عرض مشاركة واحدة
قديم 29/04/2005   #4
شب و شيخ الشباب قصي مجدي سليم
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ قصي مجدي سليم
قصي مجدي سليم is offline
 
نورنا ب:
Apr 2005
مشاركات:
169

افتراضي


عزيزي krimbow
اقتباس:
أخي العزيز قصي
1- أبو نهلة له الحرية في كتابة أي شيء، بس مالو حق يطالب بحذف موضوعك
2-ياس تصرف بناءا على طلب أبو نهلة و طبعا لم يستجب لطلبه
3- حنان ردت عليك كمشترك في المنبر و ليس كمشرفة
بس إلي رجاء خاص
ممكن تفسرلنا كيف طلع معك أنو الهيدروجين هو الشيطان؟
تحياتي وودادي ومحبتي.. سوف آتيك بردي على تساؤلك بالطبع في نهاية حديثي لك ..ولك لدي تعليقات صغير (أذا تكرمت علي بصبرك) على ما كتبت انفا..
1/ أتفق معك في النقطة الاولى كاملا
2/لم افهمها جيدا لهذا سأتركها دون تعليق
3/وردي على الأستاذة حنان كان في الأساس كمشترك فقد جاء عنواني هكذا:
سيدي المنسق الياس/سيدتي حنان/ عاتب منكما
فأرجو أن تلاحظ أنني لم أشر لها كمشرفة... وإن كان دورها كمشرفة يفرض عليها اعباء أزيد عن بقية الزملاء فالإشراف في الأساس هو (تكليف وليس تشريف) وأنا أكن لها كمشرفة وكزميلة كل أحترام وتجلة .. ولكننا بشر ونخطئ من حيث أننا بشر .. ولكن نتمادى في الخطأ اذا لم نجد من يصححنا (عقولنا، أو آخرون)..
ولقد كتبت للإستاذة حنان لأنها أيضا إستهزأت من قولي دون رجوع للحقيقة ودون تثبت من الأمر.... ولكي أبرهن لك الأمر بصورة أوضح ... تخيل معي أنك تعيش قبل 200 سنة وجاء أحدهم وقال لك بأن هناك كائنات صغيرة لا ترى بالعين المجردة وهي تقتل وتفتك الانسان .. بالتأكيد سيكون موقفك (اذا كنت غير علمي) كموقف المستهزئ الساخر ولكن الانسان العلمي يقل(أثبت لي ذلك).. فليس هناك (مستحيل تحت الشمس)....
انا لم أدعي بأن القرآن أو السنة قد قالوا (صراحة) بأن الشيطان هو ذرة غاز الهيدروجين... كما أنني أضيف الآن بأن هذا ليس قولي أنا بالأصالة (وان كنت مقتنعا به وبأدلته) كما أنني أضيف بأن إعتقادي بأن الشيطان هو ذرة غاز الهيدروجين ليس فيه ما يضحك وليس فيه ما يوجب السخرية لأن هناك ما هو أكثر سخرية في (جميع العقائد) ولكني لا اسخر منها .. ولكن زيادة على هذا فإنني أمتلك دليلا علميا على أن خصائص (غاز الهيدروجين) هي خصائص مشتركة مع (الشيطان) المعروف في الديانات جميعها ... وجوهر هذا الأمر في الآتي:
هو أن الإنسان عندما إرتكب الخطيئة (آدم وحواء) نزلا الى (أسفل سافلين) ولقد كان النزول ثلاثي (إبليس أولا ثم حواء ثم آدم).. ولكن آدم وحواء قبل إنزالهما الى الأرض طلبا الغفران ، وإبليس طلب الإنظار .. ولكن وقع الطر للجميع مع :أمل التوبة والرجوع لآدم.. ومع إجابة طلب الإنظار لإبليس... وعندما نزلا الى (أسفل سافلين) كانت هذه هي (أصغر وحدة بناء في المادة ) اي (الى الذرة) ولقد كانت الذرة (هي ذرة غاز الهيدروجين) ثم بدأ التطور بالإنسان من هذه اللحظة الى أن صار (نقطة ماء أي H2o) ثم صار الماء (بإختلاطه مع التراب) طينا.. ثم بعد آماد سحيقة برزت (المادة العضوية) من المادة (غير العضوية) ثم حصل التطور والنشوء والإرتقاء الى أن صار حيوانا ثم قفز القفزة الهائلة فصار (بشرا).. هذا هو طريق تطور الإنسان كما إختطه الإسلام في القرآن .. وبينما كان آدم .. وحواء... يمارسا التطور ... قبع إبليس في مكانه دون حراك .. ولكنه كان في داخلهما ... ونما فيهما وتكاثر .. ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف:
(إن الشيطان يجري من أحدكما مجرى الدم.. فضيقوا مجاريه بالصوم)...
وهذ1الحديث قد قيل منذ (الف واربعمائة) سنة ولم أألفه الآن .. ومن المعلوم أن الإنسان بالصوم يضعف بنيانه فيصير أضعف وأقل رغبة في شهوات النفس.. وما هذا الا من تقليل الطعام والشراب .. وما هذا الا لتقليل عملية جريان الدم في العروق ومن المعلوم ان الماء يشكل معظم جسم الانسان ... ومن الماء أو بالاصح من أهم مكونات الماء غاز الهيدروجين (ذو الطبيعة الملتهبة) والتي تساعد على الإشتعال (وكما هو وارد فأن الشيطان مخلوق من النار)
ونحن بالصوم نعمد الى تقليل عمل غاز الهيدروجين .. الذي يدفع الى تعظيم الشهوات في النفس...
إن هذا الكلام (قد يكون غريبا) وقد يكون جديدا .. ولكنه مدعاة للتفكر لا للإستهزاء..
ولمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع وللآمانة العلمية أنقل لكم جزئا من مقدمة الأستاذ محمود محمد طه من كتابه (رسالة الصلاة) حول أصل الإنسان.. الكتاب قد طبع في ديسمبر 1972م أي قبل ما يزيد عن الثلاثين عاما وهذا قبل تاريخ ولادتي بالطبع:
اقتباس:
الإنسـان..

الانسان ما هو؟ ومن هو؟

الانسان حيوان نزل منزلة الكرامة بالعقل.. والإنسان لا يزال في طور التكوين، ولن يكون لاستمرار تكوينه نهاية، فهو يتنقل في منازل الكمال تنقلا سرمدياً.. والحيوان يتنقل أيضا، وقصاراه في ذلك أن ينزل أدنى منازل الانسان.. فكأن الاختلاف بين الحيوان والإنسان اختلاف مقدار، وليس اختلاف نوع.. التوحيد يطلب إلينا أن ننظر الى جميع المخلوقات، بله الأحياء، كسلسلة واحدة متصلة الحلقات، وإن كان حجم الحلقات يختلف أثناء السلسلة.. ولدى هذه النظرة، فليس في الوجود الحادث غير الانسان، وجميع ما نراه، ومالا نراه، من هذا الوجود، إنما هو الانسان في أطوار مختلفة ومتتالية.. وإلى هذا المعنى المتكامل الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟)) ومعنى ((هل)) هنا ((قد)) وهذا الحين من الدهر هو أمد ممدود، ودهر دهير..

