عرض مشاركة واحدة
قديم 30/04/2005   #14
شب و شيخ الشباب الحق احق ان يتبع
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الحق احق ان يتبع
الحق احق ان يتبع is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
مشاركات:
274

افتراضي


يا أخي! إن معية الله مع خلقه معية حقيقة ولكنها ليست كمعية الإنسان للإنسان التي يمكن أن يكون الإنسان مع الإنسان في مكانه، لأن معية الله عز وجل ثابتة له وهو في علوه، فهو معنا وهو عال على عرشه فوق كل شيء، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يكون معنا في الأمكنة التي نحن فيها، وعلى هذا فإننا نحتاج إلى الجمع بينها وبين العلو ( وسوف يأتي )، وأضرب لك مثلا: إنه يقال: ما زلنا نيسير والقمر معنا، وهو موضوع في السماء، وهو من أصغر المخلوقات فكيف لا يكون الخالق غز وجل مع الخلق الذين ليسوا بالنسبة إليه شيء، وهو فوق سماواته؟!

ومن ثم هل المعية من الصفات الذاتية أو الفعلية؟
فيه تفصيل:
أما المعية العامة، فهي ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال محيطا بالخلق علما وقدرة وسلطانا وغير ذلك من معاني ربوبيته.
وأما المعية الخاصة، فهي صفة فعلية، لأنها تابعة لمشيئة الله، وكل صفة مقرونة بسبب هي من الصفات الفعلية، مثل صفة الرضى فإنها من الصفات الفعلية، لأنها مقرونة بسبب، إذا وجد السبب الذي يرضى الله وجد الرضى، وكذلك المعية الخاصة، إذا وجدت التقوى أو غيرها من أسبابها في شخص، كان الله معه،

الجمع بين المعية والعلو:
أولا: أن الله جمع بينهما فيما وصف به نفسه، ولو كانا يتناقضان ما صح أن يصف الله بهما نفسه.
ثانيا: أن نقول ليس بين العلو والمعية تعارض أصلا، إذ من الممكن أن يكون الشيء عالياً وهو معك، ومنه ما يقوله العرب: القمر معنا ونحن نسير، والشمس معنا ونحن نسير، مع أن القمر والشمس كلها في السماء، فإذا أمكن اجتماع العلو والمعية في المخلوق، فاجتماعهما في الخالق من باب أولى! أليس كذلك؟!
و لو أن إنسانا على جبل عالٍ، وقال للجنود: اذهبوا إلى مكان بعيد في المعركة، وأنا معكم، وهو واضع المنظار على عينيه، ينظر إليهم من بعيد، فصار معهم، لأنه الآن يبصرهم كأنهم بين يديه، وهو بعيد عنهم، فإذا أمكن الأمر في حق المخلوق، فكيف لا يمكن في حق الخالق؟!
ثالثا: أنه لو تعذر اجتماعهما في حق المخلوق، لم يكن متعذرا في حق الخالق، أليس كذلك! لأن الله أعظم وأجل ولا يمكن أن تقاس صفات الخالق بصفات المخلوقين، لظهور التباين بين الخالق والمخلوق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في سفره: ( اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ) فجمع بين كونه صاحبا له وخليفة له في أهله، مع أنه بالنسبة للمخلوق غير ممكن، ولا يمكن أن يكون شخص ما صاحبا لك في السفر وخليفة لك في أهلك.

ثم أنت تقول:
إن الله في كل مكان وهو معنا بذاته.

أقول لك: يقول تعالى: ( ثم استوى على العرش )، ويقول تبارك وتعالى: ( وهو معكم )، لو كان ظاهر الآية كما ذكرتم، لكان في الآية تناقض: أن يكون مستويا على العرش، وهو مع كل إنسان في أي مكان، والتناقض في كلام الله تعالى مستحيل.
ثانيا: قولكم: ( إن المعية لا تعقل إلا مع المخالطة أو المصاحبة في المكان )، هذا ممنوع، فالمعية في اللغة العربية اسم لمطلق المصاحبة،وهي أوسع مدلولا مما زعمتم، فقد تقتضي الاختلاط، وقد تقتضي المصاحبة في المكان،وقد تقتضي مطلق المصاحبة وإن اختلف المكان، هذه ثلاثة أشياء:
مثال المعية التي تقتضي المخالطة: أن يقال: اسقوني لبنا مع الماء، أي: مخلوطاً بالماء.
مثال المعية التي تقتضي المصاحبة في المكان: قولك: وجدت فلانا مع فلان يمشيان جميعا ونزلان جميعا، فهذه مصاحبة.
مثال المعية التي لا تقتضي الاختلاط ولا المشاركة في المكان: أن يقال: فلان مع جنوده، وإن كان في غرفة القيادة، لكن يوجههم، وكما يقال: مازلنا نسير والقمر معنا، فهذه المعية ليس فيها اختلاط ولا مشاركة في المكان.

