أنا أعود وأقول إن هذا يرتبط بالسؤال الأول، قضية المعسكرات. لا شك أن هناك الآن في لبنان قوى ترتبط بالسفارة الأميركية أو بهذه السفارات أو بهذه القوى، فهي تمثل معسكراً من المعسكرات المطلوب أن تكون موجودة، وبما أن المعركة الأساسية الآن للولايات المتحدة هي إيران في منطقتنا فمن الطبيعي أن تساهم كل هذه الأمور بخلق هذه الصورة، بمعنى كما تقول هي ضد إيران، لكن بالعودة إلى كلام السيد نصرالله، ينفي هذا الكلام ويحسمه، هل من المعقول لو كان هناك دعم إيراني أو دعم سوري أو كل هذا الكلام، بل ليست القضية هنا، هل يمكن لشخص أن يذهب ليموت من أجل سورية، أو إيران في بلد آخر ومن جنسية أخرى؟ هذا الكلام غير منطقي، كأن يقولوا إن الإسلاميين يفجرون أنفسهم ـ بالمنطق الغربي ـ لأن هناك منظمة ترسلهم. أنا أقول لهم إذا كان شخص غير مستعد للموت لقضية غير مقتنع بها فلا يمكن أن يكون مستعداً للاستشهاد، وتجربة حرب 1982 تدل، هناك من قاتل وهناك من لم يقاتل، من قاتلوا هم مجموعات عقائدية من الفلسطينيين في ذلك الوقت، وقسم كبير منهم من لم تكن لديه عقيدة وكان لديه كل دعم العالم العربي، لم يقاتل بل هرب. فمن غير المعقول أن نقول أن يقاتل حزب الله ويخوض هذه الحرب بسبب إيران أو بسبب سورية، هم استغلوا هذا الموضوع ليزيدوا العزلة الإيرانية في العالم العربي، ويعيدونا إلى نفس المرحلة في بداية الحرب العراقية ـ الإيرانية على أساس أن القضية هي قضية عربية فارسية. إيران فارسية ما الذي يمنع من أن يكونوا معنا في القضية الفلسطينية؟ لا يوجد شيء يمنعهم، دائماً هم معنا منذ ذهب الشاه. مع سورية في قضايانا، لا أعرف أنهم ضدنا في موضوع واحد، فلماذا تكون المشكلة ضد إيران، هل بسبب الحرب؟ الحرب سببها إسرائيل. هل إيران من دمرت لبنان أم إسرائيل؟
العرب وإيران
إن حصل اعتداء على إحدى الدول الخليجية من قبل المتهم الأول إيران، بشكل مباشر أم غير مباشر، ماذا سيكون دور سورية؟
هذا جواب أجابه الرئيس الراحل حافظ الأسد لمسؤول خليجي، وأنا سمعتها منه، عندما كان يقول لهم إذا كانت إيران ستعتدي على دول الخليج فإنني سأرسل جيشي. فالشيء البديهي إن كنا نحن مؤمنين بمعاهدة الدفاع العربي المشترك أن تذهب كل الجيوش للدفاع، سواء كانت إيران المعتدية عليكم أو أي دولة أخرى.
أنا ليس لي بالدفاع المشترك، أنا لي بالرئيس بشار الأسد؟
هذا واجبنا، عندما تتوافر الإمكانية كما ساهمنا بجزء من قواتنا في موضوع تحرير الكويت، في الحقيقة نحن نعرف أن أهميتنا كانت سياسية في هذا الموضوع، ربما، ولكن ضمن الإمكانيات العسكرية ساهمنا بما نستطيع، فأنا أتكلم عن فكرة مساهمة، واجبنا أن نقف ضدهم، أي دولة، عسكرياً وسياسياً وبكل المواقع، هذا الأمر محسوم بالنسبة لنا، مبدأ.
أوضاع لبنان
الانقسام الموجود الآن في لبنان هل يدفع إلى الهاوية؟
نحن نخشى أن يدفع إلى الهاوية، البعض من اللبنانيين هم أقدر على التقييم، يقولون إن الأجواء تشبه أجواء عام 1975، لا أستطيع أن أقيّم أجواء ما قبل عام 1975 بدقة، أو السنوات التي سبقتها، ولكن بالنسبة لنا في سورية نعتبر أنه إذا ما حصلت مواجهات في لبنان فإنها خسارة مباشرة لسورية، لأن الحرب الأهلية في لبنان وإيقافها عام 1990 دفعنا ثمنه دماء، وأموالاً، وكل شيء. كانت مكلفة جداً بالنسبة لسورية، حتى في تداعياتها السياسية الأخرى، وهذه الحرب الأهلية هي التي شجعت إسرائيل لدخول لبنان عام 1982، وأيضاً دفعنا ثمنها. فنتمنى ونسعى، ونحن عندما نلتقي مع أي شخص لبناني نقول له لا تدعوا أحداً يجركم إلى المواجهة، أحياناً وجود الدولة بمعنى الدولة الحقيقية في لبنان، لا يخلو من بغض، هناك عقلية ميليشياوية موجودة بشكل أو بآخر في لبنان، هناك مصالح ضيقة، شخصية سياسية توضع أمام مصلحة الوطن، فعندما يكون هناك دولة، لو لم تكتمل، البعض لا يوافق على هذه الدولة، البعض يقول الطائف غير مثالي، طبعاً الأمور تتطور، الوطن يطور ما لديه، ولكن وجود الدولة بشكل أو بآخر يضرب هذه المصالح، فلديهم مصلحة، نحن نعمل ما بوسعنا لمنع تدهور مثل هذه الأمور باتجاه الأسوأ.
