عرض مشاركة واحدة
قديم 04/11/2006   #149
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


الجدارية (تتمة)


وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ” درب الحليب ”
إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي .
يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ
عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو
نفسي في المرايا :
هل أَنا هُوَ ؟
هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل
الأخيرِ ؟
وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض ،
أَم فُرِضَتْ عليَّ ؟
وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ
أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها
لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما
انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ
وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟

وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ :
هل أَنا هُوَ ؟
هذه لُغَتي . وهذا الصوت وَخْزُ دمي
ولكن المؤلِّف آخَرٌ…
أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ
أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ
أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ :
اكتُبْ تَكُنْ !
واقرأْ تَجِدْ !
وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ ، يَتَّحِدْ
ضدَّاكَ في المعنى …
وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ

بَحَّارَةٌ حولي ، ولا ميناء
أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ ،
لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي ،
الهُنَيْهةَ ، بين مَنْزِلَتَيْنِ . لم أَسأل
سؤالي ، بعد ، عن غَبَش التشابُهِ
بين بابَيْنِ : الخروج أم الدخول …
ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ .
ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ : أَيُّها
الزَمَنُ السريعُ ! خَطَفْتَني مما تقولُ
لي الحروفُ الغامضاتُ :
ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ

يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ …
لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ ،
دَعِ الماضي جديداً ، فَهْوَ ذكراكَ
الوحيدةُ بيننا ، أيَّامَ كنا أَصدقاءك ،
لا ضحايا مركباتك . واترُكِ الماضي
كما هُوَ ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ

ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون …
هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في
ساعات أيديهمْ . وَهُمْ لايشعرون
بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ . لا شيءَ
ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ . تنحلُّ الضمائرُ
كُلُّها . ” هو ” في ” أنا ” في ” أَنت ” .
لا كُلٌّ ولاجُزْءٌ . ولا حيٌّ يقول
لميِّتٍ : كُنِّي !

.. وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ . لا
أَرى جَسَدي هُنَاكَ ، ولا أُحسُّ
بعنفوان الموت ، أَو بحياتيَ الأُولى .
كأنِّي لَسْتُ منّي . مَنْ أَنا ؟ أَأَنا
الفقيدُ أَم الوليدُ ؟

الوقْتُ صِفْرٌ . لم أُفكِّر بالولادة
حين طار الموتُ بي نحو السديم ،
فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً،
ولا عَدَمٌ هناك ، ولا وُجُودُ

تقولُ مُمَرِّضتي : أَنتَ أَحسَنُ حالا ً.
وتحقُنُني بالمُخَدِّر : كُنْ هادئاً
وجديراً بما سوف تحلُمُ
عما قليل …

رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ
يفتح زنزانتي
ويضربني بالعصا
يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ

رأيتُ أَبي عائداً
من الحجِّ ، مُغمىً عليه
مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة
يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ :
أَطفئوني ! …

رأيتُ شباباً مغاربةً
يلعبون الكُرَةْ
ويرمونني بالحجارة : عُدْ بالعبارةِ
واترُكْ لنا أُمَّنا
يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ !

رأيت ” ريني شار ”
يجلس مع ” هيدغر ”
على بُعْدِ مترين منِّي ،
رأيتهما يشربان النبيذَ
ولا يبحثان عن الشعر …
كان الحوار شُعَاعاً
وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ

رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ
وَهُمْ
يَخيطونَ لي كَفَناً
بخُيوطِ الذَّهَبْ

رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ
من قصيدتِهِ :
لستُ أَعمى
لأُبْصِرَ ما تبصرونْ ،
فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي
إلى عَدَمٍ …. أَو جُنُونْ

رأيتُ بلاداً تعانقُني
بأَيدٍ صَبَاحيّة : كُنْ
جديراً برائحة الخبز . كُنْ
لائقا ً بزهور الرصيفْ
فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ
مشتعلاً ،
والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ !

خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ . نهرٌ واحدٌ يكفي
لأهمس للفراشة : آهِ ، يا أُختي ، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ
الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر ، وَهْوَ يُبَدِّلُ
الراياتِ والقممَ البعيدةَ ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ
النسيان لي . لاشَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته . ولكنَّ السلاحَ
يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها ، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ
السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر ، والصحراء تنقُصُ
بالأغاني ، أَو تزيدُ

لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي
أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن
الأنقاض ، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع
المشاع ، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع ، ولم
يعودوا …

رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة ، لم أَجد لَيْلاً
خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب ، وقلتِ لي :
ما حاجتي لاسمي بدونكَ ؟ نادني ، فأنا خلقتُكَ
عندما سَمَّيْتَني ، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ …
كيف قتلتَني ؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل ، أَدْخِلْني
إلى غابات شهوتك ، احتضنِّي واعْتَصِرْني ،
واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل .
بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني .
فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ ، ولن تراني نجمةٌ
إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ ،
فهاتِني ليكونَ لي - وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ -
حاضِريَ السعيدُ

- هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي ؟
- لم أَقُلْ . كانت حياتي خارجي
أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ :
وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي
وأَنا المُسَافِرُ داخلي
وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ ،
لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها
وبطائرِ الدوريِّ …
لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ
اللهِ
يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ
وأُحبُّ حُبَّك ، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ
وأِنا بديلي …

أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ :
مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار
والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات ،
بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ
في ليلٍ طويلٍ …

أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ
ويروِّضُ الذكرى … أَأَنتِ أَنا ؟
وثالثُنا يرفرف بيننا ” لا تَنْسَيَاني دائماً ”
يا مَوْتَنا ! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا ، فقد نتعلَّمُ الإشراق …
لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ
تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ
فخفَّ بِيَ المكانُ
وطار بي روحي الشَّرُودُ

أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ :
يا بنتُ : ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ ؟
إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ ،
نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ ،
بوسعك الآن الذهابُ على ” طريق دمشق ”
واثقةً من الرؤيا . مَلاَكٌ حارسٌ
وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا ، والأرضُ عيدُ …


يتبع

ان الحياة كلها وقفة عز فقط.......

شآم ما المجد....أنت المجد لم يغب...
jesus loves me...
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04359 seconds with 11 queries