عرض مشاركة واحدة
قديم 31/10/2006   #2
شب و شيخ الشباب Zahi
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Zahi
Zahi is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
دمشق
مشاركات:
319

إرسال خطاب MSN إلى Zahi إرسال خطاب Yahoo إلى Zahi
افتراضي


- لقد ذقت الويل في سجني، ولكنك تخليت عني، وكنت أظنك ستدافع عني وأنت الب! عثي المعروف للجميع، ثم فرّج الله عني، وزارني كل الأهل والأقارب مهنئاً بسلامتي، إلا أنت
- سامحني يا أخي سامحني، لقد قصّرت معك ومع أخوتك، لكنكم جميعاً تكرهونني، وتنظرون لي نظرة العدو اللدود، رغم أنني مظلوم، وأول من ظلمني أبوك، الذي كان يقسو علي ويضربني، ولا يفعل ذلك معكم، وأجبرني على ترك المدرسة وأن أعمل معه في المحل، وترككم تدرسون، وما أخذته هو حقي ومن جهدي وعرقي في المحل، فغداً ستكونون جميعاً أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعات، وسأبقى حداداً بسيطاً أعود كل يوم إلى بيتي منهك الجسم ومتسخ اليدين والثياب
- لا أريد أن أفتح معك مواضيعاً تناقشنا فيها طويلاً من قبل دونما فائدة، فالجدال لا يوصل لنتيجة، وأريد أن تفتح مع أهلك وأخوتك وأمك العجوز المريضة بالتحديد صفحة جديدة
- هل يمكن أن يتغاضوا عن أخطائي السابقة وينسوها؟، هل يمكن أن تسامحني أمي التي تدعوا علي كل يوم؟0
- إذا أتيتها معتذراً نادماً صادقاً؛ لا أظنها تردك، فأنت ابنها الأكبر، والدم لا يتحول إلى ماء
- أتمنى أن يحصل ذلك، أتمنى أن أصبح محبوباً مثلكم من الأه! ل والجيران، فقد سئمت من نظرات الشك والكراهية والخوف والشذر التي أ راها في عيون الجميع، حتى في عيون المخابرات الذين أخدمهم، أحس أنهم ينظرون إليّ نظرة دونية واحتقار، رغم أنهم يطلبون مني المزيد المزيد من الأخبار والمعلومات
- أنت من جنيت على نفسك، وأنزلتها هذه المنزلة، وما عليك إلا أن تتدارك نفسك وتوقفها عند هذا الحد من التمادي والضلال
- أشعر أنه قد فات الأوان
- ولماذا تظن ذلك؟
- اسمع يا أخي جيداً إلى ما سأقوله، فأنا معرض للاغتيال في كل لحظة، ليس من المواطنين الذين وشيت بهم وظلمتهم، وإنما من قوى في المخابرات والدولة، ومنذ فترة، لا أخرج من منزلي إلا وأنا مدججاً بالسلاح وأضع يدي على الزناد، وأشعر أنهم يراقبونني ويلاحقونني ويريدون تصفيتي، وقد صفّوا بعض رفاقي فعلاً؛ وربما يأتي دوري قريباً؛ لا تستغرب يا أخي وتنظر إلي هكذا، فأنا صادق معك اليوم مثلما لم أصدق معك من قبل، لأنك أخي الأصغر، والذي سيبقى من بعدي لأطفالي الصغار، سأشرح لك وضعي تماماً، حتى تصدقني، فأنا من جماعة رفعت، الذي التقيت به عندما خضعت لدورة المظليين، وهداني مسدساً مذهباً، وطلب مني أن أبقى على اتصال معه، وفعلاً كنا نجتم! ع معه كل حين، وكان يغدق علينا بالهدايا والحوافز، ويعدنا بأضعافها عندما يستتب الأمر له، بعد أن يقضي على أعدائه في الحزب والدولة، الذين كان يتهمهم بالخيانة والنذالة والجبن، ويشتمهم بأقذع وأفظع الشتائم، وكان يخص منهم عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس بأبشع وأشنع ما سمعت من السباب واللعنات، وكانت فرصتنا