حقيقة أحداث غزة المغيبة.. لمصلحة من؟!
كما كان متوقعاً.. عادت الأوضاع في القطاع لكي تتفجر من جديد وعادت خطة الحرب على المجاهدين التي صيغت في أروقة الاستخبارات الصهيوأمريكية تترجم واقعاً على الأرض، وتنفذها أدوات فلسطينية تجردت من وطنيتها وأخلاقها وارتضت أن تكون طوع بنان أسيادها في تل أبيب!
وفي كل مرة تشتعل فيها أرض غزة ترتفع الأصوات من كل حدب وصوب نائحة متباكية على (اقتتال الإخوة) وعلى (بوادر الحرب الأهلية) وتمتلئ الساحة بمن هب ودب من الحريصين والغيارى، ومن الانتهازيين والمنافقين والجهلة أيضا..
وعبر تعدٍ سافر على الحقيقة التي تشي بها طبيعة الأحداث ومنحنى تطوراتها يأتي من يضع الفريقين المتواجهين في الخانة ذاتها ويرميهما بتهمة الصراع على السلطة ويغض الطرف جاهلاً أو عامداً عن الحقيقة الفجة التي ما عاد هناك مجال لإنكارها..!
فبداية الأحداث وتطوراتها اللاحقة حملت الكثير من الدلائل على أن الضوء الأخضر قد منح لعصابات الموت القديمة الجديدة التي أعدت لتكون يد إسرائيل الضاربة ظهر حماس وجندها بخناجرها المسمومة.
فحالة الهيجان الإجرامية التي انتابت صفوف ما يسمى بحرس الرئاسة لم تكن وليدة الصدفة ولا ردة فعل على حادث مفتعل، بل أتت بعد مرحلة طويلة من الحشد المادي والمعنوي ومن حلقات التنسيق مع الكيان الصهيوني لإخراج خطة محكمة تهدف إلى البدء بعملية (تطهير عرقي) لحماس.. فكراً وأفراداً وجنوداً ومؤسسات!
فهؤلاء الذي قارفوا عمليات القتل الميداني بحق العزل والأبرياء والملتحين ورواد المساجد وأعلنوا الحرب على حماس جهاراً نهاراً لا يمكن أن يكونوا مجرد إخوة سلاح زاغ سلاحهم قليلاً أو انحرفت بوصلته نتيجة خلاف عابر، بل هم مشروع جيش لحد الفلسطيني الجديد الذي أنيطت به المهام التي تناط عادة بأي فئة ترتضي لنفسها أن تمارس هذا الدور القذر كأداة للاحتلال وكدرع له في مواجهة المجاهدين!
فإسرائيل ومن خلفها أمريكا إذ أدركتا جيداً أن مواجهتهما المباشرة لحماس لا يمكن أن تؤتي أكلها، وإذ أدركتا أن الضغط على حماس من خلال الحصار السياسي والاقتصادي لن يفلح في تحقيق أهدافه لم يكن أمامهما من خيار سوى التوجه نحو خيار (عصابات الكونترا) أو (جيش لحد) لتصفية الحركة ميدانياً ومعنوياً.. ميدانياً عبر اغتيال كوادرها وقادتها على اختلاف مواقعهم وخصوصاً ناشطيها العسكريين، وصولاً إلى كسر شوكة القسام الذي بات رقم التحدي الأصعب في كل المعادلات، ومعنوياً عبر الدفع باتجاه تصوير ما يجري على أنه صراع على السلطة واقتتال داخلي أعمى مع ما يعنيه ذلك من إهدار لشعبية حماس وانتقاص من مكانتها في وعي الشعب وحضورها في الساحات الخارجية العربية والإسلامية.
ومن هنا كانت إسرائيل وأمريكا بحاجة لقوة منظمة وقائمة بذاتها تعد لذلك الغرض وتمد بكل أسباب الدعم والعتاد لتكون حاضرة لإشعال الساحة الداخلية في أية لحظة، فكانت الجرائم التي اقترفها حرس الرئاسة ومعه بعض الأجهزة الأمنية الأخرى وبعض العصابات المرتبطة بقادة معروفين في فتح تحمل مؤشرات تلك المؤامرة الخطيرة التي يجري تنفيذها على قدم وساق وإسنادها بكل أشكال الدعم المطلوبة من قبل إسرائيل.
غير أن الأخطر من المؤامرة بحد ذاتها هو أن إدراكها غائب عن كثير من العقول والأفهام التي تنبري ألسنة أصحابها لحرف الحقيقة عن مسارها وإطلاق توصيفات مغلوطة لما يجري وتحليلها على نحو بالغ التسطيح والإسفاف..