وللإنسان في هذه النشأة الطويلة أربع مراحل متصلة الحلقات، ولا يفصل بينها إلا حلقات من السلسلة، أكبر من سابقاتها، تمثل قفزة في سير التطور.. وتمثل هذه القفزة بدورها حصيلة الفضائل العضوية التي استجمعت من خلال المرحلة السابقة.. وهذا التقسيم إلى أربع مراحل إنما هو لتبسيط البحث فقط: وإلا فإن في داخل كل مرحلة، مراحل يخطئها العد.. وسنجمل الحديث عن هذه المراحل فيما يلي: ـ



المرحلة الأولى من نشأة الإنسان ..

هذه تعني تطوره في المادة غير العضوية منذ بروزه في الجسد.. وهو بروز في الأزل - في بدء الزمن.. وإلى هذه البداية السحيقة أشار تعالى بقوله: ((أولم ير الذين كفروا أن السموات، والأرض، كانتا رتقاً، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شئ حي، أفلا يؤمنون؟)).. الرتق ضد الفتق، وهو يعني الالتئام.. وعن هذا الأمر المرتوق، قال تعالى، في موضع آخر: ((ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض، ائتيا طوعاً، أو كرها. قالتا أتينا طائعين)) والدخان هنا يعني الماء، في حالة بخار.. فقد كانت السموات والأرض سحابة من بخار الماء، مرتتقة، ففتقت، وبرز التعدد من هذه الوحدة.. ولم تكن جرثومة الانسان يومئذ غائبة.. وإنما كانت هي ذرات بخار الماء.. ومن يومئذ بدأ تطور الانسان العضوي يطرد، تحفزه، وتوجهه، وتسيره، وتقهره، وتصهره، الإرادة الإلهية المتفردة بالحكم .. وقد أنفق في هذه المرحلة من مراحل النشأة أمداً يعجز الخيال تصوره.. ثم انتهت هذه المرحلة ببروز المادة العضوية..



المرحلة الثانية من نشأة الانسان ..

وببروز المادة العضوية من المادة غير العضوية ظهرت الحياة، كما نعرفها نحن.. وإلا، فإن جميع المادة، عضوية، أو غير عضوية، حية.. وكل ما هناك، أن الحياة بدأت تبرز في المادة العضوية، بعد أن كانت كامنة في المادة غير العضوية.. فهي لم تجئ من خارج المادة..

وأدنى درجات الحياة، التي نسميها اصطلاحاً حياة أن يكون الحي شاعرا بحياته، وآية ذلك أن يتحرك الحي، حركة تلقائية، وأن يتغذى، وأن يتناسل.. وقد بدأت هذه الحياة بحيوان الخلية الواحدة.. وبهذه الخطوة الجليلة، والخطيرة، افتتح عهد جديد.. عهد عظيم.. عهد الحياة والموت.. ومن يومئذ بدأ رأس سهم الحياة، وطليعتها في السير.. يالها من بداية!! وفي ذلك قال تعالى: ((ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون)) .. الحمأ الطين الأسود.. والحمأ المسنون الطين المتغير، المنتن.. والصلصال الطين اليابس، الذي يصل أي يصوت إذا لمسته.. وإنما احمومى الحما لأنه قد طبخ بحمو الشمس.. وذلك لأن الأرض قد كانت قطعة من الشمس انفصلت عنها، وأخذت تبرد، وتجمد، وتتهيأ لظهور الحياة عليها.. ثم ظهرت الحياة بين الماء والطين.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.؟ * إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا)).. فإن النطفة، في هذه المرحلة من مراحل النشأة البشرية تعني الماء الصافي.. وأمشاج ، جمع مشيج.. من مشج، يمشج، مشجاً، إذا خلط بين شيئين.. وهما هنا الماء والطين.. فالنطفة الأمشاج، هي الماء المخلوط بالطين ..

وهذه المرحلة الثانية، من مراحل النشأة البشرية، التي بدأت بحيوان الخلية الواحدة في القاعدة، تنتهي عند أعلى الحيوانات الثديية، في القمة.. وحين تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل النشأة، إنما تبدأ بقفزة جديدة، مذهلة، بها يدخل الانسان، كما نعرفه اليوم، في مسرح الحياة .



المرحلة الثالثة من نشأة الانسان ..

هذه هي المرحلة التي نحن نعيش الآن في أخريات أيامها، وهي قد بدأت يوم ظهور آدم النبي - الانسان المكلف - في الأرض.. وآدم هذا، ليس هو آدم الخليفة، الذي خلقه الله كاملا، أو يكاد، في الجنة، وأسجد له الملائكة.. وإنما هو طور من أطوار ترقى الخلقة التي انحطت عن آدم الخليفة، نحو مرتبة آدم الخليفة.. ذلك بأن آدم الخليفة - آدم الكامل - قد خلق في الجنة - في الملكوت - ثم لما أدركته الخطيئة طرد من الجنة، وأهبط الى الأرض.. وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ((فتعالى الله الملك الحق، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علماً * ولقد عهدنا إلى آدم، من قبل، فنسي، ولم نجد له عزماً * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا، إلا إبليس، أبى * فقلنا: يا آدم، إن هذا عدو لك، ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها، ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها، ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان، قال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ، وملك لا يبلى؟ * فأكلا منها، فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه، فغوى * ثم اجتباه ربه، فتاب عليه، وهدى * قال: اهبطا منها، جميعاً، بعضكم لبعض عدو، فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل، ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً، ونحشره، يوم القيامة، أعمى)) . وعن طرد آدم من الجنة، وإهباطه إلى الأرض، بعد خلقه في أقرب صورة إلى الكمال. ورد القول الكريم: ((لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون)) وكان آدم، وزوجه، من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فإنهما تابا، وندما، بعد الزلة، وقالا: ((ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكون من الخاسرين)) هذا في حين أن إبليس الذي تولى إغواءهما، لم يتب، ولم يندم، ولم يطلب المغفرة، ولا الرحمة، وإنما طلب الإمهال، والانظار: ((أنظرني الى يوم يبعثون)) فلما أجيب الى طلبه: ((إنك من المنظرين)) أظهر إصراراً على الاستمرار في الإغواء: ((فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين)) ولذلك لما ردوا جميعا إلى أسفل سافلين ترك هو هناك، واستنقذ الله آدم وزوجه، وهداهما بإيمانهما سبيل الرجعى.. فهذا معنى قوله تعالى: ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)) وعندما رد آدم إلى أسفل سافلين كان في نقطة بدء الخليقة - في مرتبة بخار الماء - ثم بدأ سيره، بتوفيق الله، في مراقي القرب، حتى إذا بلغ مبلغ النبوة على الأرض، فكان الإنسان المكلف الأول، كان قد بدأ ينزل بصورة، محسوسة، أول منازل القرب من مقام الخلافة العظيمة التي فقدها بالمعصية، ولكنه كان لا يزال عن كمالها بعيدا . وبنزوله هذه المنزلة الشريفة أصبح له ذكر في الملكوت، بعد أن سقط ذكره زمنا طويلا.. وفي ذلك يقول تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟))



