Re: سؤال هام لكل مسيحي..من كتب الانجيل؟
و لكن يفهم من سفر أعمال الرسل أن برنابا من الحواريين ، لأنه يقول عنه : (الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ ) فمن الذي دعاه من الرسل إلا المسيح u ، كما أن ترجمه اسمه ( إبن الوعظ ) يدل على أنه وليد الرسالة و قد أخذها على يد رسولها و معلمها الأوحد u .
و يرى العلامة الإمام محمد أبو زهرة[103] : أنه سواءا كان برنابا من الحواريين الإثني عشر أو لم يكن فإنه حجة عند النصارى ، و هو من رسلهم الملهمين من الروح القدس في اعتقادهم ، و هو لا يقل مكانةً عن كتبة الأناجيل الأربعة .. بل هو أرقى من بولس في في مراتب السبق و الإيمان . و نقول : فإن وجود اختلاف بينه و بين بولس في مسألة ما و يدعمه في موقفه انضمام باقي التلاميذ معه ( أي مع برنابا ) - كما سبق و فهمنا – هذا يوضح أمام كل ذي عقل مفكر خطأ موقف بولس فيما يدعو .. ، فلو كانت مسألة الإختلاف هي مسألة الختان فقطعا يكون رأي التلاميذ هو ما سمعوه أو تعلموه من المسبيح u و غيره يكون تجديفا و ابتداع مرفوض من الجميع .
الفصل الخامس
بولس و الناموس
o الناموس و مدى قدسيته عند اليهود :
الناموس كلمة أرامية تعني الشريعة ، و عنها يقول السيد المسيح u في انجيل متى : (17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.)[104] ، و الأية صريحة فهي تقول أن المسيح لا ينقض الأحكام الواردة في التوراة ، و لا نبوءة ما سبقوه من أنبياء عليهم جميعا و على محمد أفضل الصلاة و السلاة .
و في الإصحاح الثاني عشر من انجيل متى نقرأ : (1فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي السَّبْتِ بَيْنَ الزُّرُوعِ فَجَاعَ تَلاَمِيذُهُ وَابْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ. 2فَالْفَرِّيسِيُّونَ لَمَّا نَظَرُوا قَالُوا لَهُ: «هُوَذَا تَلاَمِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السَّبْتِ!» 3فَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ 4كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللَّهِ وَأَكَلَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلاَ لِلَّذِينَ مَعَهُ بَلْ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ؟ 5أَوَ مَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ؟ 6وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَهُنَا أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ! 7فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ! 8فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضاً».)[105] ، و منها نفهم أن اليهود على عهد المسيح قد بالغوا في تنفيذ الوصايا دون أن يلتزموا بروح النص ؛ ألا يأكل منهم من جاع يوم السبت ؟.. أيسمي هذا عملا و اعتداء في السبت ؟.. مثلا إذا سقطت من أحد اليهود بهيمة في ترعة يوم السبت ألا ينقذها ؟.. أو زلت قدم الدابة و انكسرت في يوم السبت ، ألا يداويها ؟!.. هذا عين قصده المسيح u ، و هو ألا نرائي بعضنا البعض بالإمتناع عن الأعمال يوم السبت دون مراعاتنا لباقي الفرائض و الوصايا فنأخذ من الوصايا الخارج لا الداخل .. الهيكل لا الروح ! و هو ما أراده بقوله : ( إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً ) .. و لا يفهم منها أنه ينقض ناموس الفرائض .
o تعريف النصارى للناموس :
و لكن بعض المحققين النصارى قد قسموا الناموس الموسوي إلى قسمين :-
- ناموس الفرائض : و هو الخاص بعلاقة الإنسان مع الله U و تنظمها حسب معتقداتهم الذبائح الخمسة و هي ذبيحة المحرقة ( لاويين 1 ) ، و ذبيحة الخطيئة ( لاويين 4 ) ، و ذبيحة الإثم ( لاويين 5 ) ، و ذبيحة السلام ( لاويين 3 ) ، و تقدمة الدقيق ( لاويين 2 ) .
