وإذ قد فرغنا من ذكر ما احتجنا إلى ذكره، فإنا نقول إن سطح كرة الأثير الذي يلي فلك القمر مشتركٌ غير متداخل الأجزاء، وكذلك سطوح أُكر الأفلاك الكواكب كلّها. وقد ظن كثير من الطبيعين أن بين كرة الزمهرير والأثير سطحٌ متداخل غير مشترك، وليس الأمر كما ظنوا، بل هوكما بيّن بعد. فأما بين سطح كرة النسيم وبين كرة الزمهرير فتبيّن أنه غير مشترك بل متداخل كسطح النار والهواء والأرض. وأما سطح كرة النسيم مما يلي الأرض فتبيّن أنه متداخل الأجزاء أيضاً إلى عنق الأرض، بحسب تخلخل الأجزاء الأرضية إلى نهايةٍ ما، ثم يقف ولا يدخل إلى أكثر من ذلك. ومن الدليل على ذلك ما يعرِض لحافري المعادن إلى أسفل حتى إنهم ربما يحتاجون لترويح النسيم هناك بالمنافخ والأنابيب، ليستنشقوا النسيم وتُضيء سُرُجُهم هناك. فمتى انقطع النسيم لعارضٍ طفئت سرجهم واختنق من كان في المعادن فمات. ولا يمكن أن يكون في المواضع التي لا يخترقها النسيم حيواناتٌ كما بيّنا في رسالة الحيوان.
واعلم يا أخي أن الهواء بحرٌ واقف، لطيف الأجزاء، خفيف الحركة، سريع السيلان، سهل القبول للتغيرات والحوادث. وقد بيّنا في رسالة الحاسّ والمحسوس كيفية قبوله للنور والظلمة والأصوات والروائح، وكيفية قبوله البرد والحرّ في رسالة الكون والفساد. ونريد أن نصف في هذا الفصل كيفية حدوث الرياح، وكمية أنواعها وجهاتها، واختلاف تصاريفها، وما العلّة المُحرِّكة لها في وقتٍ دون وقتٍ، وفي بلدٍ دون بلد، ونبيّن أيضاً كيفية سياقة الغيوم من البحار إلى البراري والقفار ورؤوس الجبال، وكيف تهزّ السحاب حتى يهطل القطر. ولكن نحتاج قبل ذلك أن نذكر حالات القمر ومنازله واتصالاته بالكواكب التي هي الموجبة لإثارة البُخارات والدُّخانات والتسخين الموجبة لكون الرياح فنقول: إن للقمر ثمانيةً وعشرين منزلاً، كما ذكر الله تعالى: "والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعُرجون القديم".
واعلم يا أخي أن لهذه المنازل خواصّ يظهر تأثيرها في هذه الأركان الأربعة، وفي المكنونات منها عند نزوله يوماً بيومٍ وليلةً بليلةٍ. وللشمس والكواكب أيضاً اتصالاتٌ بالكواكب بعضها ببعضٍ يقوى فعلُها، وتأثيرها فيها يطول شرحه، وهي مذكورةٌ في كتب النجوم. ولكن نذكر منها ما لا بدّ من ذكره في هذا الفصل، وذلك أن من تلك المنازل ما يقوى أفعاله في إثارة البخار من البحار والبطائح والآجام، ومنها ما يقوى أفعاله في إثارة الدخانات من وجه الأرض والبراري، ومنها ما يقوى فعله في تبريد الهواء وزيادة الماء، ومنها ما يقوى فعله في إسخان الهواء ونقصان المياه، وخاصة إذا اتفق نزول القمر بمنزلٍ واتصاله بكوكبٍ مشاكلٍ فعله لخاصيّة المنزل.
واعلم أن الريح ليست شيئاً سوى تموّج الهواء بحركته إلى الجهات الس، كما أن أمواج البحر ليست شيئاً سوى حركة الماء وتدافع أجزائه إلى الجهات الأربع. وذلك أن الماء والهواء بحران واقفان، غير أن أجزاء الماء غليظة ثقيلة الحركة، وأجزاء الهواء لطيفةٌ خفيفة الحركة.
واعلم يا أخي أن أحد أسباب حركة الهواء هوأن صعود البخار، من البحار والبراري والقفار، أثار من البحار بخاراً رطباً، ومن البراري والقفار دخاناً يابساً، أصعدتها بحرارتها في الهواء، فيدفع الهواء بعضه بعضاً إلى الحهات، فيتسع المكان للبخارين الصاعدين، فإن كان الدخان اليابس أكثر، كانت منه الرياح، لأن تلك الأجزاء، إذا صعدت إلى أعلى كرة النسيم وبردت ومنعها برد الزمهرير عن الصعود إلى فوق، عطفت عند راجعةً إلى أسفل، ودافعت الهواء إلى الجهات الأربع، فكانت منها الرياح المختلفة.
واعلم أن الرياح كثيرة التصاريف في الجهات الست، ولكنّ جملتها أربعة عشر نوعاً، منها عند جموع الناس أربعٌ، وهي الصَّبا والدَّبور والجنوب والشمال. وذلك أن الهواء إذا تموّج من المشرق إلى المغرب، يسمّى ذلك التموج ريح الصّبا. وإذا تموج من الجنوب إلى الشمال يسمى التيمُّن. وإذا تموج من المغرب إلى المشرق يسمى دبوراً، وإذا تموج من الشمال إلى الجنوب يسمى الجِرْبِيَاءَ. فأما ما كان تدافعه إلى ما بين هذه الجهات فيسمى النَّكبْاء وهذه ثمانية أنواع.
وأما التي تهبّ من أسفل إلى فوق، فمنها تكون الزوابع، وهما ريحان تلتقيان وتصعدان، كما يلتقي الماء في الكرَّادات وعند نزوله في البَلاليع والثُّقب.
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
|