الانتفاضة .. ليست مهنة
أذكر أن شارون، عند استقباله أول مرة كوندوليزة رايس، مستشارة بوش، صرح محاولا تجميل صورته وإثبات جانب "الجنتلمان" فيه : "لابد لي أن أعترف، لقد كان من الصعب علي أن أركز في التفكير أثناء كلامي معها، فقد كانت لديها ساقان في غاية الجمال" ما جعل صحافيا أمريكا يعلق "إذا كان جورج بوش يريد النجاح في عملية السلام، فعليه أن يرسل إلى إسرائيل كوندوليزة، مع قائمة طولية من الطلبات .. وتنورة قصيرة".
ربما كان البعض يعتقد مازحا آنذاك، أن ساقي كوندوليزة (التي ليست من "الموناليزا" في شيء) ستنجحان، حيث أخفقت في الماضي، الساقان الممتلئتان للسيدة أولبرايت.
أما اليوم فكل ما نخشاه، أن يتمكن "تايور" الحداد الأسود للسيدة كوندوليزة من إقناع عرفات بالتضحية
بالقائمة الطويلة لشهداء الانتفاضة، والجلوس للتفاوض، بعد كل هذه المآسي، على طاولة التنازلات والتنـزيلات الجديدة. وبرغم وعينا التام أن فرصة كهذه لا ينبغي لعرفات أن يفوتها، حتى يضع حدا لمبررات شارون لالتهام أبناء فلسطين، في كل وجبة غذاء، بذريعة أنه بذلك يخلص العالم من بذور الإرهاب، فإن شيئا شبيها بغصة البكاء يكمن في حلوقنا، لتصادف كل هذا بالذكرى الأولى لانطلاقة الانتفاضة "الثانية" في فلسطين.
وبرغم هذا، ليس من حقنا أبدا، أن نطالب شعبا يرزح وحدة تحت الاحتلال، ويرد بالصدور العارية، لأبنائه وبدموع ثكالاه وأيتامه، حرب إبادة وتطهير، أن يواصل الموت والقبول بكل أنواع الإذلال والتعذيب، ليمنحنا زهو الشعور بعروبتنا وقدرتنا على الصمود في وجه الأعداء، خاصة أن الانتفاضة لم تنفجر، حسب أحد المحللين، الا بعدما أصيب الفلسطينيون بالضجر من شدة تهذيب القرارات العربية، وبعدما تأكد لهم أن الدبلوماسية ليست أكثر من لجوء عربي للتمييز بين العار والشجاعة.
وعتاب فلسطيني الداخل لنا. وجهرهم بمرارة خيبتهم بنا، نسمعهما بعبارات واضحة كلما قصدتهم الكاميرا، أمام دمار بيوتهم، فتصيح النساء الثكالى باكيات "أين العرب ؟ أين هم ليرونا؟".
وحدهم هؤلاء الثكالى واليتامى والمشردون والتائهون بين القرى، المهانون أمام الحواجز الإسرائيلية كل يوم، من حقهم، أن يقرروا وقف الانتفاضة أو الاستمرار فيها.
أما نحن، "حزب المتفرجين العرب"، الذين نتابع مآسيهم كل مساء، في نشرات الأنباء فعلينا ألا نبدأ منذ الآن في سباق المزايدات والاستعدادات لعقد المهرجانات بمناسبة إتمام العام الأول للانتفاضة. فليس هذا ما ينتظره منا من يشاهدوننا في فلسطين، بعيون القلب، بينما نشاهدهم بعيون الكاميرا.
وقرأت أن الروائي الراحل إميل حبيبي، لاحظ الميل العربي إلى الاحتفال السنوي بالإنتفاضة الأولى، (التي انطلقت سنة 1987) فتساءل قائلا : "إن الانتفاضة هي فعل مقارعة للاحتلال، فهل تريدون عمرا طويلا للاحتلال نحتفل به كل سنة باستمرار الانتفاضة ؟".
ذلك أن الانتفاضة أصبحت وكأنها مبتغى في حد ذاتها، "والاحتفال بها" مساهمة فيها، بينما هي وسيلة نضال يراد منها الوصول إلى مكاسب وطنية. وهو ما يختصره قول محمود درويش في الماضي، " الانتفاضة ليست مهنة".
ولذا، على الذين يفكرون في امتهان "الانتفاضة" لبضعة أيام في السنة، أن يوفروا جهدهم وأموالهم، لمعالجةالمئات من جرحاها، والتكفل بإعالة الآلاف من ضحاياها. فبهذا وحده نختبر صدقهم، وبالإحسان لعائلات الشهداء. وليس بالكلام عن ضحاياهم ينالون ثوبا وأجرا عند الله.
أمام المواقف غير المتوقعة التي تضعنا فيها الحياة.
أحب أن يتبع المرء مزاجه السري,ويستسلم لأول فكرة تخطر بذهنه دون مفاضلتها أو مقارنتها بأخرى.
فالفكرة الأولى دائما على حق مهما كانت شاذة وغريبة لأنها وحدها تشبهنا.
.......
خلي حبنا يمشي ع المي وما يغرق
|