ليبرالي أكثر---وطني أكثر
د. الياس حلياني
من الذي صنف الليبرالي عدوا لوطنه؟ ولماذا اعتبار الليبرالي غير وطني، ؟ ومن هو أحق من الليبرالي في وطنه؟ الفرد الشمولي القومي؟ أم الفرد الأصولي المتطرف.
ومالذي يمنع من تبني الليبرالية أساسا للمواطنة الحق؟ وما لذي يمنع أن تكون الليبرالية هدفا لكل وطنيا. ومن الذي وضع الليبرالية في خانة أمريكا أو في خانة أوروبا؟
في سعينا للحاق بالركب العالمي، والتحديث والتطوير، والرفاهية، وجدنا في الغسالة والبراد والسيارة والموبايل، وسائل تُحقق لنا قدر أكبر من الراحة والسعادة والرفاهية والتطور. وإذا حصلنا على أفكار ورؤى تُحقق لنا نفس المقدار من السعادة والراحة والتطور، فلماذا لا ننتهجها ونعتنقها.نُطالب دوما بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وعندما نحصل على مبتغانا بواسطة أفكار ليبرالية وعلمانية، نرفضها لأن منشأها من الغرب. مع العلم أن الغرب لم يكن المؤسس الأول لها، إنما وصلته أيضا من تجارب الذين سبقوه في المضمار الكوني. ووجد فيها ضالته، فهي تُحقق لأفراده المساواة السياسية والقانونية . وطور فيها ما وجده يتوافق مع إنسانية أكثر وراحة أكثر لفرده وشعبه.
الليبرالية ونعني بها ذلك التيار، أو مجموعة من تيارات فكرية، والتي تُطالب بحق جميع أفراد الشعب باستعمال الانتخاب وسيلة للتعبير عن رغبتهم في هذا الشخص أو تلك الفكرة، بشكل متساوي، لا فرق فيه بين طائفة وأخرى، ولا بين قومية وأخرى، فجميع المواطنين متساويين في هذا الحق. وعندما تنادي الليبرالية بحق المساواة في الانتخاب، أكيد هي لا تكون ضد الوطنية ولا الدين.وتُطالب الليبرالية بحق وحرية الجميع، في خلق تنظيمات تجمعهم وتُدافع عن قضاياهم، وهي في كل هذا، تُجذر الوطنية الحق، من خلال تبنيها هذه الحقوق الاجتماعية الأساسية للمواطنين. وتُدافع الليبرالية بشراسة عن حق المرأة في دخول المعترك السياسي، فهي مواطنة، وحقها الطبيعي أن تُمارس مواطنتها وتُشارك في العمل السياسي، وتشعر بدورها الكبير في إدارة دفة البلاد والدفاع عن مصالحها بكونها مواطن يملك نفس الحقوق التي يملكها الرجل. وهنا أيضا تعمل الليبرالية على تفعيل هذه النظرة الوطنية للمرأة وتجعلها أكثر التصاقا ومحبة بوطنها، كيف لا وقد أصبح لهادورا كبيرا في رسم سياسة الوطن.حق التعبير عن الرأي، حق النشر، حق الإعلام.----كل هذا مهد للوصول إلى العمل الصحفي الحقيقي الشفاف والذي يخدم الوطن، عن طرق طرحه الصادق لكل ما يحصل عليه من أخبار، وما يكشفه من أسرار.بعيدا عن تأثير الفكر الديني والقمع السلطوي. وما يسببانه من ضغط وقمع من أجل لوي عنق الحقيقة وتوجيه الخبر بما يخدم هاتين المؤسستين.المشاكل التي نعاني منها اليوم، أكثر من أن تُعد، فمن الفقر إلى التخلف إلى الجهل، ولم نجد لها حتى اليوم حلا مقنعا، فالخيانة اليوم وقلة الوطنية، تكون في استمرار هذا المشاكل والآفات التي نُحمل الغرب دائما تبعاتها، لأننا حتى الآن لم نجد لها الحلول الناجعة. فلو أننا استطعنا اليوم أن نحصل على فلسفة سياسية معينة، قادرة على المساهمة في إصلاح هذه الآفات والمشاكل المعاصرة، فان من الخيانة رفضها، ومن الوطنية أن نقبل بها ونمارسها.
