قضايا و آراء
مواجع الوطن مروان حبش
إن فقدان الذاكرة التاريخية يشكل فجوة في معرفة الحقيقة والحكم عليها , و هذا لا يعني أن نصبح عبيدا للتاريخ ، ولكن مقدمة هذه المقالة تتحدث عن حزب وحكم حزب مختلف جدا عن النظام وحزبه الذي نعرفه اليوم .
وقد يكون نقدي فيه قسوة ولكنه دون بغض ، وفيه صرامة ولا أظن أن فيه ظلما . كما أن النقد ورؤية العيوب لا يحتمان إشاحة النظر عن الحقيقة الإيجابية ، والأمل دائما بالإيجاب لا بالسلب ، والسلب ذاته دائما على أساس الإيجاب .
بعد حوادث 18 تموز المؤلمة وانسحاب الرئيس ناصر من ميثاق 17 نيسان 1963‘ وجد حزب البعث نفسه وحيدا في السلطة ، ولم يكن أمامه إلا خيار بناء تجربته الخاصة ، وقرر الحزب في سورية في مؤتمره القطري الأول أن ما قام به العسكريون في 8 آذار هو انقلاب وعلى الحزب تحويله إلى ثورة بكل ما تستوجبه الثورة من تحويل جذري على كل الأصعدة وفي كل الميادين وما تزخر به من معان وبكل ما يصاحبها من صراع ومن مشاق يجب اجتيازها ‘ والحزب الذي ( لم يكن حركة سياسية فحسب وإنما حركة حضارية شاملة ) تبنى في مؤتمره القومي السادس المنهج العلمي في تحليله للواقع العربي بشكل عام ، ولواقع القطر السوري بشكل خاص ، وقرر المؤتمر أن الحزب لن يستطيع التغلب على المشاكل إلا إذا توفرت لديه أخلاقية عالية ولا تجمعه بالواقع الفاسد أية رابطة ، وأن تتحقق الفضائل في أخلاق أعضائه ، وفي أسلوب أدائهم وفي وسيلتهم نحو تحقيق أهدافه ، ولا يمكن للحزب أن يكون متماثلا مع واقع فاسد ، وأدرك المؤتمر ( أن حزبنا إذا لم يتسلح بأخلاقية متينة فانه ينقلب من حزب ثوري وحركة تاريخية إلى عصابة تفح منها عفونة المصالح الشخصية والأنانيات الضيقات . ) ورأى المؤتمر ، أيضا ، انه لا توجد أية نظرية تستطيع الادعاء بأنها كل العلم ، لأن الواقع الاجتماعي ، واقع حي وفي تغير مستمر ، والقانون العلمي وان كان يستند إلى منطلقات مبدئية ثابتة في جوهرها لا يعطي نفس النتائج عندما تتغير الظروف المصاحبة للتجارب التي أعطت مثل هذا القانون . وغير ذلك يجد نفسه وقد انجر إلى القوالب الجامدة والتحجر والانعزال عن حركة التاريخ .
من هذه الأسس ، مضافا إليها الالتزام المطلق بالقضايا القومية ، وبأن القومية العربية قومية انسانية بطبيعة كونها بالآساس موجهة ضد الاستعمار والاستغلال بجميع أشكاله ، استمد البعث شرعيته في الحكم- أو ما عرف بالشرعية الثورية ،حسب وجهة نظره - ، ووضع الحزب لثورته منهاجا مرحليا للبناء الثوري ،- مستندا على أحدث الإحصائيات والمعلومات المتوفرة- ، كبرنامج عملي بتحقيقه يستطيع حكم الثورة وضع المجتمع في طريق يوصل للأهداف البعيدة ألا وهي الوحدة والحرية والاشتراكية ، ويترجم هذا البرنامج إلى مجموعة من الخطط العملية ( يجمعها إطار واحد ونظرة واحدة لشكل المستقبل وكيفية الوصول إليه ...) وهذا المنهاج ( بداية للتقدم الحضاري الصحيح ) .
لقد واجه الحزب أزمات وصراعا داخليا ، وواجه مقاومة عاتية من القوى التي تضررت أو شعرت بأن مصالحها ستتضرر ، وجاءت هزيمة حزيران 1967 ، ورغم ذلك بقي الحزب عاقد العزيمة على التحويل الثوري وتنمية الموارد ورفع مستوى الدخل القومي ، وعلى تعبئة الموارد المادية والبشرية لتحرير الأرض ،كما أصدرت القيادة القطرية عام 1969 دستورا مؤقتا ، جاء في مقدمته ( وقد أدرك حزب البعث العربي الاشتراكي أن الانتقال من واقع الآمة إلى المستقبل المنشود لا يمكن أن يتم إلا عبر ثورة جذرية شاملة تتناول كل جوانب المجتمع وتكون في مستوى الرسالة التي تتصدى الأمة العربية لحملها ... ) ومن المنطلقات التي استند إليها في وضع الدستور (أن الثورة في القطر العربي السوري هي جزء من الثورة العربية الشاملة وان الإنجازات التي تم تحقيقها في أي قطر عربي لا يمكن أن تأخذ أبعادها إلا من خلال إطار دولة الوحدة وأن السير باتجاه إقامة النظام الاشتراكي بالإضافة إلى أنه ضرورة منبعثة من حاجات المجتمع العربي فانه ضرورة أساسية لزج طاقات الجماهير العربية الكادحة - أن الحرية هدف مقدس للجماعة والفرد ، وهي ليست مفهوما مجردا ، بل هي ممارسة عملية مرتبطة بالتحرر الاجتماعي والاقتصادي ... وتخطي البرلمانية لا يعني الانتقال إلى أشكال للحكم ديكتاتورية أو فردية بيروقراطية أو عسكرية بل يعني الانتقال إلى ديمقراطية أوسع وأعمق وهي الديمقراطية الشعبية ..) . وورد ، أيضا ، في مقدمة الدستور بأنه ( دستور مؤقت لا بد أن يغنى من خلال التطبيق ولا بد أن تتضح معالمه وتتعمق مختلف جوانبه من خلال استمرار المسيرة الثورية الأمر الذي يمكن أن يستكمل في الدستور الدائم الذي سيضعه مجلس الشعب )
ياسادتي"
أنا أسف إذا أزعجتكم
أنا لست مضطراً لأعلن توبتي"
هذا أنا
هذا أنا
هذا أنا
|