اللقاء الأخير مع سعد الله ونوس
نص اللقاء في البرنامج الوثائقي لعمر أميرلاي مع سعد الله ونوس.
وبداية الحديث عن إسرائيل ...
عمر أميرلاي :
سعد يبدو أن أي محاولة اليوم للحديث عن علاقة جيلنا بموضوع الصراع مع إسرائيل عمبيكون بالضرورة حديث عن عمر اللي ارتبط مصيره من البداية بمصير هذا الصراع، يعني من نكبة فلسطين عام 48 وصولاً لما يطلق عليه اليوم عملية السلام.
ما بخفيك أنو من لحظة ما فكرت فيك لتكون لسان حال وجداننا بهذا الصراع وأنا ما عمبيفارقني هذا الشعور الحزين والمتشائم أنو نحنا اليوم على أعتاب نهاية مرحلة من حياة جيلنا.
واللي اجت لتأكدها أكثر الحالة المؤسفة التي أنت فيها اليوم.
سعد الله ونوس :
سأكون صريحاً، أنا بمزاج جنائزي هذا اليوم، ليس بسبب المرض فقط وإنما بسبب أشياء كثيرة.
و سنبدأ حديثنا عن إسرائيل .
فإني أعتقد أن إحساسي الجنائزي سيتضاعف أكثر وأكثر. لأني وأنا على حافة هذه التخوم الرجراجة بين الحياة والموت ، أعتقد أن إسرائيل - وإني أقولها بالمعنى الحرفي لا بالمعنى المجازي - أن إسرائيل سرقت السنوات الجميلة من عمري وأنها أفسدت على إنسانٍ عاش خمسين عاماً مثلاً الكثير من الفرح وأهدرت الكثير من الإمكانيات.
وإني أعتبر نفسي محظوظاً لأن الآلاف سواي لم يتح لهم حتى أن يتجاوزوا العشرين أو الخامسة و العشرين وسرقت أعمارهم وإمكانياتهم و حيواتهم في العدوانات المتكررة والمستمرة التي بدأت منذ بدأت هذه الفكرة الحمقاء والمناهضة لأبسط قواعد العدالة التاريخية، فكرة إقامة دولة إسرائيل في خاصرة الوطن العربي.
نكــــبـــة 1948 :
لقد قرر الغرب أن يتخلص من بضعة مشاكل وبضعة ذنوب وأن يخفف ما يعانيه في ضميره من شعور بالذنب والمسؤولية فوجد حلاً سهلاً، أن يهيأ أرضاً لهؤلاء الذين ظلمهم هو بالذات والذين ذبحهم وشردهم وعذبهم .. أن يهيأ لهم أرضاً خارجاً على حساب شعب آخر يطردونه من أرضه ويقيمون هذه الدولة التي هي إسرائيل.
وهناك قلة تعرف النقاشات والانقسامات التي تعرض لها اليهود في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن حول غاية العودة فلقد كان هناك يهود شرفاء كانوا ضد إقامة الدولة. وكان مجيئهم إلى فلسطين هو نوع من التدين لا يعني على الإطلاق أي مشروع سياسي أو هذا. وحينما عرفوا أن الأمر هو غير ذلك فلقد تركوا فلسطين.
منهم من عاد لأمريكا وبعضهم عاد إلى أوروبا.
و لكن تلك الآلاف التي كانت تأتي بكثير من الحماس إلى فلسطين لتقيم مشروعها.
فأنا أظن أنها كانت مغسولة الدماغ تماماً، صدقت فعلاً أنها تأتي إلى أرض ظلت خالية ونقية من البشر استعداداً لاستقبالهم كي يصلوا ما انقطع و يوالوا تاريخاً مر عليه أكثر من ألفي سنة.
لا بد أن يكونوا عصابيين كي يعتقدوا فعلاً أنهم إذ يقتلون الفلسطينيين ويقيمون المجازر في فلسطين إنما ينتقمون من الألمان أو من الأوروبيين الذين عذبوهم وقتلوهم في "أوشفيتز" وسواها من معتقلات التعذيب.
وكان مستغرباً أن يكون في قرية نائية أو مهملة كالقرية التي ولدت وترعرعت فيها وهي قرية "حصين بحر",
أن يحكى في تلك الفترة عن شابين تطوعا مع جيش الإنقاذ وأنهما ذهبا إلى فلسطين لكي يحرراها من الأعداء الصهاينة الذين جاءوا كي يحتلوها ويطردوا أهلها ويشردوا أهلها الفلسطينيين.