- ناموس الأخلاق : و هي العلاقة بين الإنسان و أخيه الإنسان ، وتنظمها الوصايا العشرة ( خروج 20 ) و ما تبعها من وصايا أخلاقية تتعلق بعلاقة الإنسان بأخيه ( لاويين ) .
و يقولون أيضا أن المسيح u قد أبطل ناموس الفرائض لأنه – حسب معتقداتهم - قدم نفسه ذبيحة عن البشر أجمعين ، فلا يقدم بعده ذبيحة . في حين أنه لم يبطل النوع الثاني من الناموس .
o موقف بولس من ناموس الفرائض :
حينما بدأ بولس بنشر دعوته الجديدة رأينا أنه قد لاقى مصاعب شديدة في نشرها بين اليهود رغم أنه يهودي ، و ذلك بسبب عدم تمسكه بالكثير من شرائع اليهود كالختان مثلا ، و عن ذلك يقول بولس لأهل روما : (25فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! 26إِذاً إِنْ كَانَ الأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَاناً؟ 27وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ وَالْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟ 28لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيّاً وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَاناً 29بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ. )[106] و هي تفرقة بين الغرلة و الختان ليس لها أصل بالتوراة و لا بالأناجيل الأربعة ، و لعله كا يقصد استمالة الرومان الغلف الذين لا يريدون الدخول في الديانة خوفا من الختان ! ، و يقول أيضا : ( 9أَفَهَذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضاً؟ لأَنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرّاً. 10فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ بَلْ فِي الْغُرْلَةِ! )[107] ، و نرى هنا أنه يحاول أن يشكك الناس أغفر الله لنبيه إبراهيم u قبل الختان أم بعده متناسيا أنه U قد اجتباه من صغره و أعده لحمل الأمانة و الرسالة هو و من صلح من ذريته ، فلا منطق أن أسأل : هل غفر الله له و هو أغلف أم و هو مختونا ؟ بالإضافة إلى أن التوراة تنص على أنه جعل الختان عهدا أبديا فيه و في ذريته دون أن يكون شرطا لقبول الأعمال أو لغفران الذنوب ، فهما أمران يشترط فيهما الإيمان و التقوى و العمل الصالح ، ويقول بولس هذا المعنى في رسالته إلى أهل غلاطية : (6لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ. )[108] ، و لكن لا يمكن اهمال الختان هنا لأنه أمر إلهي واجب التنفيذ دون نقاش ، فلا يصح أن يقول بولس : ( 2هَا أَنَا بُولُسُ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنِ اخْتَتَنْتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئاً! )[109] ، فإن ذلك قد يعد في نظر علماء الدين : تجديفا !
و يقول أيضا متجنيا على الناموس : (7فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا! بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ «لاَ تَشْتَهِ». 8وَلَكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ. 9أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشاً قَبْلاً. وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ فَمُتُّ أَنَا )[110] فهل خلق الله تعالى جسده بلا شهوة ثم عرفها عندما قرأ في الناموس فيقال أن الناموس هو الذي يدفعه للخطيئة .. أم نفسه الأمارة بالسوء ؟!..
و يقول أيضا مفلسفا عدم التمسك بالناموس : (10لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ». 11وَلَكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ «الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا». 12وَلَكِنَّ النَّامُوسَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ، بَلِ «الإِنْسَانُ الَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا».)[111] ، و هكذا صار الإيمان بالكتاب و مباشرة الأعمال الصالحة في عرف بولس هو لعنة ، و هكذا و في نصوص كثيرة أكد بولس بها أنه لا فائدة من العمل الصالح و الشريعة في تحصيل النجاة ، و كل هذا تمهيدا لأن يوصل مستمعيه إلى مرحلة أن كل ما يفعلوه هو خطيئة و لعنة و حرام ، و لن يتبرروا به ، بل لن تكون لهم حياة كريمة على الإطلاق !.. فيتسائلون : و ما الحل ؟.. ما العمل ؟!.. فيكون رده : ( 16إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا.)[112] ، أي أن البر لا يتحقق إلا بالإيمان بيسوع فقط ، فما يكون أمام من وجد نفسه يتخبط في الظلام بحثا عن بارقة نور إلا أن يذهب خلف هذا النور الخافت فيؤمن بما سيمليه عليه !