النبوة الأولى ـ خلافة الأرض:

وهذه المنزلة التي نزلها آدم في طريق العودة من التيه، والتي كان له بنزولها ذكر في ملكوت الله، هي منزلة أول نبوة على هذه الأرض، وبذلك فإن نازلها أول خليفة على ظهر هذه الأرض.. وقد حاول نزولها قبل آدم أبو البشر أوادم كثيرون، فلم يفلحوا، وانقرضوا، واستمرت محاولة طلائع سلالة الطين في نزول هذه المنزلة الشريفة، وكان الفشل لهم بالمرصاد، حتى إذا استقر في أذهان الملائكة أنهم لن يفلحوا، تأذن الله بظهور المحاولة الناجحة، فكان آدم أبو البشر.. ولما آذن الله ملائكته بأنه سيجعل، من سلالة الطين، في الأرض خليفة، عارضوا: ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟ قال: إني أعلم مالا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم * قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم، قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات، والأرض، وأعلم ما تبدون، وما كنتم تكتمون؟)).. ولقد عارض الملائكة في اتخاذ الله الخليفة من سلالة الطين قياسا على سابق علمهم، المستمد من سابق تجاربهم مع الأوادم السابقين.. فلما كشف الله لهم كمال النشأة البشرية المتمثل في مقدرتها على التطور، والترقي، والخروج باستمرار، من الجهل إلى العلم، أذعنوا، وانقادوا..

ولقد جرت جميع هذه الأمور ثلاث مرات، ثلاث مرات.. فآدم قد خلق ثلاث مرات: مرتين في عالم الملكوت، ومرة في عالم الملك.. ذلك بأن الأسماء المسيطرة على الخلق هي العالم، المريد، القادر.. فبالعلم أحاط الله بمخلوقاته، في عالم الملكوت، وبالإرادة نزل بالإحاطة إلى التخصيص فكان أقرب إلى التنفيذ، وإن لم يزل في عالم الملكوت، ولكن مما يلي عالم الملك.. وبالقدرة نفذ في عالم الملك ما تمت الإحاطة به إجمالا، وتم تخصيصه تفصيلا في عالم الملكوت.. فعالم الملكوت عالم العقول، وعالم الملك عالم الأجساد .. وكل شئ في عالم الملكوت مسيطر على نظيره في عالم الملك.. لأن عالم الملكوت عالم لطائف، وعالم الملك عالم كثائف.. ولكل لطيف سلطان على كل كثيف.. وهذا معنى قوله تعالى: ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ ، وإليه ترجعون)) .. وإنما ترجع كثائفنا إلى لطائفنا ، وذلك بخضوع نفوسنا، وهي كثائف، لعقولنا وهي لطائف.. وقمة اللطائف في ذات الله، ومن ثم وجب الرجوع إليه تعالى، وإنما يكون الرجوع بتقريب صفاتنا من صفاته، وذلك بفضل مدركات العقول المرتاضة بأدب الحق، وأدب الحقيقة..



نشأة العقل..

العقل هو القوة الدراكة فينا.. وهو لا يختلف عن الجسد اختلاف نوع، وإنما يختلف عنه اختلاف مقدار.. فالعقل هو الطرف اللطيف من الحواس.. والحواس هي الطرف اللطيف من الجسد.. وإنما بصهر كثائف الجسد، تحت قهر الإرادة الإلهية، ظهرت لطائف الحواس، ثم لطائف العقول..

ولقد امتازت هذه المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان بظهور العقل.. ولم يكن العقل غائبا عن المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية، من مراحل النشأة ولكنه كان كامناً كمون النار في الحجر، ثم صحب بروزه من الكمون إلى حيز المحسوس، هذه المرحلة الثالثة.. وعن حركة بروز العقل، ووسيلة بروزه، يخبرنا الله تبارك وتعالى، فيقول: ((إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل، إما شاكرا، وإما كفورا)).. فالنطفة الأمشاج تعني الماء المخلوط بالطين، وذلك عند ظهور الحياة بالمعنى الذي نعرفه، وهذا يؤرخ نهاية المرحلة الأولى، من مراحل نشأة الانسان، وبداية المرحلة الثانية.. ولا تزال الحياة، في القاعدة، تستمد من هذا المصدر.. ثم أخذت الحياة تلد الحياة، بطريقة، أو بأخرى، وذلك في مراحلها الدنيا، وقبل أن تتطور، وتتعقد، وتبرز الوظائف المختلفة، للأعضاء، وللأنواع.. وقبل أن تبرز الأنثى بشكل مستقل عن الذكر.. وتمثل هذه الحقبة طرفا من المرحلة الثانية من مراحل نشأة الانسان.. ثم عندما ارتقت الحياة، وتوظفت الوظائف، أصبحت الحياة تجيء من التقاء الذكر بالأنثى، وأصبحت النطفة الأمشاج تعني ماء الفحل المختلط ببويضة الأنثى..

