عرض مشاركة واحدة
قديم 20/10/2006   #1
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي العلمانية ضمانة للتقدم العربي.!!


بقلم: د. عبد الله تركماني *

بات من الواضح اليوم أنّ البشرية هي في طور التغيّرات الكبرى في مجتمعاتها وفي قيمها ومفاهيمها ، وعلى أساس هذه التغيّرات ، التي سوف ترسو عليها ، ستتحدد وجهة هذا العالم في القرن الحادي والعشرين . وفي سياق هذه التغيّرات تبدو العلمانية أحد محاور الاختلاف في جسد الاجتماع السياسي العربي الراهن ، خاصة بعد الصخب المفتعل حول مسألة الحجـاب ، ليس في المجتمعات العربية – الإسلامية فحسب ، بل بين صفوف العرب والمسلمين المقيمين والمواطنين في دول أوروبا الغربية . مما يدعونا إلى العودة لطرح الأسئلة البديهية للحياة الاجتماعية – المدنية ، حول حدود الحرية والمسؤولية في السياق المكاني والزماني لهذا الصخب .
فإذا كنا نعيش أزمة عميقة في مجتمعاتنا العربية فإنّ واقع الحال الحضاري اليوم لم يعد يحتمل تأجيل القضايا الكبرى حول المواطنة والحرية والحداثة ، ولم تعد تكفي لتجاوز هذه الأزمة جرعات من الحريات المؤقتة، التي تقف عند حدود المسلمات والهياكل التراثية ومؤسساتها التي ترضى أن تترنح مجتمعاتها كل يوم على أن لا تهتز أركانها ومكتسباتها يومـا ، وذلك في إطار نسيج العلاقات المصلحية والحماية والتغطية المتبادلتين بينها وبين السلطات القائمة .
وهكذا، يبدو أنّ العلمانية ليست شعارا يرفع، بل هي اتجاه تاريخي، وجملة مواقف، وقوى اجتماعية ، تلم بالتطور التاريخي للمجتمعات، وتتوافق مع الترقي، ومع التحولات الاجتماعية على الصعيد العالمي . ومن ثم، فالعلمانية - بما يراد لها أن تكون تشخيصا عربيا - ترى في إقصاء التناقضات والصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، التي تؤجج وتسعَّر في العالم العربي، أمرا حاسما في صالح الخطوة الأولى باتجاه فعل تاريخي عربي مفتوح نحو المستقبـل . وبهذا، فإنّ العلمانية المعنية هنا لا علاقة لها بما تلصقه الأصولية الإسلاموية من مماهاة بينها وبين الإلحاد، ومن الاعتقاد بأنها مؤامرة غربية لتدمير الإسلام من داخله .
إنّ حسم وتجاوز الجدل القائم منذ قرنين حول ضرورة العلمانية بات يشكل المدخل الرئيسي لإقامة النظام العصري، المدني بطبيعته، وأنه لمن المستحيل التقدم نحو الحرية والديموقراطية من دون الخروج من التناقضات الاجتماعية العميقة والقفز فوق مسألة التمييز الديني أو المذهبي أو القومي، على كافة مستويات الحياة العامة بما فيها قضايا الأحوال الشخصية .
ألم تبلغ النقاشات حول العلمانية والإصلاحات الاجتماعية أوجها في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي وذلك في ظل الوجود الاستعماري وعلى مشارف الحروب العالمية ومعارك الاستقلال الوطني ؟ ألم يكن مشروع النهضة العربية آنذاك، بمجمله، قائما على مسألة العلمانية والحرية والديموقراطية، مع ما يستتبع ذلك بالطبع من احترام التعدديات الثقافية والسياسية وحماية حقوق الإنسان ؟ .
لقد آن أوان تبلور الخطاب النقدي العلماني داخل العالم العربي وفي المهاجر العربية ، الذي يلخص عملية التغيير الحضاري الواجبة والمستشرفة لآفاق التقدم العربي . فالعلمانية نظام عام عقلاني ينظم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، فيما بينها وفيما بينها والدولة، على أساس مبادئ وقوانين عامة مستمدة من الواقع الاجتماعي ، يتساوى أمامها جميع أعضاء المجتمع وفئاته بصرف النظر عن الانتماءات والخلفيات، وتشمل :

أ - فصل الدين عن الدولة وإقرار حيادها تجاهه .