الذهبية للوصول إلى الحكم بعد مرض الرئيس الأخير، ودخوله المستشفى، وبدأنا نتحرك بالفعل، ونكثر من الاجتماعات والترتيبات، حتى وصلت الأوامر إلينا بتمزيق صور الرئيس ووضع صور القائد (أبو دريد) مكانها، وكنا نوزع صور رفعت في كل مكان، وشعرنا أننا سنصل إلى الحكم قريباً، وبدأ الرفاق البعثيون من الخصوم يحسبون لنا كل حساب، وبدأوا بحزم حقائبهم وأمتعتهم مودعين الحزب والدولة، ولكن الأمور سارت كما لا نشتهي، وشفي الرئيس، واستطاع أن يقضي على قوة رفعت العسكرية، وحل سرايا الدفاع، ونفى رفعت والمقربين إليه إلى الإتحاد السوفيتي، وبقينا نحن فقط في ساحة الصراع والمواجهة، وبدأت تصفية الحسابات بيننا وبين الرفاق، وفي آخر انتخابات حزبية حصلت قبيل العيد، ق! اموا بقطع الكهرباء أثناء فتح صناديق الاقتراع، ثم بدّلوا الصناديق خشية أن ينجح أحد منا، وعندما اعترضنا على ذلك، أرسلوا لنا الكتائب الحزبية المسلحة ففرقتنا بقوة السلاح، بعد أن أصابوا بعضنا واعتقلوا آخرين
- بما أنك تخاف من التصفية أو الاعتقال، لماذا لا تسافر خارج القطر، وتنجو بنفسك؟
- حاولت الحصول على جواز سفر لكنهم رفضوا أن يصدروه لي، وحذروني من السفر لأي مكان خارج القطر
- وماذا ستفعل الآن؟
- لا أدري، فأنا كمن ينتظر حتفه، حتى جماعة رفعت تخلوا عني، ولم أعد أستطيع الاتصال بأحد منهم
- يبدو وضعك حرجاً فعلاً
- الآن فقط عرفت معاناتك ومعانات الآخرين الذين وشيت بهم ولوحقوا أو اعتقلوا، وبدأت أشعر أن الله ينتقم مني ويسقيني من نفس الكأس الذين سقيتهم منه، هل سيغفر الله لي؟ هل سيسامحني أزواج وأمهات وأبناء أولئك الذين وشيت بهم؟ لا أظن ذلك؟
كان أخي حسن يشرح معاناته لي، وهو ينفث سحابات كثيفة من الدخان، وكان لا ينقطع أبداً عن التدخين، ويشعل لفافة التبغ من سابقتها قبل أن تنتهي، وقد أخبرتني زوجته أم باسل، أنه أصبح عصبي المزاج ومتوتر جداً منذ فترة، ولم يعد يذهب إلى المحل، ولا يخرج من البيت! إلا للضرورة القصوى، وعندما يخرج يودعنا كأنه لن يعود، ويحمل سلاحه وكأنه ذاهب إلى معركة
هنا قاطعت نبيل قائلاً:
- لا إله إلا الله؛ إن الله يمهل ولا يهمل
- نعم يا هشام، وعندما خرجت من بيت أخي وعدت إلى والدتي وقصصت عليها ما حدثني به أخي حسن، قالت لي بالحرف الواحد: الله ياخدوا، إن شاء الله بيقطعوه شقف فقلت لها: ولكني حزين على زوجته وأولاده فأجابتني: لكنه لم يسأل ماذا فعل هو بزوجات وأولاد العشرات ممن ظلمهم ووشى بهم، أنه لا يخاف الله، وسينتقم الله منه
- نعم يا أخي نبيل، الله يساعد زوجته وأولاده، فهم لم يروا يوماً جميلاً معه، لا عندما كان معهم، وها هو يغادرهم إلى المجهول ويتركهم للمجهول، أعانهم الله
- حقاً أشعر أن أخي حسن لن يعود أبداً، لأنني أعرف تلك السجون؛ فالداخل مفقود والخارج مولود
- يبدو أنه أصابه دعاء أمه ودعاء أولئك المظلومين من ضحاياه، ودعاء أمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم
- الله ينتقم ممن كان السبب، وأوصل البلاد إلى هذه الحال..



د.هشام الشامي

( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04157 seconds with 10 queries