و من بولس – بصفته المبشر الأول – تعلم كل المبشرين النصارى ، فيقول مارتن لوثر : ( إن الإنجيل لا يطلب منا الأعمال لأجل تبريرنا، بل بعكس ذلك، إنه يرفض أعمالنا ... إنه لكي تظهر فينا قوة التبرير يلزم أن تعظم آثامنا جداً، وأن تكثر عددها ) ، و يقول أيضا في شرحه ليوحنا 3/16 : (أما أنا فأقول لكم إذا كان الطريق المؤدي إلى السماء ضيقاً وجب على من رام الدخول فيه أن يكون نحيلاً رقيقاً ... فإذا ما سرت فيه حاملاً أعدالاً مملوءة أعمالاً صالحة، فدونك أن تلقيها عنك قبل دخولك فيه، وإلا لامتنع عليك الدخول بالباب الضيق .. إن الذين نراهم حاملين الأعمال الصالحة هم أشبه بالسلاحف، فإنهم أجانب عن الكتاب المقدس. وأصحاب القديس يعقوب الرسول، فمثل هؤلاء لا يدخلون أبداً ) ، و يرد أيضا عندما سئل عن حقيقة الإيمان فيقول : ( إن السيد المسيح كي يعتق الإنسان من حفظ الشريعة الإلهية قد تممها هو بنفسه باسمه، ولا يبقى على الإنسان بعد ذلك إلا أن يتخذ لنفسه، وينسب إلى ذاته تتميم هذه الشريعة بواسطة الإيمان، ونتيجة هذا التعليم هو أن لا لزوم لحفظ الشريعة، ولا للأعمال الصالحة )[113].
ويقول ميلا نكتون في كتابه ( الأماكن اللاهوتية ) : ( إن كنت سارقاً أو زانياً أو فاسقاً لا تهتم بذلك، عليك فقط أن لا تنسى أن الله هو شيخ كثير الطيبة، وأنه قد سبق وغفر لك خطاياك قبل أن تخطئ بزمن مديد ) .
ويقول القس لبيب ميخائيل: ( الأعمال الصالحة حينما تؤدى بقصد الخلاص من عقاب الخطيئة تعتبر إهانة كبرى لذات الله، إذ أنها دليل على اعتقاد من يقوم بها، بأن في قدرته إزالة الإساءة التي أحدثتها الخطيئة في قلب الله عن طريق عمل الصالحات... وكأن قلب الله لا يتحرك بالحنان إلا بأعمال الإنسان، وياله من فكر شرير ومهين )[114].
وهذا كله مستقى من بولس حين قال: (16إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا. 17فَإِنْ كُنَّا وَنَحْنُ طَالِبُونَ أَنْ نَتَبَرَّرَ فِي الْمَسِيحِ نُوجَدُ نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضاً خُطَاةً، أَفَالْمَسِيحُ خَادِمٌ لِلْخَطِيَّةِ؟ حَاشَا! 18فَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَبْنِي أَيْضاً هَذَا الَّذِي قَدْ هَدَمْتُهُ، فَإِنِّي أُظْهِرُ نَفْسِي مُتَعَدِّياً. 19لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ لأَحْيَا لِلَّهِ. 20مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. 21لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذاً مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ )[115] .
