عرض مشاركة واحدة
قديم 15/06/2007   #3
شب و شيخ الشباب الهجان
شبه عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الهجان
الهجان is offline
 
نورنا ب:
May 2007
مشاركات:
84

إرسال خطاب MSN إلى الهجان
Lightbulb في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة: ياسين الحاج صالح 3


هل يعني رفض كون الإسلام دينا ودولة فصله عن "الحياة والمجتمع" كما لا يكف عن التكرار الشيخ القرضاوي ونظراؤه؟ فوق أنه لا معنى على الإطلاق لفصل الإسلام عن الحياة والمجتمع، فوق أنه لا أحد يستطيعه ولا أحد يدعو إليه، فإن تمييز الدين عن الدولة هو ما يفتح للدين باب التأثير على "الحياة والمجتمع"، والدولة ذاتها، عبر تفضيلات المؤمنين الأحرار ونشاطهم بما هم مواطنون. فالعلمانية التي يندد بها القرضاوي لا تتميز برفض حضور الدين في الحياة العامة، وفي الحياة السياسية ذاتها، بل بالأحرى برفض آلية محددة لحضور الدين، هي تلك التي تسخر الدولة لسياسة الدنيا به. أما حضور الدين الاجتماعي والمدني والثقافي، المنزه عن الإكراه، فينبغي أن يكون أمرا مرحبا به. فهو يمكن أن يكون عنصر إثراء للروح والمخيلة في مجتمعات تهددها الحداثة بجفاف الروح وما بعد الحداثة بالطائفية.

على أن المجال العام الذي يمكن للمؤمنين أن يؤثروا عليه في اتجاه يناسب إيمانهم هو مجال عام ينضبطون فيه بقوانين هي ذاتها التي تضبط غيرهم. ومن البدهي أن القوانين هذه لا يمكن أن تكون "إسلامية" أو مشتقة من "الشريعة". فما يضمن المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، لا يمكن أن يكون إسلاميا. إنه بالضرورة قواعد بشرية صنعية، نسبية ومتغيرة.

أما ما هو مطلق وثابت، فلا يمكن إلا أن يكون إيمانيا، أي يخص المؤمنين به فقط؛ وحده ما يكون نسبيا، واتفاقيا، ومتغيرا، هو ما يمكن أن يعم الناس. أما الجمع بين ما هو مطلق وعام، إيماني ومفروض على الجميع، فهو باب للطغيان وفساد الدين والدولة معا.

وما نريد ترتيبه على ذلك وعلى مجمل هذا التناول هو أن القول إن الإسلام دين ودولة غير معقول، يفرض استقالة إجبارية على عقولنا وعنفا على أجسادنا، قبل أن يكون مضادا للعلمانية أو متعارضا مع الديمقراطية.
***

الدولة أيضا مشكلة لأنها بلا شكل ولا نظام، بلا نصاب ذاتي يفرزها عما هو غيرها، من عصبية وثروة وقوة مادية كما قلنا. وهي ليست بلا "دستور" ضابط إلا لأنها بلا شكل، منفلتة وغير مقيدة، منتشرة وطاغية، حتى لو تزودت بالدستور كوثيقة. والدولة المنفلتة، الطاغية، تكتظ بالقوة الخام والاعتباط، فلا تستقل أو تتحكم بنفسها، ولا تشكل أرضية تراكم سياسي مستقل وشخصية متطورة. (هامش توضيحي: نعرف "المشكلة" بأنها وضع بلا شكل أو مشوه الشكل. وهذا "يشكل" على الفهم، ويثير شعورا بالاضطراب والتشوش والعناء العقلي. مصدر "الأشكال" والصور والنظام هو الثقافة. تشوه الأشكال واشتباه الصور يعني أزمة في الثقافة).

