مسجّل
-- اخ طازة --
نورنا ب: |
Dec 2006 |
المطرح: |
حلب |
مشاركات: |
8 |
|
عدت إلى المنزل , وكانت الأفكار تجتاح رأسي , ومخيلات تطغى علي ,أأسرق من أجل العيد , ولكن ماالفائدة , لست لصاً , قد ينتهي الأمر بي في السجن , نعم السجن , هنالك الإقامة والطعام وكل شيء بدون مقابل , وصغاري , وأمهم , هل سأتركهم ليعاركون هذه الحياة !!؟؟؟ لا لن أتركهم لهؤلاء الذئاب , فأنا مازلت معهم , والكلاب تنهش بلحمنا , فكيف إذا رحلت عنهم!!!؟؟.
وعندما دخلت البيت , بدأت بحساب المبلغ مع زوجتي وكيفية تقسيمه لكي يكفينا , أقترحت أن نشتري لكل ولد من الأولاد بألف ليرة , ولكن الألف في هذه الأيام لا تشتري شيئاً , قليلة جداً , مما يعني بنطالاً وقميصاً وحذاءاً من أسوأ الأنواع , أما المعاطف فسوف نؤجل موضوعها حالياً, وقررنا أيضاً أن نزيد مبلغ أماني خمسمائة ليرة من أجل الفستان , المجموع أربعة ألاف وخمسمائة ليرة , وبعد جهد جهيد أقتنعت زوجتي بأخذ مبلغ ألف وخمسمائة ليرة لكي تشتري المعطف الطويل الموعودة به , فالمسكينة منذ أعوام عديدة لم تشتر شيئاً لها , والعيد قريب , قريب جداً .
ارتسمت الابتسامة على وجه زوجتي , وعندما بدأت بإعلام الأولاد أنهم ذاهبون إلى السوق , بدأت الابتسامات تحتل وجوههم , ابتسامات باردة لكنها عميقة , ابتسامات عبرت عن مدى فرحهم بهذا الفرج الموعود , وكما لو أن هذه الابتسامات هي شمس شتاؤنا بعينها , أشرقت على سمائنا بعد أمطار عنيفة , فأنا بنظرهم قد أحضرت مليون ليرة لكل واحد منهم , لكنني في الواقع لم أقدم شيئاً لهم , لم أحضر سوى القليل , فهذه هي جريمتي التي لم ارتكبها ولم أشهدها ...؟؟ّ!!!!
وبعد عودة زوجتي من السوق وشراء الحاجيات,بدأ الصغار يعرضون لي مااشتروا, ويلبسون وينزعون الثياب الجديدة , ويعاودن اللباس دون ملل , فباعتقادهم أنهم يلبسون أحسن الثياب وأفخرها , فهذه هي ثياب العيد , عيد الفقراء ,أما أماني فكما لو أنها عروس بثوبها الجديد , فقد أشرق وجهها وتوردت وجنتاها , بعد بكائها المرير الذي دام ليال طويلة , بكاء عبر عن أمنيات فتاة حالمة , تمنت أن تحظى ببعض من نعم الحياة , وزوجتي الصغيرة الكبيرة اشترت معطف بعد عناء طويل , وكانت فرحتها به تضاهي فرحة أولادنا .
أسيتيقظت في صباح اليوم التالي , لأتلقى صفعة قوية على وجنتي , فغداً هو العيد , و الآن أملك ألف ليرة , ونحن بحاجة إلى اللحم من أجل طبخة العيد, وبحاجة إلى ضيافة العيد ,وإلى مصروف العيد ومصروف باقي الشهر , وأنا أملك ألف ليرة فقط ..!!!
قررت شراء اللحم والخضار والفواكه وضيافة العيد بألف ليرة, ههههههههه , لكن هل ستكفي هذه الألف ؟؟؟حلمت بأن تتكاثر بالانشطار , وحلمت بأن تتضاعف , لكن كلما مددت يدي إلى جيبي لأتفقدها أراها على حالها وأدرك حينها سخرية القدر مني , وأدرك أنه لا يجب أن أسأل أحداً قرشاً فلن يلبني أي آدمي .
ذهبت في بادىء الأمر , إلى ملحمة للحم الخاروف , وقررت بيني وبين نفسي أن أحظى على قطعة كبيرة, لكنني تفاجأت بأن أقل قطعة أريد أقتطاعها يزيد سعرها عن ألف وخمسمائة ليرة فغضضت البصر عن لحمة الخاروف , وغضضت البصر عن اللقمة الهنية واللذيذة التي خططت لها ( لقمة العيد) , واستيقظت من أوهامي لأرى نفسي أمام باب ملحمة العجل الصغير , وأقتطعت اللحمة , ودفعت خمسمائة ليرة , وبعد عناء كبير حصلت على كيلو ونصف بخمسمائة ليرة فقط , فاللحمة يزيد سعرها وقت العيد .