وكل السر في عبارة ((نبتليه))، لأنها تشير إلى صهر العناصر في الفترة التي سبقت ظهور المادة العضوية.. وتشير إلى صراع الحي مع بيئته الطبيعية، بعد ظهور أول الأحياء، وإلى يوم الناس هذا.. ((فجعلناه)) نتيجة لهذا الابتلاء، والبلاء، ((سميعا بصيرا)) إشارة إلى بروز الحواس في الحي، الواحدة تلو الأخرى.. وبعد أن اكتملت الحواس الخمس، وأصبح الحي حيواناً سوياً انختمت المرحلة الثانية من مراحل النشأة البشرية، وبدأت المرحلة الثالثة، وذلك ببروز لطيفة اللطائف - العقل - وإلى ذلك الإشارة بالآية السابقة ((إنا هديناه السبيل، إما شاكراً، وإما كفوراً.)).. ((إما شاكراً، وإما كفوراً)) تعني إنا هديناه إلى الشكر عن طريق الكفر، أو قل إلى الصواب عن طريق الخطأ.. وإليه أيضاً الإشارة بقوله تعالى: ((ألم نجعل له عينين؟ * ولسانا وشفتين؟* وهديناه النجدين؟)).. قوله: ((ألم نجعل له عينين؟)) إشارة إلى الحواس جميعها.. قوله ((ولسانا وشفتين؟)) إشارة إلى العقل.. فإنه هنا لم يعن باللسان مجرد الشريحة المقدودة من اللحم، والتي يشارك الإنسان فيها الحيوان، وإنما أشار باللسان إلى النطق باللغة، ولذلك ذكر الشفتين لمكانهما من تكوين الأصوات المعقدة، المختلفة التي تقتضيها اللغة.. واللغة ترجمان العقل، ودليله.. ثم قال: ((وهديناه النجدين)).. أصل النجد ما ارتفع من الأرض.. وهو هنا الطريق المرتفع.. و((النجدين)) الطريقين: طريق الخطأ، وطريق الصواب.. ولقد هدى الله الانسان الطريقين.. فهو يعمل، فيخطئ، فيتعلم من خطئه.. وحين هدى الله الإنسان النجدين، لم يهد الملائكة إلا نجداً واحداً، وهو أيضاً لم يهد الشياطين إلا نجداً واحداً.. وذلك أن الله، تبارك وتعالى، خلق شهوة بغير عقل، وركبها في الشياطين، ومن قبلهم، إلى أعلى الحيوانات، ما خلا الانسان، فهم يخطئون، ولا يصيبون.. وخلق عقولا بلا شهوة، وركبها في الملائكة، فهم يصيبون، ولا يخطئون.. ثم جعل الانسان برزخاً، تلتقي عنده النشـأتان: النشأة السفلية، والنشأة العلوية، فركب فيه الشهوة، وركب فيه العقل، وأمره أن يسوس شهوته بعقله.. فهو في صراع، لا يهدأ، بين دواعي الشر، ودواعي الخير.. وبين موحيات الخطأ، وموجبات الصواب.. فذلك معنى قوله، تبارك و تعالى، ((وهديناه النجدين)).. وهذه النشأة ((البرزخية)) التي جمعت بين الخطأ والصواب هي التي جعلت مطلق بشر أكمل من مطلق ملك.. ولمكان عزتها قال المعصوم: ((إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيأت الله بقوم يخطئون، ويستغفرون، فيغفر لهم..)).. وعزة هذه النشأة في مكان الحرية فيها.. لأن حق الخطأ هو حق حرية أن تعمل، وتخطئ، وتتعلم من خطئك كيف تحسن التصرف في ممارسة حريتك، بغير حد، إلا حداً يكون منشأه عجزك عن حسن التصرف .. وذلك عجز مرحلي ، لن تلبث أن تخرج منه إلى قدرة أكبر على حسن التصرف، وهكذا دواليك.. والحرية هي روح الحياة.. فحياة بلا حرية إنما هي جسد بلا روح.. ويكفي أن نقول أن الحرية هي الفيصل بين حياة الحيوان، وحياة الانسان..

وفي بدء الحياة كان الشعور.. وأدنى درجات الحياة أن يشعر الحي بوجوده.. وليس فيما دون هذا الشعور حياة.. ويوجب هذا الشعور بالوجود إحساس الحي بالحر، وبالبرد، وبالألم.. وجاء من هذا الإحساس الحركة من الحر المضر، ومن البرد المضر، ومن كل ألم، وإلى كل لذة ممكنة.. وبوحي من الفرار من الألم، والسعي في تحصيل اللذة، جاءت القدرة على تحصيل الغذاء، والالتذاذ به، وجاءت القدرة على التناسل، والالتذاذ به .

وكان حيوان الخلية الواحدة يحس بكل جسده الرخو، ثم تعقدت الحياة، وارتقت، ورهف إحساسها بالخطر الذي يتهددها، فظهرت الحاجة إلى الوظائف المختلفة، فكان على الجلد أن يتكثف ، ويغلظ، ليكون درقة، ودرعا، وكان على بعض أجزاء الجسد، غير الجلد، أن يقوم بوظيفة الحس.. وهكذا بدأ نشوء الحواس.. ونحن لطول ما ألفنا الحواس الخمس نتورط في خطأ تلقائي، إذ نظن أن الأحياء قد خلقت وحواسها الخمس مكتملة.. والحق غير ذلك.. فإن الحواس نشأت، الواحدة، تلو الأخرى، كلما ارتقت الحياة، وتعقدت وظائف أعضاء الحي.. ففي البدء كان اللمس بالجسم كله - بالجلد - ثم لما توظف الجلد في الوقاية، خصصت بعض الأجزاء للمس.. ثم ارتقت وظيفة الحس لما أحتاج الحي للمس، والخطر على البعد، فامتدت هذه الوظيفة، امتداداً لطيفاً، فكان السمع، ثم كان النظر، ثم كان الذوق، ثم كان الشم .. وليس هذا ترتيب ظهور للحواس، ولا هو ترتيب اكتمال.. فإن بعض الأحياء يحتاج لحاسة معينة أكثر من احتياجه للأخريات، فتقوى هذه على حساب أولئك، مع وجود الأخريات، بصورة من الصور..

والآن ، فإن الحيوانات العليا، بما فيها الإنسان، ذات خمس حواس.. وليس هذا نهاية المطاف.. فإن، في الإنسان، الحاسة السادسة، والحاسة السابعة في أطوار الاكتمال، ولا يكون، بعد الحاسة السابعة، تطور في زيادة عدد الحواس، وإنما يكون تطور في كمالها.. وهذا لا ينتهي، وإنما هو سرمدي..



ما هي الحاسة السادسة؟؟

هي الدماغ.. ووظيفتها الادراك المحيط، والموحد ((بكسر الحاء)) لمعطيات الحواس الأخرى - اليد، والأذن، والعين، واللسان، والأنف- في الحس، والسمع، والبصر، والذوق، والشم.. فإذا قويت يكون إدراكها لكل شئ عظيم الشمول، فكأنها تحسه، وتسمعه، وتراه، وتذوقه، وتشمه، في آن واحد…



ما هي الحاسة السابعة؟؟

هي القلب.. ووظيفتها الحياة.. وهذه الحاسة هي الأصل، وجميع الحواس رسلها، وطلائعها، إلى منهل الحياة الكاملة.. ولقد نشأت الحياة وسط الخوف.. قال تعالى في ذلك: ((لقد خلقنا الإنسان في كبد)) والكبد المشقة، ولقد دفعت هذه المشقة، التي وجدت الحياة نفسها محاطة بها، الخوف في أعماق الأحياء.. ولولا الخوف لما برزت الحياة، في المكان الأول، ولما ارتقت وتطورت، في المكان الثاني. ثم هي إن لم تنتصر على الخوف، في آخر المطاف، لا يتم كمالها.. وإنما تنتصر الحياة على الخوف عندما تقوى الحاسة السادسة، وتدرك الأمر على ما هو عليه، على النحو الذي وصفنا، ويومئذ سيظهر لها أن الخوف إنما هو مرحلة صحبت النشأة في إبان جهلها، وقصورها، وأنه ليس هناك ما يوجبه في حقيقة الأشياء.. فإذا بلغت الحاسة السادسة هذا المبلغ، انبسطت الحاسة السابعة - القلب- واطمأنت، وانطلقت من الانقباض الذي أورثها إياه الخوف، وأخذت تدفع دم الحياة قويا إلى كل ذرات الجسد، وكل خلايا الجلد، تلك التي كان الخوف قد حجرها، وجعل منها درقة، ودرعا لصيانة الحياة البدائية.. وبذلك يعود الشعور لكل الجسد، ويصبح حياً كله، لطيفاً كله، جميلا كله، غاية الجمال.. وتكون أرض الجسد الحي يومئذ هي المعنية بقوله تعالى: ((وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج))..