في مفهومها الحديث، الدولة سلطة عامة سيدة وممأسسة. لا سلطة فوقها في المجتمع المعني، ولا هي تمتلك من قبل فرد أو حزب أو طائفة أو عشيرة. وهي منضبطة بقواعد أو "دستور" ينأيان بها عن مزاج الأفراد وانحيازاتهم الذاتية. الدولة المطابقة لمفهومها ليست طرفا اجتماعيا، وليست جهاز قمع، ولا "أمارة استيلاء"، ولا أداة سلبية تستمد إيجابيتها من عقيدة من يتولاها. إنها مقر العام الاجتماعي وكفالة المساواة بين الأفراد، المواطنين. والأمة التي تنتظم في الدولة غير الأمة الدينية. الأولى أعضاؤها مواطنون، لا تأثير على المساواة بينهم لحيثياتهم الدينية والعرقية واللغوية والجنسية والطبقية وغيرها؛ أما "مواطنو" الثانية فهم المؤمنون وحدهم. بالمناسبة، الإسلام دين و"أمة": دين المسلمين، والمسلمون بما هم مؤمنون به. لكن هذا ينطبق على كل دين آخر. وبالخصوص على اليهودية، حيث هناك "أمة" سياسية واحدة هي ذاتها "الأمة" الدينية.

الدولة التي هي في الوقت نفسه حزب وقائد معصوم، الدولة الطرف، سواء كان الطرف إثنية أو جماعة دينية أو مذهبية أو طبقة، تكف عن كونها دولة. ولا مجال لإصلاحها دون فرزها عن هذه التكوينات واستقلالها عنها، وذلك على الصعيدين المفهومي والواقعي. أي أن إصلاح الدولة منوط بأن تحوز قواما خاصا بها أو ذاتية متميزة. بالمثل، لا مجال ولا معنى للإصلاح الديني إن كان الدين هو أيضا دولة وهوية وإيديولوجية سياسية. إننا نفك الدين عن ما علق به مما هو ليس منه، كي نستطيع إصلاحه. هذه عملية مؤلمة وتحتاج صبرا وأناة. لأن ما علق بالدين قد التحم به، إلى حد أن الفصل بينهما قد يقود إلى تحطيم الدين ذاته، وهو ما نفترض أنه مؤلم جدا وغير مرغوب معا.

وبالمناسبة، قد يكون أكبر عائق في وجه إصلاح ديني إسلامي هو أن الشروط التاريخية للمسلمين المعاصرين تواطأت مع تفضيلات النخب الإسلامية على جعل "الإسلام" حاملا لهوية جماعية، وفكرة معبئة (إن للاحتجاج والمقاومة أو للتماسك)، فوق كونه دينا يجيب على المطالب الروحية للمؤمنين. ولعل "الإسلام" نجح بالفعل في النهوض بوظائف ليست من مجاله (هوية، تعبئة، إيديولوجية سياسية..)، لكن النجاح هذا بالذات يقف عائقا دون إصلاحه، لأنه يحول دون استقلاله بذاته. لم يثمر الإصلاح الإسلامي عند مطالع القرن العشرين لأنه حين كان محمد عبده "يصلح الإسلام"، كان العالم الإسلامي يدخل في أكبر عملية انقلاب اجتماعي وثقافي وسياسي ونفسي في تاريخه كله، وكان الطلب على الإسلام يرتفع للقيام بعمليات ووظائف نفسية وسياسية ومعرفية، ارتباطها به جائز ليس إلا. بعبارة أخرى، حين كان ينبغي تحريك الإسلام وإعادة بنائه حول الإيمان، كان المسلمون مقلقلون نفسيا، يتآكلهم الجزع ويعصف بهم الدوار، يطلبون تثبيت العالم حولهم لأنهم كانوا عاجزين عن الثبات في العالم. "الإسلام" هو ما سيلبي مطلب التثبيت. لكن الثمن هو توسعه ليغدو، لأول مرة، دينا ودنيا، ومصحفا وسيفا..إلخ. أي ليعيد اختراع عالمه، وينتصب فيه سلطانا كليا.

