل زمانه واراء اهل زماننا مما يريدون الأبقاء على هذه العقوبة الشنعاء

" اننا لا نتوجه بالحديث إلى هؤلاء الناس ، وإنما إلى رجال القانون بمعنى الكلمة ، وإلى المفكرين وذوي المنطق السليم ، إلى أولئك الذين يحبون عقوبة الإعدام لأنها عقوبة الإعدام ، يحبونها لجمالها وطيبتها وحسنها !
هيا اذن .. فليدلوا بدلوهم ، وليقدموا لنا حججهم .
يقول الذين يحاكمون غيرهم ويصدرون عليهم الأحكام أن عقوبة الإعدام أمر ضروري ،
أولاً: " لأن من الضروري أن نبتر من المجتمع عضوا قد أساء اليه من قبل وقد يسئ اليه بعد ذلك .. فإذا كان الأمر مقصوراً على ذلك فالسجن المؤبد يكفي.
فلماذا الموت اذن؟
أتفترضون أنه يمكن الفرار من السجن؟
حسناً .. فلتشددوا الحراسة. فإن كنتم لا تثقون من متانة القضبان الحديدية، فكيف تتجرءون على أن تحبسوا وراءها الوحوش الضارية؟
ليس ثمة ما يدعو إلى وجود الجلاد مادام السجان يكفي
ولكنهم يستطردون فيقولون: " ان المجتمع يجب أن يثأر لنفسه وأن يعاقب".
"كلا ، لا هذا ولا ذاك ، فالثأر شئ فردي، أما العقاب فبيد الله".
والمجتمع بين اثنين : العقاب فوق المجتمع ، والإنتقام أقل منه. الأول كبير للغاية، والثاني صغير للغاية، وكلاهما لا يلائمة. ومن واجب المجتمع ألا " يعاقب لينتقم " ، بل أن" يصلح ليصل إلى ما هو أحسن"..فغيروا اذن صيغة علماء الاجرام على هذا النحو ، فنحن نفهمها ونقلبها على هذا التعديل .
يبقى السبب الثالث والأخير، وهو نظرية ضرب المثل:
"يجب أن يضرب المثل الرادع! .. يجب الإرهاب بمنظر المصير الذي ينتظر المجرمين ، نلقي به الخوف في قلوب الذين يميلون إلى محاكاتهم! " ..
ان هذه العبارة تكاد تكون بالحرف الواحد تلك الجملة الخالدة التي يرددها ممثلو الإتهام في " النيابات " الخمسمائة الموجودة في أنحاء فرنسا مع تغيير طفيف رنــــان!
حسناً .. أننا ننكر أولاً أن هناك مثلاً وعبرة ، ننكر أن منظر التعذيب يأتي بالنتيجة المرجوة منه، فهو بدلاً من أ يهذب الشعب ،يضعف من روحه المعنوية ويقتل لديه كل شعور، وبالتالي كل فضيلة . والأدلة على هذا كثيرة ، يزدحم بها استدلالنا لو أردنا أن نذكرها . ومع ذلك فسوف نسوق واقعة من بين ألف واقعة،
فقد حدث في مدينة " سان بول " ، عقب اعدام رجل يدعى " لويس كامي " مباشرة، وكان قد ارتكب جريمة حريق، حدث أن جاء نفر من الملثمين ليرقصوا حول المشنقة وهي لا تزال ساخنة،
فأضربوا المثل اذن التماساً للعبرة!
نعم ، نعم .. انكم تستمسكون بنظريتكم الروتينية في المثل رغم التجربة . فلنعد اذن إلى القرن السادس عشر، وعليكم أن تكونوا مرعبين حقاً! أعيدوا مختلف أنواع التعذيب ..
أعيدوا الينا " فاريناشي " والأشخاص الذين كانوا يكلفون رسمياً بالتعذيب ..
أعيدوا لنا الصلب والحرق وتمزيق الأوصال واقتلاع الأظافر وقطع الأذن ودفن المرء حياً وغلي أعضاء الجسم والمرء حي يعيش!!
أعيدوا لنا عند كل ناصية في شوارع باريس، منظر الجلاد البشع كأنه حانوت جديد مفتوح كبقية الحوانيت، ومزود بصفة مستمرة باللحم الآدمي الطازج!
أعيدوا الينا ساحة الإعدام التي كانت مهيأه في " مونفوكون " بقواعدها احجرية الست عشرة، وجلاديها الجالسين و" بدروماتها " المملوءة بالعظام، وألواح التعذيب الخشبية، و" كلابانها " وسلاسلها ، وخوازيقها ، وغربانها التي تنهش جثثها العفنة !!
