التكوين المهنيّ
ما معنى هذا الخبر الذي قرأته في إحدى الصحف العربيّة والذي يعبّر عن وضع عامّ في الأقطار العربيّة كلـّها تقريبا...
" يتخرّج هذه السنة من المعاهد العليا أكثر من 21 ألف جامعيّ
وفرص العمل المتاحة لن تستوعب أكثر من ثلثهم ! ..."
ما معنى ذلك ؟ معناه ضياع نفقات تعليمهم، وضياع طاقاتهم وإمكاناتهم. ومع ذلك، فإنّ أحدا لا يفكـّر بالاهتمام بجانب آخر عمليّ في الحياة ، اسمه المدارس المهنيّة...
فبلادنا العربيّة ـ رغم الأفكار التقدّميّة التي نظنّ أنّنا نمارسها ـ ما توال مصابة بعقدة "البكويّة".
كلّهم يريدون "أفنديّة"، حملة شهادات. الأب يريد ابنه هكذا والأمّ والخطيبة...
كلّهم يصنعون دون أن يدروا جيلا من الثوّار بالسموكن.
ادّعينا أنّنا تحضّرنا يوم استوردنا الآلات من تلفزيون وبرّاد وتكييف هواء. ولكنّنا ما زلنا نعيش بعقليّة "البكوات" الذين يلتسقون بالمظهر الخارجيّ للنجاح دون أيّ تجديد لمفهومه.
ليس لدينا مصلـّح لجهاز تكييف الهواء إذا تعطـّل... ليس لدينا مصلـّح فعليّ لأيّة آلة من الآلات الحديثة المستوردة...
لأنّه ليس لدينا مدارس مهنيّة كافية...
من يمكن أن يشجّع ابنه أو شقيقه على أن يكون مجرّد عامل ! كلـّنا ننظـّم المهرجنات لنمجّد العمّال، ننظم القصائد في مدحهم، ولكن من منّا يدفع بابنه إلى مدرسة مهنيّة ؟
هذه التقدّميّة، ما قيمتها إذا لم نمارسها فكرا وعملا وإذا لم تكن صادقة وعميقة ؟ وهل من الضروريّ أن نستورد خبيرا مع كلّ آلة ؟ ما جدوى أن نصرخ ونصرخ كي تنبت مدارس مهنيّة إذا كات الجوّ الاجاماعيّ النفسيّ ضدّها ؟
ولكنّ البدائيّ إذا استورد مدفعا يجهله فقد يصوّبه إلى صدره ... فمتى نكفّ عن الانتحار ؟