هذه الفلسفة السياسية، ونقصد بها طبعا، الليبرالية، بكل ما تحمله من حرية وتنافس وصراع وحركة وفكر على كافة المستويات، الصناعية والخدمية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يدفعها إلى التطور المستمر والتقدم الكبير، لأنه من رحم المنافسة يخرج الإبداع. على عكس مجتمعاتنا المغلقة والمحكومة بثقافة مغلقة قمعية استبدادية، تضغط عليها الأصولية من جهة، والسلطة الحاكمة منجهة أخرى، مانعة تطورها، مجمدة إياها في مجمدات التاريخ. هل تعني الوطنية الاستهتار بمصالح الوطن والناس؟(عدم الإحساس بالمسؤولية)هل تعني الوطنية التفريط بالحقوق ؟(عدم الالتزام بالواجب)هل تعني الوطنية قبض الراتب من دون تقديم أي مقابل؟هل تعني الوطنية الاستسلام لواقع الحال ، وعدم التفكير بالتقدم وتحسين الحال؟
في المجتمع الليبرالي، نجد سوية عالية من الإحساس بالمسؤولية سواء كانت مسؤولية مهنية أو مسؤولية وطنية أو مسؤولية إنسانية فالليبرالي لا يفرَّط بحقوقهلكنه بالمقابل ملتـزمٌ بواجباته.. على المستوى المهني يبذل بالحقيقية. من خلال المنافسة الجادة والمطلوبة، أقصى ما يستطيع لتحصيل المعرفة وتكوين المهارة المهنية وهو يحرص على أن يؤدي واجباته المهنية وغيرها بمنتهى الدقة التي يستطيعها وبأقصى درجات الالتزام والولاء كما أنه يلتزم بالمواعيد بدقة ولا يهدر الوقت ويسعى جاهداً لتحسين الأداء وقد تربى على أن يكون منصفاً ويحترم الآخرين كما أنـهم يحترمونه فهو منضبطٌ في سلوكه وملتزم بالقوانين وهذه هي الجوانب الأخلاقية الأساسية التي تُشيَّد بـها الفلسفة الليبرالية. والأكيد أنها معايير وطنية حقيقية.ما لشعب إلا مجموعة من المواطنين، والاعتراف بفردية المواطن، تعني الاعتراف بوطنيته، والالتزام بحقه في الاختيار الحر والتفكير المستقل وحقه في التعبير عن نفسه وأفكاره وآرائه ومواقفه دون قمع أو رهبة من اعتقال أو قطع رأس. وكل هذا، من الاختيار الحر إلى التفكير المستقل إلى حق وحرية التعبير، كلها أمور تُساعد في بناء وطن متماسك قوي، مواطنوه أحرار مستقلين.يتمتعون بحريات كبيرة، تكفل للجميع ، مجالات واسعة، تضيق بها كل الأنظمة السابقة من شمولية إلى دينية. وكل ذلك ضمن فرص متكافئة للجميع ، لا غلبة لطائفة ولا لعرق، ولا لمذهب على الآخر. مجتمعنا محكوم بالتخلف، وكيف لا، ونحن نعيش تحت نير سلطتين، هدفيهما وناتج هما واحد، آلا وهو إبقاء الحال على ما عليه. نحن محكومين للأسف بقانون القصور الذاتي فلا شيء يعلو على ذاته وإنما لا بد أن يأتيه دافع من خارجه فالليبراليون في مجتمعنا هم من داخله لكنهم يفحصون أوضاعه وكأنـهم من خارجه إنـهم يتمكَّنون من رؤية نقائصه السائدة وهم بداخله وبذلك فإنـهم محبو وطن، ومنقذين.
لا صراع حضارات بل صراع كيانات سياسية فالثقافات
لا تتناحر وإنما تتفاعل.....والحضارات لا تتصادم وانما تتلاقح.
......understood seek first to understand then to be
|