4- هل نؤيد حزب الله ؟.
هذا السؤال لم يكن ليطرح لولا التباين بين السنة والشيعة في: المعتقد، والتاريخ، والمصالح.
والقسمة المتوقعة والواقعة هنا هي: التأييد، وعدم التأييد.
- فالقول بالتأييد يرتكز على مبررات:
o الأول: أنها أرض إسلامية اعتدي عليها. والدفاع عن الأرض واجب.
o الثاني: أنهم مسلمون؛ فهم يشهدون الشهادتين، وأهل قبلة. والمسلم له النصرة.
o الثالث: أنهم ظلموا بالعدوان الإسرائيلي. والسعي في إزالة الظلم واجب.
o الرابع: أنهم يقاتلون أكبر أعداء الإسلام والمسلمين. والتنكيل بالعدو مطلب.
o الخامس: إفشال المخطط الصهيوني بإيقاع حروب بين أبناء المنطقة، بقصد الهيمنة.
- والقول بعدم التأييد يرتكز كذلك على مبررات:
o الأول: التباين العقدي.
o الثاني: صون دماء أهل السنة وأموالهم من عدوان الشيعة، إذا ما قدروا عليهم.
o الثالث: إفشال المخطط الفارسي الصفوي للهيمنة على المنطقة.
وقبل الخوض في دراسة هذه المبررات واختبار ثبوتها من عدمه، من المطلوب تحديد مفهوم التأييد.
التأييد هو الدعم والمساندة، فالمعاني المحتملة للتأييد يمكن تقسيمها حسب ما يلي:
- أولا: التأييد الدفاعي. وذلك برفض العدوان، والسعي في إيقافه، وغوث المنكوبين.
- ثانيا: التأييد الصامت. وذلك بالسكوت عن المخالفات العقدية، والتجاوزات العملية.
- ثالثا: التأييد المثالي. وذلك بتمني انتصارهم، والدعاء لهم، ومدهم بالمال، والقتال معهم.
وبالنظر إلى هذه المعاني، فلو أخذنا مبررات المؤيدين، فإنها بمجردها، مسوغة، لا بل موجبة؛ فلا يطلب للتأييد أكثر من كون المؤَيد:
- مسلما، مظلوما، يقاتل عدوا للإسلام والمسلمين ينكل به، ويشفي صدور المجروحين.
- والأرض المعتدى عليها إسلامية خالصة.
- والمقصود إفشال خطط الصهيونية للهيمنة الكاملة على المنطقة.
وكل هذه المبررات موجودة في حرب حزب الله لليهود. فإذا حكمنا بالنظر إلى هذه المبررات مجردة، فالتأييد واجب.
ولو أخذنا مبررات المعارضين، فإنها أيضا بمجردها صحيحة، مسوغة، لا بل موجبة لعدم التأييد، فأي فائدة من تأييد يفضي إلى: التلبيس على الحق، وتشيع السنة، وتسلط الشيعة الفرس.
فأولها التباين العقدي، وهو ثابت كما تقدم بيانه، ومن قال غير هذا، فيحتاج أن يدرس كتب الشيعة والسنة عبر القرون، ومواقف بعضهم من بعض، ولوضوح التباين، فلا نحتاج أن نشغل أنفسنا بالرد على المنكرين؛ إذ إنكارهم الواضحات أمر معيب !!.
فالتباين العقدي مع التأييد يفضي إلى: التعمية عن الحق، وتشيع السنة؛ إذ التأييد والحالة هذه، قد يفهمه كثير من الناس على: أنه تصويب وشهادة بحسن المعتقدات. وربما جرهم ذلك إلى التشيع، خصوصا مع حالة الإعجاب ببطولات الحزب في قتاله اليهود.
وهذا منزع صحيح لعدم التأييد؛ إذ يجب بيان الحق، وصون السنة من التشيع.
وثانيا: عدوان الشيعة على السنة، كلما تمكنوا:
- كما يحصل في العراق، وهو معروف.
- وحصل في لبنان، لما حاصرت حركة أمل الشيعية، فقتلت آلاف الفلسطينيين في المخيمات.
- وكذلك اضطهاد السنة في إيران.
ويلحق بهذا المبرر مبرر آخر هو: المخطط الفارسي للهيمنة على المنطقة.
ففي مثل هذا الحال، المنطق والعقل يقول: ليس من الحكمة تأييد من إذا قدر عليك، لم يرع فيك حرمة نفس، ولا مال، ولا دين، ولا أرض، كما حصل للسنة بعد الثورة الإيرانية.
فمن المهم إفشال هذه الخطط للتسلط الفارسي، صونا للسنة في نفوسهم، وأموالهم، وديارهم.
وهذا أيضا منزع صحيح لرفض التأييد؛ لأنه من الإعانة على النفس، وذلك لا يجوز.
* * *
وهكذا هي المبررات صحيحة في نفسها. فإذا تقابلت تعارضت، فكيف العمل حينئذ ؟.
