حتى لا يبقى اعلان دمشق مجرد وعد . البقية
إن فشل القوى الوطنية في الوطن العربي في تغيير هذا الواقع الذي يكاد يكون شاذاً في العصر الحديث لا يقلل بأي حال من الأحوال من النضالات الهائلة التي قدمتها كوادر تلك القوى كما أن التجربة المريرة قد تفرز قوى أكثر صلابة وأعمق وعياً للحفاظ على النسيج الاجتماعي، وبالتالي يجب أن لا نقلل من التضحيات العظيمة بدءاً من شهداء الاستبداد وصولاً إلى خريجي المعتقلات والزنازين وانتهاء بأولئك الذين مازالوا وراء القضبان حتى الآن... فتلك النضالات والتضحيات هي التي تفرش الطريق إلى الحرية...ولكننا بالإشارة إلى الواقع المرير نعبر عن واقع الحال وندعو على التمرد على اليأس والإحباط بتضافر الجهود كافة من القوى كافة، من الشخصيات كافة، من الأفراد، من الجماعات، من الشلل الصغيرة إلى الكتل الأكبر حجماً للخروج من المأزق التاريخي الذي تعاني وهنا بالضبط تكمن الأهمية الحقيقية لإعلان دمشق الذي نجتمع اليوم في إطار تفعيله وما أسسته، وهنا وفي هذه النقطة بالذات لابد من مصارحة الإخوة والرفاق والأصدقاء والأعزاء في الأحزاب السياسية المنضوية تحث سقف إعلان دمشق للتعامل بشكل مختلف مع الإعلان ومؤسساته فلتلك الأحزاب مؤسساتها وإعلامها وكوادرها التي تعبر عن أهدافها وتطلعاتها من جهة، وان تلك الأحزاب يجمعها تحالف معلن وفاعل يسمى التجمع الوطني الديمقراطي تتبع له مؤسسات وله إعلامه وماكينته السياسية الخاصة وهي تعبر باقتدار عن هذا التحالف من جهة أخرى، وبالتالي فإن هيكلية إعلان دمشق وفق المؤسسات الحزبية أو اعتباره ساحة للصراع والتنافس بين الأحزاب هو بالإضافة إلى كونه إعدام لإعلان دمشق فهو تكرار لا ضرورة له لوضع الأحزاب أو التجمع الذي يمثل تحالفها، هذا يعني أن مؤسسة إعلان دمشق يجب أن تستند على قاعدة مختلفة للتوسع الأفقي والعمودي في المجتمع بهدف إعادة المجتمع إلى الحياة السياسية، والفعل السياسي الإيجابي، لقد جاء إعلان دمشق لتنضوي تحت لواءه الأحزاب والمنشقين عنها والشخصيات المستقلة والمجموعات التي نمت على هوامش الأحزاب وانشقاقاتها، وبالتالي فإن إعلان دمشق مثل وعداً يقوم بلم الشمل لكافة فعاليات المجتمع على تنوعها بمعنى أن يكون إعلان دمشق حاضنة حقيقية وفاعلة لقوى التغيير الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي غادرت ساحة العمل السياسي إما بدافع الخوف من القمع أو بدافع اليأس والإحباط، ذلك أن الكلمة الفصل في نجاح إعلان دمشق أو فشله تكمن هنا في هذه النقطة بالذات، وهي نجاح الدعوة إلى النفير الشعبي العام لإنقاذ الوطن والعودة إلى الطريق الرحب المؤدي إلى الحرية والتقدم والديمقراطية.
إن هذا يتطلب ونقول ذلك بكل التصادق والاحترام والتقدير للقوى السياسية المنضوية تحت لواء إعلان دمشق، يتطلب أن لا تفكر تلك القوى السياسية المنضوية تحت لواء إعلان دمشق بفرض الوصاية عليه، أو استخدامه ساحة للصراع بين بعضها البعض، وإنما عليها أن تنضوي تحت رايات إعلان دمشق، لا أن ينضوي الإعلان تحت راياتها، فالإعلان جامع لها مع آخرين، وهو عقد أكثر اتساعاً وشمولاً من أي حزب بمفرده ومن أحزاب التجمع مجتمعة، ونحن لا نقول هذا الكلام من باب التنظير أو التحدي وإنما نقوله من باب التعامل الإيجابي مع الواقع، وبعد قراءة بعض الأوراق المقدمة لهيكلية إعلان دمشق، نقول وبتصارح صادق يجب أن يكون مفهوماً منذ البداية أن إعلان دمشق هو مظلة للجميع... جميعاً، ومعاً ملزمون وملتزمون بتنفيذ قرارات مؤسساته وليست مؤسسات الإعلان صدى أو ملزمة بتنفيذ قرارات بعض المنضوين تحت لوائه وهذا يعني عملياً وواقعياً أن مؤسسات الإعلان يجب أن تكون ذات شخصية اعتبارية سيدة قراراتها، وقراراتها ملزمة لجميع المنضوين تحت لواء إعلان دمشق من أول الأحزاب إلى آخر الأفراد، وإذا كان من حق الذين يمثلون الأحزاب المنضوية تحت راية الإعلان أن ينقلوا إلى مؤسسات الإعلان رغبات من يمثلون، لكن وبعد أن تناقش مؤسسات إعلان دمشق مجمل الأفكار الواردة إليها، وتتخذ قراراتها بالتصويت وبأكثرية الأصوات حصراً، فإن تلك القرارات تصبح ملزمة لجميع القوى والأحزاب والشخصيات والفعاليات المنضوية تحت راية إعلان دمشق سواء التي صوتت مع أو ضد، وعلى الذين يمثلون أحزاباً في مؤسسات الإعلان أن ينقلوا هذه القرارات إلى أحزابهم التي يمثلونها للانسجام معها... فالأجزاء تنسجم مع الكل وليس العكس.. والكل هنا هو إعلان دمشق، إن هذا بالغ الأهمية للتفعيل الحقيقي لإعلان دمشق، وان هذا يجب أن يدخل في وضع اللوائح التنفيذية لاختيار أعضاء المؤسسات في إعلان دمشق وتحصينهم من أي تعسف، حتى من تعسف القوى التي يمثلونها.