ب - إلغاء الطائفية السياسية .

ج - تعزيز المحاكم المدنية العامة، لضمان المساواة التامة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم .

د - إقرار توحيد قانون الأحوال الشخصية، بحيث يساوي بين المرأة والرجل، ويمنح المواطن حق الاختيار بين الزواج المدني أو الديني أو كليهما .

هـ - اعتبار القوانين نسبية لا مطلقة، مصدرها المجتمع، فتعدل بضوء حاجاته ومشكلاته، وبمقتضى الأحداث التاريخية الجارية وحسب مشيئة الشعب الذي يُحكَم باسم هذه القوانين .

و - اعتبار الحاكم حاكما باسم الشعب، يستمد سلطته من الناس ويمثل إرادتهم، ولا يستمدها من إرادة إلهية فوق المجتمع .

ز - تعزيز الثقافة العلمية العقلانية .

ح - الإقرار بحقوق مختلف المذاهب والطوائف والقوميات .

ط - تحرير الدين من سيطرة الدولة، والدولة من سيطرة الدين .

ولما كان الأمر كذلك، فإنّ العلمانية تجد مرتعها الخصب في إطار من الديمقراطية، التي تمارس عقلانيا وتنويريا، وذلك على نحو تغدو فيه الديمقراطية والعقلانية والتنوير أحد أوجه العلمانية وصيغة من صيغ التحفيز عليها .
إنّ العلمانية ارتبطت بأكثر من معنى، فهي ليست فقط بمعنى فصل الدين عن الدولة كما هو شائع في العالم العربي، بل كان الارتباط الأوثق بين العلمانية والفكرة القومية، حين انبثقت من ثقافة ديمقراطية وصراع في سبيل التقدم وكرامة الإنسان، وجاءت بمثابة تأكيد على قدرته على تنظيم شؤونه تنظيما عقلانيا . لذا فالمبدأ الأساسي في العلمنة يؤكد أنّ الدين أمر شخصي، وينبغي، بالتالي، فصله عن الدولة والمدرسة والأحوال الشخصية .
وتعتبر العلمانية منظومة متكاملة، فهي على المستوى المعرفي، معادل للعقلانية، والرؤية الدنيوية الأرضية إلى الكون ، والإنسان، والمجتمع، والثقافة . وعلى المستوى القومي، تغدو العلمانية الشرط التاريخي لـ" الاندماج القومي" الذي يتجاوز التكسير الاجتماعي، ويصفّي تناثر الأمة . وعلى المستوى السياسي، تبدو شرطا ضروريا للديمقراطية، فلا يمكن دمقرطة المجتمع دون علمنته، فالوجه الأول لأي مشروع تقدم عربي هو العلمانية والثاني هو الديمقراطية .
إنّ الكثيرين لا يدركون تماما ماهية العلمانية هذه ومدى أهميتها من أجل بناء مجتمع ديمقراطي على مستوى تحديات العصر. ولعل السبب في رفضهم العلمانية هو أنهم يخشون أن تكون مرادفا لمعاداة الدين ، على أنّ هذا الخلط لا أساس له، بل أنّ العلمانية من شأنها أن تحرر الدين من استغلال السلطة له . وبالتالي فإنّ العلمانية من شأنها أن تقوّي بعد القناعة الفردية الحرة من العقيدة، وذلك من خلال فك الربط بين الدين والسلطة . بل أنّ العلمانية هي، في جوهرها، ليست سوى التأويل الحقيقي والفهم الصحيح للدين، على الأقل في جانب المعاملات والقيم العامة التي يحملها .
وعندما تطرح العلمانية، بمعنى عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية لمواطنيها وبحيث تكون المواطنة هي أساس العلاقة بين الدولة والمواطن، فإنها - في هذه الحالة - أقرب لأن تكون مفهوما سياسيا، يشكل ضمانة أكيدة للمساواة ولتلاحم المجتمع، حيث تكون العلاقة بالوطن والدولة علاقة سياسية وليست علاقة دينية قد تحد من المساواة السياسية بين أصحاب الديانات المختلفة .


13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05917 seconds with 10 queries