وهكذا كانت عقيدة بولس في الخلاص سبيلاً لإلغاء الشريعة والتحلل من التزاماتها . و ذلك ما غرض به إلا جذب الرومان الوثنيون للدخول في عقيدته و لنقرأ معا النص التالي : (19فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرّاً مِنَ الْجَمِيعِ اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ.20فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ 21وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلَّهِ بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً. 23وَهَذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ لأَكُونَ شَرِيكاً فِيهِ.)[116] ، و أيضا : (16فَلْيَكُنْ. أَنَا لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ. لَكِنْ إِذْ كُنْتُ مُحْتَالاً أَخَذْتُكُمْ بِمَكْرٍ!)[117]
فها هو يجيز لنفسه الكذب و الإحتيال لكي يأخذ الناس في دعوته .
و فيما مضي كانت دراسة مبسطة تلقي الضوء للقاريء الكريم عن جوانب قد تخفى عنه في شخصية داعية النصرانية الأول ( بولس ) فدراسة الشخصية هام جدا لفهم الدعوة و سبر أغوارها .. فالرسالات لا تنفك عن شخصيات الدعاة الذين يقدمونها للناس لا سيما في عهدها الأول . و قد رأينا دعوة بولس من خلال دراستنا لنصوص العهد الجديد و كتابات المؤرخين و المفكرين النصارى . و رأينا أن بولس و أتباعه من دعاة ألوهية المسيح كانوا في البداية قليلون قد وسمهم معاصروهم بالفرقة المارقة ، و قد ظل الوضع كذلك حتى مجمع نيقية عام 325م فتحكي كتب التاريخ أن عدد من حضروا المجمع كانوا قرابة الألف شخص من مختلف الطوائف النصرانية المعروفة أنذاك و منهم 318 أسقفا على رأي بولس و قد ناصرهم الإمبراطور قسطنطين بإنحيازه لرأيهم و فرض عقيدتهم على غيرهم بقوة السلطان .
و منذ ذلك التاريخ فُرضت عقيدة بولس على النصارى بأنها العقيدة الصواب و ما خالفها هرطقة ، و كان الزمن كفيلا بانتشارها في كافة أرجاء الإمبراطورية الرومانية و دفع ما سـواها من عقائد أخرى حـتى صـارت اليوم – و على اختلاف طوائف النصارى – مصدر للعقيدة المعتبرة لدى المسيح u .
و رأينا كذلك شخصية بولس طبقا لما ورد في رسائله و سفر أعمال الرسل و رأينا أيضا لماذا يختلف الباحثون المسلمون مع النصارى في عدم اعتبار بولس رسولا ! ؛ إذ كيف يكذب الرسول ؟.. أو كيف يتلون بكل لون ؟.. أو كيف يختلف مع معاصروه و بني دعوته في مسائل من صميم الدعوة و لا مجال فيها للأراء أو للإجتهادات الشخصية ؟.. و هذا كاف لإنتفاء صفة الحق على دعوته . فلا يثبت في معيار العقل و الفكر إلا ما هو معقول و مقبول .. و لا يؤثر في ضمير العقلاء إلا موضوعية البحث و حسن التقدير ، و لم نعمد في دراستنا هذه إلى تجريح أو نقد فليس هذا هدفنا على الإطلاق بل ما استوجبه النظر العقلي و التفكير المنطقي ، و قد كانت النصوص هي محور نقاشنا و استنباطنا ، و لم يكن للإفتراض الوهمي مجالا إلا إذا كان مناقشة وجهات نظر ، فأننا نسوق الإحتمالات المختلفة و رائدنا في ذلك الحقيقة و محاولة كشف جوانبها بغض النظر عن أفكار المؤيدين و المعارضين تاركين الحكم للقاريء ليحكم بعقله في ما كان الإختلاف . إن شخصية بولس على أهميتها ذات مكان رفيع في الفكر النصراني ، و من منطلق هذه الأهمية كانت دراستنا ؛ إذ أنها شخصية عالمية يعيش الملايين ما غرسه من أفكار ، و من ثم كان اهتمامنا لبيان مبلغ هذه الأفكار من الصواب . فإذا قيل أن هذه الدراسة قد أساءت لشخص القديس بولس و من ثم إلى النصرانية ككل .. فأقول : إن كانت هناك إساءة فهي من النصوص التي اقتبستها من كتاباته فأنا لم أأت بشـيء من عندي ! .. فتلك النصـوص إما أن تكون صحيحة فلا دعوى للإساءة مني ، و إما غير ذلك فنسأل لمَ هي مقدسة ؟
إن دراستنا متواضعة أقدمها لطلاب الحقيقة الذين يحبون أن تتفتح عيونهم على نورها ، و يرون أن نفوسهم لا تنتعش إلا بها .. أما الذين يكرهون الحقيقة و يعادون نورها فالباب لا يزال مفتوحا لتبادل الرأي و الإقناع .