- القضية الثانية بالغة الأهمية وهي ترتبط بما تقدم وتستند إليه تتعلق بوضع خطط حقيقية وفق جداول زمنية محددة للانتقال بمؤسسات إعلان دمشق من الوضع الراهن على مؤسسات ديمقراطية حقيقية رغم صعوبة الظروف وهذا ممكن بوضع هيكلية مرنة لا مركزية تبدأ ببناء مؤسسات الإعلان من القاعدة على القمة وليس العكس وذلك ببناء الوحدات الأساسية في إحياء المدن والقرى في الأرياف صعوداً إلى مؤسسات الإعلان العليا ومن الهام هنا التأكيد على أن القرارات للتعامل مع الواقع تصدر عن الوحدات الأساسية وان المؤسسات العليا تقوم بشكل أساسي بدور تنسيقي في الأساس، إن هذه المرونة وتلك اللامركزية في غاية الأهمية لتوسيع قاعدة إعلان دمشق في الاتجاهات كافة.
- القضية الثالثة وتتعلق بالفهم العميق لدور إعلان دمشق الذي يقع على كاهل مجلس ادارته تفعيله، وتحديد المراحل الزمنية اللازمة لذلك.. وفي هذا المجال نريد أن نؤكد ونطمئن القوى السياسية والأحزاب المنضوية تحت راية الإعلان أننا لا ننظر إلى الإعلان على انه بديل للأحزاب السياسية المنضوية تحت راية الإعلان، ولا ننتظر منه ذلك فلا بديل لوجود أحزاب سياسية قوية وفاعلة للنهوض بالحياة الديمقراطية في البلاد وبالتالي فإن الإعلان هو حاضنة لتنمية تلك الأحزاب وتصليب عودها، واتساع انتشارها على مساحة الوطن، وبالتالي فإننا نفهم أن إعلان دمشق ذو طبيعة مرحلية فرضته عقود الاستبداد المريرة التي أضعفت البنى الحزبية، وان دور الإعلان ومؤسساته هو دور مؤقت لفترة زمنية محددة يحافظ خلالها على الترابط الاجتماعي والسياسي وحماية النسيج الوطني من الخراب وبالتالي صياغة عقد اجتماعي مكتوب وشفهي بين مكونات المجتمع كافة وصولاً إلى دستور سليم يحقق الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين كافة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وصندوق اقتراع سليم، وحكومة تشكلها الأغلبية التي يختارها الشعب، وهذا سيؤدي من حيث النتيجة إلى بناء حياة سياسية سليمة وإلى أحزاب ذات بنى سياسية سليمة تعرف كيف تحكم وتنفذ برامجها التي اختارها الشعب على أساسها وإلى أحزاب تعرف كيف تعارض إذا فرضت عليها الانتخابات أن تكون في صفوف المعارضة لا أكثر من ذلك ولا اقل، باختصار شديد عندما نصل إلى محطة النظام الديمقراطي فإن إعلان دمشق سيكون قد أدى دوره وسيخلي الساحة للأحزاب السياسية وبرامجها للتنافس الوطني والحر لبناء وطن حر مستقل، وهكذا يجب أن يكون حاضراً في الذهن أن مؤسسات إعلان دمشق هي مؤسسات ذات طبيعة مرحلية تنتهي بقيام نظام حكم ديمقراطي سليم...وليتنافس بعدها المتنافسون وليتقدم الجميع إلى الشعب كل ببرنامجه والشعب هو صاحب القرار الأول والأخير.