هذا يعني أن على أي إصلاح ديني إسلامي جدير باسمه أن يصدر عن إدراك تاريخي شامل لهذه الشروط التاريخية (وهو ما لا يستطيع تقديمه الإسلاميون العالقون في شباك أمثلة الماضي والاغتراب عن الحاضر)، وأن يعمل على تخليص "الإسلام" من وظائف وتوظيفات ارتبطت به لأسباب تاريخية جائزة دون أن تنبثق منها انبثاقا ضروريا كدين. واليوم، يبدو أن نهج توكيل الإسلام بعملية تثبيت العالم من حولنا لا تثبت العالم ولا تنصر الإسلام. آن الوقت لنهج مختلف، نثبت أنفسنا في العالم، وهو ما من شأن الإيمان الإسلامي، أي التوحيد والعدل والرحمة، أن يساعد فيه بلا ريب.
***

هذه قضايا لا تبدو إشكاليتا العلمانية والديمقراطية الرائجتان مهيئتين لمقاربتها، نظريا أو عمليا. وإخفاقهما هذا يردهما إلى إيديولوجيتين. على أنه ينبغي تمييز هذا القول عن أقوال تبدو مشابهة. ليست العلمانية إيديولوجية لأنه لا سلطة دينية في الإسلام (ثمة سلطة دينية في الإسلام، وإنكارها هو الإيديولوجية)، بل لأن وضع الإسلام مختلط وغير منظم، ولأن العلمانية تغطي على المشكلة الدينية ولا تقدم حلا لها. الواقع أنها تبدو معنية إما بتهميش الدين أو بفصله جهازيا وقسريا عن المجال العام، الأمر الذي لا يشكل أبدا خطوة على طريق استقلاله، إن لم نقل العكس. ما يكاد يقوله أكثر علمانيينا هو أن الدين هو المشكلة. هذا ينطبق بصورة خاصة على من وردوا بئر العلمانية من جهة العلم لا من جهة الدنيا والعالم أو السياسة والدولة. أعني من يناهضون الدين كاعتقاد لا الدين كتطلع للسيطرة السياسية. والموقف هذا غير سليم نظريا، وغير مفيد عمليا. لدينا مشكلة دينية، لكن ليس وجود الدين هو المشكلة (هل من حل غير فاشي إن اعتبرنا الدين هو المشكلة؟). بل يمكن للدين أن يكون جزءا من الحل. بيد أن دون ذلك إعادة تأسيس الدين كنصاب مستقل، قائم على الإيمان ونفي الإكراه.

يختلف هذا المنظور عن العلمانية الرائجة بأنه يؤسس الفصل بين الدين والدولة على دفاع عن ذاتية الدين واستقلاله وتكامله الذاتي، كما عن ذاتية الدولة واستقلالها وتكاملها. هذا شأن لا يتبينه حتى علمانيون غير معادين للدين ولا يعتبرونه هو المشكلة. يريد هؤلاء أن ينفصل الدين عن الدولة، ثم فليفعل بنفسه ما يشاء. لكن الدين الذي لا نهتم بمصيره، المتروك لشأنه، يمكن أن يتعلق برقبة الدول والمجتمعات ويخنقها. هذا يحصل الآن. وهو ما يعني أن الدين وتنظيمه وموقعه في الحياة العامة، وليس فقط فصله عن الدولة، هو ما ينبغي أن نهتم به كمثقفين وناشطين عامين. فلا نظنّن أنه يمكن أن ندخل العصر مع ترك الدين الذي رافقنا قرونا طويلة على بواباته. إن الإصلاح الديني، أي إعادة هيكلة الدين حول الإيمان ونفي الإكراه، وليس العلمانية، هو الإشكالية التي تستوعب هذه المسائل.

وبقدر ما أن استتباع الدين سياسيا وفساد الإيمان وجهان للواقع الحالي، فإن الإصلاح الديني واستقلال الدين وجهان للعملية التاريخية التي قد تقود إلى تثبيتنا في عالم لا يكف عن الانقلاب.

جون دارننك _سابقا_ **********
--------------------------------
dont ever kick sleep lion
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03520 seconds with 10 queries