كيف تعملون؟
بنفس المنطق الذي ذكرته سابقاً، خلال حديثنا معهم نقول لهم لا تدعوهم يجروكم، كونوا أكبر، أحياناً يبدأ الموضوع بتصريحات وبتوتر.
من هم؟
كل أصدقائنا المعروفين. (لو أردت أن أعدد أسماء، ربما لا يكون لديهم رغبة بأن نقول من هم).
هل من ضمنهم الرئيس فؤاد السنيورة؟
الحقيقة أن الرئيس فؤاد السنيورة دُعي إلى سورية ثلاث مرات، ولم يأت، لم نتمكن من أن نقول له هذا الشيء ولا أي شيء آخر. أول مرة طلب مقابلتي في قمة الخرطوم، عندما التقيت به في قاعة الانتظار قبل الدخول إلى القمة، قال أريد أن آتي إلى سورية، فقلت له أهلاً وسهلاً ضعوا جدول الأعمال ونحن بانتظاركم. لم يأت. لاحقاً أتى الرئيس نبيه بري وطلب مني أن يأتي السنيورة، فقلت له ضع جدول أعمال. فطلب الرئيس بري أن تكون الزيارة بدون جدول أعمال، لتكن زيارة علاقات عامة، كسر جليد. فقلت له سمها زيارة كسر جليد وأنا موافق. وتمنى الرئيس بري أن تكون الزيارة خلال أسابيع قليلة. وذهبت أسابيع وأشهر ولم يأت. أتى الشيخ حمد أمير قطر في زيارته الأخيرة إلى لبنان ومر إلى سورية وقال لي نريد أن ندعو السنيورة، يجب أن تدعو السنيورة إلى سورية. فقلت له هو مدعو. قال لي: لا سنأخذ له دعوة ثالثة ـ وذلك بعدما شرحت له ـ قلت له لا مانع. وقام الأمير بدعوة السنيورة، وحتى الآن لم يحصل أي شيء. فلا يوجد حديث بيننا وبين الرئيس السنيورة الآن لهذه الأسباب.
لو تحدثت إلى الرئيس السنيورة الآن، ماذا تقول له؟
نفس الكلام، أي أن يكون أولاً رئيس حكومة كل لبنان وليس رئيس حكومة كتلة. هذا شيء بديهي، لأي رئيس حكومة ولا أقصد السنيورة بالتحديد. أي رئيس في أي موقع، أي مسؤول حتى، يجب أن يكون مسؤولا يمثل كل البلد، لا يمثل طائفة ولا تياراً.
لكن الرئيس السنيورة كذلك قام بجهد خارق، عندما بكى السنيورة، ما كان هذا البكاء خطأ، أو عيباً بحقه، بل بالعكس، لكنه أعطى انطباعاً بأنه لا يستطيع أن يعمل شيئا لوحده، بل هو بحاجة إلى الآخرين، حتى أن الإنسان يحتاج أحياناً إلى العدو، فالدواء أحياناً يأتي من السم. لماذا نجعل السنيورة يضطر لأن يتجرع السم؟
لا أحد يتمنى أن يكون الوضع سيئاً، أما هذه التفاصيل فتبقى ضمن صراعات لبنان. جزء منها له علاقة بتاريخ لبنان، وجزء مستجد نتيجة الظروف الدولية المستجدة، لكن نحن نتمنى. قلت أنا في خطابي قبل أن ننسحب من لبنان في 5 آذار 2005، اننا مع كل ما حصل، سنبقى اخوة للبنان وإذا طلب لبنان مساعدة سورية، فنحن مستعدون. لكن كما تعلمين نحن لم نعد جزءاً من المعادلة اللبنانية بتفاصيلها، نحن الآن نتحدث في العموميات مع اللبنانيين، أما الأسماء والتفاصيل الدقيقة، فلم تعد جزءاً من اهتمامنا.