و لا يساعني في الختام إلا أن أقدم الشكر لكل من قرأ الدراسة بعين الموضوعية أللهم اهدنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك إنك نعم المولى و نعم النصير .. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
[1] الأمم : مصطلح عرف به في الكتاب المقدس غير اليهود .
1 الخالدون مائة – أنيس منصور .
2 اعمال 22/3
[4] اعمال 18/3
[5] اعمال 13/7-9
[6] اعمال 7/58-8/1
[7] أعمال 8/3
[8] اعمال 26/16-18
[9] يقصد الصحراء بجنوب سوريا فيما يعرف ببادية الشام ، و مصطلح ( العربية ) في معجم الكتاب المقدس يقصد منه جزيرة العرب أو صحراء الشام أو سيناء و خلافه .
[10] غلاطية 1/17-18
[11] اعمال 9/20-28
[12] اعمال 9/26
[13] سيأتي دراسة شخصية برنابا بالتفصيل خلال الفصل الرابع من هذه الدراسة .
[14] اعمال 9/29
[15] اعمال 13/2-3
[16] اعمال 15/36-41
[17] اعمال 16/25-27
[18] أعمال 21/28-30
[19] أعمال 22/25-29
[20] محاضرات في النصرانية للإمام محمد أبو زهرة ص 69،70 – دار الفر العربي
[21] راجع ما هو مكتوب في : 1 كورنثوس 7/1-2
[22] أعمال 9/7
[23] أعمال 22/9
[24] شبهات وهمية حول الكتاب المقدس – القس : منيس عبد النور
[25] أعمال 9/6
[26] أعمال 22/10
[27] أعمال 26/16-18
[28] نفس المرجع السابق للقس منيس .
[29] أعمال 23/6
[30] أعمال 22/25-29
[31] 1 كورنثوس 9/20-22
[32] رومية 3/7
[33] 1 كورنثوس 1/25
[34] رومية 13/1-7
[35] غلاطية 1/1
[36] تيطس 1/1-3
[37] عبرانيين 7/18 - 19
[38] غلاطية 1/18-19
[39] هل العهد الجديد كلمة الله ؟ منقذ محمود السقار – ص28
[40] راجع دائرة المعارف الكاثوليكية
[41] أعمال 9/5 و مناخس مفردها منخس و هو قضيب طويل في رأسه مسمار تُنخس به الدابة .
[42] أعمال 9/8-9
[43] أعمال 9/10-20
[44] راجع النص في سفر الأعمال
[45] هل العهد الجديد كلمة الله ؟ - منقد محمود السقار ص26
[46] شبهات وهمية حول الكتاب المقدس – القس : منيس عبد النور ، شبهات حول سفر الأعمال .