- القضية الرابعة وتتعلق بالمعارضة في الخارج... وفي هذا المجال نقول أن عقود الاستبداد وقمع الحريات في الداخل أدى إلى وجود جماعات وأفراد وشخصيات معارضة في الخارج سواء بالإبعاد القسري، أو الابتعاد الاختياري وان هذه القوى وتلك الشخصيات تمتلك إمكانيات ومقدرة على الحركة تشكل رافداً مهماً لعملية التغيير الديمقراطي المنشودة وبالتالي لابد من صياغة أسس وبناء مؤسسات مرنة ولا مركزية للتعامل والتنسيق لتصب جهود المعارضة في الخارج في سياق العملية الديمقراطية في الداخل، وهذا يتطلب أولاً صياغة عقد معلناً وشفافاً بين جناحي المعارضة على أن تنسجم ممارسات واتصالات تلك القوى والجماعات في الخارج مع الأهداف المعلنة لعملية التغيير الديمقراطي، والقضية الأساسية التي يجب إعلانها والتوافق عليها دون مواربة هي أن تلتزم تلك الجماعات والقوى والشخصيات في الخارج مبدأ التغيير الوطني، أي أن يكون التغيير صناعة سورية وبأجندة سورية وبعد ذلك فليجتهد المجتهدون، فنحن في سورية وفي الخارج نرفض أن نكون فقرة في أجندة أية دولة أجنبية أياً كانت وتحت أي ذريعة كانت، فالمنطلق والغاية هو مصلحة الشعب في سورية، وحقه في الحياة الحرة الكريمة الديمقراطية.
- القضية الخامسة وتتعلق بالتعامل مع العالم دولاً ومؤسسات دولية ومجتمعات مدنية، وفي هذا المجال لابد من التأكيد على أن الانعزال عن العالم في هذا العصر هو وهم وهراء، لكن المعيار الذي يجب أن نلتزمه ونلزم أنفسنا به هو أن تكون لنا برامجنا الوطنية، وأهدافنا الوطنية ومنطلقاتنا الوطنية وان نتعامل مع العالم دولاً ومؤسسات دولية ومجتمعات مدنية على هذا الأساس وإذا كانت العلاقات بين الدول تقوم على التقاء المصالح فإن مؤسسات إعلان دمشق ستحدد علاقاتها مع العالم دولاً ومؤسسات دولية ومجتمعات مدنية وفق مصلحة الشعب في سورية، وإذا كنا نرفض الرضوخ للاستبداد القادم من الداخل فمن باب أولى أن نعلن أننا نرفض كافة أشكال الهيمنة والغزو القادم من الخارج تحت أي لبوس كان.. بل أن السعي لقيام نظام ديمقراطي يؤمن حقوق المواطنة لجميع المواطنين هو الضمانة الوحيدة لمجتمع قوي قادر على صد الضغوط الخارجية والصمود في وجه الغزو الخارجي إذا فكر فيه أياً كان في هذا العالم.
- القضية السادسة وتتعلق بالاختلاف الطبيعي القائم بين مكونات إعلان دمشق، وهذا الاختلاف صحي وطبيعي وإيجابي إذا تم التعامل معه بلغة الحوار والانفتاح على الرأي الآخر وتصويب الأخطاء، لكن هذا الاختلاف يمكن أن يتحول إلى خلاف مدمر إذا تحول إلى عصبيات ومصالح ذاتية ضيقة، وبالتالي من المهم جداً الخروج بصياغة محددة لعقد ملزم لنا جميعاً يضمن تهذيب الخطاب السياسي وتهذيب لغة الحوار والدعوة إلى الكلمة السواء والابتعاد عن كل ما يمت إلى الإقصاء أو الاستئصال بصلة، والتأكيد على أن المرحلة ليست مرحلة صراع على السلطة وإنما هي مرحلة بناء مناخ ديمقراطي سليم، ثم التنافس يأتي لاحقاً.. يجب أن نتفهم جميعاً متطلبات السير على الطريق إلى الحرية فهذا الطريق رحب وواسع يتسع إلى الجميع دون استثناء، وان التنافس والتسابق عليه مشروع بل ومطلوب ويجب أن يكون متاحاً للجميع، لكن الصدام بين القوى على هذا الطريق لا يؤذي القوى المتصادمة فقط وإنما قد يغلق الطريق أمام الآخرين وبالتالي فإن من مهمات مجلسكم الموقر وضع الأسس لمنع الاصطدامات المدمرة بين القوى الساعية إلى الحرية... فلكل مقدرته، وكل يسير بالسرعة التي هي في حدود طاقته.
إن ما تقدم مجرد عناوين من اجل التفاعل الخلاق مع الأفكار والرؤى المقدمة من قبل الاعلان علنا نصل معاً إلى صياغة إيجابية لمؤسسة إعلان دمشق ليكون الرافعة لمكونات المجتمع وليكون الحامل الحقيقي للنهوض إلى مجتمع حر وديمقراطي.
حبيب عيسى
لا صراع حضارات بل صراع كيانات سياسية فالثقافات
لا تتناحر وإنما تتفاعل.....والحضارات لا تتصادم وانما تتلاقح.
......understood seek first to understand then to be
|