لا تحسم القضية إلا بالمقابلة، ثم الموازنة، ثم الترجيح. فإما أن يظهر قول على الآخر، فيكون هو الصواب، أو يتساويا، فحينئذ فالمسألة محل النظر والاجتهاد، لا يلام من نظر فاجتهد، فاختار أحدهما. فهذا حكم الترجيح؛ إذ الترجيح يكون بين الأقوال المتقاربة.
والسؤال المهم هنا؛ لمعرفة الراجح من القولين، هو: هل الأحوال المرتبطة بهذه الحادثة بعينها، تحقق مبررات المؤيدين أم المعارضين ؟.
- هل تأييد حزب الله يتسبب في: التلبيس على الحق، وتشيع السنة، وتسلط الفرس ؟.
- أم عدم التأييد هو المتسبب في: احتراب داخلي، يساعد على المخطط الصهيوني في المنطقة ؟.
للوقوف على الجواب، نرجع إلى مفهوم التأييد، ونستعرض أنواعه، ونسلط عليها أدوات الفحص والدراسة، لنرى ماذا يمكن أن تحقق من المصالح، وما يمكن أن تجلب من المفاسد ؟.
النوع الأول: التأييد الدفاعي.
أي الدفاع عن الضعفاء. فالتأييد بهذا المعنى هل سيفضي إلى شيء من المفاسد التي حذر منها المعارضون ؟.
هذا النوع يتضمن: رفض العدوان، والسعي في إيقافه، وغوث المنكوبين. وهذه أمور لا يختلف أحد على أنها حق لكل إنسان، مظلوم، حتى لو لم يكن مسلما. والظالم نفسه إذا عاد مظلوما فله النصرة، ولا يكون ظلمه مانعا، لقوله تعالى:
{ولا يجرمنكم شنئآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله..}.
فتأييدهم بهذا المعنى هو المصلحة لا ريب، وهو الدعوة، والحكمة، والموعظة الحسنة. فنخرجها إذن من دائرة الخلاف، ونضعها في دائرة الاتفاق، ولننتقل إلى النوع الثاني.
النوع الثاني: التأييد الصامت.
وهو بمعنى السكوت عن معتقداتهم، وعن فعالهم بالسنة، والسكوت على قسمين: دائم، ومؤقت.
فأما السكوت الدائم، فهو تضليل عن الحق؛ فمتى يبين الحق مع سكوت دائم؟.
وقد أخذ الله العهد والميثاق على أهل العلم: أن يبينوا الحق للناس، وإلا عذبهم، فقال تعالى:
- {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم..}.
فهذا خلصنا منه، وهو منزع صحيح لرفض التأييد؛ إذ كان مداره عليه. فما القول في القسم الثاني؟.
القسم الثاني: السكوت المؤقت. وهو لمراعاة المصلحة، إن ترجحت بالسكوت.
ولا نظن في أحد من أهل العلم والفقه والرأي إلا موافقته على: أن السكوت المؤقت يحتاج إليه في بعض الأحيان، حتى مع الكفار. والنصوص في هذا المعنى كثيرة لا تخفى، قال تعالى:
- {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}.
- {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
وفي ضوء ثبوت شرعية السكوت المؤقت عن بيان الحق، من حيث الأصل: فمن الجائز السكوت المؤقت عن أخطاء الشيعة، وأفعالهم، إذا ترتب عليه مصلحة تعود على المسلمين (= منع الاقتتال بينهم. كف العدوان. النيل من العدو اليهودي، تحرير الأرض الإسلامية، إفشال المخطط الصهيوني). أما إن ترتب عليه ضرر (= تضيع الحق، تشيع السنة، تسلط الفرس الشيعة) فقد يقال: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وحينئذ نرجع إلى تعارض الأدلة وتقابلها، لكن والحالة هذه:
هل يمكن أن يترتب ضرر على السكوت المؤقت ؟.
هذا سكوت غير مطلق، ولا دائم، فما يخشى من التعمية عن الحق منفي؛ إذ النقد لمعتقدات وأعمال الشيعة قائم قبل وبعد الحدث، وحتى في الأثناء، لمن ابتغى البحث في المظان من المؤلفات في الفرق والعقيدة. وبهذا يضمن بيان الحق، وصيانة السنة. مع التنبيه حين التأييد:
إلى أنه بالإجمال ثمة خلاف جذري عقدي بين الفريقين، ليس الوقت ملائم لتفصيله؛ إذ هناك ما هو أهم، وهو: كف العدوان، وإحباط مخطط تفتيت المنطقة.
وهكذا تصبح المسألة من هذا الوجه محل النظر والاجتهاد، بحسب ما يتأتى من مصلحة.
فالتأييد بهذا المعنى فيه مصلحة، وهو الأقرب، ومفسدته بعيدة نوعا ما، فلنخرج هذا النوع أيضا من دائرة الخلاف، إلى دائرة الاتفاق، ولننتقل إلى النوع الثالث.
ازعمت انـك صايــــــر لصــــــدوده هـيهات صـبر العاشقين قليـل
ما للمحب على الصدود جـــــــلادة ما للمشوق إلى العزاء سبيل
فدع التعزز إن عزمت على الهوى إن العـــزيز إذا أحـــب ذليــــل
|