نعم، أعيدوا ساحة الإعدام هذه مع المشانق الملحقة بها ورائحة الجثث النتنة التي كانت رياح الشمال الغربي تنقلها وتحملها معها على طول حي " التامبل " في ضواحي باريس!!
أعيدوا الينا صبي جلاد باريس العظيم في قوته وسطوته واستمراره وجبروته! .. حسناً! .. هذا هو مثلكم بصورة مكبرة !! هذه هي عقوبة الإعدام مفهومة فهماً جيداً . انها طريقة للتعذيب على نطاق واسع وهذا هو الشئ الشنيع المروع!
أوه! فعلوا ما يفعلونه في انجلترا ففي انجلترا – وهي بلاد التجاة – يأخذون مهرباً إلى ساحل" دوفر " حيث يشنقونه ضرباً للمثل، ولضرب المثل أيضاً يتركونه معلقاً في حبل المشنقة! ولكن، نظراً الى أن تقلبات الجو قد تتلف الجثة، فإنهم يغلفونها في عناية بقماش مدهون بالقطران ، وذلك حتى لا يضطرهم الأمر إلى تجديد هذا الغلاف إلا أقل عدد ممكن من المرات .. فياله من بلد يتوخى الإقتصاد ! بلد يطلون فيه المشنوقين بالقطران!
ومع هذا ، فإن ذلك فيه شئ من المنطق ، فهو أكثر الطرق انسانية لفهم نظرية المثل.
ولكن أنتم .. أصحيح أنكم جادون حقاً، اذ تعتقدون أنكم تضربون مثلاً حين تقطعون رقبة انسان بائس، بطريقة تعسة في ركن قصي مهجور من مشارف العاصمة؟ قد يكون هذا مقبولاً لو انه تم في ساحة الإعدام، وفي وضح النهار! ولكن ، أن يحدث ذلك في حقول ضاحية من ضواحي باريس .. في "سان جاك" ؟ .. وفي الثامنة صباحاً والنهار لم يكد يطلع بعد؟ من ذا الذي يمر من هناك؟ ومن ذا الذي يرى ذلك؟ ومن ذا الذي يعرف أنكم تقتلون رجلاً في ذلك المكان؟ ومن ذا الذي يشك في أنكم تضربون مثلاً هنالك؟ مثلاً لمن؟ لأشجار الطريق طبعا! ( على القياس نستطيع ان نقول ذات الأمر على تنفيذ احكام الإعدام فى الغرف المغلقة مثل ما هو حادث حالياً ..)
أفلا ترون إذن أن تنفيذكم لحكم الإعدام علناً يتم خلسة؟ أفلا ترون اذن أنكم تختبئون؟ وأنكم تخافون وتخجلون من فعلتكم؟ وأنكم تتمتمون على نحو يدعو إلى السخرية قائلين أن هذه هي العدالة؟ أنكم في الواقع خجلون وجلون أيها السادة ، ومزعزعون قلقون، وغير واثقين من أنكم على حق ، وأن الشك الذي لدي الجميع قد تسرب إلى نفوسكم، وأنكم تقطعون الرءوس على سبيل " الروتين " دون أن تعرفوا تماماً ما تفعلون ! أفلا تشعرون في قرارة أنفسكم أنكم قد فقدتم على الأقل الشعور الأخلاقي والإجتماعي برسالة الدم التي كان أسلافكم القضاة العتاة يؤدونها بضمير مطمئن للغاية؟ وفي الليل؟ أفلا تنقلبون على وسائدكم أكثر مما كانوا ينقلبون؟ ان آخرين من قبلكم قد أمروا بتنفيذ العقوبة القصوى، عقوبة الإعدام، غير أنهم كانوا يعتقدون أنهم على حق، وأنهم عدول وأنهم يحسنون صنعاً. ان "جوفينيل ديزرسان" كان يعتقد أنه قاض، و" أيلي دي توريت " كان يعتقد أنه قاض، و" لوباردومون " و "لارينيي" و "لافوماس" كانوا يعتقودن أنهم قضاة .. أما أنتم .. أما أنتم فلستم موقنين تماماً في قرارة أنفسكم أنكم لستم قتلة!
انكم تتركون ساحة الإعدام الى ضاحية "سان جاك" ، وتفرون من الجمهور الى العزلة، ومن النهار الى الغسق ولا تقومون بما تقومون به في ثقة وثبات. ولست أتردد في أن أقول لكم: أنكم تختبئون!
هذه هي كل الأسباب التي تنتحلونها لعقوبة الإعدام قد تحطمت اذن ، وهذا هو منطق ممثلي الإتهام بأسره قد أصبح عدماً ، وهذه كل مرافعات النيابة قد فندت فصارت رماداً. أن أقل لمسة من المنطق لابد أن تذيب كل تفكير معوج.
