منمنمات تاريخية
كتبت عام 1993
رواية المسرحية :
المنمنة الأولى :
خصص سعد الله المنمنمة الاولى للشيخ التاذلي وعنونها كالتالي (الشيخ برهان الدين التاذلي او الهزيمة).
الجو العام هو جو هزيمة كارثية فقد سقطت حماة وحلب بيد المغول وتحولتا الى ركام ومقابر جماعية حتى قيل ان المغول شيدوا مئذنة من جماجم القتلى.
جيوش المغول في طريقها الى دمشق.نائب الغيبة, وهو اشبه بقائم مقام الخليفة, او السلطان فرج بن برقوق, يميل الى (تسليم المدينة بالامان) للمغول ويحاول الهرب فتتصدى له الجماهير وتمنعه من الرحيل بل و تهينه.
الشيخ التاذلي يدعو نائب قلعة دمشق الامير عز الدين الى المقاومة بالاعتماد على الذات حتى وصول السلطان فرج وعساكره المصرية وتبدأ عملية المقاومة فعلا.
رجال الدين من جماعة ابن مفلح يسايرون المقاومين مرغمين ويدفعون الشيخ التاذلي لحسم قضية الشيخ المعتزلي جمال الدين وينجحون في ذلك, إذ تحرق كتب هذا الاخير, ويوضع في الحبس ولكنه لا يكف عن المطالبة بحقه وواجبه في المشاركة في مقاومة الغزاة.
يحدث اول صدام بين الشيخ التاذلي وابن خلدون ليلة انسحاب السلطان فرج بعد هزيمة عساكره بمواجهة المغول وتبلغه باخبار حول مؤامرة ضد عرشه في مصر, حين يعلق ابن خلدون على كلام السلطان المستبد بعبارات خانعة وانتهازية فيوبخه التاذلي: اتسمي الخذلان فصاحة يا بن خلدون؟
في نهاية هذه المنمنمة يستشهد الشيخ المقاوم برهان الدين التاذلي حاملا سلاحه, ولكن عملية المقاومة والصمود في القلعة تستمر. ففي معركة واحدة قتل واسر اهل دمشق من المغول حوالي الالف غاز وغنموا الكثير من خيولهم. غير ان هذه المعركة لا تحجب حقيقة الهزيمة العسكرية القادمة بسبب موازين القوى وخذلان السلطان وتآمر التجار ورجال الدين ولكنها, ايضا, لا تحجب حقيقة انتصار الخط المقاوم الذي مثله الشيخ التاذلي والامير عز الدين قائد القلعة على خط الاستسلام في المدى التاريخي.
بعد استشهاد الشيخ التاذلي خلا الجو لتحالف رجال الدين والقضاة من جماعة ابن مفلح والتجار والاعيان الممثلين بشخصية دلامة فشرعوا في إثارة البلابل والتشويش على الخط المقاوم عن طريق إدعاء الحيرة وصعوبة معرفة الصواب في وضع معقد! إذ يبدأ دعاة الاستسلام هؤلاء ببلبلة الرأي العام, تمهيدا للتشكيك في شرعية وصواب المقاومة, وصولا الى ضرب الجناح المقاوم والانفراد برأس الامة والوطن ومن ثم تبضيعه في سوق المساومات الخيانية مع الغازي. وهذا ما كان يعرفه عبد الرحمن بن خلدون الذي طالت عشرته مع الحيث التاريخي حتى صار ذهنه معجونا به ومشبعا بتفاصيله وعبره البليغة او هذا ما يعتقده المرء على كل حال.ولكنه - ابن خلدون - يختار الميدان الآخر لا ميدان المقاومة, والطريف واللافت انه يعبر الى ذلك الميدان على جسر عبقريته فهو يحاول تبرير عدم دعوته الناس للمقاومة, وانحيازه بعد قليل الى تحالف التجار ورجال الدين والاوقاف, بنظريته الخاصة (علم العمران البشري). وهاهو يقول لتلميذه وتابعه المصري (شرف الدين): (الا تعلم يا شرف الدين ان صبغة الدين حالت, وان عصبية العرب زالت وان الجهاد لم يعد ممكنا؟). وحين يحاججه التلميذ بشدة وحماسة وعصبية اهل دمشق اثناء تشييع الشيخ الشهيد التاذلي واستعدادهم التام والصادق لقتال المغول, يقول ابن خلدون (هذه ليست عصبية يا شرف الدين.تشدق الاحداث وهياج العامة والدهماء ليست من العصبية في شيء.والناس هنا في دمشق اهل مدينة وحضارة بلغ فيهم الترف غايته, وسقطت عنهم العصبية بالجملة وثمة حوار طويل بين ابن خلدون وشرف الدين لا يخرج عن هذا المؤدى ويدخل في تلافيف قضية المثقف ومبدع الثقافة والعلم والموقف التاريخي. فحين يسأل التلميذ استاذه (اليس من مهمة العالم يا سيدي ان ينير للناس ضوءا او ان يهديهم الى سبيل يخرج بهم من الانحطاط؟! يجيب ابن خلدون بالنفي ويضيف (مهمة العالم ان يحلل الواقع كما هو, وان يكشف كيفيات الاحداث واسبابها العميقة).
شرف الدين: ماذا سيقول عنك التاريخ يا سيدي؟
ابن خلدون: (لن يذكر التاريخ إلا العلم الذي ابدعته, والكتاب الذي وضعته.اما هذه الاحداث والمواقف العابرة, فلن يذكرها او يهتم بها إلا موسوس مثلك)
تنتهي هنا
إذا تعبت أضع رأسي على كتف قاسيون و أستريح و لكن إذا تعب قاسيون على كتف من يضع رأسه .......... المـــــــــــــــــــــا غوط