الموضوع: زياد الرحباني
عرض مشاركة واحدة
قديم 30/09/2006   #162
شب و شيخ الشباب HashtNasht
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ HashtNasht
HashtNasht is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
قدامك ...مانك شايفني !
مشاركات:
3,438

افتراضي "ضيعانو كيف..." صورة الحب عند زياد الرحباني:


سامر أبو هواش


"ضيعانو كيف..." صورة الحب عند زياد الرحباني:

ذلك الفردوس الأرضي المفقود



"ما في حديث, والجو تعيس, ضيعانو كيف, خلص الحب" ("خلص", من ألبوم "هدوء نسبي" 1985). على الرغم من ظاهره, ليس هذا إعلاناً بانتهاء "الحب", بقدر ما هو موقف من الحب وطريقة فهم له. فالحب بالنسبة إلى زياد الرحباني ليس قيمة روحية أو أخلاقية نهائية, أو جوهراً صافياً قائماً في حدّ ذاته, ليس فقط تلك اللحظة المتوهجة, السحرية, التي تسبق قيام علاقة بين شخصين, أو تصبغ بدايتها, بقدر ما هو اللحظة التالية, أو اليوم التالي, للحب. إنه علاقة الحب, علاقة تجمع بين شخصين من لحم ودم وأهواء وأمزجة, وهي اللحظة التي تتعرض لاختبار دائم بالنسبة إلى زياد. لذلك فإن "خلص الحب" تأتي كاستنتاج أو كنتيجة لـ "ما في حديث والجو تعيس", ولما يأتي بعدها "ما في كلام يعبّر تمام", لا كمقدمة سببية لذلك. العلاقة بين شخصين, بين رجل وامرأة, هي ما يبدو شاغلاً لزياد في ما يمكن أن نسميه تجاوزاً "أغنيات الحب" التي أنشأها تأليفاً موسيقياً وشعراً غنائياً, أكثر مما هو الحب نفسه.


مجال حيوي

يوظّف زياد حسّه الموسيقي والفكري النقدي في معالجته "موضوع" الحب. إنه أحد المجالات الحيوية التي يعكس فيها لغته وخبرته النقدية وقدرته على التواصل مع عصره وأبناء عصره, بالقدر نفسه الذي يشكّل فيه فرصة للبوح الشخصي. قيل وكتب الكثير عن نقد الرحباني الابن لـ "الوطن الرحباني", بالمعنى السياسي والاجتماعي للكلمة. لكن هذا الوطن لم يكن فقط الوطن الفولكلوري, المثالي, وطن القرية, بل إنه وطن لغوي وثقافي أيضاً, هو مزاج ومجموعة أفكار وأحاسيس, هو نظرة إلى الحياة, وطريقة تفكير في الوطن, كما في أشياء وقيم أخرى, منها الحب. في أعمال زياد الرحباني المسرحية يحتل الوطن السياسي والاجتماعي الحيز الأكبر. أما في أعماله الغنائية فيتساوى, إن لم يكن يفوق, التفكير في الحب, ونقد صوره السابقة (والتي لا تزال حاضرة بقوة), مع التفكير في السياسة والاجتماع, وفي بعض الأحيان نجده متقاطعاً معه.

تعبّر أغنية "خلص" عن حالة حزن فردي, مغلف بأسى النهايات, وفي الوقت نفسه تسجّل نقدها العام لمفهوم الحب في الأغنية العربية التقليدية (بما فيها الحديثة ظاهراً, التقليدية مضموناً) ذلك الحب الأبدي, الخارق, الذي يولد عظيماً ويبقى عظيماً وينبغي أن نظل نتعامل معه بوصفه عظيماً, بوصفه قيمة لا تُمسّ. معادلة ينقلب عليها زياد جذرياً بعد سنوات في معادلة منطقية رياضية, معلناً بسوداوية كاملة ما هو أبعد من أن الحب "خلص", معلناً موته: "ما دام أحلى وردة بتموت, والطير مهما علا بيموت, ليش تا هالحب ما يموت.. بيموت" ("بتموت", من ألبوم "مونودوز", 2001 ). لا ينكر زياد الحب أو جماله أو أصليته أو رومانسيته (يشبهه بالورد والطير) لكنه يرفض التعامل البراني التقديسي والرمزي معه, فإذا كان الحب نفسه يموت, فالكلام الإنشائي والبلاغي عنه يموت أيضاً, لا يعود موضوعاً غنائياً بديهياً ودائماً وأبدياً, مثلما كرسته الثقافة الطربية وغير الطربية العربية, ويصبح نقاؤه المفترض, أي أساسه الجوهري, موضع نقد محتمل. الحب هو "وطن" أيضاً يحتاج إلى نقد (وإذا لزم الأمر إطاحة) السياسات والثقافات التي تحكمه. هذا يصحّ أكثر فأكثر لأن زياد لا يتحدث عن الحب كقيمة مطلقة, بل عن علاقة حب, عن رجل وامرأة. فهو لا يتطرق حتى في "خلص" لـ "الحب", بل يصور حالة بين شخصين تربطهما علاقة (ما في حديث...), وفي "بتموت" يحكي أيضاً عن "هالحب", أي هذا الحب.

