في صبيحة اليوم التالي، 13 تموز، عندما سقطت الـ110 صواريخ كاتيوشا على الشمال، وبينما كان سلاح الجو يقصف مئة هدف في لبنان، بدأت وزارة الخارجية تدرك أن الجيش قد دخل الحرب من دون أن يضع لنفسه نقطة خروج واقعية لذلك، وكما يكشف النقاب هنا للمرة الأولى، تقرر البحث عن نقطة خروج دبلوماسية.القصف الاسرائيلي لجنوب لبنان
كلف المدير العام لوزارة الخارجية، أهارون ابراموفيتش، نائبه السياسي يوسي غال بقيادة طاقم سري لبلورة "استراتيجية الخروج" من الأزمة. جند غال مساعد الوزيرة طال باخر، الذي كان في الماضي مستشارا قانونيا في بعثة اسرائيل لدى الامم المتحدة، والمحامي دانيال رايزنر المختص في القانون الدولي، والذي شغل في السابق منصبا بارزا في النيابة العسكرية وشارك في محادثات السلام مع الفلسطينيين والسوريين. كان في الطاقم أيضاً كل من رئيس مركز الأبحاث السياسية نمرود بركان، ونائب المدير العام لشؤون الشرق الأوسط يعقوب هداس، وعوديد يوسف من ديوان المدير العام.
في ذلك اليوم، تبلورت أفكار ارتكز وقف النار عليها في نهاية المطاف. افتراض "طاقم غال" كان أن العملية العسكرية لن تؤدي الى تحرير المخطوفين أو نزع سلاح حزب الله وأن الجيش لن يعود للمكوث المطول في لبنان. كان الحل الذي بدأ يتبلور ارسال قوة دولية قوية لمساندة الجيش اللبناني ومساعدته على قمع حزب الله.
في 14 تموز، طرح الطاقم وثيقة أولية على ليفني وردت فيها مبادئ "استراتيجية الخروج". في يوم الأحد، 16 تموز، وبينما كانت وسائل الإعلام تتحدث عن سقوط صاروخ على محطة القطارات في حيفا حيث قتل ثمانية اشخاص، قدم الطاقم وثيقة أكثر تفصيلاً تضمنت مسودة أولية لقرار مجلس الأمن. وجاء في الوثيقة أن العملية العسكرية يمكن أن تؤدي الى إضعاف حزب الله، إلا أن هناك حاجة إلى اتفاقات سياسية من أجل الحفاظ على الإنجاز العسكري لفترة طويلة. حذر مُعدو الوثيقة من أن عدم قيام اسرائيل بأخذ زمام المبادرة قد يدفع الأسرة الدولية الى التوصل الى تفاهمات مع لبنان من دون اهتمام اسرائيلي.
حرص صائغو الوثيقة على أن تكون النقطة الأولى فيها، وفي كل الأوراق المرفقة: إعادة المخطوفين.
أما باقي المبادئ المحددة في الوثيقة فقد كانت:
1- تبني قرار "تأسيسي" جديد في مجلس الأمن بدلا من القرار 1559.
2- الجيش اللبناني ينتشر في جنوب لبنان ويعزز القوة الدولية لفرض السلام (هناك تردد في الوثيقة بين ارسال قوة جديدة تعمل في ظل تفويض دولي وبين رفع مستوى اليونيفيل الموجودة في لبنان منذ 1978. أعضاء الطاقم حللوا كل النماذج الدولية لمهمات حفظ السلام وبحثوا عن نموذج ملائم للبنان).
3- القوة الدولية تتمتع بصلاحيات تنفيذية حسب الفصل السابع من وثيقة الامم المتحدة وتكون مخولة إطلاق النار في اطار تنفيذ مهماتها.
4- المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الاسرائيلية تكون منزوعة السلاح.
5- نزع سلاح حزب الله ينفذ وفقا لخطة منسقة مع جهاز رقابة.
6- اسرائيل ولبنان تشكلان جهاز تنسيق سياسي ـــ أمني.
7- الاسرة الدولية تمنح لبنان مساعدة وفقا للتقدم في تطبيق القرار 1559 (نزع سلاح حزب الله).
8- الامم المتحدة تفرض حصار سلاح على الميليشيات غير الحكومية في لبنان.
اقترح الطاقم أن تعمل اسرائيل على دفع المبادرة بواسطة واشنطن وباريس من دون أن تكون عليها "بصمات اصابع اسرائيلية" من اجل منع ظهور معارضة دولية. ولكن المسؤولين في وزارة الخارجية طولبوا قبل ذلك بتسويق الخطة داخل اسرائيل لرئيس الوزراء والجيش.
16 تموز: شرخ بين أولمرت وليفني
بدأت تسيبي ليفني تشعر بأن هناك شيئاً ليس على ما يرام منذ ساعات المساء من 13 تموز. خلال ظهورها في استوديوهات التلفاز الجديدة، بدأت تسمع أحاديث عن عملية طويلة وأهداف اضافية. كان اعتقادها أن العملية السياسية يجب أن تدخل على الخط بعد القصف الناجح لترسانة الصواريخ الطويلة المدى. أما اولمرت فقد كان لديه تصور آخر وقدر أن الجيش بحاجة الى بضعة ايام اخرى حتى يضرب المزيد من الأهداف.