هذه هي وظيفة الحاسة السابعة - الحياة الكاملة- وليس للحياة الكاملة نهاية كمال، وإنما كمالها، دائما، نسبي.. وهي تتطور، تطلب الحياة المطلقة الكمال، عند الكامل المطلق الكمال - عند الله- وإنما يكون تطورها باطراد ترقي جميع الحواس، كل في مجاله، وانعكاس ذلك على ترقي العقل، بقوة الفكر، وشمول الادراك.. وعلى قدر صفاء العقل، وقوة الفكر، تكون سلامة القلب، واتساع الحياة، وكمالها.. وهذا التطور المترقي بالحواس هو ما عناه الله بقوله ((وأنبتت من كل زوج بهيج))..

لقد وصلنا باستقرائنا لنشأة العقل، وتطوره، إلى المرحلة الرابعة من مراحل نشأة الانسان. وخضنا فيها، بعض الخوض، ونحن لم نفرغ بعد من الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، وسنوقف هذا الاستقراء لنتحدث قليلا عن المرحلة الرابعة، ثم نعود، من جديد، إلى مواصلة الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، لأنها أهم النشآت الأربع..



المرحلة الرابعة من نشأة الانسان

هذه المرحلة هي مرحلة الكمال، وهي لما تأت بعد.. وبدايتها أرفع من نهاية المرحلة الثالثة، ولا يدخلها الداخل إلا بقفزة من قمة منازل هذه المرحلة..

لقد تحدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الانسان.. تحدثنا عن المرحلة الأولى، فقلنا: أن بدايتها في الأزل، حيث برز الانسان في الجسد، في المادة غير العضوية - تلك التي نسميها، اصطلاحا، ميتة - ونهايتها عند دخول المادة العضوية في المسرح..

وتحدثنا عن المرحلة الثانية، وقلنا: أن بدايتها عند ظهور المادة العضوية - تلك التي نسميها، اصطلاحا، حية - ونهايتها عند ظهور العقل.. ويتضح لنا، من هذا، أن الشبه كبير بين المرحلتين: الأولى، والثانية، فهما معا مرحلة الجسد الصرف، على اختلاف مستوياته، من ذرة بخار الماء، وإلى أعلى الحيوانات الثديية، ما خلا الانسان..

وأما المرحلة الرابعة فهي تتميز من المرحلة الثالثة بدخول الحاسة السادسة، والحاسة السابعة، في المسرح، وتلك درجة جديدة، من درجات الترقي، تصبح بها الحياة البشرية شيئا جديدا، مختلفا عما ألفنا من قبل.. ولذلك فإنا نستطيع أن نقول: أن لدينا ثلاث مراحل لنشأة الانسان: مرحلة الجسد الصرف، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين، وأخيرا مرحلة الجسد والعقل المتسقين.. ولقد تطورت، إلى الآن، الحياة على هذا الكوكب في مضمار المرحلتين: الأولى والثانية: فهي قد كان تطورها الأول تطورا عضويا صرفا، ثم لما بدأ بروز العقل، بفضل الله، ثم بفضل التطور العضوي الصرف، أخذت في تطورها الثاني، وهو تطور عضوي - عقلي.. وهذا الطور هو الذي نعيشه نحن الآن، وإني لأرجو أن نكون إنما نعيش في أخريات أيامه.. وسيجيء يوم، قريبا، يصبح التطور فيه عقليا صرفاً، في مقابلة البداية بالتطور العضوي الصرف، ذلك الذي كانت به بداية الحياة.. وأصحابنا الصوفية يقولون: النهاية تشبه البداية، ولا تشبهها.. والمؤرخون يقولون: التاريخ يعيد نفسه، ولكنه لا يعيدها بنفس الصورة.. وأحكم القائلين يقول: ((كما بدأنا أول خلق نعيده، وعداً علينا، إنا كنا فاعلين)).. وهو تبارك، وتعالى، لا يعيده بنفس الصورة لأنه من أسرار الألوهية، أنها لا تقف، ولا ترجع، ولا تكرر نفسها.. فلم يبق إلا ما قلنا.

وهذه المراحل الثلاث: مرحلة التطور العضوي الصرف، ومرحلة التطور العضوي - العقلي، ومرحلة التطور العقلي الصرف..يمكن التعبير عنه، بلغة الدين، بأنها تقابل العوالم الثلاثة: عالم الملك، وعالم البرزخ، وعالم الملكوت.. فأما عالم الملك فهو عالم الأجساد، وأما عالم الملكوت فهو عالم العقول، وأما عالم البرزخ فهو عالم المنزلة بين المنزلتين - عالم مرحلي- وهذا هو عالم الانسان الحاضر، الذي نعيش نحن الآن في أخريات أطواره، كما سلفت إلى ذلك الإشارة..

وعالم الملكوت مسيطر على عالم الملك، والبرزخ، فهما تحت قهره، وحركتهما دائبة في طلبه، لأنهما إنما عنه صدرا، وقمة الملكوت عند الله، في صرافة ذاته، وعن ذلك قال تعالى: ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه ترجعون)).. وقد سلفت إلى ذلك الإشارة..

ولقد خلق الله كل شئ بالذات، ثم خلق بالواسطة، وهي الأسماء والصفات والأفعال.. وقد اقتضت حكمته أن يبرز خلقه إلى حيز الوجود بثلاث حركات: حركة العلم بالإحاطة، وحركة الإرادة بالتخصيص، وحركة القدرة بالإبراز إلى عالم المحسوس.. وهو في عالم البرزخ قد خلق بثلاثة أسماء: ((العالم المريد القادر)).. وهو، في عالم الملكوت، وهو يلي عالم البرزخ من أعلى، قد خلق بثلاثة أسماء: ((الله الرحمن الرحيم)).. وهو، في عالم الملك، وهو يلي عالم البرزخ من أسفل، قد خلق بثلاثة أسماء: ((الخالق البارئ المصور))..

ومعنى الخالق الذي أحاط بمخلوقاته علما، ومعنى البارئ الذي أعطى خلقه الصورة الأولى، ومعنى المصور الموالي تقليب الصورة الأولى من خلقه في الصور المختلفة سيراً في مراقي التطور حيث يطلب الأخير كمال الأول.. وفي هذا المعنى قال تعالى: ((ولقد خلقناكم، ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا، إلا إبليس، لم يكن من الساجدين)) فههنا ((خلقناكم)) تعني أحطنا علما ببداياتكم، ونهاياتكم.. و ((صورناكم)) تعني أعطيناكم الصورة الأولى، وهي ذرة بخار الماء.. وأما قوله تعالى: ((ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)) تعني سخرنا الملائكة في خدمة البشر، وذلك لمكان كرامة النشأة البشرية على الملائكية.. وهو، تبارك وتعالى إنما عطف بالحرف ((ثم)) ليفيد الترتيب، والتراخي في الزمن، والملائكة سجدوا، وإبليس أيضا سجد، ولكن الملائكة سجدوا ((طوعاً)) وإبليس سجد ((كرها)) والفريقان، على سواء، مسخران للبشر.. فأما الملائكة فمن أعلى، وأما إبليس، وذريته، فمن أسفل، وبتأرجح البشر بين الاثنين يجيء الصواب، والخطأ.. وكلا الصواب والخطأ لمصلحة تطور الانسان إلى الكمال.. لأن بهما، من البداية، تم كمال النشأة..