والآن أنا بحاجة إلى الخضار والفاكهة وضيافة العيد , وما أملكه هو خمسمائة ليرة , وضيوفنا وأطفالهم كثر كحال كل الفقراء , مما يعني أنني بحاجة إلى أكثر من خمسمائة ليرة كحد أدنى للضيافة , ذهبت إلى السوق , وهنالك سمعت صوت ينادي , " ضيف خلقك بميتين ليرة بس " , سررت للخبر , لكنني بعدما ذقتها عرفت سبب صراخ البائع العالي......
وبعد مسيرة طويلة في السوق والتفتيش على أجود البضائع بأرخص الأسعار , استطعت أن أحصل على الضيافة بأربعمائة ليرة ,وكانت عبارة عن ثلاث كيلوات من الشوكولاته الساده , وكيلوونصف من السكاكر .
مئة ليرة , وأنا أريد شراء الموز لمحمد فقد وعدته بأن أشتريه له في العيد ,وأنا على هذا الوعد منذ عيدين حينها كان قد ذاقه عند بيت أختي سامية , وكلما ذكرني بالموز كنت دائم القول له " بالعيد يا بابا ".
يالله ماذا أفعل , كيلو الموز بستين ليرة , وأنا بحاجة إلى خضار أهم بكثير , وإن لم أشتريه سأصغر أمام ابني , كيف سأبرر له الأمر , يالله...
واشتريت بعض النعناع والبقدونس وكيلوا موز واحد , يحتوي على خمس موزات لا بأس بهم , أشكر الله أنهم خمسة , ممايعني لكل شخص موزة ماعداي , لكنني أنا الآخر أشتهي الموز , فمنذ مناسبات عديدة لم أذقه , لكن زوجتي وأولادي هم الأهم .
مازلت أشكر اللهً أن زوجتي قد أشترت منذ يومين حاجيات طبخة العيد , بعدما حظيت على مبلغ من أهل الخير كصدقة للفطر , وقبل عودتي للمنزل مررت بالإسكافي لكي أخيط نعل حذائي الذي آتيه به في بداية كل شهر, المسكين قد يأس مني ومن حذائي , وفي آخر مرة ذهبت فيها إليه , قال لي "اشتر حذاءاً جديداً , فحذاءك يناجيك أن تحيلة إلى التقاعد وأنا على استعداد أن أدفع ثمن الجديد هدية لك ".
كم هو بائس هذا الحذاء , يناجيني وأنا أزيد التعلق به , كل شيء يتعلق بي هو بائس حتى البنطال , الذي خدمني ومازال يخدمني منذ أكثر من عشرة أعوام ,يناجيني وأنا أزيد التعلق به , آه حتى العيد هو مؤلم بالنسبة لي وأنا عالة عليه , فأمثالنا من الفقراء هم عالة على العيد ولا يحق لهم أن يفرحوا به , هذه هي سنة الحياة , أن يحظى الفقير بقمامة الحياة وأن يحظى الغني بكل الحياة .
وأخيراً انتهيت من شراء الحاجيات , وعدت للمنزل لأرى الجميع نياماً , وفوق رؤوسهم لباس العيد , وضعت فوق رأس كل واحد منهم موزة , وأخذت زوجتي موزتها ووضعتها فوق رأس محمد الحالم بالموز , ليأكل موزتين ويهنىء بمذاق الموز اللذيذ .
استحممت وآويت إلى فراشي , لكي أنام هنيئاً بعدما أزحت من على صدري هماً كبيراً يدعى العيد , لكنني فوجئت بهمٍ جديد ولد لحظتها هو مصروف العيد, أما مصروف مابعد العيد فلا أودّ التفكير به الآن لكي لا أفسد حلمي بمرور العيد , خصوصاً انني لاأملك قرشاً واحداً .
بشير ميرة 17/10/2006
عطوني رأيكم بصراحة وبتمنى يكون نقدكم موجود , هي قصة من كتاباتي
أخوكم بشير
أصبحَ عندي الآنَ بندقيّه
إلى فلسطينَ خذوني معكم
يا أيّها الرجال..
أريدُ أن أعيشَ أو أموتَ كالرجال
أريدُ.. أن أنبتَ في ترابها
زيتونةً، أو حقلَ برتقال..
أو زهرةً شذيّه
قولوا.. لمن يسألُ عن قضيّتي
بارودتي.. صارت هي القضيّه..
|