عرض مشاركة واحدة
قديم 01/06/2005   #4
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي


الطائفية السياسية: كيف زُرعت في العراق وكيفية احتواء خطرها: مفهوم "الطائفية" مفهوم مشتق من جذر متحرك، فهو مأخوذ من "طاف يطوف طوافاً فهو طائف"، فالبناء اللّفظي يحمل معنى تحرك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه، بل يتحرك في إطاره، وربما لصالحه. "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"(التوبة:122). وهو أيضاً مفهوم يشير إلى عدد قليل من البشر إذ لا يتجاوز - لغة ً- الألف من الأفراد. ومن ثم فإن هذا المفهوم في جوهره يتضمن فكرة الأقلية العددية الصغيرة المتحركة في إطار الكل المشدودة إليه بغض النظر عن دينها أو عرقها أو لغتها... فهو مفهوم كمي عددي لا غير، لذلك ظل اللفظ يستخدم ليشير إلى كيانات مختلفة متعددة في خصائصها، ولكن القاسم المشترك بينها هو القلة العددية، فقد أطلق على حملة المقالات أو الآراء (نسبة إلى ما كانت الأكثرية تتبناه) "طوائف" مثل طائفة المعتزلة وطائفة الأشاعرة؛ ثم لما حدثت مقالات انقسمت حولها هذه الطوائف في داخلها، سميت بطوائف، أيضاً مثل الإمامية والزيدية ونحوها بالنسبة للشيعة، ثم انقسمت هذه بدورها إلى مجموعات سميت "طوائف" كذلك. ولم يبرز هذا المفهوم باعتباره إشكالية أو أزمة إلا في القرنين الأخيرين خاصة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية في ظرف تاريخي معين ساعد على إحداث نوع من التطابق بين الأمراض الداخلية والمؤثرات الخارجية. فالعربي تعامل مع اليهودية والمسيحية والإسلام تعامله مع اختلافات اعتقادية لا تعني المفاصلة والعداء أو تهديد وحدة الكيان، والخروج عنه، أو محاولة الانتماء لكيان آخر خارجه. أو السعي للانفصال عنه فقط بحجة الاختلاف في العقيدة، ومن أقدم النصوص العربية الإسلامية في هذا المجال "وثيقة المدينة"[10] التي لا تزال بحاجة إلى دراسات متعمقة من جميع الجوانب، وفي ضوء تخصصات مختلفة.

وقد كانت الطائفية أبرز الانقسامات التي شهدها التطور التاريخي العربي إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر والشام. وكما بين لنا التاريخ أنه لم تكن تلك الانقسامات عناصر تهديد لوحدة الكيان العربي أو مبرراً للتمايز والانفصال والتمزق بين أبنائه، أو وسيلة للاختراق من قبل الآخر، فالمسيحيون العرب لم يعلنوا – على سبيل المثال – مناصرة الصليبيين في حملاتهم على البلاد العربية، ولم يتحالفوا معهم حتى في لحظات انكسار المسلمين. ثم مزج مفهوم "الطائفية" ذات المكون العددي مع مفاهيم أخرى ذات مضمون فكري أو فلسفي أو عرقي أو مذهبي أو ديني فتحول إلى ما يشبه "المصدر الصناعي" في لغتنا ليفيد معنى الفاعلية الخاصة بالأقلية العددية، والمنفصلة عن فاعلية الأمة، وبذلك أصبح مفهوم "الطائفة" يستخدم بديلاً لمفاهيم "الملة والعرق والدين" التي كانت سائدة قبل ذلك. واختلطت هذه المفاهيم جميعاً في بيئة متأزمة فكرياً وسياسياً، مأزومة ثقافياً فأنتجت مفهوم "الطائفية" باعتباره تعبيراً عن حالة أزمة تعيشها مجتمعات عربية مثل لبنان حيث تحول الجزء إلى كل والبعض إلى كيان مستقل، وأصبحت الطائفية مذهباً وأيديولوجيّة وهُوِيَّة حلت محل الهويات الأخرى والانتماءات الأعلى، بل وبدأت تتعالى عليها، وقد تبدي الاستعداد للتقاطع معها، وأخذ موقعها وهذا ما يهدد وحدة العراق اليوم وينذر بإنهاء وجوده.



إن "الطائفية" السياسية قد تم تكريسها – كما تقدم - من ساسة ليس لديهم التزام إسلامي، أو مذهبي، إذ أن "العلماني" سواء أخذ من الدين موقفاً محايداً أو معادياً لا يمكن أن يكون له موقف مذهبي حقيقي، إذ المذهب فرع عن التدين، ومن فقد الأصل فقد الفرع بالضرورة، بل هو موقف انتهازي للحصول على "عصبيَّة" كما يسميها ابن خلدون أو شعبية كما يطلق عليها في عصرنا هذا، ليكون الانتهازيّ السياسيّ قادراً على الوصول إلى السلطة.



إن مجرد الانتماء إلى طائفة أو فرقة أو مذهب لا يجعل الإنسان المنتمي إلى تلك الطائفة طائفياً، كما لا يجعله طائفياً عملهُ لتحسين أوضاع طائفته أو المنطقة التي يعيشون فيها دون إضرار بحقوق الآخرين. ولكن الطائفيّ هو الذي يرفض الطوائف الأخرى، ويغمطها حقوقها، أو يُكسبَ طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تعالياً عليها، أو تجاهلاً لها، وتعصُّباً ضدها.



