يا عُلماء العراق.. سامحونا
في عروبة سابقة، خفت على نفسي من مصير صديقتي زينب، التي أوصلتها حماستها القومية المتطرفة، على الطريقة الجزائرية، إلى قسم علاج الأورام السرطانية في مستشفى باريسي، حتى إن الطبيب الذي شخّص مرضها، قال لها بكل جدية: "أنتِ يا سيدتي، مصابة بسرطان صدّام حسين". وذلك بعد أن رآها لا تفارق جهاز الراديو حتى في غرفة العمليات، وما تكاد تستيقظ حتى تطلبني لتسألني.. عمّا حدث أثناء غيبوبتها.. وهل قصف العراق إسرائيل بصواريخ "سكود".. أم أميركا هي التي ستقصف العراق؟
الأكثر إيلامــــاً أن أميركا، التي تُباهي بعلمائها، وتنكّس الأعلام حداداً عليهم عند انفجار المكوك "كولومبيا"، لا تريدنا شركاء لها، حتى في الحزن، ليس فقط لأنها أعظم من أن يشاركها البشر فاجعتها، بل لأننا أكثر شرّاً ووحشية وتخلّفاً من أن نُقدِّر قيمة العلم، أو نُجلّ العلماء. إننا قوم لا يأتمن المرء علماءهم، حتى على فنجان قهوة يحتسيه في ضيافتهم، حتى إن كبير المفتشين الدوليين السابق في العراق، قال في تصريح له عن العالمة البيولوجية العراقية رحـــاب طــــه، المرأة المسؤولة عن البرنامج الجرثومي في مشروعات التسلّح العراقية المفترضة: "ليس من مصلحة المرء أن يُغضب مثل هذه المرأة، ولو كانت زوجتك لوجب عليك الحذر من قهوة الصبــــاح"!
ولا أدري، أيجــــب أن نفرح أم نحزن، لأن ريتشارد سيرتزل، الخبير السابق، طمأن البشرية مؤخراً بأن رحـــاب طـــه، هي الآن مجرّد ربّــة بيت بدوام كامل.. "وكأن لسان حالها، قول شكسبير على لسان ماكبث: اطرح العلم للكلاب، لم أعد أريده"!
صديقتـي التي تعمل باحثة في الأمم المتحدة، أخبرتني وهي تحتبس دمعة في عينيها، أن مليون عالم عربي يعيشون في المنافي الاختيارية أو القسرية، واضعين خبرتهم وأدمغتهم في خدمة الغرب، الذي أوصل أحدهم حتى جائزة نوبــــل للفيزيــاء.
غيــر أنَّ الذي أبكاني، هو مقــال مطوَّل لأحد علماء العراق، المقيم حالياً في كندا، بعد أن كان مسؤولاً خلال عشر سنوات، عن البرنامج النووي العراقي. وما كان حزنه على ما آلــــت إليه القُدرات النووية العراقية، التي أنفق عليها العراق مليارات الدولارات، وتلك الأبحاث التي أخذت أعواماً من عمر خيرة العلماء وأكثرهم نبوغاً، بل ما آلـــت إليه ألــوف الكوادر العلمية، التي بين الأسلحة المحظورة والكرامة المهدورة، وجدت نفسها مهددة، لا في لقمة عيشها فحسب، بل وفي حياتها وكرامة مكانتها، مرغمة على تسليم أبحاثها حتى يتمكّن سادة الحرب بعد ذلك من رفعها في آلاف الصفحات إلى أميركا، لتلمّع بها حذاءها في مجلس الأمن.
العلماء العراقيون مخيَّرون اليوم بين أن يكونوا عملاء، أو شهداء. فالذي نجا منهم من مكائد "الموســـاد"، ولم يتم اغتياله، ليس أمامه سوى أن ينتحر. وهو ما قد تطالب به أميركا العراق قريباً، كشرط تعجيزي آخر، إذ لم تعد التهمة وجود أسلحة نووية، بل علماء عراقيين قادرين على إنجازها.
قبل أن تطلق أميركا وابــــل قنابلها علينا، لقد أطلقت النـــار على رأس هذه الأمــة، في محاصرتها بيوت علمائنا، وانتهاكها حُـرمــة حياتهم، والتحقيق معهم كمجرمين، دون مراعاة لمكانتهم العلمية.
سقطــت آخــر قلاع كبريائنا، يوم أُهين علماؤنـا مرتين: مـرَّة بمذلّــة العــوز والحاجـــة، ومــرَّة بمذلَّــة عالِـم أُجبر على الاعتذار لعـدوِّه عن عُمــر قضــاه في البحث العلمي، خدمة لِمَا ظنَّـهُ مصلحة وطنيَّة.
وبالمناســة، في إمكـان جـــورج قـرداحـــي، أن يضيـف سؤالاً جديداً إلى برنامجه "مَــن سيربـح المليون"، هو: "كــم في اعتقادكم يُعــادل المبلغ التقاعدي، الذي يتقاضاه شهرياً عالــم عراقي اليوم؟: 2000 دولار/ 200 دولار/ 20 دولاراً/ أو.. دولاران؟".
لا حاجـــة إليكــم للاستعانـة بصديــق.. بــل بمنديـل للبكاء، لأنَّ الجــواب الصحيح هو دولاران.
أتحدَّاكــم ألاَّ تجهشــوا أمام هــذا الرقــم باكيــن!
احلام مستغانمي
أمام المواقف غير المتوقعة التي تضعنا فيها الحياة.
أحب أن يتبع المرء مزاجه السري,ويستسلم لأول فكرة تخطر بذهنه دون مفاضلتها أو مقارنتها بأخرى.
فالفكرة الأولى دائما على حق مهما كانت شاذة وغريبة لأنها وحدها تشبهنا.
.......
خلي حبنا يمشي ع المي وما يغرق
|