وفي أعلى معاني التطوير في اختطاط البداية، والنهاية، وفي التسيير، بين البداية، والنهاية، جاء قوله تعالى: ((أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)) يعني هدى الله التطور في مراقيه.. فأما التطور العضوي الصرف، فهداه بالدين العام، وأما التطور العضوي - العقلي، فهداه بالدين الخاص - ((مرحلة العقيدة)).. وأما التطور العقلي الصرف، فهداه بالدين الخاص - ((مرحلة العلم)).. ولتبيين هداية الدين الخاص، بمرحلتيه، للتطور العضوي - العقلي، وللتطور العقلي الصرف، نعود لمواصلة الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، كما وعدنا، وستكون لنا عودة إلى الحديث عن المرحلة الرابعة، أيضا، حين يمس الحديث التطور العقلي الصرف..



عودة للمرحلة الثالثة من نشأة الانسان:

قلنا أن هذه المرحلة تبدأ ببروز العقل في الانسان، وقلنا أن العقل لم يكن غائبا عن المرحلتين الأولى، والثانية، من مراحل نشأة الانسان، ((وهما معاً قد أسميناهما بمرحلة التطور العضوي الصرف)).. العقل لم يكن غائباً، وإنما كان كامناً في المادة، فمخضته الحوادث حتى برز إلى حيز الوجود.. وقد تحدثنا عن نشأة العقل، بشئ من التفصيل، لا نحتاج إلى إعادته هنا.. ولكنا، مع ذلك، لا بد لنا من الحديث عن العقل بشئ من التحديد لم يظفر به حديثنا السالف عن نشأة العقل.. قلنا أن آدم، بعد أن أقصي إلى مقام البعد - مقام أسفل سافلين - استنقذه الله بالتوبة عليه، فأخذ في طريق الرجعى، فقطع المرحلة الأولى من مراحل نشأته، وقطع المرحلة الثانية، أيضا، ودخل المرحلة الثالثة، وفي هذه نزل منزلة أول نبوة في الأرض، وفي هذه المنزلة اعتبر خليفة، وجرى في شأنه حوار الملائكة مع ربهم، ولكنهم اقتنعوا في آخر الأمر وسجدوا له.. وقد حصلت له من هذا المقام نكسة، وجرى عليه الإقصاء، ولكن بصورة أخف من تلك التي جرى فيها إقصاؤه من عالم الملكوت إلى أسفل عالم الملك..

إن منزلة النبوة التي نزلها آدم، وهو في طريق العودة من البعد، لم تكن أول نبوة، على الإطلاق، ولكنها كانت أول نبوة ناجحة.. وآدم نفسه، على الأرض، قد كان مسبوقا بأوادم كثيرين.. فهو ليس أول آدم، على الإطلاق، ولكنه أول تجربة نجحت، من تجارب الأوادم الكثيرين.. ومعارضة الملائكة، حين قالوا: ((أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء؟)) لم تكن على غير وجه من وجوه الصحة، ولكنها كانت مبنية على تجربة محدودة مع بعض نماذج من سلالة الطين - مع بعض الأوادم- فلما أبان الله لهم كيف أن اطراد التحسين في أفراد هذه السلالة لا يقف عند حد، وأن النقص في أفرادها إنما هو مرحلي، اقتنعوا، وأذعنوا، وسجدوا.. وكان الأوادم السابقون لآدم أبي البشر الحاضرين، كلما وضعوا موضع الخلافة، فانحطوا عنها، عوقبوا بألوان الإقصاء.. وكانت ظاهرة الإقصاء المتواترة، الانقراض، مع استخلاص أفراد يكون لهم على معاصريهم ميزة، ولكنها ميزة غير كافية لإرساء التجربة المبتغاة، في الحكمة منهم.. ولنا فيما جرى لقوم نوح نموذج صريح، مع أن هؤلاء قد جاءوا في وقت متأخر كثيرا..

ثم إن صور إقصاء الخلفاء، المقصرين عن شأو الخلافة، قد لطفت، بمحض اللطف الإلهي، فلم تعد الانقراض الحسي، وإنما أصبحت في صورة ((السلب بعد العطاء))، والسقوط من مقام القرب بالمعرفة بالله، إلى مقام البعد بالجهل بالله.. ولنا في ذلك نموذج، فيما قص الله علينا، من خبر أحد العارفين، من المتأخرين، وذلك حيث يقول، تبارك من قائل: ((واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا، فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث.. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا.. فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)) هذه هي صورة الإقصاء، التي سبقت زلة آدم.. ثم إن هذه الصورة نفسها قد لطفت بمحض اللطف الإلهي، فأصبحت إبعاداً مؤقتا، تعقبه توبة، ثم مغفرة، ثم تقريب بعد إبعاد.. وهذا هو الذي جرى لآدم، فإن إقصاءه الثاني لم يكن بعيداً وإنما كان البعيد إقصاءه الأول، وفي هذا جرى العتاب: ((وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)) وهما إنما قالا ذلك بإلهام الله إياهما.. وهو تعالى لم يكن ليلهمهما الاستغفار إلا وهو يريد أن يغفر لهما.. وقد فعل.. فكانت زلة آدم هنا موجبة لبعد قريب، وقد عاد منه للقرب وكأن شيئا من البعد لم يكن.. ولنا فيما جرى لموسى، وهو ليس بعيداً عن آدم أبيه، ما يدل على سرعة الرجعى بالمغفرة، حين ييسر الله الاستغفار من الذنب: ((ودخل المدينة، على حين غفلة من أهله،ا فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته، وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته، على الذي من عدوه، فوكزه موسى، فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان، إنه عدو، مضل، مبين * قال رب، إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فغفر له، إنه هو الغفور الرحيم * قال رب، بما أنعمت علي، فلن أكون ظهيرا للمجرمين)).. ثم لم يزل عقاب المخالفين، من المصطفين، يلطف، بمحض اللطف الإلهي، حتى على عهد الحبيب الأعظم، إلى أن يقدم الله المغفرة قبل العتاب.. قال تعالى لحبيبه محمد: ((عفا الله عنك، لم أذنت لهم، حتى يتبين لك الذين صدقوا، وتعلم الكاذبين؟))..



الدين قبيل آدم

آدم صاحب أول نبوة اكتملت في الأرض، وهو أبو البشر الحاضرين، كان أول من استقام على التوحيد، في جملة أحواله، وكان دين التوحيد قد أوحي إليه من الله بواسطة جبريل.. ولم تكن تلك أول مرة يتصل فيها جبريل بالبشر ليوحي إليهم، فقد كانت له اتصالات بتجارب الأوادم الفاشلة، التي سبقت التجربة الناجحة بآدم أبي البشر الحاضرين..