فكل من يحجم عن قول كلمة الحق المطلوبة في هذا المقام وكل من يثنيه خوفه عن وضع النقاط على الحروف وكل من يستغل الأحداث للبروز والتسلق ولعب دور انتهازي والظهور بمظهر الحريص على وحدة الصف هو شريك غير مباشرة في مؤامرة تصفية المقاومة وهو يعطي غطاءً جديداً لحفنة المجرمين والمأجورين الذين انتفى من عروقهم أي حس بالشرف والوطنية والأخلاق!
كان يفترض بكل الفصائل الفلسطينية وقادتها وكل الشخصيات الوطنية والمفكرين والكتاب أن يدقوا ناقوس الخطر منذ اليوم الأول الذي تم الكشف فيه عن معسكرات التدريب الأمريكية لحرس الرئاسة في أريحا، ومنذ أن فاحت رائحة الملايين الأمريكية المخصصة لدعم بعض الأجهزة الأمنية وتأهيلها لكي تكون نداً لخصمها وخصم إسرائيل المشترك وهو حماس، ومنذ أن افتضح أمر الخطط الأمريكية المختلفة التي أعدت للتعاطي مع الواقع الفلسطيني الناشئ عن فوز حماس في الانتخابات!
لكن قادة بعض فصائلنا العتيدة أعجبهم جداً امتهان دفن الرؤوس في الرمال والاكتفاء بالمزاودة عن بعد والمشاركة في تضليل الجماهير، وجبنوا عن قول الحقيقة كما هي رغم أنهم واعون جيداً لما يحاك ضد المقاومة ورأس حربتها حماس!
غير أن الخشية من المساهمة في زيادة رصيد حماس والحرص على تجنب استهدافهم من قبل تيار التآمر في فتح دفعهم لتبني موقف وسطي باهت لا يحمل من الوسطية والاعتدال غير الاسم بينما هو في الحقيقة موقف تضليلي أو انتهازي أو مزاود!
ولذلك فما من خيار أمام حماس، وقد تخلى عنها القريب والبعيد وتركت ظهور مجاهديها وحيدة في الميدان إلا أن تلقي بكل اعتبارات المجاملة جانباً وتصارح شعبها والعالم كله بالحقيقة كما هي دون مواربة أو ضبابية، ودون أن تكون مضطرة للعض على الجرح في سبيل من لا يفهمون رسالة مروءتها وكرم أخلاقها ولا يقدرون حرصها على الوحدة وصونها للدم.
فليست معركة حماس في مواجهة فتح كتنظيم، بل هي في مواجهة عصابات العمالة والسقوط التي انحرفت أول ما انحرفت عن خط فتح الأصيل وانساقت خلف حفنة متآمرة ومشبوهة من قادتها الذين نجحوا في اختطافها وأسلموا قيادتها ليد جهات خارجية معروفة!
وبالتالي فأي حديث عن وقف لإطلاق النار وإبرام لعقود المصالحة والتآخي سيظل طحناً للماء ما دام الكل متجاهلاً لحقيقة ما يجري على الأرض وطبيعة الطرفين المتواجهين، وطالما أن أحداً لا يجرؤ على تسمية الأمور بمسمياتها والإشارة بوضوح إلى الأجندة التي تحرك الطرف المواجه لحماس وتتحكم بخطواته على الأرض وتحدد له وجهته.
ولذلك كله فلم يعد مقبولاً من حماس أن تظل أسيرة ردات فعل محدودة على الحوادث التي تطال مجاهديها، بل إن أقل ما ينتظر من مثلها ممن كتب عليهم أن يخوضوا معركة طويلة مع أدوات الاحتلال ولحدييه الجدد أن تحدد لنفسها موقفاً واضحاً وأسلوب تعامل معلن مع عصابات المجرمين التي تعيث في الأرض فساداً وتحرق الأخضر واليابس، وأن تختط لنفسها نهجاً بيناً يفرق بين التعاطي مع أي خصم سياسي على الساحة وبين التعاطي المطلوب مع أية فئة أو عصابة إجرامية عميلة تقاتل الحركة بسلاح إسرائيل وتعمل وفق مخطط شامل يستهدف ما هو أبعد من إقصاء حماس عن مواقع السلطة، وما هو أكبر من مجرد تصفية حسابات فصائلية عادية!
لمى خاطر
إن تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن!
19 / 6 / 2007
|