العراق في العصر الإسلامي
(عصر الخلافة الزاهرة)
ظهر الإسلام والعرب متفرقون ومتفككون سياسيًا واجتماعيًا، وأجزاء كبيرة من أرضهم تحت الاحتلال؛ فقد بسط البيزنطيون نفوذهم على بلاد الشام ومصر والمغرب، بينما بسط الفرس نفوذهم على العراق واليمن، وتمتعوا بنفوذ سياسي واقتصادي في الخليج العربي.
ولكن الله سبحانه وتعالى أرسل لهذه الأمة الرسول الكريم النبي المختار محمد بن عبد الله ³ لينشر دينه ويعلي كلمته، واستطاع أن يقيم مجتمعًا إسلاميًا متكاملاً، وأن يحوله إلى قوة عسكرية تدافع عن مركز الإسلام في المدينة المنورة وتسعى لنشر الدين الجديد. وقد تمكن فعلاً من تحقيق هدفه في توحيد الجزيرة في كلمة واحدة، وسار على نهجه الخلفاء الراشدون في تثبيت سلطة الدولة والمحافظة على وحدتها، وخاصة بعد أن قضى أبو بكر على المرتدين وحافظ على الدولة الإسلامية، فقرر مواصلة الجهاد بدءًا ببلاد الشام. وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب حقق المسلمون انتصارهم على البيزنطيين الروم، وقرر الخليفة عمر كذلك إرسال الصحابي سعد بن أبي وقاص إلى العراق ضد الفرس، فانتصر عليهم في موقعة القادسية الشهيرة يؤازره المُثَنَّى بن حارثة الشيباني. وكان ذلك يوم 6 محرم 15هـ، 19 فبراير 636م. وهكذا أنهت معركة القادسية السيادة الفارسية في العراق. كما تابع المسلمون ملاحقة الفرس في بلادهم فدخلوا المدائن ونهاوند بعد معركة فاصلة، هزم فيها الفرس.
إدارة العراق في العصر الراشدي. بعد أن أتمت الدولة الإسلامية فتح العراق، أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية التي تعلو فيها كلمة الله، ويسود فيها الإسلام عقيدة ومنهجًا وشريعة. ويتساوى فيها أفراد الأمة في الحقوق والواجبات، ويعملون جميعًا وفق منهج القرآن والسنَّة النبوية من أجل قوة هذه الدولة ومنعتها.
كان الخلفاء الراشدون الثلاثة الأوائل يقيمون في المدينة، حيث نشأت دولة الإسلام، وحيث يقيم الصحابة الأولون الذين رافقوا الرسول ³ وجاهدوا معه في بناء الدولة وتثبيت دعائمها وتفهُّم الإسلام، وظل هؤلاء الخلفاء يقيمون في المدينة ما عدا الإمام علي كرم الله وجهه، الخليفة الرابع الذي أقام معظم أيام خلافته في الكوفة، فكان يشرف خلال ذلك على شؤون العراق مباشرة، ولما انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان أصبح مركزها دمشق، في بلاد الشام، وانحصرت الخلافة في الأسرة الأموية، وأصبح الخليفة يختار ولي عهده ثم يدعو الناس لمبايعته، بينما كانت مبايعة الخلفاء الراشدين تتم في المدينة.
الأقسام الإدارية. منذ ضم العراق إلى الدولة الإسلامية كان يعين فيه واليان: أحدهما على الكوفة، والثاني على البصرة. ويسمى كل منهما أميرًا وكان كل أمير مسؤولاً عن إدارة المناطق التابعة له، كما أنه كان مسؤولاً عن الأمن والاستقرار في ولايته، وعن جباية الخراج وحل المشكلات. وقد اعتمد الأمراء في تعزيز سلطاتهم على قوات من الحرس أو الشرطة كانت لها تنظيمات خاصة، وتتبع الأمير وتعمل على تنفيذ أوامره. ولما كان معظم السكان في الأمصار عربًا من الجزيرة، فقد احتفظوا بتجمعاتهم القبلية، وعُـيّن لكل قبيلة عريف مسؤول عن الأمن والنظام.
كان في كل من البصرة والكوفة قاض من العرب يعينه الأمير لينظر في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية الخاصة بالزواج والطلاق والميراث، وكذلك ما يتعلق بمعاملات البيع والشراء والتجارة وغيرها. أما القضايا المتعلقة بالأمن والجنايات فكان ينظر فيها الأمير أو صاحب الشرطة. كما عين المحتسب للإشراف على معاملات السوق والأوزان والمكاييل. وقسمت الكوفة إلى أربعة أقسام كبيرة والبصرة إلى خمسة، كل قسم يضم عدة عشائر ولكل عشيرة رئيس يتم اختياره من ذوي المكانة الرفيعة عند العشائر، ويقر الخليفة اختياره، ولهؤلاء الرؤساء سلطة كبيرة مستمدة من مراكزهم الشخصية والاجتماعية ومن الواجبات الملقاة على عاتقهم؛ فكانوا ينظرون في شؤون عشائرهم، ويمثلون هذه العشائر ومصالحها أمام الأمير، ويقودون مقاتلي قبائلهم في الحروب.
