النص الكامل للمحاضرة التي ألقيتها في منتدى د. جمال الأتاسي ل
النص الكامل للمحاضرة التي ألقيتها في منتدى د. جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي في دمشق يوم 2/4 / 2005
قبل الاعتقال
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر منتدى د. جمال الأتاسي على دعوتي، وأشكركم جميعاً على حضوركم، وآمل ألا أثقل عليكم، وأن تتسع صدوركم لما أن قادم على ذكره.
ابدأ من أعماق التاريخ والتراث، من أسطورة قديمة تحكي قصة الصراع من أجل الربيع بين إينانا ربة الأرض والحياة (الأم والأخت والعاشقة) وبين ربة الموت والعالم الأسفل على ملكية آلهة الخصب والربيع دموزي.. هذه إينانا العاشقة تحضر نفسها للقاء حبيبها:
من أجل دموزي اغتسلت
جدلت مع الغار شعري
صبغت بالكحل عيني
زينت بالقلادة عنقي
وبالعنبر طيبت ثغري
دموزي ضم خاصرتي براحتيه الواسعتين
وراح يداعبني
قبلته في شفتيه
وقدراً حلواً تمنيت له
إن موت الربيع وانبعاثه ليس جديداً على الثقافة والتراث السوريين، وهو قصة شعرية أسطورية تاريخية قديمة، كما أن النواح على الربيع المقتول المتجسد رمزاً في إله يمنح الخصب، ربما كان أقدم ألحاننا وأغانينا، واللطم عليه ما يزال قائماً بأشكال وصور مختلفة، أما عودته وإعادة بعثه فكان يتطلب صوماً وتضرعاً وتضحية وقرابين, تلك التي إذا لم تقدم توقفت دورة الحياة. في حين تترافق عودته بالرقص والفرح والمجون الجماعي.
فالأعياد والاحتفالات المحلية تعيد وتكرر تلك القصة الحزينة الحالمة بسعادة لا تدوم، وحلم لا يعمر طويلاً، وربيع سرعان ما يقتل، وتضحية وقرابين كثيرة من أجل عودته.. نعود للأسطورة:
انشقت الأرض فجأة..
وظهرت العفاريت
أما الذي قبل الشفاه المقدسة
فقد وجل قلبه
أو جس خيفه
فر للبعيد
اختبأ بين الأخاديد
كان فؤاده مفعماً بالدمع
صفق العفاريت بأيديهم
وراحوا يبحثون عنه
عفريت لحق بعفريت
فتلوا حبلاً من أجله
نجروا له عصاً
أحاطوا به من كل جانب
أمسكوه, قيدوه
عصبوا عينيه
ثبتوا بالمسامير كفيه
واقتادوه
إن مشى أمامهم
ضربوه
وإن سار خلفهم
اقتلعوه
غيلان متوحشون
ينتزعون الزوجة.. من فراش زوجها
والطفل الرضيع... عن صدر أمه
سريعاً
وصلوا به إلى المذبح
راحوا يدورون حوله
رقصوا رقصة الدماء
نطقوا بكلمات الغضب
صاحوا صيحة التأثيم
حدقوا بعيونهم..
عيون الموت
ترنح دموزي وتهأوى
خر على الأرض صريعاً
صار جثة هامدة
على جسده المقدس
لم يمد القماش
الأخت تأملت في جثة أخيها
تفجر الدمع من عينيها
خدشت وجنتيها
شقت ثوبها
مزقت فمها
صدر عنها نواح..
مر فوق السيد المسجى
أو اه..
أو اه يا أخي
أو اه يا أخي
الذي لم تكن أيامه طويله
أو اه يا أخي الذي جلب الحزن لأمه
أن تنام نومة قلقه..
أن تنام نومة أخيره
ولا تنهض
السماء ! مزقيها أيتها العاصفة
أقيمي مأتماً أيتها الصحراء
أيتها الرمال
أقيمي مأتماً
أقيموا مناحة
يا سراطين النهر
كلكم جميعاً أقيموا مأتماً دائماً
ولتنطلق من أمي
التي ليس عندها عشرة أرغفة
صرخة عويل
يراعة نبتت وحدها
تحني رأسها إليه
على مثواه الطاهر
لا ينسكب الماء
عند قبره
ما من لبن يسكب للفقراء
لم يبق ثمة لبن..
فاللبن كله قد شفطوه
أغنام الحظيرة:
تدب على الأرض بأقدام ملتوية
غيلان حيتان
سفاحون
ينقضون على كل شيء
وسرعان ما يبددون جثث ضحاياهم المذبوحة
ياسادتي"
أنا أسف إذا أزعجتكم
أنا لست مضطراً لأعلن توبتي"
هذا أنا
هذا أنا
هذا أنا
|