ولقد أدرك المحتلون نقطة الضعف هذه في "السياسييّن العراقيّين" وأحسنوا استخدامها واللعب عليها. فالبريطانيّون حين رأوا أن ثورة العشرين التي فرضت عليهم الهزيمة والتخلي عن أحلامهم في العراق اندلعت في المناطق الشيعية أولاً، ومنها عمت العراق كلّه وقادها علماء الدين والمراجع الشيعية. قرروا الاعتماد في حكم العراق على "السنة العرب" فابتلعوا الطعم بقيادة وزعامة السيد عبد الرحمن النقيب، ومجموعة من رجال السلطة الذين جاء بعضهم من الجمعيات السرية التي كانت تتعاون مع بريطانيا ضد الأتراك العثمانيين. وحين يبتلى بلد برجال سلطة يستندون في وجودهم، واستمداد نفوذهم إلى الأجنبي؛ فإنهم يمنحون ولاءهم واهتمامهم إلى أولئك الذين مكَّنوهم من السلطة، لا إلى شعوبهم. وهنا تبدأ زاوية اتصالهم بشعوبهم بالانفراج التدرجي إلى أن يحدث الفصام.



إنّ أخطر ما يبتلى به شعب أن يتحول حكامه من رجال دولة إلى رجال طوائف أو أحزاب أو قبائل، فالمصير الذي ينتظر ذلك الكيان هو التفكك لا محالة، ولن يكون بعد ذلك رابح إلاّ أعداء ذلك الكيان، المستفيدون من تمزيقه.



إنّ الناظر في الأوضاع العراقية الحالية يرى تشابهاً كبيراً بينها وبين ما جرى في مرحلة التأسيس، ويلحظ أنّ الاختلاف في الممثلين فقط لا في الأدوار التي تجري إعادتها بدقة عجيبة. والعراقيون ليس أمامهم خيار، فإما أنْ يتحلَّوا بالوعي السياسيّ الصادق، ويتخلَّصوا من الأفكار المريضة التي أعادتهم للاحتلال بعد ثلاثة وثمانين عاماً. وإما أن تستمر حالة الفعل ورد الفعل، وتبادل الأدوار بين الشيعة والسنة والعرب والأكراد والمحتلين القدامى والجدد.



لقد كنت أتابع مظاهرات طلاب المدارس الدينيّة السنّة بعد سقوط بغداد الأخير، ثم المسيرة الكبرى التي اشترك فيها أبناء الكاظميّة والأعظميَّة معاً وكلّهم كانوا يهتفون بصوت واحد مليء بنبرة الإخلاص "إخوان سنّة وشيعة، هذا البلد ما نبيعه". وكلما سمعت ذلك استغرقت في البكاء وقلت في نفسي: هكذا كان آباؤنا وأجدادنا يفعلون في العقد الثاني من القرن الماضي، تأتي مظاهرات الشيعة من الكاظميّة لتتّحد بمظاهرات السنَّة في جامع الحيدرخانة في بغداد إلى أن فرقهم الطائفيّون السياسيُّون، وأنسوهم وحدتهم، وبدَّدوا طاقاتهم في صراعات طائفيّة انتهت بالبلاد إلى الحالة المزرية التي تعيشها اليوم، وهي الحالة التي قد تحتاج البلاد إلى عقود قادمة عديدة لتتخلص من آثارها السلبيّة. وما هي بفاعلة إلاّ إذا تخلصنا من تلك البذور الخطيرة.



لذلك فإنّ اتفاق كلمة أبناء العراق على أن التنوع بكل أنواعه الدينيّة والعرقيّة واللسانية والمذهبيّة هو الثابت الثالث من ثوابت هذا البلد، فينبغي أن تتفق كلمة الجميع على تحويله إلى إمكانيَّة لا إلى معوّق، وأمر إيجابيّ لا سلبيّ، ووضع أسس وتقاليد يتَّفق الجميع عليها وعلى احترامها، وفي مقدمتها عدم قبول التفرقة والطائفيّة من أي وعاء خرجا، وعدم السماح لأحد بتحويلها إلى طائفيّة سياسيّة وأيديولوجيّة حكم. لا بد من تعليم الأجيال وتدريبها على أن المطلوب ليس مجرد قبول المخالف المذهبي أو الديني أو العرقي، بل لابد من اعتباره مصدر قوّة بحيث لو لم يكن موجوداً لوجب إيجاده. وهناك الكثير من الوسائل والأدوات المعاصرة التي يمكن أن تساعد على ذلك وتجعله حقيقة واقعة.



والاحتلال سواء كان قديماً أو حديثاً لا يمكن أن ينظر إليه على أنَّه فرصة لتحقيق مكاسب سياسية، طائفيّة أو عرقيّة، كما حدث في أعقاب ثورة العشرين ويراد تكراره اليوم أو إعادة إنتاجه بشكل آخر، بل هو فرصة لمراجعة النفس، ورصد الأخطاء والسلبيّات وأخذ الدروس والعبر لكيلا نستمر في تكرار أخطائنا، ويأكل الآباء الحصرم فتضرس أسنان الأبناء والأحفاد.

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04446 seconds with 10 queries