انه لا ينبغي اذن أن يأتينا رجال الملك بعد الآن يطالبوننا – نحن المحلفين – برءوس جديدة، نحن الرجال، وهم يرجوننا في صوت يداعبنا بإسم المجتمع الذي تجب حمايته وبإسم الثأر للشعب، أن نضمن لهم ضرب المثل الرادع، ان هذا كله ليس الا بلاغة وكلاماً أجوف، ليس إلا مجرد بالون منفوخ تكفي وخزة بسيطة من دبوس، كي تحيله إلى لا شئ، اذ ليس وراء هذه الثرثرة الحلوة غير قسوة القلب والشراسة والهجمية ، والرغبة في إظهار التحمس للعمل وضرورة كسب العيش. اصمتوا أيها السادة ، فإننا نحس بمخالب الجلاد تحت أنامل القاضي الحريرية !
انه ليشق علينا أن نفكر في برود في أمر مدع عام جرئ. انه رجل يكسب عيشه بإرسال الآخرين الى المشنقة، فهو المورد الرسمي لساحات الإعدام! ومن ناحية أخرى ، فهو رجل يزعم لنفسه الاسلوب الأدبي الجميل ، وهو ذلق اللسان، أو يحسب أنه كذلك، ويردد عند الحاجة بيتاً أو بيتين من الشعر اللاتيني قبل أن يسوق انساناً الى الموت، ويحاول جاهداً أن يحدث في مستمعيه التأثير الذي يريده، وهو شديد العناية بأمر كرامته – يا للشقاء! هذا في الوقت الذي تكون فيه حياة الآخرين في الميزان! ان لهذا المعي العام نماذج، نماذج خاصة يتعذر على المرء أن يبلغ مستواها ، مثل "بلار" ، و "مارشانجي" تماماً كما يكون للشعراء نماذج تحتذي مثل "راسين" أو "بوالو". وفي المناقشات التي تدور في المحكمة، تره يجنح دائماً الى ناحية المقصلة، ولا غرو فهي دوره، وهي شغله الشاغل. والإتهام الذي يوجهه انما هو عمله الأدبي الذي يزينه بالإستعارات، ويعطره بالنصوص، يستشهد بها كي يظفر بإستحسان الحاضرين في الجلسة، وينتزع اعجاب السيدات، ولديه ذخيرة من الأفكار الشائعة التي لا تزال جديدة تماماً على البيئات الريفية، وله بلاغته في التعبير، وأسلوبه الرقيق المصطنع الذي يشبه في رقته أساليب الكتاب.انه يكره الكلمة الخالية من الاستعارة، مقتا يداني المقت الذي يضمره لها شعراؤنا المنتمون الى مدرسة "دوليل" فلا تخشوا اذن أن يسمى الأشياء بأسمائها فذلك لن يحدث، اذ أن لديه قناعاً كاملاً من النعوت والصفات لكل فكرة يمكن أن تثيركم وهي مجردة عارية. ان في وسعه أن يجعل الأمر المفزع مقبولاً، ويخفف من حدة سكين المقصلة، ويوازن الميزان ، ويغلف السلة الحمراء في غلالة رقيقة من الاستعارات. انه رقيق ومتحفظ، فهل تتصورونه بالليل في مكتبه، وهو يتأنق في اعداد هذه الخطبة التي ستنصب بسببها المشنقة بعد ستة أسابيع؟ هل ترونه وهو يعرق دماً وماء كي يحاصر رأس متهم في أسوأ بند من بنود القانون؟ وهل تبصرونه وهو "ينشر" رقبة انسان بائس بمنشار قانون أسئ صنعه؟ ألم تلاحظوا كيف ينقع ثلاثة نصوص أو أربعة سامة في فيض من العبارات البليغة،كي يعبر بها، ويستخرج منها بجهد جهيد موت انسان؟ أفلا يحتمل أن يكون الجلاد قاعداً القرفصاء عند قدميه في الظلام، تحت مكتبه وهو جالس يكتب، وأنه قد يكف عن الكتابة بين آن وآخر، ليقول له كما يقول السيد لكلبه: "اهدأ اهدأ، فسوف تنال عظمتك! ".
ومن ناحية أخرى، فقد يكون رجل الإدعاء هذا في حياته الخاصة رجلاً شريفاً، وأباً عطوفاً، وإبناً صالحاً، ووجاً مخلصاً ، وصديقاً وفياً .. الى غير ذلك مما تذكره العبارات الطيبة المنقوشة على لوحات القبور في مدافن "لاشيز" ..

الحرية لسوريا من الإحتلال الأسدي
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.08036 seconds with 10 queries