تقرر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب إنشاء ديوان في كل من الكوفة والبصرة لحفظ السجلات الخاصة بالدولة وينقسم الديوان إلى قسمين هما: ديوان الخراج وديوان الجند. أما الأول فيشمل السجلات المتعلقة بالجبايات والخراج، وأما الثاني فيشمل سجلات الجند وأسماءهم وعائلاتهم ومقدار عطائهم. ويشرف على كل ديوان رئيس له صلاحيات واسعة في إدارته وتنفيذ القرارات.
عمل المسلمون على إنعاش المدن ونموها وذلك عن طريق تيسير نقل السلع ونشاط التجارة بين مختلف مراكز الدولة، وكذلك تأمين حرية الأفراد في التنقل والعمل. كما تطلبت الأوضاع الجديدة للدولة بأن يكون العراق قاعدة للفتوح الإسلامية في المشرق، فاتخذت الدولة مراكز جديدة تقيم فيها حاميات عسكرية لحماية حدود الدولة واستتباب الأمن. ومن هذه المراكز الكوفة والبصرة وواسط، وقد تطورت وأصبحت مراكز حضارية ومواطن لحياة مدنية نشيطة. وبذلك حلت هذه المراكز محل المدائن والأنبار.
الحركة الفكرية وموقف الإسلام من العلم. عمل الإسلام بالنص القرآني والسنة على تنقية الحياة الفكرية العربية من عوامل التخلف والخرافة، وأخذ يدعو إلى استخدام العقل والحواس للتأمل في مظاهر الكون والحياة، كما حثهم على التعلم المنظم والقراءة.
وقد نشطت الحركة الفكرية في البصرة والكوفة، فقد نزل عدد كبير من الصحابة، من أبرزهم عبد الله بن مسعود وعلقمة والأسود والحارث بن قيس وسعيد بن جبير وغيرهم في الكوفة. أما البصرة فقد ضمت أبا موسى الأشعري وأنس بن مالك والحسن البصري. وقد برز أهل العراق في اللغة والنحو، وظهر فيه مذهبا الكوفة والبصرة في النحو. وقد اتسم النشاط الفكري في العراق بطابع الإعلاء من شأن العقل والرأي، ولذا فقد عرفت المدرسة الفقهية التي ظهرت في العراق باسم مدرسة الرأي.
وأهم العلوم التي نالها الاهتمام: تفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية والنحو. وكان من أبرز علماء النحو واللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي والكسائي والأخفش وسيبويه الذي كان كتابه في النحو مثالاً يحتذى في التأليف.
العراق تحت الحكمين الأموي والعباسي. أدرك الخلفاء منذ أيام عمر بن الخطاب مكانة العراق المتميزة وأحواله الخاصة؛ فكانوا يختارون لولايته أقدر الرجال، وأدعاهم لشؤون أهله. كما بذل الأمويون جهودًا كبيرة لتأمين سيطرتهم على العراق، ولكنهم لم يفلحوا في كسب ود الناس. وكثر المعارضون للحكم الأموي واتخذوا من العراق قاعدة للمعارضة التي نادت بجعل الخلافة في آل البيت، ونجحت المعارضة في النهاية في الثورة على الأمويين بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي كان يعمل لصالح العباسيين وانتهت الثورة بانتصار العباسيين، على الأمويين، وبذلك انتقل الحكم إلى البيت العباسي، الذي اتخذ من بغداد عاصمة للدولة العباسية في زمن أبي جعفر المنصور. واستقر الحكم العباسي في أسرة واحدة لمدة تزيد على خمسة قرون.
ومهما يكن من أمر فإن الأمويين قد قاموا بتوسيع الدولة الإسلامية العربية حتى وصلت حدودها إلى الصين شرقًا وفرنسا غربًا، بينما ازدهرت الحياة العلمية والفكرية والحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية.
فقد حرص العباسيون، الذين ينحدرون من سلالة العباس عم الرسول ,صلى الله عليه وسلم على العناية بالأمور الدينية، فاهتموا بخطبة الجمعة والقيام على الحج، وعنوا بالجوامع وتوسيعها، واهتموا بفرائض الإسلام وشعائره.
ويمكن القول بأن الدولة الإسلامية، وعاصمتها بغداد، شهدت في العصر العباسي ازدياد نمو المدن وازدهار الحياة المدنية وانتعاش الصناعة والتجارة، وارتفاع مستوى المعيشة. كما ساعد على ازدهار الحياة الاقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، استتباب الأمن وحرية العمل والتنقل في الدولة. وقد شهدت البلاد حركة فكرية واسعة فظهر عدد كبير من العلماء والمفكرين الذين عنوا بعلوم الدين، والآداب والمعارف والعلوم الدنيوية في مختلف فروعها ونشطت حركة العمران والتأليف. لكنه في الوقت نفسه ظهرت بعض الأفكار والمعتقدات الغريـبة على الإسلام كالخرمية والشعوبية والزندقة والمانوية والمزدكية.
أنا الدمشقيُ لوشرحتمُ جسدي*** لسـالَ منـه عناقيـدٌ وتفـاحُ
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات،
وخمسة أسماء وعشرة ألقاب،
مثوى 1000 ولي ومدرسة عشرين نبي،
وفكرة خمسة عشر إله .