إن ظهور آدم النبي.. آدم الخليفة، آدم أبي البشر الحاضرين، لم يؤرخ ظهور العقل البشري، وإنما يؤرخ مرحلة من مراحل سير العقل البشري إلى النضج.. ولقد ظهر العقل البشري قبل آدم هذا بزمن طويل.. والعقل البشري هو الروح الإلهي الذي نفخه الله في البنية البشرية، فأصبحت، بفضله، مشدودة إلى الله، بعد أن كانت، قبلا، مشدودة إلى الأرض بحكم الجبلة.. وعن نفخ الروح الإلهي في البشر قال تعالى: ((وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً، من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين))..

إن من أهم العبارات التي حوتها هاتان الآيتان الكريمتان عبارة ((فإذا سويته))، فإنها تشير إلى استعداد المكان لنفخ الروح الإلهي، فيه، وهذا الاستعداد قد استغرق زمناً هو من الطول بحيث يخطؤه التصور.. ويكفي أن نستحضر في عقولنا أن الله سبحانه وتعالى، سماه ((حيناً من الدهر)).. قال تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟)).. فإن استعداد الانسان لنفخ الروح الإلهي استغرق المرحلة الأولى، من مراحل النشأة، واستغرق المرحلة الثانية، واستغرق، من المرحلة الثالثة، طورا كبيرا.. ولم يكن نفخ الروح الإلهي في آدم الخليفة وحده، وإنما هو سار في جميع ذراري الوجود مسرى الأرواح في الأجساد، ولكنه في الانسان زاد في المقدار، وفي آدم الخليفة اطرد ازدياده أكثر من ذي قبل، حتى رفعه إلى درجة النبوة، والخلافة، وحفظه فيهما.. ونفخ هذا الروح في الانسان، قبل آدم أبي البشر، كان من قبيل إعداد المكان، في آدم، لنفخ الروح الذي به النبوة، والخلافة.. وعند نفخ الروح الإلهي في الانسان، السابق لآدم، وقع تمييزه على الحيوان، ووقع عليه بذلك تكليف العبادة، في مستوياتها البسيطة، وكانت من ثم بداية الدين.. ولم يكن لهذا الدين رسل غير بدائه العقول.. وكان وثنياً، تعددياً، ولكنه كان بداية الدين.. بداية الإسلام.. ولما جاء عهد الرسل، الذي انفرع بظهور آدم أبي البشر، لم تكن الحكمة من وراء إرسال الرسل أن يخبروا الناس بأن لهم خالقا، فإن ذلك قد سبقتهم عليه رسل العقول، وإنما كانت الحكمة من إرسالهم تعليم الناس طريقة معرفة خالقهم…

وفي مرحلة التطور العضوي الصرف أعد الله الانسان إعداداً خاصا، فهو لم يجعله قوياً، قوة جسدية، تغنيه عن الحيلة في حل المشاكل التي تعترضه، في البيئة التي أوجده فيها، ولم يجعله رخواً، خائرا، لا يقوى على النهوض في وجه التحدي المعقول، وإنما جعله وسطاً، ذا قوة لا تغني عن اصطناع الحيلة، ولا تعجز عن تنفيذ خطة الحيلة، في كثير من الأوقات.. ومن هذا الوزن الحكيم برز العقل، وأصبح الانسان يحتال بعقله، وينفذ بعضله، وقوة تركيبه البدني.. وبهذه الممارسة دخلت مرحلة التطور العضوي - العقلي في المسرح..

وخلق الله آدم على صورته، تبارك، وتعالى، وخلق الكون كله على صورة آدم.. وخلق الله آدم له، تبارك وتعالى، وخلق الكون كله لآدم، ونفخ الله روحه في آدم، ونفخ روح آدم في الكون.. وكان نفخ روح الله في آدم في قمة، ونفخه في الكون في قاعدة.. والنفخ كله مستمر، ولكنه يتصعد في طريق لولبي، يدور على نفسه دورة كاملة كلما رقى سبع درجات من درجات تصعيده، وتعلو نقطة نهاية الدورة فوق نقطة بدايتها سمتاً، به تكون قفزة في الترقي نحو الله.. ويدور هذا الطريق اللولبي حول مركز ينضم نحوه كلما صعد درجة.. فإذا ما انتهت دورة هذا النفخ في الدرجة السابعة، بدأت من جديد، واتخذت درجة النهاية هذه نقطة بداية للدورة الجديدة، وهكذا دواليك، إلى نهاية السرمد - وليس للسرمد نهاية- فيكون، بذلك، النفخ غير متناه..

وعن نفخ الروح الإلهي في البنية البشرية بهذه الأطوار السبعة يحدثنا تبارك وتعالى فيقول: ((لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله، أحسن الخالقين))..

وعن نفخ الروح، في بنية الكون، بهذه الأطوار السبعة أيضا يحدثنا، تبارك وتعالى، فيقول: ((إن ربكم الله الذي خلق السموات، والأرض، في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار، يطلبه حثيثا، والشمس، والقمر، والنجوم، مسخرات بأمره، ألا له الخلق، والأمر، تبارك الله، رب العالمين)).

وهو عندما قال: ((ثم استوى على العرش)) إنما ذكر الطور السابع من أطوار النفخ..

السلالة ما استل من الشئ، وهو ما استخرج برفق، وفي أناة، وهو الخلاصة.. وهي أيضا تعني النسل، وتعني الولد.. تقول: هو سلالة طيبة، أو تقول: هو من سلالة طيبة.. ولقد استغرق استلال هذه السلالة من الطين زمنا سحيقا، كما أسلفنا إلى ذلك الإشارة..

وبعد إتمام استلال هذه السلالة، واستعداد المحل لنفخ الروح الإلهي - وذلك بظهور الحيوانات العليا- ظهر، بفضل الله، الانسان. واستمر تناسله، وزيادته، من يومئذ، بالتقاء ذكره بأنثاه، وأصبحت ((النطفة الأمشاج)) هنا، تعني ماء الرجل المخلوط، في الرحم، ببويضة المرأة.. فذلك قوله ((ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)).. وقوله ((ثم أنشأناه خلقا آخر))، بعد أن ذكر أطوار التكوين المختلفة في الرحم، يعني ظهور النشأة السوية التي يختلف فيها الانسان عن الحيوان، ظاهران وباطناً.. وظهور هذه النشأة إنما يكون بقفزة تمثل حصيلة التنقل في المراقين التي استجمعت في الأطوار الستة السابقة، كما سلفت إلى ذلك الإشارة.. وفي جميع هذه الأطوار، النفخ الإلهي مستمر، لا يتوقف، ولن يتوقف، يد الدهر..

وعن نفخ الروح في بنية الكون في الأيام السبعة، تحدثنا التوراة أيضا فتقول: ((فأكملت السموات والأرض وكل جندها. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه.. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً)) ووصف الله هنا بالحاجة للراحة، بعد العمل، ضرب من تصوره على صورتنا.. وتلك مرحلة ضرورية، من مراحل تطور معرف الانسان بالله، وهي مرحلة تعتبر كاملة إذا ما قورنت بالمراحل التي سبقتها، وإنما يظهر نقصها عند مقارنتها بالصور اللاحقة، من صور المعرفة بالله، وذلك حين تقدم الفكر البشري، وارتقى..

