عرض مشاركة واحدة
قديم 01/06/2005   #2
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي


استقلال الحوزات والمدارس الدينية الشيعيّة: مما عرف به السلاجقة الأتراك الذين هيمنوا على العراق الجمع بين ضيق الأفق والتعصب ضد المخالف إلى درجة استباحة قتله. فهم لا يؤمنون إلا بالرأي الواحد والمذهب الواحد، وحين وجدوا تلك الحريات الفكرية والمذهبية في بغداد ساءهم ذلك، وعملوا على مصادرة تلك الحريات، ووضعوا من القيود ما لا عهد لبغداد والعراق به. وطاردوا علماء المخالفين، وقتلوا منهم عدداً، وأحرقوا كتب المخالفين لهم باحتفالات علنية من فلاسفة ومناطقة وعلماء. وإمعاناً في القضاء على ظاهرة "الحرية الأكاديمية" أو حرية التعلم والتعليم عمدوا إلى تأسيس مدراس لا تُدرس إلاّ مذهب الدولة، وما تقبله من فكر، وأوقفوا عليها الأوقاف والحبوس، وربطوا بها الوظائف. وبذلك صادروا حرية القلم لصالح سلطة السيف، وحولوا علماء الحنفية خاصة إلى موظفين وامتهنوا العتبات والأضرحة التي لها لدى الشيعة قدسيّة، ولدى بقية المسلمين احترام وتقدير [4].



هنا عمد علماء الشيعة إلى البعد عن أماكن السيطرة السلجوقية المطلقة وموظفيها فبدأوا بتأسيس مدارسهم الخاصة و "حوزاتهم العلميّة" في النجف وفي الأماكن النائية عن العاصمة وذلك في منتصف القرن الخامس الهجري. وكانت بدايات بسيطة لا يصعب تمويلها بما يتوافر لهؤلاء العلماء من حقوق، وتبرعات الموسرين من مقلديهم.



أما في الجانب الحنفي خاصة، والسنّي بصفة عامة فقد حاول السلاجقة تحويل المدارس والوظائف الدينية إلى مؤسسات معقدة ضخمة بحيث تحتاج إلى أموال الدولة وأوقاف قادتها، وتمويل رجالها على الدوام. وقد بدأ بعضهم يختص ببعض العلماء وتلامذتهم، ويبني لهم المدارس الفخمة والمساجد الضخمة والتكايا، ويوقف عليها الأوقاف لتستقطب الطلاب، ويتنافس على التدريس فيها المدرسون، ويقبل الطلاب على الدراسة فيها. ومنذ ذلك التاريخ والعالم والفقيه الشيعي يتمتع بالاستقلال المادي عن الدولة بحيث يستطيع أن يتمتع بشعور الاستغناء عن الحاكم، بل والاستعلاء عليه. ويحقق معنى الكلمة الشائعة في الأوساط الفقهية: "وعلا الملوك ليحكم العلماء".



أما في المجال السنِّي فمهما علا قدر العالم فإنه لا يعدو أن يكون واحداً من موظفي الدولة، عليها يعتمد في رزقه، وممارسة دوره، والمحافظة على مكانته، ولذلك ساغ لبعض الناس أن يرددوا واصفين بعض أولئك العلماء بأنهم "وعاظ السلاطين والأمراء والوزراء"[5] في حين يكون أقصى ما يمكن أن يوصم به عالم شيعيّ بأنَّه من "فقهاء الحيض والنفاس" تعبيراً عن انشغاله عن القضايا الكبرى وهموم الأمة بالجانب الفقهي ذي الصبغة الفردية [6]، وهو جانب لابد من وجود من يقوم به في سائر الأحوال، لأنّ الأفراد يحتاجونه في سائر حياتهم اليومية وفي كل الأحوال.



ويمكن للكاتب في تاريخ "العلوم النقلية" أن يرصد مجموعة كبيرة من الفوارق بين حالات هذه العلوم في الحوزات وحالاتها في المدارس السنيّة في العراق خاصة. رغم أن عصور الانحطاط قد أحدثت كثيراً من الآثار السلبية في هذا النوع من الدراسات بصفة عامة، لكن الآثار السلبية في هذه المعارف في الجانب السنيِّ كانت أشد وأنكى؛ فقد أورثت جموداً وتقليداً بدأ قبل سقوط بغداد بأيدي التتار، وما زال قائماً. ووجود أفراد نوابغ من الفريقين بلغوا مرتبة الاجتهاد وحافظوا على القدرة على التجديد والإبداع لا يؤثر في القاعدة العامة كثيراً، فهو بمثابة شذوذ فردي لا يخرم القاعدة. لذلك فإنّ قدرة الفقيه الشيعي على استقطاب الجماهير والاقتراب منها والإحساس بها وقيادتها لا تزال تعتبر خاصة من خواص الفقهاء الشيعة [7].

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02626 seconds with 10 queries