أنتم تقولون هذا، ولكن هناك أصواتا لبنانية أخرى تتهمكم مباشرة؟
لا. الحقيقة لا. ان اللبنانيين يأتون إلينا ونستقبلهم. لا يوجد لدينا لا جيش ولا شيء، بمعنى إذا أتى لبناني وتحاور معي وأخذ وجهة نظري فهو حر، وإذا لم يأخذ وجهة نظري فهو حر أيضاً. فهناك أناس، لكن هناك انقساماً في لبنان تجاه العلاقة الجيدة مع سورية، وتجاه من يريد ان تكون علاقته وانتماؤه السياسي لدول أخرى، خاصة الآن فرنسا وأميركا. هذه هي الحقيقة، حقيقة الانقسام. فلذلك يقولون تدخلوا، نحن لا نتدخل. هذه القوى بالأساس تعتقد بأن سورية بلد جار وشقيق وقديم للبنان، ولا يمكن ان يستقر لبنان بحسب قناعتهم بدون علاقة جيدة مع سورية، وهذا صحيح. هذه طبيعة العلاقة بين الدول.
سيدي الرئيس، لبنان كذلك ربط علاقته مع سورية بنتائج التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، في حال ظهرت الحقيقة، هل سيكون هناك انفراج في العلاقة مع لبنان، أم سيكون هناك شيء آخر؟
المشكلة لديهم وليست لدينا. نحن لا نربط العلاقة مع لبنان لا بالتحقيق ولا بغيره.
ولكن هذا الأمر انعكس على علاقتكم حتى مع دول في الخليج ودول أوروبية.
ولكن الدول الأوروبية الآن بدأت تفتح صفحة جديدة والتحقيق لم ينته. وأنا سألتهم هذا السؤال، قلت لهم أنتم عزلتم سورية، حاولتم أن تعزلوا سورية بحجة التحقيق، والآن لم ينته التحقيق وأنتم تعودون إلى سورية، لماذا؟ هذا نفس السؤال. لكن المهم أن الشيء الصحيح هو ألا نربط الأمور ببعضها، ما العلاقة؟ إذا ثبت التحقيق، أي عندما تقول انني أربط العلاقة مع سورية بنتائج التحقيق، فهذا يعني أنك تتهم سورية بدون دليل. أما أنت فعليك ان تنتظر نتائج التحقيق، وعندما تظهر الحقيقة، ستحدد هذه الحقيقة إن كان لسورية علاقة أم لا، وعندها تغضب من سورية أو ترضى عليها وليس العكس، هذا بشكل بديهي، لذلك سواء كان لبنان أو أي دولة عربية أخرى أو غير عربية فكرت بربط التحقيق بالعلاقة مع سورية فهذا خطأ كبير غير مبرر.
العراق
وماذا عن العراق؟
مأساة، ولكن ما قلناه سابقاً للأميركيين يحصل الآن. ما قلناه قبل الحرب، قلت لهم هذا الكلام. قلت لهم ستربحون الحرب، ستكون هناك مقاومة، ستكون هناك فوضى، ستدفعون الثمن، ستغرقون، لن يكون هناك حل وستدخلون المنطقة في فوضى، أي بقي الجزء الأخير لم يطبق مما قلته، وان تدخل المنطقة كلها في الفوضى، ولكن المنطقة غير مستقرة أنتم تعانون في الكويت بسبب ما يجري في العراق، نحن نعاني أيضاً بسبب ما يجري في العراق، والدول الأبعد من سورية والكويت ومن جيران العراق، ستعاني بشكل أو بآخر. الانعكاس بدأ يظهر سياسيا واجتماعيا. هناك توتر، حقد، إرهاب، كله انعكاس لما يجري في العراق. هل هناك مخرج الآن؟ ربما. ولكن لا نعرف أي دواء يشفي أو لا يشفي، ينجح أو لا ينجح، الله أعلم.
وما الدواء؟
هو أن تكون هناك مبادرة عربية تجاه العراق لا تستند إلى رؤية مسبقة، تستند إلى رؤية عراقية، محاولة لأن نرى ما هو القاسم المشترك بينها، ومن ثم نحاول أن نساعد العراقيين، طبعاً يجب أن يكون الحل عراقياً بمساعدة عربية وليس بمعنى حل عربي، أنا أقصد مبادرة عربية لحل عراقي، ولكن يجب أن يصاغ هذا الحل بمعزل عن القوى الأخرى. ما صعوبة هذا الموضوع، ان القوى الموجودة في العراق وفي مقدمتها القوات الأميركية لن تسمح بهذا الشيء لسبب أو لآخر. هذه القوى مؤثرة، هي القوى الأكثر تأثيراً، أي قوى الاحتلال، ولكن لا توجد لديها هي نفسها رؤية لحل الوضع في العراق، وكلنا نعرف أنهم لا يمتلكون رؤية، ولكنهم في نفس الوقت يمنعون أية رؤية أخرى من التحقيق. فهل سيسمحون بأي معالجة أخرى؟ الله أعلم.
" يا رب احرس الدكتور و أعطيه الحكمة ليقود بلادنا العظيمة "