وفي هذا الباب يجيء تعبير القرآن، في الرد على تعبير التوراة، فيقول جل من قائل: ((ولقد خلقنا السموات والأرض، وما بينهما، في ستة أيام، وما مسنا من لغوب)) وهذا بالطبع تصور بالله أليق، وأدخل في المعرفة، من تعبير التوراة.. ومع ذلك فإن عبارة التوراة: ((فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل)) ليست عبثا.. وهي قد جاءت في مقابلة ((ثم استوى على العرش)) من عبارة القرآن.. وفي مقابلة ((ثم أنشأناه خلقا آخر)) من عبارة القرآن أيضا.. وكل هذه العبارات، على تفاوت، تشير إلى تتويج الخليقة، بعد الطور السادس، بظهور الخليفة - الانسان الكامل- وبظهور الانسان الكامل تنتهي المعاناة، وينتهي الشقاء، وتتم الطمأنينة بالقرب وبالسلام..

وليست أيام الله كأيامنا، وإنما هي أطوار تجلياته، وظهوره لخلقه، بخلقه.. أعني ظهور أمره ( والأمر باطن)، في خلقه ( والخلق ظاهر)، لخلقه، وهم أصحاب العقول - البشر- وهو، تبارك وتعالى، يعني هذا حين قال، من الآية السابقة،: ((ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار، يطلبه حثيثا، والشمس، والقمر، والنجوم، مسخرات بأمره، ألا له الخلق، والأمر، تبارك الله، رب العالمين)).. فالعرش يعني المخلوقات، بما فيها الأرواح المشرقة، اللطيفة، وهو عالم الخلق، وقد عبر عنه بالليل والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم.. وأشار بالليل والنهار إلى الأرض، ( كما أشار بهما إلى الحركة، وإلى الزمن)، لأنهما من أوضاعها من الشمس.. وعبارة ((ثم استوى على العرش)) تشير إلى استيلاء القهر الإرادي على نواصي المخلوقات.. وقد أبان ذلك بقوله ((مسخرات بأمره)) وذلك عالم الأمر.. والأمر مستول على الخلق.. ولله، تبارك وتعالى، الخلق والأمر..

وهذا الاستيلاء هو نفخ الروح الإلهي في الكون، وقد وقع على سبع درجات، عبر عنها بسبعة أيام..

ثم إن الله، تبارك وتعالى، سخر الكون لنفخ الروح الإلهي في الانسان، وذلك بإغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم، من طرف، وبين الأحياء والعناصر الأخرى، من طرف آخر.. فقال ((إن من أزواجكم، وأولادكم، عدوا لكم، فاحذروهم)).. وقال ((إن الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا)) وكذلك خلق الانسان وسط العداوات.. لقد ((خلقنا الانسان في كبد)) ثم كان عليه أن يسعى للمصالحة، والمسالمة، والمحبة.. من أجل حياته.

ولما كان الانسان الأول قد وجد نفسه، في البيئة الطبيعية التي خلقه الله فيها، محاطا بالعداوات من جميع أقطاره، ولما كان الله قد سواه وسطا، فلا هو بالقوي، الذي يستغني بقوة عضلاته عن استعمال حيلته، في حل مشاكله، ولا هو بالضعيف، الرخو، الخائر، الذي لا ينهض لأي مستوى، من مستويات تحدي الأعداء فإنه قد سار في طريق ((الفكر والعمل))، من أجل الاحتفاظ بحياته وقد هداه الله بعقله، وقلبه، إلى تقسيم القوى التي تحيط به، إلى: أصدقاء، وإلى أعداء.. ثم قسم الأعداء إلى أعداء يطيقهم، وتنالهم قدرته.. وإلى أعداء يفوقون طوقه، ويعجزون قدرته.. وكذلك قسم الأصدقاء إلى: أصدقاء يبادلهم وداً، بود، وخدمة، بخدمة، وإلى أصدقاء يغمرونه بألطاف النعم، ويغدقون عليه أصناف البر، وهو عاجز عن مكافأتهم على صنيعهم هذا به، لأنهم أقوياء، وهو ضعيف، ولأنهم أغنياء، وهو فقير، وقد زادت قوتهم، واستغناؤهم، عن حدود تصوره، فلزم العجز، واستشعر الشكر.. ولقد هدته هذه النظرة طريقه في الحياة: فأما الأعداء الذين يطيقهم، وتنالهم قدرته، مثل الحيوان المفترس، والإنسان العدو، فقد عمد في أمرهم، إلى المنازلة، والمصاولة، والمراوغة، فاتخذ، من أجل ذلك، الآلة، يمد بها قوته، ويعوض بها عن الأنياب، والمخالب، التي لم تعد من طبيعة تكوينه، كما لجأ إلى الحيلة، فاتخذ المساكن فوق الأشجار، وفي الكهوف، وعلى قنن الجبال.. ومن محاولاته في هذا الاتجاه نشأ العلم التجريبي الذي وصل، في القرن العشرين، إلى فلق الذرة..

وأما الأصدقاء الذين استطاع أن يبادلهم نفعاً، بنفع، ومعاملة، بمعاملة، فقد هدته صداقتهم إلى العيش معهم في جماعات أكبر من تلك التي يعيش فيها الحيوان، مما ساق إلى التفكير في رعاية مصالح الآخرين.. وبدأ، بهذا الاتجاه، نظام المجتمع، وتأدى ذلك إلى نشأة العرف، والعادة، والتقليد، التي هي مقدمات القوانين والتشاريع..

وأما الأصدقاء الكبار، والأعداء الكبار، فقد هدته حيلته إلى التزلف إليهم، بتقريب القرابين، وبإظهار الخضوع، وبالتمليق.. فأما الأصدقاء فبدافع من الرجاء، وأما الأعداء فبدافع من الخوف.. وبدأت، من يومئذ، مراسيم العبادة.. ونشأ، من يومئذ، الدين..

لعمري!! ليس الأمر بهذا اليسر.. ولكن هذه مجرد العبارة، وهي عبارة قد اضطررنا إلى الإيجاز فيها، أشد الإيجاز.. وهي، من أجل ذلك، ولغير ذلك أيضا، عبارة جانبية، ومعممة، ومخلة بالصورة.. وعذرنا أنا لا نملك في المقام الحاضر خيراً منها..
أرجو المعذرة لهذا الإقتباس الطويل ... ولكنه كان ضروريا حتى تضح الفكرة كاملة فلا يستشكل الأمر على أحد ..
وانا بعد هذا - وقبله - لا أدعي أن رأيي هذا هو نهاية الكون.. بل هو مجرد رأي ... قد يكون صائبا ... وقد يكون خائبا..
والله من وراء القصد
لك محبتي وشكري

حلم العالم ناس تتسالم
والبني آدم صافي النية
(حُمِّيد- شاعر سوداني)
 
 
Page generated in 0.12514 seconds with 10 queries