تعددت الوجوه والخطاب واحد
افتتح رئيس النظام السوري المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم, الذي انعقد في ذكرى مرور ثمانية وثلاثين عاما على هزيمة حزيران, وفي اجواء العزلة الدولية والعربية التي تعيشها سورية, وفي ظروف امنية غير مواتية حيث اندلعت الاشتباكات المسلحة مع الاكراد الغاضبين في القامشلي, وكذلك في ظروف اقتصادية ومعاشية خانقة. ورغم ذلك كان الحزبيون الحضور محافظين على وجوههم العابسة, وعلى تجهمهم المفرط, وعلى الاحساس العالي بالسلطوية وبتعابير التخويف.
المؤسف ان خطاب رئيس النظام في هذا الجمع المعلب كان هو هو ذات الخطاب المكرر, المعني بالترديد القومي والوطني المتعنتر, والمصاغ باللغة القديمة التي لم تعد تنفع المواطنين والمؤمنين بقدر ما تتمادى في تضليلهم, والاستهانة بعقولهم, والاصرار على وضعهم في القالب الحزبي التقليدي الذي لايسمن ولا يغني من جوع.
والمؤسف اكثر ان الخطاب ظل محتفظا بالاعتبارات الذاتية حيث الكلام عن الاصلاح كان مربوطا بحاجات داخلية سورية, وليس استجابة لضغوط من الخارج, وكأن الالتقاء مع الخارج في الضرورات يمس هذه الاعتبارات الذاتية, ويخدش المشاعر الوطنية والقومية كما هي مصنفة في ادبيات ماضي الهزائم من الناصرية الى البعثية, ومن الطالبانية الى الصدامية.
لقد تعددت الوجوه والخطاب واحد, كما هي اسباب الموت المتعددة. ففي الوقت الذي تعلو فيه مطالب الشعب السوري سقف الدولة والحزب الحاكم, نرى المؤتمر لا يمتلك قدرة التنفيذ, ولا المؤتمرون لديهم برامج تتقدم الى التطوير والتغيير, والتجرؤ على اعتناق مبادئ العصر, وفي اولها الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان, وبما ان واقع الامر هو كذلك فإن مؤتمر حزب البعث سيكون هامشيا قياسا بالظروف الصعبة التي يواجهها الوطن السوري, وسيكون فاقدا لآليات التنفيذ, اولا باتجاه المطالب الشعبية العالية, وثانيا باتجاه تشكيل حكومات.
وفي ضوء خطاب رئيس النظام فقد اتضح انه مازال واحدا باستثناء الوجوه التي تتلوه على المسامع.. هذا الخطاب المحشو بالادبيات التقليدية, والمشبع بروح الهتاف, يكذبه الواقع السوري المتردي, وواقع العزلة العربية والدولية الذي تعيشه سورية, وواقع المخاطر المحدقة بها التي جعلتها لا تأمن على يومها من ضربة عسكرية آتية, او من انفجار شعبي بعد طول صبر واحتقان, وكذلك واقع الجولان الذي مازال محتلا. ولم تنطلق لتحريره لا رصاصة واحدة, ولا مبادرة سياسية واحدة.
لو ظل الرئيس المصري الراحل انور السادات محتفظا بهذا الخطاب القديم, وامينا على الحنجرة الناصرية الصارخة, لظلت سيناء حتى اليوم, كالجولان, تحت الاحتلال, ولظلت مصر بلا موارد قناة السويس, وعائدات آبار البترول. لكن حزب البعث الحاكم في سورية مصر على القراءة المغلوطة, وعلى تجاهل لغة العالم, وعلى المضي في انكار الواقع والاستهزاء بامكانات الاعداء, وبالتالي مازال يثبت اخلاصه للغة الخشبية, ويثبت سكونية البليدة, وعجزه عن التفاعل مع واقعه الداخلي وعلاقاته الخارجية.
مؤسف ان نقول هذا الكلام, لكن المؤسف اكثر ان نصمت عنه, لان دوام حال هذا الحزب من المحال, بعد ان تحول ثوبا ضيقا على القامة السورية, ووعاء مختصرا لا يستوعب اشواق الشعب السوري المتطلع الى الحرية, والى التحرر من القوالب, والى الخلاص من كل اشكال التسلط والمصادرة.
ياسادتي"
أنا أسف إذا أزعجتكم
أنا لست مضطراً لأعلن توبتي"
هذا أنا
هذا أنا
هذا أنا
|