الأغنيتان السابقتان هما بصوت نسائي (وهذا عنصر سأرجع إليه بعد قليل), وكذلك أغنية "هيك بتعمل هيك" (من ألبوم "بما إنو", 1996), التي تبدو فيه صورة الحب/ العلاقة (قبل أن يموت), أو فهم زياد له, أكثر وضوحاً:

أنا عم فكّر إبقى أنا واياك

ليك

ليه عم تعمل هيك".

لكن هذه يغنيها صوت حائر بين الذكورة والأنوثة, إنه صوت الاثنين معاً, الرجل والمرأة, غير القادرين على تدبّر شؤون علاقة الحب المعقّدة وغير المنطقية, وغير المتوقعة. فطرف العلاقة الثاني هنا يعبّر عن عزمه ورغبته بالبقاء مع الشريك, لكن سلوكيات هذا الأخير تحول باستمرار دون ذلك. ويضيف الصوت في المقطع الثاني "أنا عم فكّر حبّك وينك ليك/ ليه عم تعمل هيك", فلا يقول إنه يحبّه ذلك الحب المطلق والنهائي الذي لا يتزعزع, بل إن هذا الحبّ (الذي يفكّر بمبادلته إياه) مهدّد بألا يتحقق أساساً, لا بأن ينتهي, لأن الحب ليس جوهراً خالصاً, ليس لحظة بداية إيمانية ثابتة, إنه صيرورة وسياق يخضع للشك والسؤال, والتبدل والتحول, وصولاً إلى لحظة الضدّ (أي الكره, أو الملل أو النفور أو حتى الموت), إنه علاقة حب.


الحب ليس مقدساً

شكّل زياد الرحباني عبر أغنياته هذه, وهي كثيرة, منذ مطلع السبعينات من القرن الفائت, منعطفاً جديداً في أغنية الحب اللبنانية والعربية, حساسية جديدة تماماً, لم تتمكن أكثر الأغنيات الشبابية المعاصرة (أغنيات الفيديو كليب) الوصول إليها إلا فيما ندر. من "بعتلك يا حبيب الروح" (ألبوم "وحدن", 1979), إلى "ولّعت كتير" (من "مونودوز") رحلة,, قطعها زياد بين ما يبدوان للوهلة الأولى نقيضين, وإن اجتمعا في النهاية عند نقطة واحدة. تحطيم تمثال الحب هذا, الذي رسخته الوجدانية الغنائية العربية (المصرية واللبنانية على حدّ سواء, بما في ذلك مع الأخوين رحباني), يبدو هاجساً دائماً لدى زياد, ينسجم مع فكره النقدي أساساً, تجاه كل ما هو متوارث وثابت (فكرة الوطن مثلاً), لكنه يتخذ في مجال الحب بعداّ أكثر حميمية وشخصية. بعض الأغنيات يبدو سيرة ذاتية مقنّعة أو معلنة لزياد, على غرار "مربى الدلال" و"بصراحة" و"إن فير شينو" (حكايته غير المباشرة مع زوجته السابقة دلال كرم), وبعضها الآخر هو بناء مستمر حول الفكرة نفسها, إخراج الحب من حيز الفكرة المقدسة وطرحه في أرض الواقع, وهذا لا يعني إنكاره أو نقده بالمطلق, بقدر ما يعني التعبير عن أحواله و"صوره" الحقيقية, التي يكابدها الأفراد حقاً, لا في سعيهم إلى حالة الحب المثالي, بل في معايشتهم لهذا الحب ونتائجه, خصوصاً حين يجتمع شخصان تحت سقف واحد, في الزواج أو ما يشبه الزواج, وهذه ناحية أخرى تميّز أغنيات "الحب" عند زياد, أي الكلام المستمر عن العلاقة التي تنتهي (أو لا تنتهي) إلى الزواج أو الارتباط الدائم والتعقيدات التي تنشأ عن ذلك, وهي فكرة كان بدأ يعالجها في مسرحيته الشهيرة "بالنسبة لبكرا شو؟" (التي تضمنت أغنية "عايشة وحدها بلاك", 1978. فكلام الحب جميل, لكن ماذا بعد؟ ماذا بعد أن يرتطم الحب بالواقع؟ بالظروف الموضوعية؟ بمسائل مثل المال, واليومي؟ ما الذي يصمد؟ وبأي كلفة؟ كان زياد انتبه إلى هذه الأسئلة في واحدة من أغنياته المبكرة وأكثرها رومانسية, إذا جاز القول, أي "بلا ولا شي" (هدوء نسبي), التي بقدر ما تستحضر الحب الصافي, الخالي من الشوائب, تستحضر هذه الشوائب, ليصبح "وحدك, بلا ولا شي", نوعاً من نداء الاستغاثة, الذي يعكس استحالة هذا النوع من الحب, أو على الأقل العوائق الهائلة التي تقف في وجهه, أكثر مما هو واقع محقق. ولذلك تبدو هذه الأغنية حزينة وتزول عنها صبغتها المتفائلة (بالمعنى الاحتفالي بجوهر الحب) حين ندرك أن الطرف الثاني (أي المحبوب) متواطئ مع الأسباب التي تحول دون الوصول إلى الحب الصافي, وأنه جزء منها: "بلا جوقة إمك بيك, ورموش ومسكرا/ بلا ما النسوان تحيّك/ بلا كل هالمسخرة". الدعوة الرومانسية الكبرى التي يطلقها زياد "تعي نقعد بالفي/ مش لحدا هالفي" هي في واقع الأمر نداء لحيز يعرف صاحبه أنه ضائع, فتأتي تتمة العبارة: "حبّيني وفكري شوي", وكأنه يقول للمحبوب لمحاً ما قاله له بعد سنوات مباشرة "ليه عم تعمل هيك؟".