ثم إن الحديث الذي ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا ) الحديث، أقول لك: إن هذا الحديث يدل دلالة واضحة على أنه سبحانه فوق سماواته، فإن مقتضى نزوله إلى السماء أنه فوق السماء وليس تحتها، وقال تعالى: ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )، فهل هذا يدل على أنه معنا في الأرض.

ثم إن قوله تعالى: ( إنني معكما أسمع وأرى ) فهي معية لائقة بالله، لا تشبهه أنت ولا غيرك، ومقتضاها النصر والتأييد.
ثالثا: أقول: وصفكم الله بهذا!! من أبطل الباطل وأشد التنقص لله عز وجل، والله عز وجل ذكرها هنا عن نفسه متمدحاً، أنه مع علوه على عرشه، فهو مع الخلق، وإن كانوا أسفل منه، فإذا جعلتم الله في الأرض، فهذا نقص، ثم إذا جعلتم الله نفسه معكم في كل مكان، وأنتم تدخلون الكنف، هذا أعظم النقص، ولا تستطيع أن تقوله ولا لملك من ملوك الدنيا: إنك أنت في الكنيف! كيف تقوله لله عز وجل ؟! وهل هذا إلا أعظم النقص والعياذ بالله؟!
رابعا: يلزم على قولكم هذا أحد أمرين لا ثالث لهما، وكلاهما ممتنع: إما أن يكون الله متجزئاً، كل جزء منه في مكان، وإما أن يكون متعدداً، يعني: كل إله في جهة ضرورة تعدد الأمكنة.
خامسا: أقول: قولكم هذا أيضا يستلزم أن يكون الله حالا في الخلق: فكل مكان في الخلق فالله تعالى فيه، فأنت ترى أن هذا القول باطل، ومقتضى هذا القول الكفر ـ والعياذ بالله ـ.

ثم إن قولك:
هل تراك تظنه يرى بعين كما نفعل نحن.. ! أم يسمع بأذن كسمعنا نحن .. أم تراه يعلم بعقل كما نعلم نحن؟؟
لا...

أقول لك:
يأخي! إن قولك هذا يستلزم أنك شبهت الخالق ـ سبحانه ـ بخلقه، ثم خشيت من ذلك التشبيه فحرفت في الصفات المذكورة.
ياأخي! إن صفات الله تعالى ليست كصفات المخلوقين حتى نقول يرى مثلما نرى نحن، ويسمع مثلما نسمع نحن، إن صفاته ـ سبحانه ـ تليق بجلاله وعظيم سلطانه، لأنه ـ سبحانه ـ : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) لو لاحظت الآية المذكورة، تجد أنه ـ سبحانه ـ نفى أن يكون له شبيه، ومع ذلك أثبت لنفسه السمع والبصر، وهذا يدل على أنه سبحانه لا يشبهه أحد مع كونه سميع وبصير.
ثم ياأخي! إن صفات الله سبحانه إضيفت إليه، ولم تطلق، هاك مثالا يوضح لك المعنى:
لو قال لك رجل: ( السمع )، فأين يذهب ذهنك، بالطبع يذهب إلى سمع الإنسان، لأنه أطلق كلمة السمع ولم يقيدها.
مثال آخر: لو قال لك رجل: ( إن يد البعير كبيرة )، فأين يذهب ذهنك، باطلبع سيذهب إلى أنها يد البعير وليست يد الإنسان، لأنه قيدها بالبعير.
مثال على أن الله ـ سبحانه ـ لا يشابه المخلوقين:
لو قال لك رجل: ( إن يد البعير كيد الإنسان )، فماذا يكون جوابك، بالطبع سيكون أن هذا مجنون، فإذا وجد التغاير بين الصفات بين المخلوقين، فالله ـ سبحانه ـ أولى بأن تكون صفاته متغايرة عن الخلوقات.

ثم ما هو المانع من أن يكون الله ـ سبحانه ـ يرى بعينه، يسمع بسمعه، اليست هذه الصفات صفات كمال له؟! لأنه يرى ماذا يفعل الخلق، ويسمع ما يصدره الخلق.

وأما قولك: أن القرآن عندنا وبذلك يصبح أنه سبحانه معنا.

أقول لك: إن القرآن كلامه ـ سبحانه ـ وهو صفة من صفاته، منه بدأ وإليه يعود، وليس كما تقول أنه بذاته عندنا!



فالخلاصة:
أن لله سبحانه سمع ليس كسمعنا، وعين ليست كعيننا، ويد ليست كيدنا، بل هو سبحانه لا شبيه له ولانظير ولا نديد، وحط في بالك دائما، أنه إذا هناك فرقا بين صفات الخلوقات، فالله ـ سبحانه ـ أولى بأن تكون صفاته متغايرة عن صفات المخلوقين.
 
 
Page generated in 0.03637 seconds with 10 queries