ما يأمله كل مواطن حريص على مصلحة لبنان وما يرجوه كل محب للعدالة هو أن يشغل كل الوظائف الرئيسية في المحكمة من تتوافر فيهم النزاهة والكفاءة والخبرة والاستقلال والجرأة الأدبية للوقوف في وجه أي تدخّل من أية سلطة مهما علا شأنها وعظمت قوّتها، وأن ينتهي التحقيق والمحاكمات بأسرع ما تقتضيه الضرورات الاجرائية والكفاءة المهنية، وأن تعود الى لبنان سيادته ببسط سلطة القانون على أرضه بصورة تامة وبأسرع وقت ممكن. فعلى الرغم من كل ما ارتكب من أخطاء وتجاوزات وما لقي الشعب اللبناني من معاناة نتيجة اغتيال الرئيس الحريري يمكن المحكمة إذا توافرت لها النزاهة، بالإضافة إلى الكفاءة، أن تصل الى نتائج يتمنّاها كل محب للعدالة ويكون عملها سابقة تُحتذى في أماكن أخرى من العالم اذا ما اقتضت الضرورة.
لكن من الصعب تبديد شكوك من يساورهم القلق بالنسبة إلى الأهداف السياسية من وراء إنشاء المحكمة وما يحتويه نظامها الأساسي من فجوات. قد يكون من المستبعد أن تصدر عن المحكمة أحكام نهائية لا تعكس حدّاً أدنى من المهنية من قبل القضاة، الا ان هناك دلائل عدّة على أن المحكمة يمكن أن تستغل لبلوغ أهداف سياسية كما جرى في المرحلة الأولى من التحقيق إبّان كان في عهدة السيد ميليس، إذ إن مآرب الولايات المتحدة وفرنسا وكذلك الأطراف اللبنانية من وراء انشاء المحكمة لا يمكن تجريدها من الأهداف السياسية، والإصرار على انشاء المحكمة وبدء عملها قبل نهاية التحقيق أمر يدعو للريبة والتساؤل.
الحلقة الثانية : مناقشة البنود
تناولت الحلقة الأولى المنشورة أمس الإطار العام للمحكمة الدولية الخاصة. وفي الحلقة الثانية والأخيرة اليوم مناقشة تفصيلية لبنود المسوّدة بنداً بنداً.
بموجب المادة الرابعة من مسودة النظام الأساسي للمحكمة «عند تعيين المدعي العام وفي فترة لا تتعدّى الشهرين، ستطلب المحكمة الخاصة من السلطات القضائية الوطنية المسؤولة عن قضية الهجوم الارهابي على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، الخضوع لاختصاصها»، وكذلك سوف تحيل السلطات اللبنانية بناء على طلب المحكمة الخاصة الموقوفين ونتائج كل التحقيقات ونسخ عن سجل المحكمة. وبناء على طلب المحكمة أيضاً، «ستخضع السلطة الوطنية المعنية لاختصاص المحكمة». وبذلك يتم التنازل عن كل ما حفظ قرار مجلس الأمن الرقم 1595، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية، للسلطات اللبنانية من سيادة بالنسبة إلى إدارة التحقيق وتطبيق القانون في شأن الأعمال الجرمية التي رافقت اغتيال الرئيس الحريري وآخرين. فضلاً عن ذلك، إن كفّ يد القضاء اللبناني بصورة فورية وقبل انتهاء التحقيق يبدو مخالفاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1644 الذي أقرّ في البند 6 منه طلب الحكومة اللبنانية بأن «يحاكم من توجّه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الارهابي أمام محكمة ذات طابع دولي....»، فهل بلغ التحقيق آخر المطاف؟ وهل يجوز اختصار التحقيق أو النيل من وحدته من طريق إحالته على مدّعي عام المحكمة الخاصة قبل تمامه؟
هناك فجوات لجهة القانون الواجب التطبيق من الوجهة الاجرائية والأساسية، تدعو الى القلق. فبالنسبة الى اجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات يبدو أن مسودة نظام المحكمة لم تلحظ قواعد معينة لأصول المحاكمات وقبول الأدلة. وفي المادة 28 من مسودة نظام المحكمة يترك لقضاة المحكمة الخاصة وضع نظام اجراءات بعد تأليفها. فإن كان ذلك جائزاً في بعض لجان التحكيم الدولية فهو غير مألوف ويمثّل سابقة خطيرة في القضاء الجزائي.