[47] أعمال 26/14
[48] 1 كورنثوس 7/12
[49] 2 كورنثوس 8/10
[50] 2 كورنثوس 11/15-23
[51] 1 كورنثوس 7/25-26
[52] غلاطية 2/20
[53] متى 5/18-19
[54] 1 تيموثاوس 2/5
[55] 1 تيموثاوس 6/14-16
[56] عبرانيين 5/10
[57] عبرانيين 5/7
[58] عبرانيين 2/9
[59] عبرانيين 3/3-6
[60] رومية 8/3
[61] رومية 8/32
[62] عبرانيين 1/1-4
[63] كولوسي 1/15
[64] فيلبي2/6-7
[65] 1 تيموثاوس 3/16
[66] أعمال 14/11-12
[67] انظر أعمال 14/13-18
[68] ( عقائد النصارى الموحدين بين الإسلام والمسيحية ) تأليف : حسني يوسف الأطير ، الطبعة الأولى- دار الإنتصار 1405هـ القاهرة
[69] ( مسيحية بلا مسيح ) تأليف : كامل سعفان ، الطبعة الأولى – دار الفضيلة 1994 القاهرة
[70] راجع أيضا رأي العلامة / أحمد ديدات في هذا الموضوع في : ( هل الكتاب المقدس كلمة الله ؟ ) ترجمة : نورة النومان – دار الهجرة 1408هـ دمشق .
[71] متى 16/15-19
[72] مرقس 8/29
[73] لوقا 9/20
[74] عباس محمود العقاد ( عبقرية المسيح ) – الباب الثاني : الدعوة / ملكوت السماوات ، طبعة دار أخبار اليوم 1995
[75] 2 كورنثوس 13/14
[76] راجع كتاب ( محاضرات في النصرانية ) للإمام محمد أبو زهرة – دار الفكر العربي .
[77] غلاطية 1/11-18
[78] غلاطية 2/4-7
[79] متى 10/5-7
[80] أعمال 9/23-26
[81] لم ينوه عن كنه التلاميذ ، فربما يقصد تلاميذ له ، و ربما يقصد تلاميذ أخرين للمسيح u في دمشق غير حنانيا طبعا لأسباب سنعرفها لاحقا !
[82] غلاطية 2/1-9
[83] هل العهد الجديد كلمة الله ؟ - د. منقذ محمود السقار ص31
[84] 1 تيموثاوس 6/3-5
[85] فيلبي 3/2
[86] يوحنا 15/16-17
[87] غلاطية 2/11-14
[88] أعمال 24/1-8
[89] 2 بطرس 2/1-3
[90] أعمال 4/36-37
[91] أعمال 9/26-27
[92] أعمال 11/22-24
[93] أعمال 13/1-5
[94] أعمال 15/35-39
[95] 2 تيموثاوس 4/11
[96] كولوسي 4/10
[97] راجع ( ما هي النصرانية ؟ ) محمد تقي العثماني - رابطة العالم الإسلامي – مكة المكرمة 1404هـ
[98] غلاطية 2/13
[99] راجع غلاطية 2/11-14 ندرك أنه هناك خلافا فكريا بين بطرس و بولس ، و أن برنابا قد رأى رأي بطرس فحدث الإفتراق . و قد أشرنا لهذا من قبل في الفصل الثالث من هذه الدراسة .
[100] أعمال 14/19-20
[101] ( الإختلاف و الإتفاق بين انجيل برنابا و الأناجيل الأربعة ) لمحمد عبد الرحمن عوض ، الطبعة الثانية ص53 – دار البشير 1986 القاهرة
[102] نفس المرجع السابق ص55 .
[103] راجع ( محاضرات في النصرانية ) – دار الفكر العربي ص 55
[104] متى 5/17-18
[105] متى 12/1-8
[106] رومية 2/25-29
[107] رومية 4/9-10
[108] غلاطية 5/6
[109] غلاطية 5/2
[110] رومية 7/7-9
[111] غلاطية 3/10-12
[112] غلاطية 2/16
[113] ( هل افتدانا المسيح على الصليب ؟ ) – منقد محمود السقار ، ص 125
[114] المسيح u بين الحقائق والأوهام - محمد وصفي ، دار الفضيلة ص 67 - 68
[115] غلاطية 2/16 - 21
[116] 1 كورنثوس 9/19-23
[117] 2 كورنثوس 12/16
[118] راجع ( محاضرات في النصرانية ) للإمام محمد أبو زهرة – ص40
[119] شبهات وهمية حول الكتاب المقدس – منيس عبد النور
|