المرأة الأرضية

المرأة, بحسب وصف زياد لها, في إحدى حلقاته الإذاعية الشهيرة "العقل زينة" على "صوت الشعب" خلال الثمانينات, هي: "خسّة بقلب خسّة بقلب خسّة", أي أنها كائن معقّد, يصعب فهمه والتعامل معه, وهذا عَكَسه إلى حدّ ما في بعض أغنياته. امرأة زياد هي "مواطنة" لبنانية أيضاً, لا يعفيها من نقده لها, خصوصاً في مجال العلاقات العاطفية. المرأة أو الفتاة التي يصفها زياد, ليست تلك التي تسقط مغشياً عليها عند الوقوع في الحب, ليست امرأة تعتمد على الآخر (الرجل) لكي تعيش وتستمر في العيش, أي ليست امرأة تقليدية (وإن كان ينتقد في بعض الأغنيات تقليديتها, بالمعنى اللبناني للكلمة), ولا هي بريئة, إنها امرأة (تبدو) مستقلة, و(تبدو) مكتفية بذاتها, ويمكنها أن تمارس على الرجل ما كان يمارسه عليها هو سابقاً من إهمال وظلم وقهر وحتى استغلال. امرأة زياد الرحباني ليست فكرة عن المرأة, وليست تجسيداً للحب والبراءة وحتى الإخلاص. فهي في الحدّ الأدنى يمكن ألا تبالي به "بتحبها أيه بتحبها, لكن هيي فيك يمّا بلاك/ عايشة وحدها بلاك", ويمكنها أن تغدر به "اذكري بس شو كنت نضيف معك" (بصراحة), وأن تتخلى عنه أو تهمله من أجل رجل آخر "كل الإشيا الحلوة فيكي بتعطيها إلو/ وما بتعطيني شي/ ومش طالعلي شي/ إلا إنو تبكي عندي لما تزعلو", وهي امرأة واقعية وعملية لا تؤمن بكلام الحب الفارغ "شو هالحب اللي واعدني فيه/ شو هالحب اللي بس بسمع فيه/ بتبلش حب وما بتكفيه" ("تنذكر ما تنعاد", من "ولا كيف"), او "ما منيحة الرسالي/ ولا الحب بالخيالي..." ("ما منيحة الرسالي", من "مونودوز"), وهي امرأة مبادرة (أغنية "إن فير شينو", من "مونودوز"), ومتطلبة (لا يكفيها أن يحبها الرجل بل تريد حياة "طبيعية"):

قلي كيف ممكن تسكن بنت

عندك إنت

قلي شو بتعملا...

ما في لوسيور

ولا جايب مازولا (ولّعت كتير).

الرجل هنا هو الحلقة الأضعف, وهذا ملمح آخر من ملامح سيرة زياد الذاتية مع المرأة, حيث نجده باستمرار يقلب الأدوار, فهو الضحية وهي, إن لم تكن جلاداً, فليست على الأقل ضحيته. نرى أن المرأة مثلاً, تلك المستقلة القوية, هي التي تطمئن الرجل على حبها له, وهذا أيضاً يندرج ضد السائد في الغناء العربي, فها هي تخاطبه في "عندي ثقة فيك", من ألبوم "كيفك إنت": "عندي حلم فيك عندي ولع فيك/ بيكفي شو بدّك إنو يعني موت فيك... بكتب شعر فيك بكتب نثر فيك".

امرأة زياد كما أشرنا ليست واحدة, ليست على صورة واحدة, ولذلك نجدها تنتقل من نقيض إلى آخر, حيث تبادل الأدوار بالكامل, بين الأغنية المذكورة وأغنية "في شي عم بيصير" من الألبوم نفسه:

بتسأل عليي كتير وبتحبني

بعرف هالحكي حافظة هالحكي

كل الحكي حلو ومع إنو حلو

ليش إحساسي بيضل يقلي لأ

في شي عم بيصير

في شي بدّو يصير

امرأة زياد مجرّبة (ضد السذاجة والبراءة), شك هذه الحبيبة ليس نابعاً على الأرجح من تشاؤم مطلق, أو من مجرد حدس غامض, بل من تجربتها أو تجاربها في الحب, التي تجعلها تنتقل من مجرد خشية انتهاء العلاقة (الحب) إلى الجزم بذلك.

يتبع....

J.S: Death is the solution to all problems. No man = No problem.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.13889 seconds with 10 queries