كما يعود فشل هذه الأحزاب وبرامجها وخطابها لعدم مقدرتها على التواصل مع الناس أو التعبير عن همومهم، ولتعاليها عليهم وعدم احترامهم لأنها تعتبر نفسها نخبة عارفة بمصالح الناس أكثر منهم. وتقر هذه الأحزاب ببعض الفشل على هذا الصعيد لكنها تعزوه بشكل مطلق إلى قمع السلطة ومنعها من العمل العلني وتخويف الناس من تأييدها والالتفاف حولها. لكنني أعتقد أن هذا ليس السبب الرئيسي رغم أهميته ودوره، فالأحوال الآن تتيح للسياسي من قول رأيه بالكثير من الوضوح والصراحة ضمن أوساطه الاجتماعية. ومع هذا لم نلحظ أي تطور أو تقدم في كسب المعارضة أي تأييد شعبي. وأرجّح أن السبب الأهم هو اعتياد السياسيين الناشطين الآن على العمل السري ولم يتمرسوا بالنشاط العلني. فالنشاط السري أهون وأسهل كونه لا يضع أمام السياسي سوى تحد واحد هو الاختفاء عن العيون الأمنية، ولا يحمله أية مسؤولية سوى المحافظة على ذاته بعيداً عن قبضة المخابرات. وحتى هذا الخطر هو مؤجل إلى أجل غير مسمى، وقد لا يتحقق حسب ظن الناشط الذي يكون في الأغلب بعمر الشباب، إذ يشكل العمل السري بالنسبة له إغراء بحد ذاته. هذا العمل الذي لا يتطلب مهارات أكثر من إتقان كتابة بيانات حماسية غير مسؤولة ورشاقة في توزيعها، وإجادة اقتناص أفراد واقعين تحت أزمات راهنة لجرهم أو لجذبهم إلى التنظيم، حيث لن يكون من السهل عليهم الانسحاب منه لاحقاً خوفاً من التشهير والاتهامات السفيهة التي سيلاحقهم بها هذا التنظيم، وما زال هذا العرف ساريًا حتى الآن وبأثر رجعي.
