[fadi assi]

لنناقش موضوع وجود الله أو عدمه أو براهينه أو خطئها يجب الاحتكام للفلسفة لشموليتها والتي يقبل بها الطرفان (فالأخ عبد الله عبد الرحيم الطرف الأول هنا يقول "الدين والعلم والفلسفة اتفقت على الإيمان بالله" يعني قبوله الفلسفة , والطرف الثاني _الملحدون_ الذي يؤمنون بالفلسفة كأم العلوم ).
إن القول بأن الملحدون ليس معهم من العلم شيءٌ يستندون إليه في إنكار خالقهم , خاطئ فلسفياً فيجب أولاً وضع الفرضية والبرهان عليها ومن ثم يتم نقض الفرضية أو تثبت لتصبح حقيقة ؟ وهذا موجود بالطرح الذي طرحه الأخ عبد الله عبد الرحيم وأفصّل ذلك للدراسة :

الفرضية : الله موجود (أو الله خلق العالم ,أو السؤال من خلق العالم ؟ الله)
البرهان : "العقل قاضٍ بأن الموجود لابد له من موجد، وأن المخلوق لا بد له من خالق" فبرهان الله الوحيد الوارد هنا هو "الوجود " أو ما يسميه أصحاب النظرية "الخليقة " (وهذه التسمية هي نتيجة الإيمان بالنظرية وليست برهان أنه يوجد خالق هو الله , فالأعرابي الساذج يشهد لوجود الله بمعادلة ليست مقبولة فلسفياً ,المقارنة بين أن تخرج البعرة من البعير كما أن الأرض تخرج من الله ,فالأولى مدركة بوساطة المدارك البسيطة , أما أن الله هو خالق الأرض فتلك فكرة تسليمية سلفية لدى الأعرابي, وهي ليست برهاناً بل نتيجة قبول النظرية )
أما المعترضون وهم هنا "الملحدون " فقد أورد الأخ عبد الله عبد الرحيم أربع انتقادات لهم ("شبهات" بالنسبة له) .. ومن الواضح ضعفها الفكري والفلسفي على الأقل كما عُرضت هنا.

ولكن هذا لا يعني برأيي أن البرهان بطريقة العلة الأولى (كما يسميه البعض, وكما يطرحه الأخ عبد الله هنا) يخضع لمنطق فلسفي ..فإن عدم وصول الإنسان لأجوبة لبعض الأسئلة الكبيرة (حالياً , أو حتى نهائياً) هذا لا يعني وجود الله وبطريقة تسليمية كاحتمال وحيد (وكذلك ليس عدم نقض وجوده يعني وجوده) بل إن هذه الطريقة بالبرهان أعتبرها برأيي الشخصي مهينة للإيمان بالله فليس برهان وجود الله هو جهل الإنسان (وكأننا نتبع طريقة نقض الفرض في الهندسة) ..
إن هذه البراهين منطلقة من مشاكلنا في فهم الكون وليست منطلقة من حقيقة الله , فنحن حلّينا مشكلة العلة الأولى (الخلق) أو ما هي البداية : بالله , و جواب السؤال المخيف : نحن... إلى أين ؟ حلّيناه بالله , والسؤال ماذا بعد النهاية ؟ كذلك بالله فكانت صورة الله الخالق هذه حلاً لمشاكلنا مع أنفسنا , وجداراً لا يسمح للإنسان التكشّف خلفه أو السؤال من خلق الله أو غير ذلك فلا بد أن نحل القصة ونرتاح ونلزقها بظهر الله الذي هو بنظري ليس الله الحقيقي (في حال الإيمان بوجوده) بل هو الله الافتراضي الذي صنعه الإنسان ليحل به مشاكل قصوره . فصورتنا لله هنا ليست منطلقة من الله بذاته بل من خوفنا وجهلنا وخوف جهلنا.
أما أن قصور العقل (الذي يعترف به الجميع وحتى الأخ عبد الله هنا يذكره) وما ينتج عنه من عدم قبول لخليقة بدون خالق أو تسلسل"الخليقة – الخالق" (الذي يذكره الأخ عبد الله في الوجه الثاني من الرد على الاعتراض الرابع"الوجه الثاني: أننا لو تنزلنا وقلنا بصحة السؤال، لأفضى ذلك إلى التسلسل، وهو محال عقلا، بيانه أننا إذا أجبنا على سؤال من خلق الله ؟ بالقول: إنه خالق آخر، فسوف يرد نفس السؤال على الخالق الآخر، فيقال من خلق الخالق الآخر، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، وفي المحصلة سنكون قد ارتكبنا محالين عقليين: الأول نفي الخالق، والثاني: القول بتسلسل علل لا نهاية لها. " والرد هنا لم يكن سوى أنه محال عقلي ) قصور العقل لا يعني أن الله هو الخالق ولا يعني أن يكون في أفق الإنسان أصلاً(بالضرورة) جواب هذا السؤال ...

أما موضوع سعينا إلى برهان الله بواسطة العلوم الفيزيائية أو الفلكية أو غيرها ؟!!! (كما يفعل البعض – ليس هنا) فبت الموضوع يعود للعلماء المتخصصين الذين لا يتحدثون عن الله في المادة فهم لا يكتشفون الله في المادة (إن ذكر بعض العلماء الذين آمنوا بالله بالمادة ليس برهاناً فهؤلاء بنوا إيمانهم على عدم توصل إلى أجوبة لبعض الأسئلة يعني الجهل - وقلت سابقاً لن نرضى بالجهل برهاناً لوجود لله – كثيراً ما أتى علماء بعدهم وجدوا أجوبة . أو قالوا ذلك نتيجة تأويلات لظواهر أو تعقيد الكون الكبير الذي أذهلهم واكتشفوا صغرهم أمامه وكل ذلك ليس برهان بل ظواهر تُبقي وجود الله ضمن النظرية فقط دون أن يكون حقيقة) وإن ذلك البحث لن يوصلنا إلى شيء فكلما وصلنا إلى نتيجة بذلك سوف تسقط بعدها بسبب تقدم العلوم وتجلي حقائق جديدة وبالتالي تسقط صورة الله أو نسعفها بتأويل جديد نتنفس بعده الصعداء مؤقتاً كذلك .....

أنا لا أنكر وجود الله , ولكني مختلف أولاً على صورته (تصورنا له) ثم على نوعية إدراك وجوده .