ومنذ انزلقت هذه الكلمة [يقصد فلسطين] مع الترقب المغمس بالرهبة والخوف حول مصير هذين الشخصين ومن ورائهما مصير القضية التي ذهبا يقاتلان من أجلها. بدأ ينمو اهتمام لنقل طفولي - اهتمام أولي - بهذه القضية وبتطوراتها وتحولاتها في حياتنا العامة. كنا نكبر وكانت تكبر هموم هذه القضية معنا وكنا نحمل هذه الهموم على كواهلنا النحيلة والمتعبة.
كنا بلاد فقيرة .
كان علينا أن نفكر بمسألة الطعام
كان علينا أن نفكر بمسألة الصحة
كان علينا أن نفكر بمسألة التعليم
و كنا مع كل هذا، نحمل إلى جانب كل هذه الهموم هذا الهم الذي اعتبرناه هو الأكبر وهو الأهم وهو ضياع فلسطين.
نكــســة حزيران 1967 :
سأوافقك على أن هزيمة عام 1967 هي لحظتنا الحاسمة في تاريخنا العام وفي تاريخنا الشخصي.
لنكن صريحين حين قامت الأزمة كنا إلى حدٍّ ما سعداء،
و كان قد استقر في أذهاننا عبر سنوات الخضخضة والكذب والتدجيل أن هزيمة 1948 إنما كانت نتيجة الخيانة والأسلحة الفاسدة وأنها لم تكن أبداً بسبب ضعف القدرة القتالية عند الجندي العربي أو بسبب تفوق الجندي الإسرائيلي .
وأكثر من ذلك لقد زرعوا في أذهاننا أن الجندي الإسرائيلي جبان وأنه لا يستطيع أن يواجه وأن مسألة هزيمة إسرائيل هي مسألة ممكنة في أي لحظة.
لم أكن متفائلاً عام 1967. لكني لم أتصور أن القوات العربية في مصر بالذات وكذلك في سوريا هي من الضعف والتفكك إلى الحد الذي بدت فيه خلال الأيام الستة التي جاءت فيها حرب 1967.
فباسم إسرائيل حكمتنا هذه الأنظمة العربية لأنها ستحمي الوطن ولأنها المؤهلة للقتال وهي لم تفعل شيئاً إلا مراكمة الهزائم.
كانت الصدمة حادة وعنيفة إذ أحس الجميع أنهم مطعونون بكبريائهم، أنهم مهانون حتى العظم.
وعندما تأكدت لنا الهزيمة بإعلان استقالة عبد الناصر. أحسست أني سأموت تلك اللحظة، أحسست أني أختنق .. بكيت وبكيت.
وكان لدي شعور بأن تلك هي النهاية، نهاية ماذا لا أدري.
ولكن أحسست أن عمراً قد انتهى أن تاريخاً قد توقف، أن كل مشاغلي وما يربطني بالحياة وما يمثل وجودي قد انطوى في غيابة ماضٍ ينبغي أن أدفنه وأن أكفنه لكي أستطيع الاستمرار إلى الغد. ولكن ماذا كان يحمل لي هذا الغد لا أدري.
حرب 1973 :
لقد كشفت حرب 1973 أن إسرائيل ليست حصناً منيعاً لا يمكن مسه. وليست تلك الدولة غير القابلة لأن تجرح وتهزم وتخسر معارك. ولذلك صفقنا كثيراً عندما قامت حرب 1973. إن مجرد شعورنا بأن جنودنا يستطيعون أن يقاتلوا أعاد لنا شيئاً من الثقة المضعضعة بل والمعدومة بالذات.
أنا شخصياً أعتقد أن حرب 1973 على أهميتها في تاريخنا الحديث قد أجهضت ذلك الفوران المبشر والغني الذي عرفناه بعد هزيمة 1967. وأعتقد أنه كان في ذهن بعض المخططين لهذه الحرب أن تكون مجرد عملية سياسية تعيد للمواطن العربي بعض الثقة بنفسه وتطلق أيدي الزعماء العرب لمباشرة السياسات التي كانوا يتهيئون لاتخاذها واختيارها.
إذا تعبت أضع رأسي على كتف قاسيون و أستريح و لكن إذا تعب قاسيون على كتف من يضع رأسه .......... المـــــــــــــــــــــا غوط
آخر تعديل butterfly يوم 05/04/2007 في 13:29.
|